poesie-arabe-femme

تؤكد رجاء بن سلامة في كتابها “بنيان الفحولة” أن النظام الاجتماعي يرتب الفوارق بين المرأة الكاتبة والرجل، ليحاول هذا النظام إقصاء المرأة باعتبارها كاتبة. واعتبرت هذا النظام مقاوما لكتابة النساء بطرق ثلاثة: “إما أن ينكر أنّ الشاعرة امرأة، أو أن ينكر أنها شاعرة، أو أن ينزل بها العقاب”. فاعتبرت المرأة التي تكتب الشعر رجلا أو فحلا لذلك أُعتبر أن الخنساء لها أربع خصيّ، واعتبرت أيضا أنها ليست شاعرة بل “بكاءة”، وإذا تعلق الأمر بالشوق والغزل فإن الأب والأخ يقوم بواجب إقصائها وعقابها. وتقول في موقع آخر من الكتاب: “وفي حياتنا المعاصرة كثيرا ما يتّخذ إقصاء المرأة الكاتبة شكل التشكيك في حقيقة النص المكتوب، فالمرأة التي تكتب تستراب كتاباتها أحيانا، وتجد من الطاعنين الذين يرون أن رجلا ما يكتب عوضا عنها، فهو بذلك “قوّام” إبداعيا عليها.”

وهذا على ما يبدو مازال حاضرا في الساحة الثقافية العربية والتونسية، فالبعض يعتبر ما تكتبهن “كتابات نسوية” ما يعني أنه أقل قيمة أو رديء، و أن عدد النساء الكاتبات قليلات وسرعان ما يغبن على الساحة لسبب أو لآخر.

توجهنا بالسؤال لعدد من الكاتبات العربيات حول واقع المرأة الكاتبة في مجتمعنا اليوم:

mona-rezguiالإقصاء الحقيقيّ هو أن يكون حضور المرأة حضورا تمثيليّا شكليّا القصد منه تكوين صورة مُشَرِّفة للثقافة في بلد مُعيّن. الشاعرة منى الرزقي

حضور المرأة الكاتبة والشاعرة في الساحة الثقافية في تونس والعالم العربي عبرت عنه الشاعرة التونسية منى الرزقي في شكل أسئلة قلقة تختزل معاناة المرأة الكاتبة في مجتمع لم تكتمل حداثته بعد :

في الحديث عن شعريّة المرأة المغاربية أو العربية عموما، إن الإشكال ليس في وجود تلك الشعرية من عدمه، الإشكال الحقيقي هو مدى رسوخ هذه الفكرة داخل مجتمع ذكوري لم يتخلّص بَعْدُ من تلك النظرة الدونية لما تُنتجه المرأة عموما كاتبةً كانت أم شاعرة مقابل انكسارها السريع و عدم مثابرتها أحيانا كثيرة.. لطالما كنت ضدّ فهرسة الشعر فما الذي تعنيه عبارات مثل شاعر المقاومة شاعر المناجم و غيرها من التسميات فلا أقلّ عندي من أن تكون شاعرا داخل المنجم أو خارجه، بذات الحيرة أقول ما الذي تعنيه عبارة الشعر النسوّي ؟ ماذا نقرأ بين حروفها أهو اتهام ضمني بعدم قدرة المرأة على إنتاج شعر يُعادل أو يفوق ما يُنتجه الرجال شعريّةً ؟ لماذا تتعالى الأصوات احتجاجا على نتيجة مسابقة فقط عندما يُسندُ المركزُ الأوّلُ لأنثى ؟ لماذا ظلّ الالتفات إلى التجارب الشعرية النسائية في المدونات النقدية الحديثة و حتّى القديمة نادرا جدًّا ؟ لماذا عجزت المرأة الشاعرة عن تسيُّد المشهد الثقافي رغم ولادة أسماء شعريّة كبيرة في تاريخنا الشعريّ المعاصر هل مردّ ذلك إلى الهشاشة و عدم المثابرة؟ أم أنّ هذه الأصوات مهما علت تظلّ في نظر مجتمعاتنا العربية أصوات قاصرة غير جديرة بأن تُعامل بندية أمام تجارب شعرية ذكورية…

كما أكدت الشاعرة منى الرزقي أن الإقصاء الحقيقيّ هو أن يكون حضور المرأة حضورا تمثيليّا شكليّا القصد منه تكوين صورة مُشَرِّفة للثقافة في بلد مُعيّن لا إيمانا راسخا بقيمتها كذات مبدعة لا تقلّ أهميّة عن الرجل. واعتبرت أن للشعر أكثر من ميتةٍ و لعلّ أشدّها وطأة تلك التي تتعلق بالمحو فحين تجد الشاعرة نفسها مجبرة على محو القصائد -بعضها أو كلّها- فقط لكونها أنثى فعليها أن لا تَقْرَبَ الشعر مرّة أخرى، على الشعر أن يكون عفويّا ينقل حياة الكائنات كما هي بأشد تفاصيلها إحراجا و إثارة للجدل. شاعرة تمحو كلماتها لأنها أنثى شاعرة مؤقتة و الأصابع المؤقتة لا تصنع الإبداع. كما أنها لا تعتقد أن حضور الملتقيات و التنقل بين المهرجانات ليس هو ما يضمن التواجد الفعلي للمرأة الشاعرة، فقد تساهم الشاعرة في تغييب نفسها حين تصبح أقصى أمالها طباعة كتاب أو حضور أمسية شعرية و تتخلّى بعدها و نهائيّا عن الشعر معتبرة أن الاستمراريّة و الثبات و الابتعاد عن فهرسة الشعر و منحه في المقابل ذلك البعد الوجودي أشياء كفيلة بأن تفرض ذكرها و إن اعتزلت العالم و الناس.

hanine-jomaa كيف لمجتمعات لا تحترم الخصوصية أن تسمح للمرأة بالصراخ أو التعري أو توضيح بعض الأمور.الشاعرة الفلسطينية حنين جمعة

اعتبرت الشاعرة الفلسطينية حنين جمعة أن المرأة الكاتبة اليوم تخوض حرب وعليها أن لا تتخلى عن حقوقها التي يحاول المجتمع الذكوري الاستيلاء عليها، مؤكدة أن المجتمع يذكرك باستمرار بجنس كاتب النص:

كلمة إقصاء ليست كلمة دقيقة من وجهة نظري، هناك حرب تستخدم فيها أساليب كثيرة. المرأة في المجتمعات العربية مطاردة بأنوثتها. تعامل المجتمع الذكوري مع الأنثى يقصيها بالضرورة لكنني حين قلت أنه ليس إقصاء بل حرب لأنني واثقة تماما إن الكثير من الكاتبات مازلن يدافعن عن حق وجودهن، فالمرأة الشاعرة و الكاتبة قد تتهم بالعهر و باستخدام جسدها لمجرد نجاح أمسية مثلا.

إن المرأة الكاتبة متهمة بأنوثتها حتى حين يتم تقييم نصها دائما ما تقابل عبارة سنأخذ بعين الاعتبار أنك امرأة كأن هذا خلل أو عيب، أنا لا أكتب كثيرا هذه الأيام أشعر أنني سأظلم اللغة إن كتبت. بناء على تجربتي المرأة الكاتبة تخوض أول حروبها مع ذاتها، عليها أن تجد صيغة واضحة للتعامل مع ذاتها الكاتبة و مع نصها وحين تصل لهذه النقطة حيث تجد ما أسميه سلاما في النص، ستصطدم بحرب ثانية تضعها في مجتمعها الصغير البيت المدرسة، الشارع، المقهى، ستفاجئها ردود الأفعال. هناك من سيحاول جاهدا أن يثنيها عن الكتابة هذا حدث معي في مرحلة متقدمة اكتب و أخبأ ليس بالضرورة أن يقرأه أحد. و ستزداد هذه الحرب ضراوة كلما تطرقت المرأة إلى ذاتها و إلى جسدها. هذا المحرم يفضل المجتمع ألا نتحدث عنه و إذا تحدثنا الأفضل ألا تكون امرأة.

الكثيرات من صديقاتي هربن من الكتابة، منهن من قررت أن تصبح امرأة عادية، و أن تنفض عنها تهمة الكتابة، الكتابة فعل خاص و حين تمارسه المرأة يصبح أكثر خصوصية. كيف لمجتمعات لا تحترم الخصوصية أن تسمح للمرأة بالصراخ أو التعري أو توضيح بعض الأمور؟

هذا بالنسبة للمجمتع الكبير أما المجتمع الثقافي، فأنا أكره تقسيمه إلى ذكور و إناث ربما لأنني لا اهتم بجنس كاتب النص ما يهمني هو النص لكن للأسف نصطدم يوميا بمن يصفون النص الذي تكتبه امرأة بالضعف أو الرداءة أو العهر، قد يتصرف بعض الكتاب مع نص امرأة كاتبة و كأنه تقليد وليس الأصل لكن هناك من يقدره، جميعنا يعرف كم الاتهامات التي تكال للكاتبات، و غالبا ما تكون تهم أخلاقية. المجتمع يتقبل نص رجل يرفض الخضوع لعاداته و يتعاطف معها لكنه أبدا لن يتعاطف مع امرأة ترفض عادته أو تخرج عنها لهذا قد تشعر الكاتبة حين تهم بكتابة نص أن أحدهم يقف أمامها حاملا سيف سيهوي عليها به حين ترتكت أي جملة لا تلائم المجتمع. أنا اضطررت مرة لتغيير كلمة في نص في أمسية لأنني حين نظرت إلى الجمهور أخافني امتعاضهم من كلمة سابقة. لكنني ندمت. اعتبرت نفسي مهزومة في هذه الجولة وعلي ألا اكرر هذا. هم جاءوا ليسمعوا نصا كتبته إمرأة لا علاقة لي بنواياهم. إنهم لا يفصلون المرأة عن الجنس، و بالنسبة لامرأة تكتب فهي في نظر بعض الرجال مغرية أكثر، لا أعرف بماذا يفكرون ربما يرغبون في نص (نسائي)، بالنسبة لي الكتابة هي الحرية، و عليّ أن أحتفي بحريتي تماما مثلما أحتفي بأنوثتي.

كما أن المرأة -من وجهة نظري- تساهم في تغيبها ككاتبة لأنها تفضل الابتعاد عن ساحة الحرب لأنها تخاف. بشكل عام هناك بعض المضايقات التي تفضل النساء أن يبتعدن عنها، قد تصل هذه المضايقات إلى نوع من التحرش اللفظي. إنها حرب ليس من السهل على امرأة تكتب أن توصف بالعاهرة إنه أمر قد ينسفها إذا تعاملت معه بحساسية المرأة المعتادة، جميع النساء اللواتي يكتبن هن بنات هذا المجتمع، نشأن حسب خطة تربية قاسية، ثمة الكثير من الترسبات التي ليس من السهل التخلص منها، هذه التنشئة تساهم في خلق صراع بين ما تكتبه وبين ما تعيشه بين ما تريد أن تكونه و بين ما تكونه فعلا، لهذا قد تخضع لما تسميه هي بالواقع، أول ما تبحث عنه امرأة هو الحب ربما تتنازل امرأة عن الكتابة مقابل الحب، طيلة عمري أسأل نفسي لماذا يتم مساومتها دائما.

أنا لن أختار بينهما يوما. الكتابة هي الحب و الحب هو الكتابة. لكن هناك الكثيرات ممن يقدم لهن الحب بشرط الكتابة، وهنا أنا أعني الحب بكل ما يمثله للمرأة من آمان و استقرار ودفء الحب في مفهوم البعض مقترن بالملكية أما الكتابة فهي الحرية.

وأكدت الشاعرة حنين جمعة أن روح الشعر متمردة سواء سكنت امرأة أو رجل، إنها في عطش دائم لمزيد من التجارب و المغامرات و الحب والمشاعر، وأكدت أنها تحاول دائما أن تختبر كل المشاعر الإنسانية “كيف لي أن أكتب دون أن أشعر، المعرفة بكل أنواعها هذا الحلم أصبح هاجسا و مع مرور بضع سنوات أصبح رغبة ملحة و حين كانت والدتي تقول لي أنني أرغب في الجلوس مع شياطيني كانت تعجبني الفكرة كنت أضحك و أقول نعم لكن في الحقيقة أنا كنت أريد عالما لي و ليس مجرد عالم أخبئ فيه جميع أحلامي وهواجسي و نصوصي حتى بعض الحكايات التي كنت أسرقها خلسة في الشارع الخلفي بينما المجتمع يمر واثقا في شارع أكبر يعج بالمارين و بالنظرات الفضولية.”

fayqa-ganfali تجد كاتبة واحدة ضيفة في حين هناك كاتبان على الأقل أو أكثر في المنابر الإعلامية و الثقافية.القاصة فايقة قنفالي

اعتبرت القاصة التونسية فايقة القنفالي أن المرأة تتحمل مسؤولية في استبعادها من الساحة الثقافية وأن للظروف المادية والاجتماعية دور أيضا:

أعتقد أن كلمة إقصاء كلمة قاسية باعتبارها تعني عدم الاعتراف القائمة على تفرقة جنسية في مستوى الكتابة، ولكني اعتقد انه يتم استبعادها أحيانا. ويفسر هذا الاستبعاد بقلة النصوص النسائية في الساحة الأدبية رغم كثرة الكاتبات. وهذا الاستبعاد ليس بضرورة دوما بسبب الآخر سواء كان الغير أو النص (الجيّد أو الرديء) ولكن أيضا تتحمله الكاتبات أنفسهن بالغياب.

التغييب يمارسه الغير المشارك في الساحة الإعلامية وهو موجود فعلا ففي جميع المهرجانات الأدبية التي شاركت فيها والأمسيات التي حضرتها كان حضور الآخر هو المهيمن وأحيانا تجد كاتبة واحدة ضيفة في حين هناك كاتبان على الأقل أو أكثر وكذلك في المنابر الإعلامية الثقافية وفي انجاز الأطروحات(الدكتوراه و الماجيستر) الخاصة بالأدب. إن كان التغييب يتم لصالح الآخر وبوساطته فاني اعتقد أيضا أن الكاتبات غائبات أيضا بسبب ظروفهن الاجتماعية ( مكان إقامتهن أو حالتهن المادية) وتركز الأنشطة الثقافية في المدن الكبرى خاصة العاصمة. أنا شخصيا بحكم عملي في مدينة وسكني في مدينة اضطررت أكثر من مرة للاعتذار عن حضور ملتقى أدبي….

وأكدت القاصة فايقة القنفالي أنها لا تعترف بأقانيم في الكتابة ولا تفكر كثيرا في تأويلات القراء الذين قد يربطون بين ما تكتبه أو ما تصفه وشخصها. واعتبرت أن ارتباطها بشاعر يجعل للكتابة طعما آخر خاصة إن كان هو من يدفعها أن تذهب بعيدا بكلماتها.

للظروف المادية إذا دور في عالم الكاتبة في المجتمع الذكوري وهذا ما يأخذنا لاستحضار كلمات فرجينيا وولف: “إن النساء لكي يكتبن بحاجة إلى دخل ماديّ خاص بهن، والى غرفة مستقلة ينعزلن فيها للكتابة”. إننا نحتاج أن نعيش هذا العالم بكل ما فيه، من واقع وأن نلتقط كل ما نراه مناسبا، لا أن يختاروا لنا الأماكن التي نوجد فيها ويبعدون عن أماكن أخرى بدعوى “قذارتها” نحتاج أحيانا إلى التقاط “القذارات” ليس لشيء إلا لأنها واقع، نحتاج إلى التقاط ما يحدث خلف المدارس من مشاحنات وألفاظ سوقية هكذا أكدت فيرجينيا والف في أحد رسائلها:

… لا فرصة على الإطلاق لالتقاط ما يحدث خلف أسوار المدارس: اللعب بالكرة، المشاحنات الصغيرة، تبادل الشتائم، التحدث بالسوقية، الأنشطة المدرسية، وأيضا الشعور بالغيرة…”. والف التي أعادت إلى الأذهان ذلك التباين المطلق بين الظروف المتاحة للرجل للكتابة والظروف المتاحة للمرأة… وهنا نستحضر تلك المقارنة التي قدمتها والف بين شكسبير وأخته “جوديث” وكيف أن الحيف الذكوري أزاحها عما يفترض أن تكونه ككاتبة مرموقة انتصارا لحقوق شكسبير (الذكر) رغم أن الجميع أقروا بتميزها. أكدت والف أيضا أن المرأة تحتاج إلى تلك الغرفة المنعزلة عن العالم، هذه الغرفة التي تلخص خصوصيتها وعالمها…الغرفة ذلك العالم الحر والخاص :”كم من البغيض أن يسجن المرء داخل غرفةٍ، وكم هو أسوأ، ربما، أن يُحرم من دخول غرفة مغلقة.