المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

rap-micro

النكسة …وضع ثابت

الراب االتونسي ساهم في إندلاع الثورة التونسية وتوهج بعدها ليصبح مغني الراب نجما يحظى بشهرة فاقت في بعض الأحيان شهرة الفنان الوتري. أشهر فنانين الراب دخلوا للسجون لأسباب إنحصرت على تهم “إستهلاك مادة الزطلة” أو “شتم البوليس” وتعددت التحاليل المتطرقة لنجاح أغنية “حوماني” لما تضمنته من دلالات إجتماعية وسياسية.

ما الذي يدفعني إذا للحديث عن نكسة الراب التونسي المتزامن مع نكسة الثورة التونسية ؟

وما الذي يقف حاجزا بين فن الراب والإحتراف؟ وهل أن وزارة الثقافة تدعم هذا الفن أم تخطط لتهمشه؟

نكسة الثورة التونسية

نبي الله إبراهيم عليه السلام قام بتحطيم جميع الأصنام ما عدى أكبرهم ليوجه له تهمة تكسير البقية وبهت قومه من شدة حنكته… أما الثوار التونسيين نجحوا في تحطيم الصنم الأكبر بن علي لكن بقية الأصنام لم يتم تحطيمها. والعجيب أنها محمية من قبل الدستور والقضاء، في المقابل تهم توجه ضد الثوار زورا وبهتانا، وبهت الشعب التونسي من عبثية المشهد.

يجب أن نكون متصالحين مع تاريخ الثورة التونسية الذي تضمن شعارات عديدة من بينها شعار هتفت به حناجر الثوار “الشعب يريد إسقاط النظام”. خرج الطاغية زين العابدين بن علي من تونس، أما نظامه القامع البوليسي بقي جاثما على صدورنا في عهد حكم حركة النهضة التي عانت في زمن نظام بن علي من السجون والتهجير لكنها عشقت جلادها من أجل السلطة فأعطته الضمانات الدستورية الكافية ليعربد من جديد.

هذا المشهد البائس يتم تعزيزه مؤخرا بإنتخابات شيطانية، وقد بادر الشعب التونسي بمقاطعة هذه الخزعبلات فجند ضده كل أفراد النظام الذي أورثنا إياه بن علي مع الملتحقون الجدد وغايتهم هي نجاح إنتخابات متعفنة بوجوه الدساترة والتجمعيين.

تضافرت جهود هؤلاء ليجدوا تحاليل سخيفة للمقاطعة، فطالبوا بتمديد أجل التسجيل الإنتخابي، و انتشروا في الفضاءات الترفيهية والمهرجانات ساعين لرفع نسب التسجيل الإنتخابي.

تركة بن علي في ثوبها الجديد حافظت على نظرتها للفنان. فهو مجرد بوق للسلطة تستعمله لتبيض صورتها (الفنان لطفي العبدلي شارك في الحملة التحسيسية للتسجيل الإنتخابي، والفنان نور شيبة يردد في حفلته “إلي إحب تونس يمشي إقيد”، الممثل فتحي الهداوي والصحفي إلياس الغربي وغيرهم يشاركون في ومضة تحسيسية بعنوان “قرر”). موقف هؤلاء سلبي رغم إدعائهم الإيجابية ولعب دور التوعية والتحسيس . فمقاطعة هذه المهزلة هو القرار الإيجابي ما دام المشهد الحالي عبثي ولا يحتكم للمنطق.

مقاطعة الإنتخابات التشريعية والرئاسية هو رد محتمل لأغلبية التونسيين باختلاف أسبابهم على تدهور الوضع الأمني و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي… فقدان الثقة إذا في الطبقة السياسية يجعل المقاطعة أمرا بديهيا دون الخوض في درجة الوعي التي تختلف من شخص إلى أخر.

نكسة الراب التونسي

فن الراب هو فن يستلهم من الأحياء الشعبية وقد لعب دورا هاما في تعرية إنتهاكات نظام بن علي القمعي قبل الثورة. و قد اتسعت قاعدة المعجبين بهذا فن في تونس لأنه يعكس واقعهم دون زيف وأقنعة تضمنها الفن الوتري في عهد بن علي.

يمكن القول أن للراب التونسي تاريخ عرف نجاحا بعد الثورة، لكنه في المدة الأخيرة يشهد نكسة، فالمؤشرات تعددت والأخطر أن نقابة الراب التونسية تنتهج موقف اللاموقف الذي لا يخدم إلا ثبوت النكسة.

إنحصرت مؤخرا مواضيع الراب في خندق “شتم الحكومة”، “شتم البوليس” و “إستهلاك مادة الزطلة” لدى الشباب وكأنها أصبحت تأشيرة الدخول لعالم فن الراب. وهذا يدل على الوقوع في تكرار نصوص مفرغة من الإبداع. هذا الأفق الضيق للمواضيع التي يتطرق لها مغني الراب جعلته يفقد ثقة الجهة المنتجة، وحجة هؤلاء أنهم لن يستثمروا في هذا الفن المشجع على إستهلاك مادة الزطلة.

في كل هذا الزخم الإعلامي لم نشهد إلا برنامجا تلفزيا يسلط الضوء على جميع جوانب فن الراب في تونس و هو برنامج “ستريت أر” لمغني الراب كريم كوكي الذي ساهم بشكل كبير في التعريف ببقية زملاءه وفي تأطير الملتحقين بهذا الفن. لكن و للأسف توقف مؤخرا هذا البرنامج نظرا لعدم حرفية قناة “تونسنا” في التعامل مع فريق العمل. و أكد كريم كوكي لموقع نواة على نكسة الراب التونسي الحالية موضحا أن العنصر الأخطر هو الصورة المشوهة لفن الراب التي تسوق للشباب والأطفال، مضيفا بأنه بصدد إنهاء عمله الجديد “يبقى الهيب هوب” الذي يتضمن نقد لكل مغني راب تسبب في ترويج صورة مشوهة لهذا الفن أو سعى للضجة الغوغائية.

مغني الراب عموما عصامي التكوين، إبن الأحياء الشعبية، يجد نفسه يعامل كفنان درجة ثانية في المهرجانات بأجر زهيد مقابل حفظ المكانة المرموقة للفنان الوتري. فوزارة الثقافة تكيل بمكيالين وتحبذ تشجيع مغني الراب الجزائري “دوبل كانو” الذي نجح في خلق بصمة إسلامية من خلال فنه مقابل تهميش ممنهج لمغني الراب التونسي فريد المازني و بقية زملاءه.

مغني الراب الذي عرفناه شابا داخل في رهج الثورة غاضب من كل وصي على الشعب…لو أوقفنا المشهد اليوم في وضع ثابت وتفحصناه سنجد هذا الشاب وجهت إليه تهمة الإساءة لفن الراب من خلال أغاني يراها البعض مشجعة على إستهلاك مادة الزطلة وأخرى قوامها الوحيد الشتم ومفرغة من أي مضمون. في جميع أنحاء العالم من الطبيعي أن تتضمن أغاني الراب الشتم فهو يحادث الواقع دون تزويق لكن الإحتراف ينص بالأساس على إحتواء الأغنية لمضمون وبحث في الإيقاع. هؤلاء الشباب ينقصهم التأطير ودعم شركات الإنتاج كي تفتح لهم أفاق جديدة عمادها الإحتراف.

“لاباس ؟” هذا السؤال الأكثر شعبية في تونس والغريب أنه يمثل الإجابة في معظم الأحيان، لكن البأس يصر على التضخم ليسقط جميع الأقنعة النورانية ويتجلى قبح الوضع الثابت…نكسة ترمي بظلالها على الثورة والراب.