hamda-said-tunisie

بقلم أحمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء،

ربما لاحظ ملايين المتابعين للتلفزة الوطنية ليلة الثامن و العشرين من شهر جويلية الجاري ان فضيلة مفتي الجمهورية الشيخ حمدة سعيد لم يكن مرتاحا لنتائج الرصد المتعلقة بدخول شهر شوال من سنة 1435 وثبوت عيد الفطر المبارك لهذه السنة وذلك -حسبما ظهر – لان اعمال الرصد قد انتهت الى تعذر رؤية الهلال في كامل ولايات الجمهورية في حين اذاعت وسائل الاعلام ان عددا من الدول العربية و الاسلامية كاليمن و مصر و الاردن واندونيسيا وتركيا (مع استثناء المغرب و سلطنة عمان) اضافة الى دول اخرى كامريكا و ايطاليا و فرنساو بولونيا قد اعلنت ان الاثنين 28 جويلية 2014 هو اول ايام عيد الفطر.

وزيادة على ذلك اكد عدد من علماء الفلك ان شهر رمضان لعام 1435 لن يكمل الثلاثين وان هلال شوال يولد حسابيا صباح يوم الاحد وذلك على حسب المعايير الفلكية المتبعة .

ولاشك ان غالبية المتابعين قد اندهشوا من خطاب فضيلة المفتي الذي لم يفصح بوضوح عن المستندات التي دعته الى اعلان يوم الاثنين 28 جويلية 2014 كأول ايام عيد الفطر والاول من شوال 1435 بالنظر خصوصا الى ان الرؤية قد تعذرت لدينا ولم يكن بامكان المفتي ان يعتمد الحساب الفلكي دون غيره بمعزل عن الرؤية التي يقتضيها القانون .

ويتضح من الكلمة التي توجه بها مفتي الجمهورية الى عموم المواطنين (المؤمنين و المؤمنات كما قال)انه اعتمد -اضافة الى النصوص الشرعية الواردة بوجوب رؤية الهلال للصوم و الافطار -على النص القانوني ومبدا اضافي دون ان يبرز تعذر رؤية الهلال قي كامل ولايات الجمهورية .

فقد راينا فضيلة المفتي وهو يستعيد الصيغة المالوفة بقوله “وعملا بالامر الجمهوري عدد727 القاضي بتعيين بداية كل شهر قمري بالرؤية مع الاستئناس بالحساب فقد قامت لجان رصد الهلال بعملها في كامل تراب الجمهورية ” ثم يستدرك بطريقة غير مالوفة قائلا “وحرصا على مبدا وحدة الامة و جمع كلمتها ونظرا الى اعلان كثير من الدول و الاسلامية ثبوت شهر شوال لديها فان غدا الاثنين 28 جويلية 2014 هو اول يوم من شهر شوال 1435 الموافق لاول يوم لعيد الفطرلهذه السنة” ورغم ان تقليد دول اخرى في ثبوت عيد الفطر قد تم اللجوء اليه قبل الثورة في حالات استثنائية الا ان اعتماد المبدا الاضافي المتعلق بوحدة الامة (والمقصود الامة الاسلامية لارتباط الامر بمسالة دينية) يبدو مثيرا للتساؤل في ضوء ما يقتضيه القانون وهو اساسا الامر عدد 727 لسنة 1988 المؤرخ في 8 افريل 1988 المتعلق بالسنة الهجرية (وهو الامرالذي اورده مفتي الجمهورية في معرض اعلانه عن دخول شهر شوال).

فمن الجائز ان نتساءل هل طبق فضيلة المفتي الامر المذكور ام تجاوز نطاق ما تقتضيه قوانين الدولة لصالح وحدة الامة ؟ وتعليقا على ذلك يمكن ان نلاحظ ان الحل الذي انتهى اليه مفتي الجمهورية يطرح من جديد تساؤل الباحثين عن طبيعة الوظيفة التي يتولاها مفتي الجمهورية في تونس فهو في نظر بعضهم “يشغل خطة عليا من خطط الدولة ومكلف بمهام دينية بحتة على سبيل الحصر لكنه يخرج عن هذه المهام تارة لصالح الدين واخرى لصالح الجمهورية فهو يساعد السلطة السياسية على احتكار الدين وفي نفس الوقت ينصب نفسه حاميا للدين و العقيدة الدينية قيكون لذلك ضامنا للجمهورية ومنافسا لها” (راجع كتاب مفتي الجمهورية في تونس – المؤسسة و الوظيفة بقلم اسماء نويرة بن دعية -مطبعة سيراس 2001 ص17) .

ويظهران فضيلة المفتي – في تطبيقة لمبدأ وحدة الامة – قد اعترف لنفسه بدور جديد ذي صبغة سياسية يستهدف جمع كلمة الامة وهو ما يجعلة متجاوزا لمقتضيات الخطة الدينية في نطاق الدولة ومنافسا لمؤسساتها باعتباره يدعو الى وحدة الامة الاسلامية و يسعى الى تحقيقها .

واضافة لتلك المعطيات فان الوقوف على الاحكام الخاصة بالسنة الهجرية في التشريع التونسي يؤكد ان اعتبار ما يوصف “بوحدة الامة “لم يرد صراحة او ضمنا لا بالامر الاول عدد52لسنة 1960المؤرخ في 23 فيفري 1960 (الرائد الرسمي الصادر في 23 فيفري 1960عدد 9 ص 298) ولابالامرالثاني- الذي الغاه -عدد 727لسنة 1988 المؤرخ في 8 افريل 1988(الرائدالرسمي الصادر في 8 افريل 1988عدد 23 ص 527).

-فبالنسبة للامر الاول الذي صدر على عهدالرئيس الحبيب بورقيبة فقد اقتضى ان دخول كل شهر من اشهر السنة الهجرية الموافق لرؤية الهلال يقع تعيينه مسبقا حسب التقديرات الفلكية المدققة الصادرة من المصالح العمومية المختصة (مصلحة الارصاد) (الفصل الاول) وهو ما ادى الى التخلي عن اعتماد الرؤية الشرعية مطلقا بسبب انه يمكن -حسب نفس الامر -“ضبط الموافقة بين الرزنامة الشمسية و الرزنامة القمرية ضبطا مدققا طبقا لقواعد علمية -فلكية ثابتة “ولذلك “يتعين معرفة دخول الاشهر القمرية قبل حلولها للقيام بالمواسم الدينية و تنظيم الحياة العامة”.

-اما بالنسبة للامر الثاني الذي صدر على عهد الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي فقد اقتضى ان يقع تعيين بداية كل شهر شهر قمري بالرؤية مع الاستئناس بالحساب (الفصل الاول ) وذلك اعتبارا -حسبما ورد بالامر-“بالحسابات الفلكية الثابتة التدقيق الصادرة عن المرافق العمومية ذات الاختصاص وبان الرؤية البصرية طريقة للاثبات “.

وبناء على ذلك فمن الواضح ان تعيين بداية شهر شوال -كغيره من الاشهر القمرية- يكون اصلا بموجب الرؤية البصرية على ان يؤخذ بعين الاعتباربالحسابات الفلكية على وجه الاستئناس.

ومؤدى ذلك ان القانون المطابق للامر الاخير لم ينص مطلقا على تعيين بداية الشهر القمري بالرؤية “الخارجية” ولا الاستئناس بها مما يجعل قرار فضيلة المفتي باثبات دخول شهر شوال وافطار التونسيين وتعييدهم -وهو امر بالغ الخطورة -على مقتضى الرؤية المنسوبة لكثير من الدول العربية والاسلاميةمن قبيل المتابعة او التقليد لتلك الدول -التي لم يذكرها-والاجتهاد فيما لم يرد ذكره بالقانون الوطني.

ومهما كان يمكن لفضيلة المفتي ان يجد تبريرا في اجتهادات الفقهاء المسلمين بشان اختلاف المطالع او توحيدها من ذلك ان جمهور اهل العلم ومنهم ابو حنيفة ومالك بن انس و احمد بن حنبل قد ذهبوا الى عموم قوله صلى الله عليه وسلم “اذا رايتموه فصوموا واذا رايتموه فافطروا” (متفق عليه من حديث ابن عمر) ورجحوا ان الخطاب عام لجميع المسلمين فاذا رؤي الهلال في بلد من البلدان فهي رؤية لجميع المسلمين.

وكذلك نرى ان مفتي الجمهورية قد اختار ان ياخذ بهذا التبرير الشرعي وان يتجاوز حدود الدولة الوطنية (السيادية)التي تاخذ بمبدا اختلاف المطالع واستقلال الرؤية في كل بلد عن غيره من البلدان.

باردو في 28 جويلية 2014