Theatre_amateur-tunisie-crise
الممثلة منيرة مجدوب في عرض مسرحي: فوق الكرسي

بقلم صفاء متاع الله،

تحتفي تونس في هذه الفترة من السنة بالمسرح الهاوي من خلال المهرجانات التي توزّعت على كامل تراب الوطن من تونس إلى المناطق الداخلية. وقد ساهمت هذه المهرجانات في الكشف عن مواهب شبابية فذّة تنذر بمستقبل واعد للمسرح المحترف، إلاّ أنّ هذا التميّز لعدد من العروض المسرحية الهاوية لا تخفي حجم المشاكل التي يتعرض لها الناشطون في القطاع وخاصة الجمعيات الهاوية.

إنّ المدقق في واقع جمعيات مسرح الهواية قد لا يدرك حجم الإشكاليات التي يتعرض لها المسرحيون والمعاناة اليومية التي يعيشونها من تهميش وعدم اعتراف بمجهودهم الذي يبذلونه للمشاركة في بناء مشهد مسرحي فني راق بتونس، هذا بالإضافة إلى جملة من الإشكالات المادية.

وفي سبيل الوقوف على هذه الحواجز التي تعيق من حين إلى آخر صدور عمل مسرحي هاو أو تحط من قيمته اتصلنا بعدد من جمعيات مسرح الهواة من أجل الوقوف على جذور أزمة هذا القطاع.

إشكاليات مادية

إنّ مسألة التمويل هي أبرز العقبات التي تعترض جمعيات المسرح الهاوي فحسب ما أجمع عليه عدد من أعضاء الجمعيات الناشطة بهذا القطاع هناك نقص في الدعم والتمويل. تقول هاجر الفهري ممثلة مسرحية ورئيسة جمعية السلام المسرحي أنّ نصيب هذا القطاع الفتات من ميزانية وزارة الثقافة مقارنة بالمبلغ الضخم الذي ترصده الوزارة للمسرح المحترف. بينما يعتبر رضوان عويساوي عضو بجمعية جدل للمسرح والفنون أنّ هذه الإشكالية أزلية في تاريخ مسرح الهواة بتونس وهو أكبر دليل على التهميش الذي يعاني منه القطاع رغم أنه مستقبل المسرح المحترف ونظرا لما يمثله من إطار لاحتواء المواهب الشابة التي تحتاج إلى صقل وتنمية.

ويرجع رضوان هذا التقصير من الوزارة في هذه المرحلة بالذات إلى التخفيض في ميزانية وزارة الثقافة لهذه السنة مما أدى بشكل مباشر إلى التأثير على الدعم. الممثل المسرحي حبيب غزال رئيس الجامعة التونسية للمسرح وعضو لجنة تحكيم في عديد من مهرجانات المسرح الهاوي أكّد على ضرورة الترفيع في الميزانية المخصصة لدعم مسرح الهواة نظرا لتكلفة العرض بالنسبة للجمعيات والتي من واجبها أيضا السهر على تكوين أعضائها والمنضوين تحتها وهذا العمل يحتاج إلى مبلغ محترم. كما دعا وزارة الثقافة إلى مراجعة هذه النقطة بالذات وتحديد توجهها العام وعلى رأسها السؤال إن كانت الوزارة تؤمن بمسرح الهواة أم لا؟

أزمة التكوين والتأطير

يواصل السيد حبيب غزال حديثه معنا ليتطرق إلى موضوع حارق هو الآخر وهو مسألة التكوين والتأطير إذ يعتبر أنّه لا يمكن لأي موهبة أن تتطور دون الخضوع إلى عملية صقل من خلال جملة من التربصات وأيضا من خلال الإطلاع على عديد الدراسات النظرية في هذا القطاع. كما أن الجمعيات الهاوية هي خلايا تكوين بالأساس إذ أنّ المسرح المحترف ليس معنيا بالتكوين والتأطير. وأكد أنّ الشباب متعطش للمعرفة إلاّ أنّ الإشكالية تقع ضمن برمجة المهرجانات المخصصة لمسرح الهواة، إذ لا يتم ادراج ورشة تربص بهذه التظاهرات إلا نادرا كما هو الحال الآن في مهرجان حي الطيران لمسرح الهواة وهو من المهرجانات القليلة التي تؤمن بضرورة تحويل فرصة اللقاء بين مختلف الجمعيات إلى فضاء للتأطير وتبادل الخبرات.

والإشكالية أيضا كما يرى السيد حبيب الغزال في رؤساء الجمعيات الذين يفتقرون بدورهم إلى التكوين والذين يعرضون عنه “عن جهل” إذ يعتبرون الخضوع لدورة تكوينية هي مسّ من قيمتهم أو من مركزهم كممثلي جمعيات مسرح، ورداءة مستوى البعض منهم تترجم في رداءة الأعمال المنتجة التي يراها في عديد المهرجانات. كما لم ينفي السيد حبيب وجود عدد من المسرحيين الذين لديهم خبرة عشرات السنين في هذا المجال والذين تجدهم في دورات تكوينية ولا يعتبرون ذلك مصدر إحراج أو خجل.

إشكال الفضاءات المخصصة للتدرّب

أجمع كل من حاورناهم على أنّ الجمعيات تعاني من عدم توفّر الفضاءات المناسبة للتدرب على عروضها المسرحية التي تنجزها. وقد اشتكى جميعهم من عدم التجاوب من دور الثقافة التي تستمر في غلق أبوابها في وجه المسرحي الهاوي ما عدا قلة قليلة منها. كما أنّ هذه الجمعيات هي جمعيات تطوعية أي أنّ للناشطين فيها التزامات تمنعهم من التدرب في النهار وهذا لا يتماشى مع توقيت دور الثقافة التي ورغم وجود حارس ليلي ترفض اسعاف جمعية من التحضير لعرضها الذي ستعرضه من الغد أو من التدرب عليه فوق خشبة المسرح. و يُرجع رضوان هذا الرفض وهذا التقاعس في دعم مسرح الهواية إلى قلة وعي مديري دور الثقافة بأهمية تلك الحلقة من فن المسرح، إذ أنّ مسرح الهواة هو أداة لبناء جيل مثقف وفنان وهو فضاء للكشف عن المواهب والعمل على تطويرها. كما أكد رضوان أنّ هناك قلة قليلة من أصحاب الفضاءات الخاصة تطوعت لدعم الجمعيات الهاوية بتسخير الفضاء لهم للتدرب على غرار السيد صالح حمودة صاحب فضاء مسار. أمّا السيد حبيب غزال فقد أعلمنا بأنه تم اقتراح استغلال الفضاءات التي كانت تحت سيطرة التجمع من شعب ولجان تنسيق لفائدة مسرح الهواة، إلاّ أنّ تلك الفضاءات والتي كانت قادرة على فك هذه الأزمة تمت السيطرة عليها للأسف من قبل أفراد آخرين واستغلالها في أنشطة أخرى.

تقصير من الإعلام

لم ينفي بعض النشطاء في جمعيات المسرح استياءهم من التقصير الواضح من قبل الإعلام في علاقة بالبرمجة الثقافية وخاصة منها المسرح ومسرح الهواية تحديدا، فهاجر الفهري استنكرت عدم إيلاء الإعلام الأهمية اللازمة لمسرح الهواية حيث يقومون بعرض مسرحية لوجوه معروفة حتى تضمن متابعة الجمهور في إطار صفقة تجارية مع شركة الإنتاج القائمة على ذلك العرض ولا تخصص حيّزا من الزمن لعرض مسرحية لجمعية هاوية رغم ما يقر به أكبر المسرحيين بالقيمة الفنية لبعض الأعمال المسرحية الهاوية. وتعتقد هاجر الفهري أنّ هذا أحد أسباب جعل مسرح الهواة مقتصرا على بعض المحبين بخصوص المواكبة، وهو ما أثر سلبا على المشهد المسرحي في تونس.
واعتبرت أنّ المسرح في تونس بغض النظر عن الوجوه المعروفة والتي صارت نجوم شباك التذاكر هو مسرح ظلّ بامتياز.

رضوان عويساوي من جانبه اتفق مع هاجر في هذه النقطة بل وأضاف أنّه حتى البرامج الثقافية الموجودة في وسائل الإعلام المرئية وعلى قلتها والحيز الزمني المخصص للفنانين يؤثثه ممثلون عادة ما تكون أعمالهم تجارية أنجزت بهدف الربح، على غرار لطفي العبدلي ولمين النهدي وغيرهم، أو يكون الضيف فنانا شعبيا مثل نور شيبة أو زينة القصرينية ولا يقدمون على استضافة ممثل مسرحي ينشط في مسرح الهواة منذ نعومة أظافره وساهم في إخراج عديد المسرحيات. وهنا تشير هاجر الفهري أنّ مديري دور الثقافة هم أيضا ليسوا بصدد القيام بواجبهم حول الدعاية والإعلام للعروض المسرحية التي تُبرمج في فضاءاتهم وهذا سبب آخر لغياب الجمهور في قاعات العرض. وهنا عبّرت منيرة مجدوب عن جمعية مسرح الفرجة استياءها من غياب الجمهور الذي يمثل الداعم النفسي الأول للمسرحي، وأشارت إلى أنّ الإحباط قد يتسلل إلى قلب الممثل الهاوي حين يبذل جهدا ولا يجد جمهورا يشاطره جنونه وابداعه.

“بنينا كل شيء في تونس إلاّ الانسان”

لم يتحدث السيد بشير المناعي من جمعية مسرح الفرجة عن الإشكاليات التي تعيشها الجمعيات الهاوية ولم يشتكي حتى من ضعف الدعم ولا التهميش الذي يعيشه هذا القطاع، بل لخّص كلامه كله في هذه الجملة:

علينا أن نكف عن بناء دور الثقافة والجسور والمغازات العامة ولنبن الانسان.

فالسيد بشير يعتقد أنه لم نكن لنجد هذه الإشكالات لو كانت الدولة تعمل على بناء إنسان مثقف عوض إنسان متخصص في مجال واحد وأكد أنّ هذا التهميش الذي تعيشه كل الفنون وكذلك عزوف التونسيين على مواكبة المسرح والمعارض التشكيلية وغيرها راجع بالأساس إلى التربية التعليمية والأكاديمية التي رسخت في الإنسان حب التميز في مجاله دون الأخذ بعين الإعتبار ضرورة التثقيف لحمايته من التكلس الفكري والسوداوية في بعض الأحيان. كما أشار إلى أننا وحين نبني في تونس إنسانا مثقفا لا آلات تعمل كل حسب إختصاصها سننجب شعبا مثقفا ومسرحا متميزا وكوادر نوعية قادرة على تسيير المؤسسة وحماية العمل الفني والثقافي.

إنّ ما ذكرنا من إخلالات تحوط بهذا المجال لم تمنع الناشطين صلبه من دعوة زملائهم إلى الصمود والإستماتة في تحقيق حلمهم في بناء مسرح جيد لكل تونسي وتونسية. و جددوا في النهاية دعوته وزارة الثقافة للإلتفات إلى مجهودهم وإنتاجاتهم وحرصهم على المساهمة في بناء تونس الثقافة و الإبداع.