المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

ennemi-terrorisme-hidden

بقلم إبراهيم حداد،

البحث عن عدوّ و معرفته و الإطّلاع على كلّ أساليب القتال لديه كان و لا يزال الهاجس لدى كلّ الجيوش و الدّول، فكلّ بلد له منافس غير حليف يختلف معه يرمز له بالعدوّ الاصطلاحي إذا أردنا و هو عدوّ خيالي في واقع الأمر، أمّا تنظيم هذا العدوّ و كيفية استعمال وسائل قتاله و إجراءاته المتّخذة في كلّ حالة فإنّها ملهمة من الجيوش المعاصرة. لكن لا يجب البحث على صورة لجيش أجنبي حقيقي أو عدوّ مجسّد واقعا.

و وثيقة العدوّ الاصطلاحي هي إطار عمل و تدريب يمكّن المدارس و الوحدات من دراسة عدو مصطلح، موحّد، حيّ، أقرب ما يكون للواقع أثناء التمارين و المناورات.
هذا ما قدّم به كتاب العدوّ الاصطلاحي “الصادر عن مدرسة الأركان سنة 1989”.

غياب العدوّ

ذهب نجيب عيّاد مدير المعهد التونسي لعلوم التربية في مقال بجريدة الحرّية في يوم 29 جويلية 2003 إلى أنّ ما يمكن اعتباره جديدا الآن خاصة بعد الحرب العالمية الثانية و طول الحرب الباردة حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعّم العالم الحرّ من عدوّ قوي يهدّد المصالح المشتركة للغرب اللّيبرالي ألا و هو الخطر الشّيوعي بزعامة الاتّحاد السوفيتي، أمّا و قد و انهار هذا العدوّ المصطلح فهل يجب البحث عن عدوّ جديد يسدّ الفراغ؟

وبما أنّ ثوابت الهويّة الغربية عامّة و الأمريكية خاصّة تستوجب تواجد آخر مناقض لها. فبرز للوجود الخطر الصّيني أولا محيّيا أسطورة الهول الأصفر و استنزفت القوّة العسكرية و الاقتصادية و الدّيمغرافية لهذا البلد القارّ، و اعتبر الصّين عدوّا محتملا.
و كما رشّح الشرق الأوسط و بلدانه الإسلامية التي تحتل موقعا جيوستراتيجيّا، بتوسّطه لكلّ القارّات وكذلك لاحتوائه على أغلب ثروات العالم و على رأسها البترول الذي يتركّز عليها ازدهار الغرب، كلّ هذا جعل الصّراع القادم و المواجهات المحتملة و العدوّ الإصطلاحي المرتقب تصوّره و تحرّكه مصالح ماديّة بالأساس.

التّوازن المفقود

إن الأمر الذي كان حاصلا طيلة الحرب الباردة هو توازن رادع لكلا القوّتين العظمتين فكلّ منهما كانت قادرة على تدمير الأخرى، لكن ضمان تدمير العدوّ من دون إلحاق خسائر بليغة بالنفس أمر غير ممكن. إنّ تحدّيات فقدان هذا التوازن و ضمان مناخ سلام لجميع الدول لخدمة مصالحها الخاصة و المشتركة أصبح أمرا عسيرا الآن.

هل الأمم المتّحدة قادرة على إقرار السلام

يقول بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتّحدة في مجلّة العربي (عدد نوفمبر 1995) ” إنّ الأمم المتّحدة تتيح للدول تحقيق التوازن و إقرار السلام بطرق لا يمكن لأي قوّة أو مؤسّسة أخرى أن تتيحها، و يلخّص هذه الطرق في أربعة:

1- في الأمم المتحدة يتاح للدّول الأعضاء محفل فريد للحوار البنّاء و توافق عام للآراء.

2- الأمم المتحدة تتيح للدول الأعضاء وسيلة فريدة لتسهيل الاتفاق على الصعيد الدّولي.

3- تتيح الأمم المتحدة للدول الأعضاء وسيلة لمعالجة المشاكل العالمية بعيدا عن سيطرة أيّ دولة تتصرّف بمفردها.

4- تشكّل الأمم المتحدة آلية تستخدمها الدول الأعضاء لتقاسم الأعباء و المسؤوليات و لو أنّه لا تفوتني ملاحظة أن الفرق بين الطريقة الأولى و الثانية يعتبر ضئيلا إن لم نقل منعدما.

أمّا أحمد طالب الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري فيرجعنا إلى ما ذهب إليه السيّد نجيب عيّاد حيث كتب في مجلّة العربي (عدد أوت 1998) أن العالم كان أثناء الحرب الباردة ثنائي القطيعة، غرب وشرق، لكن بعد انهيار جدار برلين تميّز الوضع بهيمنة الغرب الذي أصبح يبحث عن الانتصار النهائي و ذلك بمنع أي زعامة للحضارة الكنقوشية (الصينية) و الحضارة الإصلاحية أو أي تحالف بينهما ضدّ الغرب و قد دعا الإبراهيمي إلى حوار بين هذه الحضارات عوضا عن الصّدام و البحث عن إلحاق الهزيمة الواحدة بالأخرى و كان بذلك مفرطا في التفاؤل على عكس صموئيل هنتينغتون الأستاذ بجامعة هارفرد الأمريكية الذي بشّر بتحوّل الصّراع في المستقبل إلى صراع الحضارات.

الإرهاب في ثوب عدوّ مصطلح جديد

اندلعت الحرب ضدّ الإرهاب منذ سنوات، و انطلقت صفّارة الانذار ضدّ هذا الخطر عندما هوجمت القوّة العظمى في عقر دارها في سبتمبر 2001 الأمر الذي حرّك المارد النّائم و أعطاه الفرصة أو الأسباب لمدّ سيطرته على العالم و كانت النتيجة حربين: أولى ضدّ أفغانستان و ثانية ضدّ العراق لم تحسما إلى حدّ الآن. لكن مازالت ملامح هذا العدوّ و أساليبه قتاله لم يحضيا بإجماع عالمي فكلّ له تعريفه للإرهاب و كلّ أدلى بدلوه فمن متفهّم لمنطق المقاومة و النّضال الوطني إلى من ضمّ كل العمليّات التي تستهدف المدنيين إرهابا و لذلك جعل الخيط الفاصل بين العمليّات الإرهابية و بين المقاومة الوطنية خيطا رفيعا.

هل من جدوى لأحلاف الآن

حلف الأطلسي الذي تكوّن سنة 1948 يمرّ الآن بأزمات عديدة و كبيرة. و العقيدة التي أريد لها أن ترفع الآن هي: “الدّفاع العسكري ضدّ الإرهاب و السعي إلى توسيع الحلف و تمطيط مهامّه”، و منها ينتج الخلاف القانوني حيث أنّ المعاهدة المتفق عليها تشترط مصادقة المؤسّسات المحلّية لكلّ بلد (مجالس سياسيّة، مجالس شيوخ،استفتاءات شعبية…) على أيّ عمل عسكري جماعي يقوم به الحلف قبل الشروع في التنفيذ.

و اعتمادا على هذا المبدأ تمكّنت تركيا من عدم الدّخول في الصّراع العراقيّ الأمريكيّ و ساندتها في ذلك فرنسا و بلجيكيا و ألمانيا.

إنّ الأحلاف و المعاهدات الدّفاعية المشتركة قد بدأت تفقد حظوظها في النّجاح. فبعد انهيار حلف وارصو هل يكون ذلك مآل منظّمة معاهدة الأطلنطي الشمالي أيضا؟

الخـــــاتمة

إن المصير الإنساني المشترك يحتّم على جميع الشّعوب تعديل السير في اتّجاه الحوار حيث أنّ المخاطر المستقبلية ستلحق كلّ الحضارات و الأجناس سواء كانت هذه المخاطر اقتصادية أو اجتماعية، و لا مفرّ إذا من التوحّد و الرنوّ إلى الاتفاق و السلم و التنمية لتنقيص الهوّة التي تفصل الدول المتقدّمة في الشمال عن بلدان الجنوب لتحقيق العيش الرغيد و الرفاهية في كلّ أصقاع الدنيا.
فهل يسير الإنسان في هذا الاتجاه؟لما لا؟

المراجع

جريدة الحرّية 29 جويلية 2003

العدوّ الاصطلاحي مدرسة الأركان 1989

مجلة العربي العدد نوفمبر 1995 و أوت 1998