elections-presidentielles-tunisie

تنطلق الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية وفق ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، يوم الأحد 23 نوفمبر 2014 بتونس، و أيّام الجمعة والسبت والأحد 21 و22 و23 نوفمبر 2014 بالنسبة للمقيمين بالخارج. وفي صورة إجراء دورة ثانية للانتخابات الرئاسية، تتولّى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحديد مواعيد الاقتراع الخاصة بها طبق أحكام الدستور وأحكام الفصول 102 و103 و112 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء، دون أن تتجاوز في كلّ الأحوال موفّى 2014.

وقد بلغ عدد المترشحين للإنتخابات الرئاسية إلى حد كتابة هذا الأسطر 31 مترشحا وهو رقم ضخم قوبل بسخرية التونسيين على المواقع الإجتماعية الذين اعتبروا أن ارتفاع عدد المترشحين يعود للتشتت الذي تعرفه الأحزاب التونسية ولتهافت عدد من السياسيين وغير السياسيين على الوصول إلى منصب رئيس الجهورية بأحلام كبيرة حظوظ ضئيلة نظرا لأن استفتاءات التصويت أفرزت إمكانية حصول عدد محدود جدا من المرشحين على أصوات الناخبين وهم من ممثلي الأحزاب الكبرى في تونس واللذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة مرشحين.

فيما يلي القائمة الكاملة للمترشحين للانتخابات الرئاسية وعددهم 31 مترشحا من بينهم 4 مترشحات:

عادل العلمي ـ ليلى الهمامي – البحري الجلاصي – عبد الرؤوف العيادي – محمد الهاشمي الحامدي – محمد الأوسط العياري – سليم الرياحي – العربي نصرة – عبد الرزاق بن العربي – مصطفى بن جعفر – المنصف المرزوقي – الباجي قايد السبسي – حمة الهمامي – كمال مرجان – محمد الحامدي – محمد عبو – آمنة منصور القروي – الأزهر بالي – محمد العياشي العجرودي – صالح شعيب – محمد صالح الحدري – عبد الرحمان البهلول – حُمّادي الجبالي – نور الدين حشّاد – سليم دولة – بقدرة ڤعلول – كلثوم كنو – البشير الصيد – علي الشورابي – زياد الهاني – نجيب الشابي.

وقد نظم دستور تونس الجديد مسألة انتخاب رئيس الجمهورية كالآتي :

يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة خمسة أعوام خلال الأيام الستين الأخيرة من المدة الرئاسية انتخابا عاما، حرا، مباشرا، سريا، نزيها، وشفافا، وبالأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها.وفي صورة عدم حصول أي من المترشحِين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى، تنظم دورة ثانية خلال الأسبوعين التاليين للإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى، ويتقدم للدورة الثانية المترشّحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الأولى.

إذا توفي أحد المترشحِين في الدورة الأولى أو أحد المترشحيْن لدورة الإعادة، يعاد فتح باب الترشح وتحديد المواعيد الانتخابية من جديد في أجل لا يتجاوز خمسة وأربعين يوما. ولا يُعتدّ بالانسحاب في الدورة الأولى أو الدورة الثانية.وإذا تعذر إجراء الانتخاب في موعده بسبب خطر داهم، فإن المدة الرئاسية تمدد بقانون.
ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين، متصلتين أو منفصلتين. وفي حالة الاستقالة تعتبر تلك المدة مدة رئاسية كاملة.
لا يجوز لأي تعديل أن ينال من عدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة.
الفصل 75 من الدستور التونسي

ثلاثي الترويكا

ظهرت أسماء ممثلي أحزاب الترويكا مصطفى بن جعفر عن حزب التكتل من اجل العمل والحريات والمنصف المرزوقي عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحمادي الجبالي عن حركة النهضة على قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية التي تداولتها وسائل إعلام محلية وأجنبية. هذا الثلاثي كان في فترة سابقة “ثلاثيا حاكما” في نفس الفترة أثناء تولي حمادي الجبالي رئاسة الحكومة في حين لازال بن جعفر يترأس المجلس التأسيسي ويواصل المرزوقي أيضا ترأسه للجمهورية.

أعلن رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر لعدد من وسائل الإعلام قراره الترشح للانتخابات الرئاسية مؤكدا أنه قادر على المنافسة والفوز بالمنصب. كما أوضح بن جعفر أنه من المرجح أن يقدّم استقالته من منصبه كرئيس للمجلس التأسيسي عند قرب موعد الانتخابات. واتهم بن جعفر منذ مدة باستغلال منصبه كرئيس للتأسيسي للقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها وذلك على خلفية تصريحاته المتكررة حول المجهودات التي قام بها من أجل التسريع في المصادقة على الدستور ودوره في بلوغ أقصى درجات التوافق حلو النقاط الخلافية فيه بقدرته على التقريب بين وجهات النظر بين النواب بمختلف توجهاتهم. جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي خسر فيه حزب التكتل عددا هاما من النواب المنتمين إليه والرافضين لسياسة بن جعفر التي رأوا فيها انذاك تواطئا مع حركة النهضة ورغبة في مواصلة التحالف معها رغم ما وصل إليه حكم هذا التحالف من فشل وذلك رغم الاختلاف العميق في التوجهات الفكرية والإيديولوجية بين الحزبين. بن جعفر إذن الذي فشل في المحافظة على وحدة قيادييه ولحمة أنصاره يدخل الإنتخابات الرئاسية بكل ثقة رغم أن كل المؤشرات تدل على ضرورة إعادة النظر في مسالة قدرته على منافسة أحزاب كبرى رفض التحالف معها كحزب نداء تونس مثلا.

ورغم عدم إعلان حزب المؤتمر رسميا لترشح المنصف المرزوقي لرئاسة الجمهورية إلا أنها لم تصدر أي بيان لتكذيب الأخبار التي تفيد بنيته الترشح. وكان المرزوقي قد عبر في أكثر من مناسبة عن تمسكه بمنصبه ورفض الإستقالة رفضا قاطعا الأمر الذي رأى محللون سياسيون أنه لن يخدم ترشحه للرئاسية في المرحلة القادمة نظرا لتشبثه بمنصبه خلال أزمات سياسية في عهد الترويكا واعتبر شريكا فيها هو وحزبه. إمكانية فوز المرزوقي في الإنتخابات القادمة ضئيلة رغم تقدم طفيف يحسب له في نسب نوايا التصويت والسبب هو قوة منافسيه واستعدادهم الجيد للانتخابات القادمة خلال الفترات السابقة التي تميزت بقدرة بعضهم على استغلال الغضب الشعبي ضد مكونات الترويكا وتحويله إلى أصوات انتخابية لصالحهم باعتبارهم البديل الأفضل ونذكر هنا كل من نداء تونس والجبهة الشعبية.

لم يعلن حمادي الجبالي عن حركة النهضة أيضا عن ترشحه بصفة رسمية للانتخابات الرئاسية إلا أنه لم ينف ما تم تداوله بخصوص تواجد اسمه ضمن قامة المترشحين. وتميز ترشح الجبالي بغموض حول الجهة التي ترشح عنها حيث أكدت أغلب وسائل الإعلام عن ترشحه مستقلا في الوقت الذي دعت فيه حركة النهضة إلى البحث عن مرشح توافقي. استقالة الجبالي من الأمانة العامة لحركة النهضة وترشحه مستقلا وعجز حركة النهضة إلى حد الان عن تقديم مرشح للرئاسة يطرح أكثر من تساؤل حول حقيقة ما يحدث داخل أروقة مجلس شورى الحركة خصوصا مع التكتم الكبير الذي يصاحب هذه القرارات غير المفهومة حتى بالنسبة لأنصار الحركة الذين يعتبرون الجبالي من أبرز قيادييها. ولا يبدو الأمر مناورة سياسية نظرا لأن عواقب ترشح الجبالي دون مساندة من حزبه لن تكون مضمونة بالنظر إلى حدة المنافسة والإعداد الجيد لبعض ممثلي الأحزاب المترشحين للمراحل القادمة للانتخابات.

بين الباجي قايد السبسي والهاشمي الحامدي ؟

تحدث كل من رئيس حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي ورئيس حزب تيار المحبة (العريضة الشعبية) عن حظوظهما الوافرة جدا في الانتخاباب القادمة. ولا يستبعد سياسيون مسألة فوز الباجي قايد السبسي بالانتخابات القادمة خصوصا بعد نجاحه في أكثر من مناسبة في الاستئثار المرتبة الأولى في نوايا التصويت. قائد حزب النداء الذي ينعته عديدون ب”بقايا حزب التجمع” استغل تنصيبه وزيرا أولا بعد الثورة ليبني حزبا قويا استطاع أن ينافس حركة النهضة الفائزة في الانتخابات كما نجح في التأثير في مجريات الأحداث في عديد المناسبات وقام هذا الحزب أيضا باستقطاب عدد هام من النواب حتى أنه شارف على تكوين كتلة نيابية كما استغل القواعد الشعبية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي بضمها إليه خصوصا منها تلك التي بالجهات الداخلية والأرياف.

المنافس الأساسي للباجي قايد السبسي بالجهات الداخلية هو رئيس حزب ” تيار المحبة ” الهاشمي الحامدي. بخطاب شعبي وشعبوي نجح الحامدي في الانتخابات الفارطة في احتلال المرتبة الثانية بعد حركة النهضة في عدد الأصوات التي حصدها. الحامدي أكد في أكثر من مناسبة أن قوته لا تكمن في امتلاكه لوسيلة اعلام تبث خطاباته ووعوده الانتخابية طيلة اليوم بل في برنامجه الانتخابي الذي يدافع فيه عن الحقوق الاجتماعية لفقراء تونس كالصحة المجانية والرعاية الاجتماعية. فوز الحامدي المفاجئ خلال الانتخابات الفارطة يفتح الأبواب أمام كل التوقعات ويدفع بالجميع إلى الأخذ بتفاؤله مأخذ الجد.

عشرات السياسيين يحلمون بقرطاج

تميزت قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية بورود أسماء كثيرة لنواب بالمجلس التأسيسي وقياديين بأحزاب ومنسحبين من أحزاب الترويكا ومن بينهم نذكر: عبد الرؤوف العيادي، محمد عبو، كمال مرجان، صالح شعيب، محمد الحامدي، نجيب الشابي وحمة الهمامي. هؤلاء القياديين، وأغلبهم كانوا حاضرين بقوة في المعارك السياسية التي عرفتها البلاد طيلة ثلاث سنوات، كما كانوا نجوم المنابر الإعلامية بتحليلاتهم وآرائهم واقتراحاتهم . غير أن كل هذه الاسماء بقيت في الدرجة الثانية من حيث نسب نوايا التصويت ولم تصل إلى مرتبة تجعل من أحدها منافسا قويا وحقيقيا. القاسم المشترك بين كل هذه الأسماء هو رفضها التحالف مع الحزبين الأقوى أي النهضة والنداء وتعويلها على قواعد شعبية لا يبدو أن أعدادها قادرة على التأثير بجدية في الانتخابات القادمة.

رباعي نسائي يثير الجدل

على أساس الفصل 74 من الدستور الذي يمنح الحق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام الترشح للانتخابات الرئاسية ضمن قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية أسماء أربعة مترشحات هنّ: كلثوم كنو، بدرة قعلول، امنة منصور وليلى الهمامي. ترشح العنصر النسائي للانتخابات الرئاسية هو سابقة في تاريخ تونس وهو أمر هام ومصيري ومشرّف لكنه قوبل من طرف القيادي بحزب التكتل خليل الزاوية بالاستهتار والتحقير حيث أكد أن العناصر النسائية المترشحة لن تكون قادرة على تجميع التونسيين. هذا التصريح قوبل بغضب كبير على المواقع الاجتماعية من طرف ناشطين احتفوا، كرد فعل على هذه التصريحات، بقيمة المترشحات العلمية والحقوقية حيث تترأس امنة منصور القروي الحركة الدميقراطية للاصلاح والبناء وتترأس بدرة قعلول المركز الدولي للدرائات الاستراتيجية والامنية والعسكرية وترأست القاضية كلثوم كنو سابقا جمعية القضاة التونسيين.

من جهة أخرى تميزت المترشحة ليلى الهمامي السعيدي (أستاذة جامعية ومستشارة لدى عدد من المنظمات الدولية) بتصريحاتها غير المسؤولة على موقع الفايسبوك والتي كلفتها حملة واسعة من السخرية والاستنكار. فليلي الهمامي لم تكتف بوصف الأفارقة ب”الكحالش ” الأمر الذي رفضه عديدون ووصفوه بالعنصرية إلا أنها عادت لتحدث عن حادثة حصلت لها وصفت فيها سيارتها ب”الفاخرة ” لينتهي بها الأمر إثر موجه من التشكيك في قدرتها على تقلد منصب رئيسة الجمهورية إلى غلق صفحتها على الفايسبوك نهائيا خصوصا إثر موجة التعاليق السلبية التي وصلتها من أنصار حزب النداء جرّاء انتقادها لسياسات القايد السبسي معتبرة أنه غير قارد على منافستها.

شخصيات مختلفة وترشح ممثل عن الإعلام

شخصيات من قطاعات مختلفة قدمت ترشحها للانتخابات الرئاسية ومن بينها نذكر : محمد الأوسط العياري (مستشار بوكالة الفضاء الامريكية ناسا)، سليم دولة (كاتب وفيلسوف) ، زياد الهاني (صحفي) ، نور الدين حشاد ( ابن الشهيد فرحات حشاد ، مؤرخ وباحث) وغيرهم. ورغم عدم امتلاك هذه الشخصيات لقواعد شعبية كبيرة تدعمها وتضمن فوزها الا أنها لم تتوان في ممارسة حقها في الترشح للرئاسيات. ترشح هذه الشخصيات، رغم انه حق يكفله الدستور هو أمر يدعو للتساؤل حول أهميته بالنسبة لمجريات العملية السياسية ومحاولة التونسيين التوحد حول راية واحدة وبحثهم الذي لازال متواصلا حول شخصية وطنية فاعلة وكفؤة قادرة على قيادة البلاد نحو بر الامان ؟

“التدافع” نحو قصر قرطاج والذي يتم في فترة تعاني فيها تونس من ضربات الإرهاب المتوالية ومن وضع اقتصادي متردّ، يعكس التشتت والحيرة التي تعاني منها الساحة السياسية في تونس. كما أن هذا التدافع سينعكس على نتيجة الانتخابات الرئاسية بشكل مشابه لما عرفته انتخابات المجلس التأسيسي الفارطة من تشرذم. ولئن يرجح محللون وخبراء كفة الباجي قايد السبسي في هذا السباق أمام تردد النهضة في تقديم مرشح قوي قادر على المنافسة، لازال الأمل يحدو كل هذه الأسماء في الدخول لقصر قرطاج من أبوابه الواسعة لفترة رئاسية تقدر بخمس سنوات. والسؤال هنا لن يكون “من الأجدر” بل من “الأوفر حظا” ؟