المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
IRAQ-chretien
مسيحيو الموصل بالعراق، أسوشيتد برس

بقلم محمد بوسريرة،

إنّ أخطاء الإنسانيّة، وسوء تفكير وتدبير أغلب قادتها وزعماؤها ورجال الأديان في العالم، على مرّ آلاف السنين راكمت التعصّبات الدينيّة والعرقيّة والطائفيّة والوطنيّة شيئا فشيئا، حتى صارت مزمنة متعفنة، وتحوّلت إلى عقيدة أكثر قدوسية من جوهر الأديان، وبعد أن كانت محدودة الضرر، بين القبائل والعشائر والأعراق، وبعض الأديان في نطاق محلي ضيّق جدّا، وبأسلحة بدائيّة تقليدية، هاهي اليوم تعمّ أجزاء كثيرة من العالم، مستعملة أسلحة رهيبة الفتك تحصد آلاف الأرواح في لحظة واحدة، وتدمّر أحياء ومدنا كاملة بالضغط على زرّ، وهي تتجه نحو الأسوأ إذا سمح باستمرارها إلى حين استعمالها لأسلحة الدمار الشامل النوويّة منها والجرثوميّة، والتي قد تتسرّب إلى أيدي البعض من المتطرفين، إن لم يكن قد حصل ذلك فعلا.

لم يبق وقت أمام العالم ليوقن أنه آن وحان للحكام وقادة الدول العظمى خاصّة، ورجال الأديان كلها، لتراجع فكرها وسلوكها بما يليق بإنسانيتها ومسؤوليتها ودورها في إعمار الكون وحفظ حياة البشر وتحقيق سعادتهم بنشر السلام والأمن والرفاه لكلّ الناس، والقطع مع آلام وأحزان الماضي والحاضر، ومع الحيث والظلم والقهر والفقر، وهي كلها أسباب توليد العنف والحقد.

كلّ الناس يطوقون إلى السلام والحياة ويأملون في تأسيس نظام عالمي جديد، يقوم على فكر وحدة الجنس البشري والتسامح الديني والتعايش بين الشعوب في وحدة مع التنوّع من أجل غد أفضل، وليس على نظام عالمي جديد يواصل الاستثمار في التعصّبات وإشعال الفتن وتفريق الشعوب وتقسيم البلدان كما هو حاصل اليوم، وهو ما يزيد في تعميق مآسي الإنسانيّة.

من الخطأ أن يعتقد قادة الدول العظمى ورجال الأديان وكلّ من يغذي ويدفع إلى إشعال الفتن ونعرات التطرف الفكري والديني ونشر العداء والإرهاب، أنهم وشعوبهم في مأمن ممّا يحدث لغيرهم بتدبير منهم وفي أقلّ الحالات بسكوتهم، وهم يتابعون ما يجري في أوطان بعيدة منهم، لأنّ النهاية ستكون عندهم وعلى حسابهم، لذلك من واجبهم الإسراع بالبحث عن الحلول الجماعيّة، بإجراء حوارات كونيّة بين قادة البلدان ورجال الأديان دون استثناء، فالسلام العالمي وحبّ الحياة والعيش الكريم مطلب كلّ الإنسانيّة، وكلّ المسؤوليّة محمولة أمام الله والتاريخ على الحكام ورجال الأديان الذين يعيقون تحققها بالإذعان لأهوائهم وغرورهم وتجاهلهم مصالح شعوبهم.

ليس الحلّ في منح اللجوء للمسيحيين المهجرين قسرا من ديارهم في العراق بسبب التعصّب الديني، لأنّ التعصّب لا يعالج بمثله ولأنّ هذا الحل يخدم غاية المتطرفين ويجعلهم منتصرين، وبالتالي يتمادون في غيّهم أكثر فأكثر، ولأنّ أيضا ما نال المسيحيين طال غيرهم من الأقليات، بل وحتى الأغلبيّة المسلمة حيث تمّ إجبارهم كرها وإخضاعهم إلى إرادة المتطرفين الغاصبين، ومن واجب العالم أن يتضامن لتحقيق الأمن والسلام وحرية المعتقد والضمير للجميع داخل أوطانهم وليس بزيادة قهرهم وترحيلهم عن بيئتهم الأصلية ليكونوا لاجئين في بلدان أخرى.

اعتقادي أنه من بين الحلول : أن يعيَ قادة الشعوب والأديان في العالم، أنّ فخرهم الحقيقي في تحقيق السلام العام والعيش الكريم لشعوبهم والإنسانيّة، وللوصول إلى ذلك أن يبادروا حالا إلى قطع صلتهم بكلّ استثمار في التطرّف والإرهاب وزرع الفتن وبؤر التوتر وإشعال الحروب، ومقاطعة كلّ دولة تأوي التطرّف والإرهاب ولا تجرّم من يصدر عنه قولا أو فعلا ما من شأنه أن يثير العداوة بين الناس أو الاعتداء على المقدسات والأعراض.

وفي ذات الوقت تأسيس قوّة أمميّة تشارك فيها كلّ جيوش العالم حسب حجم وإمكانيات كلّ بلد، ويمكن تسميتها بالقوّة الأمميّة لإرساء السلام العالمي، تكون تحت إمرة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مع هيئة عالميّة محايدة مكوّنة من ممثلين عن الشعوب والأديان وحاملي جائزة نوبل للسلام، يتمّ انتخابهم بالتناوب بين الدول في كلّ فترة يتمّ تحديدها، وتتدخل هذه الجيوش لردع كلّ اعتداء تتعرّض له دولة أو شعب في أيّ بقعة من العالم سواء من الدول المجاورة لها أو البعيدة عنها، كما تتدخل لحماية الشعوب من كلّ طغيان داخلي من الحكام أو من المتطرفين فكريّا، وقد ثبت للجميع عجز الدول والشعوب منفردة عن مقاومة الإرهاب والطغيان الخارجي منه والداخلي خاصّة أمام ما تلقاه هذه الجماعات من دعم مادي وتحريض ديني ممن يتوهمون الاستفادة من ذلك.

كالإسراع بحلّ مشكلة المشاكل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وإنهاء أزليتها، وهذا ممكن إذا صدقت نيّة الزعماء والقادة ورجال الأديان للاستجابة لرغبة الشعبين في العيش بسلام، وعلى الجميع أن يقتنع ويسلم بحق الفلسطينيين والاسرائليين بأن يكون لكلّ واحد منهم وطن مستقل بحدوده وسيادته، من غير المعقول اليوم أن يتواصل هذا البركان يقذف بحممه، ويغذي نيران التعصب الديني والعرقي، والجميع يعلم أنّ التاريخ شاهد على أنّ أسلاف الشعبين عاشوا على تلك الأرض وأنّ دياناتهم نزلت وترعرعت عليها، فمن حق كلّ شعب أن يكون له وطن آمن يولد ويموت فيه، خاصّة وأنّ حلّ هذه المشكلة سيجلب السلام والراحة لكلّ العالم، ويجفف أكبر منبع من منابع التعصّب والإرهاب بل أنه يعطيه الذريعة، على أن تتولى القوة الأمميّة حماية الدولتين إلى أن يستقر التعايش بينهما والقبول يبعضهما كجارين، ويقوم رجال الدين بدورهم في نشر تعاليم المحبة والتسامح المستمدة من جوهر الأديان.

الإنسانيّة تتطلع بحرارة، إلى ساعة وتأمل أن تكون قريبا، يجتمع فيها قادة الدول وممثلين عن كلّ الأديان ليقرّروا إنهاء مرحلة عبثيّة الطفولة والمراهقة والجاهلية بعد أن جرّبوها ولم ينلهم وشعوبهم منها غير الخسران المبين إلى اليوم، ويعلنون الدخول في مرحلة الرشد والشعور بالمسؤولية والحكمة لتحقيق وحدة الإنسانيّة والسلام والرفاه العام، في ظلّ توازن بين ما هو روحاني مستمدّ من جوهر الأديان وهي واحدة كلها خير ومحبّة وصلاح، والمادّة الناتجة عن العلوم النافعة، ولاشك أنّ هذا هو الفخر الحقيقي للعقلاء الذين يؤدون أماناتهم ويرعون عهودهم، ونحن ننتظر بأياد مرفوعة بالدعاء ليعجّل الله بخلاصنا من شرّ أنفسنا الأمّارة بالسوء.