المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

Habib-Khedher

إن التلبيس في الحق إبلاس من إبليس؛ فها هو مقرر الدستور نفسه يخرج علينا برسالة متهافتة يتعمد فيها استعمال كلمة الحق خدمة للباطل ! فكيف يحترم الشعب المؤسسة التي هو فيها وقد ركب هكذا مطية التلبيس على الحق؟ كفانا تلبيسا في الدين !

لنقرأ ما يقول السيد المقرر العام في تهافت شرحه للدستور وكأنه لا يعرف محتوياته ! يقول السيد خضر : • «لقد قرر الدستور في فصله السادس أن الدولة راعية للدين كافلة لحرية ممارسة الشعائر الدينية. ومعلوم أن الصلاة في جماعة واجبة شرعا ومكان أدائها المساجد والجوامع.» فليعلم السيد المقرر أن أداء الصلاة بالجماعة ليست إلا سنة مؤكدة عند الجمهور، ولم يقل بوجوبها إلا بعض الحنفية. فهل أنت منهم، يا سيادة المقرر العام؟ • «لقد قرر الدستور في فصله 49 أن الضوابط التي تتصل بالحقوق والحريات تنصب على ممارستها ولا يجوز أن تنال من جوهرها. وفي الحيلولة دون الصلاة في المسجد مساس بالجوهر».

أنتم، يا سيدي المقرر العام، تقفون عند «ويل للمصلين». فالدستور يقرر أيضا في فصله الثاني أن تونس دولة مدنية؛ وأهم ما يميز المدنية هي أن الدين من الأمور الخصوصية. ولقد أكد الفصل نفسه على علوية القانون، وهو يمنع كل إخلال بالنظام العام الذي هو أساسا جوهر الجوهر ومعدنه. فإذا كانت الحيلولة دون الصلاة في المساجد من المساس بالجوهر في حالة استقرار الأمن، فهي تصبح لا محالة من العوارض في حالة انعدام الأمن؛ لأن الجوهر عندها لهو حفظ النظام. ويكون ذلك، إن لزم الأمر، بمنع الصلاة بالمساجد؛ ذلك لأن الجوهر، الذي هو إقام الصلاة، يمكن إتيانه بكل سلامة بالمنزل، «فأينما تولوا فثم وجه الله» (البقرة 115).

ثم أنتم، يا سيدي خضر، وقد عُدمتم حكمة الخضر عليه السلام، تتحدثون في طبيعة العقوبة الشخصية وعدم تسليط العقاب أكثر من مرة، وذلك بصفة أقل ما يقال فيها أنها دعابة؛ فتلك لعمري من السفسطة، لأنكم تصرفون مباديء عامة خارج مضمونها ومحورها وكأنكم من غير أهل القانون. ولا داعي للرد على ما يمكن لأي طالب حقوق في مرحلته المبتدئة الرد عليها باستفاضة.

أما ما سهيتم عنه، وأنتم المقرر العام للدستور، فهو الأوكد.لقد تجاهلتم صحيح نصه بالفصل السادس الذي ذكرتم جزءا منهم وسكتم عن الجزء الأهم، ألا وهو ضمان حياد المساجد ودور العبادة والتزام الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح، خاصة بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها.

هذا ما نوى فعله رئيس الحكومة الذي تدعونه للرجوع عن قراره الذي ليس فيه إلا خير البلاد، بينما لا وجود في دعوتكم إلا لمصلحة آنية لكم، هي ترضية مناصريكم على أبواب انتخابات تريدون تأمين نتائجها مسبقا.

سيدي المقرر العام، إنكم برسالتكم المتهافتة هذه تضرّون بالمؤسسة التي تنتمون إليها وبالحزب الذي أنتم منه، لأن صالح الوطن يعلو كل شيء. وهو يقتضي اليوم أن تُسكت فيه كل الدعوات المباشرة وغير المباشرة للعنف والكراهية والتكفير. وما ن شك أن رسالتكم هذه مما لا ينشر المحبة في النفوس، بل هي دعوة غير مباشرة لبث البغضاء في القلوب؛ فأنتم هكذا لا تمنعون المنكر بل تشيعونه في الناس.

ليست دور العبادة لهذا، إنها للصلاة، والصلاة كما أنتم تنسون أو تتناسون هي أصلا الدعاء بالخير. فهلا دعوتم بالخير والتوفيق لرئيس الحكومة في مجهوده لإعادة السلم والسلام إلى هذه البلد وقد أضرت بها سياسة الأحزاب الخرقاء التي لا تفكر إلا في مصالحها الضيقة إلى حد تكفير من لا يوافقها فيها؟ اتركوا حكومة تريد الاستقلال عن الأحزاب تحاول العمل لخير البلاد، فما أضر بها إلا الأحزاب؛ ولا تكونوا كالذي قال الله فيه، وهو خير القائلين «إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير» (فاطر 6)!