المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

daech-isis

بقلم محمد سيّد الميلادي، صيدلي مقيم،

بعد كلّ عمليّة إرهابية، تمتلئ الساحة الإعلامية بالمحللين الإستراتجيين والدجالين والكذابين لمحاولة تفسير ظاهرة التطّرف الديني للشباب التونسي:

● هناك من يقول أنّ الفقر والتهميش والبطالة هو مايدفع الشباب نحو اليأس من ثمّ الإرهاب.

● وهناك من يحمّل النظام الدكتاتوري لبن علي المسؤولية الكاملة لظاهرة الإرهاب وتغذيتها سنوات الجمر.

● آخرون يرجعون هذه الظاهرة إلى “التصحّر الديني” الذّي يُنسب للشباب التونسي وغياب مؤسسات دينية قويةّ في تونس.

لا شكّ في أنّ الإرهاب هو ظاهرة شائكة ومعقدّة والأسباب الآنف ذكرها من شأنها أن تدعم جزئيّا التطرّف لدى شبابنا.

أقول “جزئيّا” لأنّ العديد من الشباب في الدولّ الديمقراطية والغنيّة سافروا إلى بؤر التوتّر في الشرق الأوسط “للجهاد” في صفوف “داعش”: هنا أخصّ بالذكر دولا كبريطانيا، فرنسا أو أستراليا أين تتواجد الجاليات المسلمة بكثافة.

ولم يمنع وجود مؤسسات دينية قويّة ومؤثرة في دول كالسعوديّة ومصر من كبح ظاهرة التطرف الديني لدى الشباب بل ساهمت هذه المؤسسات في تحويل تلك الدول إلى مداجن لتفريخ الإرهابيين.

العرب والمسلمون بصفة عامّة لايريدون الحديث حول السبب الرئيسي للإرهاب ألا وهو الفهم المتطرف للقرآن والسنّة. سيقولون لكم إنّ “داعش” هي صنيعة غربيّة الهدف منها القضاء على الإسلام والمسلمين. سيقولون لكم إنّ “داعش” هي مؤامرة صهيوأمريكية ضدّ الأمّة الإسلامية. ولكن ستخونهم “الرجولية الفكريّة” لتحمّل مسؤولية مايقوم به أبناء جلدتنا.

من هي “داعش” ؟

في الواقع، “داعش” هي قبل كلّ شيء فكرة متأصلة ومتجذرة في تاريخنا الإسلامي منذ قتل الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ووثقافة قطع الرؤوس وصلبها وسبي نساء “الكفار” ليست غريبة عنّا: كلّ هذه الأفعال المشينة للأسف وجد لها بعض من “علماؤنا” عبر التاريخ تأصيلا شرعيّا من القرآن والسنة لتبريرها وهي أفكار مازالت تستعملها التنظيمات الإرهابية إلى يومنا هذا.

“داعش” أيضا حالة نفسية “عصابيّة” مزمنة إغتالت كلّ فكرة تحرريّة تقدّم “العقل على النقل” وتجسدت في تاريخنا عبر قمع المعتزلة، إبن رشد إلى أحمد أمين، الطاهر الحداد وعدنان إبراهيم والأمثلة كثيرة.

ولكي نكون منصفين مع أمتنّا، فإنّ تاريخنا لا يختلف في شيء عن تاريخ الأمم الأخرى: الفرق الوحيد والأهمّ هو قيام ثورات فكريّة (كالثورة الفرنسية وفكر الأنوار) في تلك الأمم قطعت مع تاريخها الدمّوي، فكانت لبابا الفاتيكان الشجاعة الأدبية والفكرية للإعتذار عمّا فعلته الكنيسة في عصور الظلام، وتبرأّ الألمان من جرائم النظام النازي، وتخلصت جنوب إفريقيا من نظام الميز العنصري… إلّا العرب !!! فهم يقدسون تاريخهم بمحاسنه ومساوئه ويرون فيه طريق الخلاص…

ستستمرّ فكرة “داعش” حتّى إن قُتل جميع الدواعش، ستستمرّ فكرة داعش مادام العديد منّا يؤمن بأنّ الشيعة روافض وجب قتلهم، وأنّ تارك الصلاة دمه مهدور وأنّ من يحمل ديانة غير الإسلام هو كافر أصليّ وجب إقامة الحدّ عليه.

وإلى أن تقوم ثورة فكرية حقيقية، سيستفيد الغرب والأنظمة الدكتاتورية من “داعش” وسيبقى العرب والمسلمون في مصاف الأمم المتخلفّة.

أختم ببيت شعر للإمام الغزالي رحمه الله: ” نعيب الزمان والعيب فينا، وما لزماننا عيبٌ سوانا”.