anc-tunisie-terrorisme-loi

مع تجدد الضربات الإرهابية في تونس والتي استهدفت أساسا أفراد الأمن والجيش الوطنيين تتجدد المطالب بالتسريع في النظر في قانون الإرهاب الذي كان المجس التأسيسي قد فشل في المصادقة عليه. ويتضمن قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال عددا من البنود التي توضح نقاطا تتعلق بآليات التصدي للإرهاب والعقوبات الرادعة ضد الذين ثبتت عليهم تهمة القيام بعمل إرهابي والطرق المثالية للتصدي لتبييض الأموال. ويأتي هذا القانون في إطار محاولة التخلص من قانون الإرهاب لسنة 2003 الذي وضعه نظام بن علي مع محاولات للتنصيص بجدية على ضمان حقوق الإنسان وحرمة الجسد وغيرها من الإجراءات التي تضمن محاكمة عادلة وعقوبات رادعة في آن واحد.

قريبا على طاولة النقاش: أهم نقاط قانون الإرهاب وغسل الأموال

بعد مطالبة منظمات حقوقية وناشطين مدنيين بالتوقف عن اعتماد قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003 والذي تم سنه على إثر الهجوم على المعبد اليهودي بجزيرة جربة الذي حصل في شهر أفريل 2002، قامت الوزارة الأولى في حكومة الترويكا بسن مشروع قانون جديد لم يحظ بتوافق الكتل السياسية بالمجلس التأسيسي، وتم تعطيل مناقشته طيلة الفترة الإنتقالية التي انتهت بتسلم حزب نداء تونس للحكم مؤخرا. ونظرا للإنتقادات التي طالت الحزب الأغلبي بالبرلمان الجديد واتهامه بتأخير النظر من جديد في قانون الإرهاب، اتصلت نواة بالوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، السيد لزهر العكرمي، الذي أكد أن “الوزارة الأولى قد ناقشت مسألة التسريع في المصادقة على قانون الإرهاب وقررت مراسلة مجلس النواب من أجل التأكيد على أن هذا القانون ذو أولوية قصوى مع ضرورة النظر فيه بطريقة استعجالية.”

في ظل تحول العمليات الإرهابية إلى واقع يومي داخل تونس وعلى حدودها بليبيا، أصبح خلق منظومة تشريعية خاصة بمكافحة الإرهاب ضرورة. وسنذكر في هذا المقال بأهم النقاط التي تضمنها هذا المشروع الذي سيستعيد مجلس نواب الشعب قريبا النقاش حوله.

يركز مشروع قانون الإرهاب الجديد على التخلص من التعريفات الفضفاضة بالدفع نحو تدقيق المفاهيم المتعلقة بالإرهاب من أجل حصر هذه الجرائم وتبويبها حتى نُجنب المختصين السقوط في الخلط بين الجرائم العادية والجرائم الإرهابية.

بنود جديدة أحدثت جدلا خلال مناقشة هذا المشروع تمثلت أساسا في التنصيص على ضرورة العودة إلى حكم القضاء في عمليات التنصت على المكالمات وإجبار المحامي من عدمه على كشف السر المهني إذا تطلب الأمر، بالإضافة إلى التأكيد على تكوين “اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب” التي ستعمل على ضمان احترام المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان واحترام الكرامة والحرمة الجسدية. كما تضمن مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد بندا جديدا خاصا بمساعدة ضحايا الإرهاب نفسيا وطبيا إضافة إلى محاولات إعادة تأهيلهم مهنيا واجتماعيا.

كما يسعى مشروع قانون الإرهاب إلى ضمان القطع مع المحاكمات السياسية من خلال التنصيص على تركيز آليات المحاكمة العادلة بتجنب الفصول القابلة للتطويع من أجل خدمة أطراف معينة من خلال الضغط على المتهم أو مساومته أو التشفي منه وذلك بالتخلي عن ضبابية الأحكام التي تفتح المجال أمام تطويع الفصول من أجل محاكمات جائرة وتعويضها بفصول دقيقة تتضمن مفردات بالغة الدقة تفاديا لكل سوء تأويل.

التوافق السياسي هو الحل لتجاوز النقاط الخلافية

اصطدمت نقاشات مشروع قانون الإرهاب ومنع غسل الأموال خلال تداوله بالمجلس التأسيسي بحملات رفض وتشكيك قادها سياسيون وممثلون عن المجتمع المدني مما أدى إلى تعطيل المشاورات وتأجيلها إلى ما بعد الإنتخابات. واستندت الأطراف الرافضة لهذا المشروع على الغموض الذي شاب بعض فصوله وتشابه محتوى فصول أخرى مع إجراءات وردت في قانون الإرهاب لسنة 2003. وقد ساهم تمسك الأطراف السياسية برأيها، ومن بينها حركة النهضة وكتلة المعارضة بالمجلس التأسيسي، بتعطل النقاشات، الأمر الذي نبه إلى ضرورة اعتماد التوافق في نقاشات المشروع بالمجلس الجديد لاحقا حتى لا يتواصل تعطيل المصادقة على هذا المشروع.

وكان رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان عبد الستار بن موسى قد وصف في عدد من وسائل الإعلام مشروع قانون مكافحة الإرهاب بالتأسيسي ب”الملغّم”. وعبر بن موسى عن رفض الرابطة لعدد هام من فصول هذا المشروع والتي رأت فيها مسا بالحقوق والحريات، خصوصا وأن هذا المشروع يتضمن عبارات غامضة وقابلة للتأويل فيما يتعلق بتعريف عبارات هامة كلفظة “الإرهاب.”

وقد سجّلت حركة النهضة، وهي أبرز طرف رافض لهذا المشروع، تحفظها على عدد من فصوله ومن بينها الفصل 70 الذي يشرع لكشف هوية الأطراف التي أشعرت السلطات بتفاصيل متعلقة بعمل إرهابي مما يعرضها لخطر التشفي من طرف الفاعلين. هذا إضافة إلى إدراج الفصل 13 لجرائم عاديّة ضمن جرائم إٍرهابية حيث ينص على الحكم بالإعدام على عدد من المجرمين من بينهم حسب البند الثاني لهذا الفصل “من قتل شخصا أو عدة أشخاص أو ألحق أضرارا بدنية جسيمة بهم.” ولفهم موقف حركة النهضة بخصوص هذا القانون خصوصا بعد تراجع تمثيليتها البرلمانية إثر الإنتخابات، اتصلت نواة بعضو مجلس شورى الحركة، السيد العجمي الوريمي الذي قال:

إنّ الكتلة النيابية لحزبنا قد تجددت بنسبة 60 بالمائة وبالتّالي فإنّ إعادة النظر في هذا المشروع ضرورية ولكن لا بد من التأكيد على أن الكتلة ستلتزم بموقف الحركة. نحن سنحرص على منع أية إجراءات تمس الحقوق الفردية والجماعية مع حرصنا على أن تؤدي المؤسسات الأمنية والقضائية دورها باستقلالية وتجرد ولا يتحول هذا القانون بيدها إلى أداة للتّغوّل. كما يجب الأخذ بعين الإعتبار بأنّه لا يمكن المصادقة على قوانين تتعارض مع ما جاء في باب الحقوق والحريات بدستور تونس الجديد من حماية للأشخاص من أيّة انتهاكات.

نواة اتّصلت أيضا بالمحامي أنور بالحاج علي المعروف بالدفاع عن عدد من المتّهمين بالضّلوع في عمليات إرهابية والذي أكّد أنّه “من الخطأ الحديث على التسريع في المصادقة على مشروع قانون مكافحة الإرهاب بحجة الفراغ القانوني، ولكن من الضروري الحديث على حسن صياغة المشروع الجديد ليعوض قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003 والذي مازال جاري العمل به إلى حدّ اللحظة.” وتحدث بالحاج علي عن قضية أحد منوبيه الذي تتمّ حاليا محاكمته على أساس قانون الإرهاب لسنة 2003. هذا المتهم، حسب محدّثنا، عاد سنة 2014 من سوريا بعد أن ذهب سنة 2013 للعمل هناك في إغاثة منكوبي الحرب ليجد نفسه مجبرا على الإنضمام للجيش الحر قبل أن يقرر العودة إلى تونس. وحول إمكانية قيام هذا المتّهم بمغالطة القضاء من خلال تصريحاته قال بالحاج علي أنّ “قصر المدّة التي قضاها المتّهم إضافة إلى تعبيره عن ندمه وعدم ثبوت قيامه بعمل إرهابي أمور تخول له مقاضاته على أساس القوانين العادية لا قانون الإرهاب الذي وضعه بن علي.”

وحول مصير نقاشات مشروع قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال بما يحيط به من تشكيك وتحفّظ أكد الخبير الأمني مختار بن نصر في تصريح لنواة أن “النسخة التي ناقشها المجلس التأسيسي من مشروع قانون الإرهاب تتضمّن عشرات الفصول التي تتطلب إعادة النظر، وقد قمت صحبة عدد من الخبراء صلب لجنة التنسيقية المستقلة للعدالة الإنتقالية بمراجعة هذه القوانين وتقديم وثيقة تتضمن أكثر من 80 مقترح تعديل للجنة المختصة بمناقشة المشروع قبل تعطل النقاش نهائيا.” وأكد بن نصر أيضا أنّ المصادقة على هذا القانون تتطلب الدقة المطلقة في تحديد المفاهيم لتجنب أية ثغرات يمكن أن يتم استغلالها للقيام بانتهاكات إنسانية، كما تتطلّب أيضا توافقا سياسيا واسعا من أجل التسريع في وضع هذا القانون نظرا لما تمر به البلاد من ظروف أمنية صعبة.