habib-essid-essibsi-premier-ministre

بقلم مهدي الجلاصي،

كلف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، صباح اليوم الاثنين، وزير الداخلية الأسبق الحبيب الصيد بتشكيل اول حكومة دائمة بعد الانتفاضة الشعبية التي انهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل اربع سنوات.

اختيار حزب “نداء تونس” للحبيب الصيد انهى الخلافات وسط هذا الحزب وفتح باب الاستغراب والتخوف لدى جزء من الشارع التونسي الذي لم يعرف الرئيس المكلف إلا في منصب وزير الداخلية الذي قمع مظاهرات ماي 2011 واقتحمت قواته جامع القصبة واعتدت على المتظاهرين في مظاهرات المحاسبة واستقلال القضاء في جويلية 2011.

يبدو ان هذا التكليف هو ترجمة واضحة لتوافق القوى السياسية التي تتصدر المشهد (النهضة ونداء تونس) حول شخصية ترضي “الجميع” : موظف سام في وزارة الداخلية والفلاحة زمن بن علي ووزير للداخلية عهد الباجي قائد السبسي ومستشار امني لدى رئيس الحكومة في عهد الترويكا.

فالحبيب الصيد (65 عاما) رغم تكوينه الاقتصادي وعمله في وزارة الفلاحة، تولى منصب مدير ديوان وزير الداخلية بين 1997 2001، مدير ديوان الوزير الذي يباشر بنفسه ملفات الوزارة ويطلع على كل ما يجري في وزارته بما في ذلك التعذيب والقمع والملاحقات، قبل عودته الى المجال الفلاحي والزراعي محليا ودوليا.

وطيلة فترة توليه وزارة الداخلية في 2011 لم يُعرف عن الحبيب الصيد تصريحات إعلامية ولا إشراف على ندوات صحفية، وكان قليل الكلام خجولا امام الكاميرا، غامض الملامح كغموض مبنى وزارته آنذاك، عاجزا عن الاجابة عن تساؤلات المجتمع المدني آنذاك بخصوص التعذيب والاعتقالات والتنصت وقمع المظاهرات السلمية. اختار سياسة العمل في صمت وتنازل عن الحديث فيما يخص وزارته إلى رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي.

اول مصافحة بيننا وبين الرئيس المكلف كانت بمناسبة مظاهرات 6 ماي 2011 (ما تُعرف بمظاهرات الراجحي)، شهدنا حينها ضربا شديدا للمتظاهرين واعتداءات واسعة على الصحفيين، فقد اقتحمت قوات الامن يومها مبنى دار لابراس ومبنى جريدة الموقف واعتدت على الصحفيين وكل من لجأ إليهم هربا من القمع الوحشي.

من جهة اخرى، يمثل هذا التعيين عودة إلى وزراء بن علي قلبا وقالبا. إذ يظهر الحبيب الصيد في شكل رجل تقليدي في عمله محافظ في مظهره وتحركاته ولا يملك اي ديناميكية في حركاته وكلماته النادرة. يعود بنا إلى صورة وزراء بن علي الذين يجلسون إلى رئيسهم ويقدمون له تقريرا عن انشطة وزاراتهم قبل الإدلاء بكلمة خشبية لا رائحة لها ولا طعم ولا لون.

اما من حيث المضمون فالرئيس المكلف من ابناء الادارة التونسية ووزارة الداخلية، هذه الوزارة التي تعتبر من الاجهزة القليلة التي انغلقت على نفسها ولم تواكب الانتقال الديمقراطي رغم ان بن علي هرب بعد مظاهرة حاشدة امامها، رغم ان وزراء اسلاميين ومستقلين تداولوا عليها بعد الثورة إلا انها ظلت تلك الوزارة الغامضة المغلقة التي تنتظر احد ابناءها ليتولى امرها. والحبيب الصيد اعتاد العمل في هذه الوزارة عهد القمع والتعذيب والاعتقالات والرقابة وحتى عندما اصبح وزيرا للداخلية بعد الثورة واصل في نفس الطريق كأن شيئا لم يكن.

من المنتظر ان يتولى الصيد رسميا رئاسة الوزراء بعد شهر من الآن، ليس اول وزير داخلية يرتقي إلى رئاسة الوزراء إذ سبقه إليها بن علي وعلي العريض: رجلان يمثلان ابرز مثال لسلبيات صعود وزير الداخلية الى رئاسة الوزراء يحكم البلاد بمنطق امني تعسفي لا صوت يعلو في عهده فوق صوت المعركة.