anc-tunisie-terrorisme-loi

بقلم غسّان بن خليفة،

أحالت حكومة الحبيب الصيد يوم 26 مارس المنقضي نسخة جديدة من القانون الأساسي المتعلّق بمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال. وكان هذا القانون قد أثار جدلاً إعلاميًا واسعا إبّان نقاش نسخته الأولى بالمجلس التأسيسي في جانفي 2014. إذ استعمله جزء من المعارضة – حزب نداء تونس تحديدًا – كإحدى وسائل هجومه على حكومة الترويكا السابقة واتّهامها بالتقاعس عن التصدّي للارهاب. كذلك وصل الأمر ببعض النقابات الأمنية المطالبة برفض المشروع في صيغته الأولى والمطالبة بالابقاء على قانون 2003 السيّء الصيت.

هذه محاولة لرصد ما الذي تغيّر بين نسختيْ مشروع القانون، ولأهمّ النقاط التي أثارت انتقاد أو استحسان المنظّمات الحقوقيّة المهتمّة بالموضوع.

ما تغيّر في النسخة الجديدة للمشروع

مقارنةً بالنسخة السابقة لمشروع القانون، يُلاحظ في الفصل 3 الخاصّ بتعريف جملة من المصطلحات القانونيّة، أنّه تمّ التخلّي عن وصف “ارهابي” في تعريف لفظ “تنظيم”. كذلك تمّت اضافة تعريف لمصطلح” الإقليم الوطني”.

● في الفصل 5: جريمة التحريض على الإرهاب: تمّ حذف شرط علانيّة التحريض، التي كان منصوصًا عليها بالمشروع الأوّل.

● في الفصل 7: تمّ تعديل هذا الفصل بغرض مزيد تفصيل أوجه تورّط الذات المعنويّة (شركة أو جمعيّة أو ما شابه) في الجريمة الإرهابية أو في دعم مرتكبيها. كما تمّ تحديد حجم العقوبة الماليّة المُستوجبة في حال ثبوت الاتّهام.

● في الفصل 8: المتعلّق بإمكانية المراقبة الإدارية لمن يُبلّغ عن التخطيط لعمل لإرهابي، تمّ تحديد فترة المراقبة بأن “لا تقلّ عن عامين”، إضافة للتوضيح التالي: “إلاّ إذا قضت المحكمة بالحطّ من العقوبة دون أدناها القانوني”.

● في الفصل 13: توضيح النقطة الأولى، “إلحاق أضرار بدنيّة جسيمة” بالأشخاص، بالإحالة على مضمون الفصلين 218 و319 من المجلّة الجزائيّة، بالنقطة الثانية. ثمّ إضافة نقطة ثالثة، شملت “إحداث جرح أو ضرب ولم تكن مقرّرة بالصورة الثانية”. هنا يمكن التساؤل عن جدوى التفصيل والتقسيم الى نقطتين بما أنّ النقطة الثالثة أوسع، والصيغة الأولى للقانون كانت تعبّر عن نفس المعنى.

● في الفصل 14: فيما يخصّ الجرائم الإرهابية المرتبطة بالطائرات والمطارات، تمّ الابقاء على الحدّ الأقصى للعقوبة ( 20 سنة سجن و100 ألف دينار) وحذف الحدّ الأدنى (10 سنوات سجن و50 ألف دينار). كما تمّ تقسيم الأضرار البدنية الجسيمة، كما في فصول أخرى، إلى تلك المنصوص عليها بالفصلين 218 و319 من المجلّة الجزائيّة، وأخرى غير منصوص عليها، وتستوجب الأخيرة عقوبة أشدّ (السجن بقيّة العمر وخطيّة بـ 150 ألف دينار). كذلك، في حالة تسبّب هذه الجرائم في مقتل أشخاص، تمّ استبدال عقوبة السجن لبقيّة العمر بالاعدام.

وتنطبق نفس الملاحظة أعلاه على الفصول التالية:

● فصل 15 (نقل على متن طائرة مدنيّة، مواد متفجّرة أو مشّعة، أو سلاح نووي، كيمياوي، أو بيولوجي)؛ فصل 16 (استعمال مواد متفجّرة أو مشّعة، أو سلاح نووي، كيمياوي، أو بيولوجي)؛ فصل 17 (ارتكاب جرائم داخل المطارات المدنيّة)؛ الفصلين 18 و19 (الجرائم المرتكبة على متن السفن المدنيّة)؛ فصل 20 (إذاعة خبر زائف يعرّض سلامة السفن والطائرات الى الخطر)؛ الفصول 25، 26 و27 المتعلّقة باختطاف الأشخاص من ذوي الحماية الدوليّة.

● تمّت إضافة فصل خاصّ بالجرائم الجنسيّة المُرتكبة في سياق الجريمة الإرهابية (هو الفصل 28)، لم يكن موجودًا بالنسخة الأولى. وينصّ هذا الفصل على عقوبة الإعدام في حالتين: الاعتداء بالفاحشة الذي قد يؤدّي إلى موت الضحّية من الجنسين، و”مواقعة أنثى دون رضاها”.

المسائل المثيرة للجدل

أثارت بعض الفصول جدلاً وانتقادات عدد من المنظّمات الحقوقيّة مثل الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان و”هيومان رايتس واتش”.

عقوبة الإعدام:

من أهمّ المسائل محلّ الانتقاد كانت التنصيص على عقوبة الإعدام في الكثير من الفصول، بينما وردت في موقع واحد بالمشروع الأوّل (بالفصل 13) كعقاب للجرائم الارهابيّة التي تتسبّب في مقتل أشخاص. إذ تمّ استبدال عقوبة السجن بقيّة العمر في المشروع الأوّل بالإعدام في كلّ الفصول التي تضمّنت ذلك. ويبدو أنّ الأمر يندرج في سياق إبداء أقصى درجات القسوة من الحكومة الجديدة تجاه الأعمال الإرهابية.

واعتبرت الفيدرالية الدوليّة لحقوق الانسان في بيان لها مشروع القانون مثيرًا “للانشغال الشديد بسبب ما نصّ عليه من تدابير سالبة للحرّية، وكذلك لإدراجه عقوبة الإعدام ضمن العقوبات المطبّقة على مرتكبي الأفعال الارهابيّة”. وكذلك عبّر الائتلاف التونسي لالغاء عقوبة الإعدام (الذي يضمّ 15 جمعيّة من أبرزها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان) عن انتقاده للعودة إلى عقوبة الإعدام التي رأى فيها، منسّقه الحبيب مرسيط، في تصريح صحفي سابق أنّها “تنقص من هيبة الدولة وتغذّي عقلية الانتقام والقصاص”. كما عبّر عن عزم الائتلاف مزيد التشاور مع نوّاب البرلمان بهدف إقناعهم بضرورة الرجوع عن الأمر.

وجدير بالذكر أنّ عقوبة الإعدام لم ترد قطُّ في قانون مكافحة الارهاب لسنة 2003، الذي سنّه نظام بن علي والذي عُرف بكثرة خروقاته لمبادئ حقوق الانسان.

الإشادة بالجريمة الارهابيّة:

ورد بالفصل 30 (بالمشروع الجديد)، الذي يعتبر مرتكبًا لجريمة إرهابيّة، “كل من يتعمد علنًا وبصفة صريحة، الاشادة او التمجيد بأي وسيلة كانت، بجريمة إرهابية أو بمرتكبها أو بتنظيم أو وفاق له علاقة بجرائم إرهابية أو بأعضائه أو بنشاطه”. وقد انتقدت منظّمة هيومان رايتس واتش في تقريرها الأخير، الصادر يوم 08 أفريل الجاري، الصياغة الفضفاضة للفصل ولتعريف جريمة الإشادة. إذ عبّرت عن خشيتها أن يُستخدم هذا الفصل للحدّ من حرّية التعبير: “وعلى سبيل المثال، قد يواجه الشخص عقوبة السجن إذا استخدم كلمة أو رمزًا يُفهم على أنه مساند للإرهاب، بغض النظر عن احتمالات تسببه الفعلي في ارتكاب أعمال إرهابية ملموسة.”

وفي سياق متّصل، تطرّق الفصل 5 إلى جريمة التحريض على الإرهاب. إذ نصّ على أنّه “يُعدُّ مرتكبا للجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون ويعاقب بنصف العقوبات المقررة لها كل من يحرّض، بأيّ وسيلة كانت، على ارتكابها عندما يولّد هذا الفعل، بحكم طبيعته أو في سياقه، خطرًا باحتمال ارتكابها”. تبدو صياغة هذا الفصل غامضة بعض الشيء. إذ تثير التساؤل عن كيفيّة تحديد وجود خطر باحتمال ارتكاب الجريمة نتيجة لعمليّة التحريض والجهة التي يخوّل لها القيام بذلك؟ لكن هذا لم يمنع تقرير هيومان رايتش من اعتبار الفصل “متماشيًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لأنّه يربط تجريم التعبير بوجود تهديد حقيقي بارتكاب عمل ارهابيّ”.

خطر الخلط بين الحراك الاجتماعي والارهاب:

كذلك، انتقد مسعود الرمضاني، نائب رئيس الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الانسان، في تصريح لـ”نواة” الغموض الذي يكتنف تعريف الجريمة الارهابيّة، ورأى أنّ هناك تداخلاً بينها وبين ما يكمن اعتباره جرائم جزائيّة. وقدّم الرمضاني الفصل 13 كمثال بارز على ذلك، إذ ينصّص الفصل المذكور على اعتبار بعض الأفعال، التي قد تقع في سياق احتجاجات اجتماعيّة أو سياسيّة، جرائم ارهابيّة. ومن ذلك: “الإضرار بالممتلكات العامّة أو الخاصّة أو بالموارد الحيويّة أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية”. وهو نفس ما عبّرت عنه منظّمة هيومان رايتس واتش في تقريرها الأخير، إذ خشَت أن” يُستخدم التعريف الفضفاض للأعمال الإرهابية الواردة في مشروع القانون لتجريم أعمال المعارضة التي قد تتسبّب في تعطيل النقل العمومي والمرافق العامة، وهو ما يحدث أثناء الاحتجاجات”.

تمديد فترة الايقاف على ذمّة التحقيق:

ورد بالفصل 38 من النسخة الجديدة للقانون أنّه يمكن لمأموري الضابطة العدليّة الاحتفاظ بالمشتبه بهم لمدّة لا تتجاوز الخمسة أيّام، مع إعلام وكيل الجمهوريّة بالأمر. ويخوّل الفصل 41، لوكيل الجمهوريّة تمديد أجل الاحتفاظ لمرّتين، بنفس المدّة، على أن يبرّر ذلك بـ”قرار معلّل يتضمّن الأسانيد الواقعيّة والقانونيّة “.

وانتقدت منظّمة هيومان رايتش في تقريرها الأخير هذه المسألة، إذ ذكّرت أنّ الشرطة لا تلتزم “خلال تلك المدة بعرض المشتبه به على قاض أو السماح له بالتواصل مع محام أو أحد أقاربه”. وأنّ من شأن ذلك ” أن يعرّض المشتبه به لخطر التعذيب أو إساءة المعاملة.”

الشهود محجوبو الهويّة:

من المسائل التي أثارت مخاوف في مشروع القانون، بنسختيه القديمة والجديدة (بالفصلين 68 و70)، إمكانية اعتماد الاتّهام على شهود تُحجب هويّتهم عن المُتّهمين وعن الدفاع. إذ اعتبرت منظمة هيومان رايتس واتش أنّ ذلك “من شأنه تهديد حق المتهم في إعداد دفاع جيّد، ويحرمه من إمكانية الطعن في الشهود المستخدمين ضدّه”. وقالت آمنة الڨلالي، في تصريح خاصّ لـ نواة أنّ منظّمتها تتفهّم ضرورة حماية الشهود، في حال ثبوت وجود خطر جدّي يهدّد سلامتهم الجسديّة، إلاّ أنّها تطالب بأن لا تُعتمد هذه الشهادات كدليل الإدانة الوحيد ضدّ المُتهّم. وهو ما ذهبت اليه كذلك هيئات قضائيّة وقانونيّة دوليّة مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان.

احتمال توظيف التنصّت:

وتُعتبر هذه النقطة، التي تندرج تحت عنوان ” في طرق التحرّي الخاصّة” من أبرز المسائل التي يثيرها منتقدو مشروع القانون في نسختيه. إذ يسمح الفصل 52 “في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث” بإمكانية” اللجوء إلى اعتراض اتصالات ذوي الشبهة بمقتضى قرار كتابي مُعلّل من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق”. وترى منظمة هيومان رايتس واتش أنّ مشروع القانون لا يحدّد الظروف التي يُسمح فيها بالمراقبة، باكتفائه بالعبارة الفضفاضة “في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث”. وهو ما يعدّ “انزياحًا عن شرط السماح بالتدخل في الخصوصية فقط في ظروف استثنائية، وفي الحالات التي توجد فيها شُبهة ذات مصداقية بإمكانية وقوع هجمات إرهابية”. كذلك انتقدت المنظّمة كون مشروع القانون يمنح للنيابة العمومية وقاضي التحقيق ولاية الإشراف على التنصّت، والمراقبة، وغيرها من تقنيات التحري. إذ ذكّرت أنّه “عملا بالقانون التونسي، تخضع النيابة العمومية لإشراف السلطة التنفيذية”.

ومن جهته عبّر مسعود الرمضاني، نائب رئيس رابطة حقوق الانسان، عن تخوّفه من أن يتمّ استعمال هذا النوع من التقنيات في إطار الصراع على السلطة وبهدف تصفية حسابات سياسيّة أو شخصيّة.

نقاط ايجابيّة

لم تغفل المنظمات الحقوقية المنتقدة للمشروع عن الإشادة ببعض النقاط الايجابيّة، مقارنة بقانون 2003. إذ ذكرت هيومان رايتش واتش في تقريرها الأخير أهمّية التنصيص، بالفصل 62، على تكفّل اللجنة التونسية لمكافحة الارهاب، “التي سيترأسها قاضِ”، بجبر الضرر لضحايا الإرهاب، وبالتنسيق مع بقيّة المصالح المختصّة لتوفير الرعاية الطبية والاجتماعية والمساعدة القانونيّة الخاصّة لضحايا الارهاب.

كذلك نوّهت المنظّمة بأهمّية ما ورد بالفصل 83، الذي نصّ على عدم طرد أو ترحيل مطلوبين لدول أخرى “إذا توفرت أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص موضوع طلب التسليم سيكون في خطر التعرض للتعذيب أو أن طلب التسليم يرمي إلى تتبع أو عقاب شخص بسبب عنصره أو لونه أو أصله أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية”.

ملاحظات أخرى

ورد بالفصل 28، الذي أضيف أثناء مناقشة النسخة الأولى لمشروع القانون بالمجلس التأسيسي : “كما يعاقب بالإعدام كل من يتعمّد في سياق جريمة إرهابية مواقعة أنثى د ون رضاها.” هذه النقطة تثير التساؤل عن سبب التمييز بين الأنثى والذكر في جريمة المواقعة دون رضا الضحيّة، والحال أنّ الاغتصاب ممكن في الحالتين. وجدير بالذكر أنّ هذا التمييز بين الجنسين غير وارد في النسخة الفرنسيّة للمشروع الجديد.

نصّ الفصل 7 على أنه في حال تورّط الذوات المعنوية الثابت مسؤوليتها في ارتكاب جرائم ارهابية “يكون العقاب بخطيّة”. وأنّه يمكنللمحكمة أن تقضي بحرمانها من النشاط خمس سنوات أقصاها أو تقضي بحلّها. وإن شدّد الفصل على أنّ ذلك لا يعفي مسؤولي الذات المعنوية من المحاسبة اذا ثبت تورّطهم شخصيًا، فانّه يطرح سؤالاً” ألا يفتح الأمر الباب أمام تملّص الأحزاب والجمعيات من المسؤولية من الجرائم المرتكبة من خلال أطرها، وإلقاء المسؤولية أو حصرها على بعض الأفراد المنتمين اليها؟ كما أنّ هذه الفقرة الواردة بنفس الفصل، تثير انطباعًا بأنّ هناك شيءٌ من التساهل مع الذوات المعنويّة والحرص على أموالها رغم ثبوت تورّطها أو انتفاعها من الإرهاب : “تعاقب الذات المعنوية بخطية تساوي قيمة الأموال المتحصل عليها من الجرائم الإرهابية على أن لا يقلّ مقدارها عن خمس مرّات قيمة الخطية المستوجبة للأشخاص الطبيعيين.”