باردو في 17 فيفري 2015


بيان

حول مشروع القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء

إنّ المرصد التونسي لاستقلال القضاء وفي ضوء المشروع الحكومي للقانون الأساسي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء الذي بادرت وزارة العدل بنشره تحت إشراف وزير العدل السابق السيد حافظ بن صالح بتاريخ 27 جانفي 2015 وذلك على إثر الانتهاء من صياغته في 26 جانفي 2015.

● وبعد اطلاعه على تصريحات وزير العدل الحالي السيد محمد صالح بن عيسى بتاريخ 12 فيفري 2015 – عند لقائه بممثلين عن جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسية – وخصوصا تأكيده على ضرورة التوصل الى صيغة مثلى حول نصّ مشروع القانون الأساسي وعلى أهمية تقريب وجهات النظر حول بعض المسائل التفصيلية لضمان الالتزام بالآجال الدستورية المحددة لإرساء المجلس الأعلى للقضاء ( صفحة وزارة العدل-12 فيفري 2015).

● وبعد اطلاعه على ما ورد بالبلاغ الصادر في 12 فيفري 2015 عن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين الذي تضمّن تأكيد أعضاء المكتب عند لقائهم لوزير العدل الجديد على أنّ مشروع القانون الأساسي المقدم من الوزارة هو “مشروع جيّد كحدّ أدنى لتصوّر المجلس الأعلى للقضاء باعتباره هيكلا دستوريا يمثل السلطة القضائية في نظام الفصل بين السلط والتوازن بينها مؤكدين على أنّ المشروع مع ذلك لا يزال يتطلب التطوير…” مع إضافة أنّ وزير العدل “قد اعتبر من جهته المشروع متوازنا نسبيا ويتعيّن دعوة مختلف الأطراف المعنية لإبداء ملحوظاتها..”

● وإذ يورد أنّ المشروع قد تضمّن أربعة وسبعين فصلا (74) واشتمل على ثلاثة أبواب تتعلق بالأحكام العامة وتنظيم المجلس الأعلى للقضاء واختصاصاته والأحكام الانتقالية مع إضافة ما صرّح به وزير العدل السابق السيد حافظ بن صالح بتاريخ 31 جانفي 2015 من أنّ رئاسة الحكومة قد كلّفته “بتكوين لجنة فنّية تسند إليها مهمة إعداد مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وقد قدّم وزير العدل اللجنة الموكولة إليها هذه المهمّة والمكوّنة من مدير عام التشريع في الوزارة (القاضي السيد محمد الطاهر حمدي) وممثلين(02) عن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وممثلين (02) عن المحكمة الإدارية وممثلين (02) عن دائرة المحاسبات وممثلين (02) عن وزارة العدل وجامعي مختص في القانون.

● وإذ يشير الى تحفظات سابقة لعميد المحامين الذي اعتبر أنّ المشروع المعدّ من اللجنة الفنية الراجعة بالنظر الى وزارة العدل – والذي يقصي المحاماة التونسية إقصاء تامّا – يؤكد الانطباع العام بعدم استبطان البعض للوظيفة الدستورية للمحاماة من خلال الفصل 105 من الدستور (بلاغ الى رؤساء الفروع الجهوية بتاريخ 28 جانفي 2015) مع اقتراح مجلس الهيئة الوطنية للمحامين تكوين لجنة مشتركة من وزارة العدل والهيئة تتولّى دراسة المشروع ومختلف المقترحات المتعلّقة بإصلاح القضاء وتطويره (بلاغ بتاريخ 12 فيفري 2015 وكذلك لائحة ندوة الفروع الملتئمة بتوزر يومي 13 و14 فيفري 2015).

● وإذ يشير الى انتقادات صادرة عن نقابة القضاة التونسيين التي اعتبرت المشروع مشروعا حكوميّا بالنظر الى استبعاد وزارة العدل لهياكل القضاة عند إعداده (صحيفة التونسية 01 فيفري 2015).

● وإذ يذكّر بمقتضيات الفصل 148 (خامسا) من الدستور التي نصّت على أنّه “يتمّ في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المجلس الأعلى للقضاء وهو ما يستوجب مبدئيّا إرساء ذلك المجلس في أواخر أفريل القادم باعتبار أنّ تاريخ الانتخابات التشريعية قد وافق يوم 26 أكتوبر 2014.

● وإذ يلاحظ غياب التطرق الى وضعية المحاكم العسكرية ونظام القضاء العسكري في هذا السياق وما يقتضيه الدستور بشأن إعادة تنظيم تلك المحاكم (الفصلان 110 و149):

أوّلا- يبرز الظروف الحافّة بإعداد مشروع القانون الأساسي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء على مستوى وزارة العدل وخصوصا ما اتسمت به من عدم الشفافية وعدم إشراك الهياكل المعنية بتنظيم المجلس والاعتماد في ذلك على لجنة فنية مكوّنة في أغلبها من ممثلين عن المحاكم فضلا عن محدودية التشاور مع الهيئات المهنية و مكونات المجتمع المدني الذي اقتصر على يوم إعلامي حول المشروع بتاريخ 31 جانفي 2015 (صحيفة التونسية 01 فيفري 2015).

ثانيا- يؤكد استحالة إرساء المجلس الأعلى للقضاء فيما تبقّى من المدّة المحدّدة بالأحكام الانتقالية للدستور وقدرها شهران ونصف وعدم إمكانية الاتفاق بين الأطراف المعنية – في حدود تلك المدّة القصيرة – على صيغة نهائية لمشروع القانون الأساسي للمجلس وبالأحرى المصادقة على المشروع في مجلس وزاري ومناقشته بلجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب وإحالته على اجلسته العامة دون اعتبار ما يقتضيه إرساء المجلس من استكمال تركيبته وانتخاب هياكله وتسمية أعضائه من القضاة 
أو غيرهم من المستقلين من ذوي الاختصاص.

ثالثا- يلاحظ وجود عدد من التحفظات الجدّية على المشروع ومخالفة بعض أحكامه للمقتضيات الواردة بالدستور أو تلك المضمّنة بالمعايير الدولية فضلا عن سهو المشروع عن مبادئ واليات ضرورية لاستقلال السلطة القضائية من ذلك على سبيل المثال القيود الواردة بالفصل 42 من المشروع على المبدأ الجوهري لاستقلال القضاء وهو عدم قابلية القضاة للعزل المنصوص عليه بالفصل 107 من الدستور، إذ أقر المشروع استثناءات جدّية من شأنها المساس بضمانات استقلال القاضي كإمكانية نقله مراعاة لمصلحة العمل في مفهومها الواسع (ضرورة تسديد الشغورات، إحداث محاكم، تعزيز المحاكم…) ولمدّة تصل الى ثلاث سنوات وهو ما يتناقض بصفة جليّة مع تطبيقات المبدأ في القانون المقارن، وكذلك عدم التنصيص على أيّة موانع فعلية أو قانونية للترشح للمجالس القضائية وعدم التنصيص على الضمانات الكافية لتقييم القضاة أو تفقّدهم وعدم تحديد إجراءات مضبوطة للتعيين في الخطط القضائية زيادة على افتقاد المشروع لمرجعية الاستناد في عمل المجالس القضائية الى المعايير الدولية لاستقلال القضاء.

رابعا- يعتبر أنّ وصف مشروع القانون بأنّه جيّد أو متوازن قبل عرضه على مختلف الأطراف المعنية أو مناقشته من قبل الهياكل الموسعة للقضاة من شأنه أن يصادر حقّ عموم القضاة ومكونات المنظومة القضائية في إبداء آرائهم بكامل الحرية والشفافية في مشروع يمكن أن يحدّد مصير القضاء التونسي واستقلاله.

خامسا- يدعو الحكومة الى عدم التسرع في إحالة مشروع القانون الأساسي على المصادقة وتوسيع التشاور بشأنه والبحث في اعتماد ما تنصّ عليه الأحكام الانتقالية للدستور من مواصلة “الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي القيام بمهامها الى حين استكمال تركيبة مجلس القضاء العدلي” وسحب ذلك على المجلسين المتعلقين بالقضاء الإداري والقضاء المالي.

سادسا- يدعو الى إطلاق الحوار بشأن الضمانات المتعلقة بالمحاكم العسكرية ووضعيتها في ضوء ما ينص عليه الفصل 110 من الدستور من أنّ “المحاكم العسكرية محاكم متخصصة في الجرائم العسكرية” وإمكانية إحالة تلك المحاكم الى القضاء العدلي على غرار بعض المحاكم المتخصصة كالمحكمة العقارية وفروعها وذلك بالنظر الى أنّ الدستور لا ينصّ صراحة على تسمية “القضاء العسكري”.

وإضافة لذلك الاتجاه في هذا الشأن الى تمتيع القضاة العسكريين بنفس الضمانات المكفولة لزملائهم بمختلف الأصناف القضائية وإلغاء مجلس القضاء العسكري وإشراف وزارة الدفاع على المحاكم العسكرية وإحالة النظر في المسار المهني للقضاة العسكريين الى المجلس الأعلى للقضاء بناء على ما يقتضيه الدستور من أنّ القضاء سلطة مستقلة (الفصل 110). واستنادا الى المعايير الدولية في هذا الشأن.

عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء

الرئيس

أحمد الرحموني