front-populaire-tunisie-gauche

تقييم:

مثلت أرضية الجبهة الشعبية قاسما مشتركا لتجميع جزء من المعارضة اليسارية، حين كانت “الترويكا” بقيادة “النهضة” تترأس مؤسسات الدولة، وتحكم البلاد، بدعم من القوى الإمبريالية، وكانت الجبهة الشعبية، في بداياتها، حافزا للإحتجاجات والمظاهرات، وجزءا من الحراك الإجتماعي في مختلف مناطق البلاد، وكان يمكن الإستفادة من هذه التجارب النضالية الثرية لبناء جبهة ترسخ توجها سياسيا تقدميا ومستقلا عن الإمبريالية والمال المشبوه، ومن جانبنا كان همنا الأول ينحصر في بناء وتطوير هذه الجبهة، ولذلك تغاضينا عن المكانة (غير المستحقة) التي احتلها الناطق الرسمي للجبهة وحزبه (حزب العمال)، وأدت الخيارات السياسية التي ورطتنا فيها القيادة (مجلس الأمناء)، وبالأخص ناطقها الرسمي، إلى منعرج يميني وانتهازي، وتراكم للأخطاء السياسية التي نبهنا إليها ونددنا بها عديد المرات…

تكثف الغضب الشعبي إثر اغتيال رفيقنا شكري بالعيد (فبراير/شباط 2013) وشارك مئات الآلاف من المواطنين، الرافضين لسياسة الحكومة، في جنازته، ما جعل ميزان القوى يميل لصالح القوى التقدمية واليسار، وكان الظرف سانحا لإسقاط حكومة “الترويكا”، وهي المسؤولة سياسيا عن تصاعد أحداث العنف ضد المناضلين السياسيين والنقابيين والمثقفين والصحافيين والفنانين وأهالي الضحايا والمجروحين وعن قمع المتظاهرين في مناطق عديدة من البلاد (سليانة، قفصة، سيدي بوزيد، القصرين…) لكن قيادة الجبهة الشعبية تجاهلت هذا الوضع الثوري الجديد الذي خلقه الحراك الشعبي، ودعت إلى الهدوء وإلى “الوحدة الوطنية ضد الإرهاب”، ما مثل منعرجا يمينيا، تجسم في التحالف مع قوى البرجوازية واليمين وقيادة “التجمع” (الذي سقط مع رئيسه في 14 جانفي 2011) وذلك مباشرة إثر الإغتيال الثاني لأحد قياديي الجبهة الشعبية، الرفيق “محمد البراهمي” (25/07/2013) وأسست قيادة الجبهة الشعبية مع قوى اليمين “جبهة الإنقاذ الوطني”، وذابت داخلها، وأفضت إلى “الحوار الوطني”، برعاية منظمة ارباب العمل والإتحاد العام التونسي للشغل…

تخلت قيادة الجبهة عن ثوابت الصراع الطبقي والإستقلال الوطني، وخاطرت بسمعتها (وسمعتنا) وبشعبيتها وتحالفت مع القوى البرجوازية وحزب “التجمع” الذي يتهيأ للعودة إلى السلطة، كما تورطت مع القوى الإمبريالية التي تحارب أي ثورة شعبية أو اجتماعية، وتحاول فرض “ديمقراطية” على مقاس الإستعمار، تحت إشراف مؤسسات تقاد من واشنطن وبروكسل، وكان الناطق الرسمي للجبهة يفتخر باتصالاته المتعددة مع ممثلي الإمبريالية ويتباهى بعلاقاته مع سفراء ووزراء وممثلي الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية

على الصعيد المحلي، غضت هذه القيادة الطرف على ممارسات البيروقراطية النقابية، التي ضحت بمصالح العمال، وتخلت عن مساندة النضالات، إن لم تمارس خيانتها، بتوقيع اتفاقيات مع منظمة أرباب العمل، باسم العمال، لكن ضد إرادتهم، مثلما حصل مع عاملات شركة “لاتيلاك”، وليس ذلك بالغريب عن ممارسات قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل، التي شاركت مع منظمة أرباب العمل في ما سمي ب”اللجنة الرباعية”، وهو إطار للتعاون الطبقي ضد مصالح العمال، أفضى إلى توقيع ميثاق “سلم اجتماعي”، يمنع الإحتجاجات لمدة ثلاث سنوات

تخلت قيادة الجبهة الشعبية عن أرضية الصراع الطبقي وعن النضال ضد الامبريالية، وتحالفت مع القوى الرجعية، دون استشارة مناضليها ومختلف مكوناتها من أحزاب ومستقلين، وطورت وعمقت طرق التسيير العمودي، المتمثل في إصدار “مجلس الأمناء” الأوامر (خلال اجتماعات مغلقة) إلى المناضلين، الذين توجب عليهم تطبيق القرارات دون نقاش أو إبداء رأي، كما في الثكنات، وقد عانى مناضلو الجبهة الشعبية في باريس من مثل هذه الممارسات والتسلط والتشويه ومحاولة تكميم الأفواه وغياب الديمقراطية، بإيعاز من ممثلي “حزب العمال” ومساندة قيادة “الجبهة الشعبية” في تونس، وكان من نتائج هذه الخيارات السياسية وهذه الممارسات أن خارت عزائم العديد من مناضلي الأحزاب المكونة للجبهة والمناضلين المستقلين، في مختلف مناطق البلاد وفي الهجرة، وغادرها خمسة أحزاب (من إجمالي 12 حزب)، وباءت المبادرات الأخيرة للجبهة بالفشل، وأصبحت ظلا باهتا لذلك الحراك الهائل الذي اتسمت به بداياتها، وما خلقته من أمل في أوساط الفقراء والمحرومين والمناضلين

بعد ثلاث سنوات ونصف من سقوط الدكتاتور، يستعد أصدقاؤه وقيادات حزبه وحلفاؤه للعودة إلى السلطة، إذ ترشح اهم مسؤولي نظام “بن علي” إلى الإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة (اكتوبر ونوفمبر 2014) وهم ليسو أفرادا، وإنما دعائم أساسية، محكمة التنظيم، مدعومة من الإمبريالية ومن رأس المال الأجنبي والمحلي، وكانوا مسؤولين بشكل مباشر عن سياسات القمع وعن الخيارات الإقتصادية الليبرالية التي فاقمت المديونية وهضمت حقوق العمال والفقراء… واصلت حركة “النهضة” هذه السياسة المعادية للطبقات الكادحة، وكذا فعلت حكومة “المهدي جمعة” ويتنافس جميعهم على إتقان دورهم المتمثل في الحفاظ على مصالح الطبقات المهيمنة وتطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، المتمثلة في خصخصة المؤسسات والمرافق العمومية وخفض الإنفاق الحكومي، ما يؤدي إلى تردي ما تبقى من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، الهزيلة أصلا، والقيام بدور شرطي أوروبا بتشديد مراقبة الحدود الخ

إن مواجهة هذه السياسات المتواصلة منذ أكثر من أربعة عقود، تقتضي تصليب عود اليسار، المستقل عن (بل المعادي ل) البرجوازية وممثليها، ويدافع عن حقوق العمال والفقراء، ورفض التحالفات التي تتعارض مع مصالح الفئات الشعبية، لكي يكتسب مصداقية تمكنه من أن يشكل بديلا ديمقراطيا، لأننا في حاجة إلى يسار يضطلع بمهمة بناء وانجاز تحالف العمال والمهمشين والمعطلين عن العمل والشباب وكل المظلومين والمقموعين في تونس وفي باقي البلدان…

القرارات:

بعد تعمق الفجوة التي ما فتئت تتسع بين قناعاتنا من جهة والتوجه الإنتهازي الذي اتبعته قيادة الجبهة الشعبية، من جهة ثانية، وبعد قيامنا بكل ما كان بوسعنا لنناضل من داخل الجبهة، بهدف تصحيح مسارها، وبعد الإطلاع على كل القرارات والممارسات التي اتسمت بانعدام الديمقراطية، وآخرها طريقة تشكيل القائمات الإنتخابية وقبول الناطق الرسمي تزكيات من أحزاب “الترويكا” (النهضة والمؤتمر)،

قررنا، نحن مناضلون ومؤسسون للجبهة الشعبية في باريس وضواحيها، تحمل مسؤولياتنا وإعلان مغادرتنا للجبهة، وهو قرار صعب، لأن لنا أصدقاء ورفاق، داخل الجبهة، لا نرغب إعلان القطيعة معهم، ولا نشك في نضالاتهم الصادقة، رغم انتهازية قياداتهم، ولا نود قطع الصلة بهم، وهي من العوامل التي ساهمت في تأجيل اتخاذ قرارنا مغادرة الجبهة الشعبية

قرر المناضلون والمناضلات وبأغلبية عريضة، خلال الاجتماع العام المنعقد في باريس يوم 27 سبتمبر 2014، مقاطعة الإنتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، كما قرروا في هذا الإطار، القيام بمقاطعة نشيطة، بالإشتراك مع تنسيقيات أخرى في تونس وفي المهجر، للتنديد بالمال الفاسد والرشوة وتمويل المؤسسات الأوروبية والأمريكية لأحزاب وجمعيات تساهم في الحملة الإنتخابية، وللتنديد بالتدخل الإمبريالي المباشر في الشؤون الداخلية للبلاد…

الآفاق:

إن خروجنا من الجبهة الشعبية لن يوقف نضالنا من أجل “تحقيق أهداف الثورة”، بل يمثل منطلقا لمحاولة تركيز جهودنا على بناء جبهة نضال ومقاومة شعبية، بهدف توحيد الثوريين، وتأسيس أداة مستقلة عن قوى الهيمنة والمال، ترفض أي تدخل أجنبي في شؤون بلادنا

إننا ندعو كل من يشاطرنا تحليل الوضع السياسي وتشخيص المهمات، في تونس وخارجها، أن ينظم إلينا كي نحدد الأهداف ونبني معا هذه الأداة السياسية

مؤسسون ومناضلون بالجبهة الشعبية فيباريس وضواحيها

باريس في 27 سبتمبر 2014

للاتصال بنا :17decembre@laposte.net