هيئة-الحقيقة-الكرامة

بقلم أحمد الرحموني،

خيرت السيدة نورة البورصالي ان تقدم استقالتها من هيئة الحقيقة و الكرامة مساء يوم الاثنين 10 نوفمبر 2014 وان تعلم الرأي العام بذلك قبل أن يتم البت في تلك الاستقالة مبينة أن اصرارها على المغادرة هو قرار بدون رجعة. ورغم ان طلب الاعفاء من المسؤولية يبقى حقا مشروعا لا يقبل مبدئيا أي تقييد الا أن سياق هذه الاستقالة يدعو الى ابداء عدد من الملاحظات في ضوء التبريرات المعلنة

أولا – ان استقالة السيدة البورصالي هي الثالثة من نوعها من جملة ثلاث استقالات تمت بالتعاقب وقبل أن تبدا هيئة الحقيقة و الكرامة أعمالها ويتسلم الأعضاء مهامهم بصفة فعلية. ولذلك يبدو أكيدا أن الاستقالة لا علاقة لها بممارسة صلاحيات الهيئة او بالصعوبات الطارئة على عملها خصوصا و أن الهيئة لم تبرح الى الان مرحلة التحضيرات الأولية.

ثانيا – ان هيئة الحقيقة و الكرامة قد خضعت منذ انشائها الى اليوم وقبل أن تصرح بتوجهاتها الى انتقادات كثيرة تعلقت سواء بطريقة انتخابها او بتركيبتها أو حيادها اضافة الى هرسلة دائمة لم تشهدها اي من الهيئات المحدثة في هذه المرحلة الانتقالية. ويلاحظ اضافة لذلك ان استهداف الهيئة قد اخذ مناحي اكثر جدية بعد التصريحات المباشرة للسيد الباجي قائد السبسي التي تحدثت عن “عدالة انتقامية” ورغبة في مراجعة المسار باكمله.

ثالثا – ان ردود الافعال الصادرة من الهيئة تجاه استهدافها او انتقادها لم تعبر عن التضامن التقليدي المتوقع من هيئة متماسكة تعكس رؤية موحدة بل ابرزت تصدعا مثيرا للتساؤل وهو ما تجسم في استقالة الاعضاء الثلاثة. ولذلك يبدو من البديهي ان نعتبر الاستقالة الاخيرة مظهرا سلبيا لهيئة ناشئة كان من المفروض ان يساعد الاعضاء انفسهم على “تلاحمها”.

رابعا – ان استقالة السيدة البورصالي قد تميزت كسابقاتها بالغموض و التحفظ كما ان البلاغ الصحفي الصادر بشأن ذلك قد أخفى الدوافع الحقيقية للتخلي عن عضوية الهيئة واكتفى بالقول أن الاستقالة تعبر عن قناعة السيدة البورصالي بانه من الضروري اليوم تصحيح مسار العدالة الانتقالية الذي يمثل في رأيها الضمان الوحيدلنجاحها. ولعل أبرز التداعيات المترتبة عن ذلك هو الحديث عن ازمة داخلية للهيئة ناشئة عن خلافات بين اعضائها وطريقة تسييرها.

خامسا – يتبين ان السيدة البورصالي قد حاولت في خطاب استقالتها الموجه للراي العام ان تبرز موقعها المستقل داخل الهيئة -رغم ان ذلك مفترض في جميع الاعضاء- وذلك بتاكيدها انها ترفض في آن واحد الإتجاهين السياسيين البارزين:

-اولهما الإتجاه الذي يستعمل تعلة تهديد مسار العدالة الانتقالية من طرف قوى سياسية معادية له حتى لا يقع التفكير في تصحيحه ويمكن أن يكون من ضمن المقصودين القوى الموصوفة بالثورية و الداعية الى المحاسبة و المساءلة.

-ثانيهما الإتجاه الذي ينظر الى العدالة الانتقالية كانها عدالة انتقائية او انتقامية ويمكن أن يكون المقصود كل من يرفض مسار العدالة الانتقالية من رموز النظام القديم أو المنتفعين منه.

لكن رغم كل ذلك الاقناع فمن الملاحظ أن أهم المنادين الآن “باعادة النظرفي قانون العدالة الانتقالية وفي تركيبة ورئاسة الهيئة على اساس معايير الكفاءة و الاستقلالية السياسية الحقيقية” هو حزب حركة نداء تونس ومن شأن هذا السياق أن يدخل مزيدا من الالتباسات على مبادرة السيدة البورصالي بالاستقالة دون انتظار أن تتضح التوجهات ازاء قانون العدالة الانتقالية في مجلس الشعب القادم.

اخيرا- يمكن التاكيد -بعيدا عن اي تجاذب سياسي -أن الحكم على هيئة الحقيقة و الكرامة في المرحلة القادمة يجب أن يكون مرتبطا بأدائها وأن العمل على اضعافها قبل نأ تبدأ لا يبدو خيارا سليما وملائما لعملية الانتقال الديمقراطي دون أن يمنع ذلك من اعادة النظر في آليات العدالة الانتقالية و هياكلها بقصد تطويرها وزيادة نجاعتها.