المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

import-moutons-aid-tunisie

بقلم فرحات عثمان،

من المسائل المطروحة حاليا على الحكومة الموضوع الشائك المتعلق بتوريد الخرفان بمناسبة عيد الأضحى وما ينجر عن ذلك من خسائر فادحة في العملة الصعبة. إلا أنه يبدو لها من الصعب عدم القيام بمثل هذا التوريد باسم احترام التقاليد والعادات الدينية للبلاد.

والحقيقة التي يجب أن تقال هنا هي أن هذه التقاليد ليست على الأكثر إلا اجتماعية لا دينية، إذ أنها من العادات الأجنبية على الإسلام التي داخلته على مر الأزمن دون أن تكون منه في شيء.

لا أضحية خارج الحج

فالأضحية متلازمة مع الحج، إذ لا أضحية إلا لإتمام منسك الحج. لذا، من لم يحج، لا أضحية عليه. فالأضحية شرعا هي ما يُذبح تقربا إلى الله في أيام النحر وبشرائط مخصوصة متعلقة بالحج.

نعم، في ما يخص ارتباط عيد الأضحى بموسم الحج، اختلفت الآراء وكثر الجدل بين المسلمين في العالم؛ إذ بعضهم يرى أن عيد الأضحى في كل العالم يجب أن يكون في اليوم الذي يلي يوم الوقوف في عرفة. أما البعض اللآخر فيقول أن عيد الأضحى ليس مرتبطاً بيوم عرفة أو بشعائر الحج، إنما هو شعيرة إسلامية منفصلة ومستقلة بذاتها، يجب أن تحدد تبعاً للرؤية المحلية للهلال. هذا، وقد كان الأمر تاريخيا على هذه الحال الأخيرة من تعدد أيام الاحتفال بعيد الأضحى كما رواه مؤرخو الإسلام، وكما بيّنه مثلا ابن حجر العسقلاني. إلا أن هذا كان من الرواسب الأجنبية التي داخلت الإسلام كما نبين ذلك لاحقا.

ثم الحج هو لمن استطاع إليه سبيلا، ولا حرج على من لم يستطعه، فكذلك الأضحية وهي خارج نطاقها الضروري، أي الحج؛ فلا حرج على من لا يضحي، خاصة إذا كان هذا لأجل مصلحة عامة.

ذلك لأن دين الإسلام يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. ولا شك أن العيد اليوم خارج إطار الحج هو من الكماليات، إذ أن الأضحية أصبحت أساسا من باب إدخال البهجة على الأطفال والتشبث بالعادات أكثر منها التطبيق لقواعد الدين الحنيف. بل لا تطبيق في شيء للدين في ما يخصها خارج مناسك الحج.

الأضحية خارج الحج هي من الإسرائيليات

هذا، ولنعلم أنه لا علاقة للأضحية كما نقوم بها اليوم بدين الإسلام، فهي عادات يهودية عُدت من الإسلاميات إذ هي من الإسرائيليات التي داخلت ديننا.

فمن المتداول أن الأضحية هي التخليد لحادثة افتداء الله لابن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد ورد ذكر ذلك بالقرآن بسورة الصافات، من الآية 100 إلى الآية 111. إلا أن العارف لدينه يعلم أن الله لم يبين في القرآن اسم أي ابني إبراهيم المعني بالآية، بينما تبين التوراة صراحة أنه إسحاق بلا منازع.

طبعا، نحن نعلم أن الابن الأكبر لسيدنا إبراهيم هو إسماعيل، ولقائل أن يقول أن التضحية تخص البكر من الأبناء، وهذا ما يتعلق به المسلمون الذين يعتقدون في أن المعني بسورة الصافات هو إسماعيل.

إلا أن هذا من الخطأ، لأننا نعلم أيضا أن إسماعيل ابن أمة وأن أبناء الإماء لم يكن لهم من الحقول مثل ما لأبناء الأحرار. لذلك، لا يمكن أن يكون الله طلب من إبراهيم التضحية بابن أمة. وهذا ما يقر به العديد من أجلاء أئمة الأمة، ومنم العالم الجليل الطبري.

كلام الإمام الطبري في الموضوع

لنقرأ ما يقوله في تفسيره للآية عدد 107 من سورة الصافات حيث يقول تعالى

:«وفديناه بذبح عظيم». فبعد أن استعرض كعادته كل ما قيل في الموضوع، ومنها أقوال قليلة بأن الذبيح هو إسماعيل، وأقوال أكثر عددا من أنه إسحاق، يعلّق الإمام الجليل قائلا : «وأولى القولـين بـالصواب فـي الـمفْدِيّ من ابنـي إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـى ظاهر التنزيـل قول من قال: هو إسحاق، لأن الله قال: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } فذكر أنه فَدَى الغلامَ الـحلـيـمَ الذي بُشِّر به إبراهيـم حين سأله أن يهب له ولداً صالـحاً من الصالـحين، فقال: { رَبّ هَبْ لـي مِنَ الصَّالِـحِينَ }. فإذ كان الـمفدِيّ بـالذبح من ابنـيه هو الـمبشَّر به، وكان الله تبـارك اسمه قد بـيّن فـي كتابه أن الذي بُشِّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جلّ ثناؤه: { فَبَشَّرْناهُ بإسَحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسحَاقَ يَعْقُوبَ } وكان فـي كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنـما هو معنّى به إسحاق، كان بـيِّناً أن تبشيره إياه بقوله: { فَبَشَّرْناهُ بغُلامٍ حَلِـيـمٍ } فـي هذا الـموضع نـحو سائر أخبـاره فـي غيره من آيات القرآن.

وبعد، فإن الله أخبر جلّ ثناؤه فـي هذه الآية عن خـلـيـله أن بشَّره بـالغلام الـحلـيـم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالـحين، ومعلوم أنه لـم يسأله ذلك إلا فـي حال لـم يكن له فـيه ولد من الصالـحين، لأنه لـم يكن له من ابنـيه إلا إمام الصالـحين، وغير موهوم منه أن يكون سأل ربّه فـي هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع هو الذي ذكر فـي سائر القرآن أنه بشَّره به وذلك لا شك أنه إسحاق، إذ كان الـمفديّ هو الـمبشَّر به.

وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ فـي أنه إسماعيـل، أن الله قد كان وعد إبراهيـم أن يكون له من إسحاق ابن ابن، فلـم يكن جائزاً أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم فإن الله إنـما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي، وتلك حال غير مـمكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فـيها أولاد، فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة الـمفديّ من ولد إبراهيـم بقوله: { وَبَشَّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيًّا }. ولو كان الـمفديّ هو إسحاق لـم يبشَّر به بعد، وقد ولد، وبلغ معه السعي، فإن البشارة بنبوّه إسحاق من الله فـيـما جاءت به الأخبـار جاءت إبراهيـم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من الله له علـى صبره لأمر ربه فـيـما امتـحنه به من الذبح…»
(انتهى كلام الإمام الطبري)

هكذ إذا، سواء من الزاوية الدينية أو الإقتصادية، لا حرج على الحكومة في اقتصاد عملة البلاد الصعبة بعدم استيراد خرفان في هذه السنة الصعبة ما دامت الفائدة من ذلك ليست إلا في تلبية شهوات واحترام عادات لم يقل بها الدين الحق، بل وإنه ليمنعها نظرا لما فيها من خراب لاقتصاد البلاد.

وبالتالي، فعلى الحكومة عدم استيراد الخرفان هذه السنة لأجل مصلحة البلاد وعلى أئمة هذه الأمة التذكير بحقيقة الأضحية في الإسلام والدعوة لعدم التضحية باسم الدين في عادة ليست هي من الدين ما دامت خارج شعائر الحج.