المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

SNJT-art

بقلم شكري بن عيسى،

لم تمض على انتخاب المكتب التنفيذي الجديد لنقابة الصحفيين سوى ثلاثة أسابيع، لتظهر بجلاء الفجوة الكبيرة بين المواقف المعبر عنها، عبر البيانات وما تبعها من سياسات، والوعود والشعارات المتصلة بحماية الصحفيين والدفاع على كرامتهم وضمان عدم السماح بإهانة المهنة الصحفية أو المس من استقلالية الاعلام والإخلال بحرية الصحافة.

الارتباك لاح جليا في الخصوص والتناقض بدا صارخا، في اول التزامات النقابة إزاء منظوريها ومبادىء الدفاع على حرية التعبير. والرؤية والبرنامج ظهرا مفقودين في الصدد، كما ان تركيبة المكتب التنفيذي وارتباطات البعض من اعضائه ايديولوجيا وحزبيا عطل الى حد كبير انتهاج المنهج المستحق. واستمرار المواقف الحالية المعبر عنها عبر البيانات الصادرة عن النقابة منذ غرة ماي الى حدود يوم السبت 17 ماي قد يفقدها كل مصداقية ويهدد بجدية حرية النشاط الصحفي الهش اصلا في جوانب متعددة.

الاعتداء الذي تعرض له مجموعة من الصحفيين، يوم السبت 17 ماي الحالي من أعوان الداخلية حسب ما تناقلته تقارير حقوقية وإعلامية وتهشيم وسائل العمل والتضييق الواضح إضافة الى التهديدات المسجلة، كان منتظرا من النقابة إصدار موقف حاسم في شأنه لما اكتسته الافعال من خطورة ولحصولها بعد الاعتداء البدني والمعنوي الذي تعرض له قرابة عشرين (20) صحفيا على ايدي ميليشيات الاتحاد في غرة ماي، والاعتداء الذي تعرض له احد صحفيي وكالة تونس أفريقيا للأنباء، وعملية التحقير للصحافة بعد يوم واحد على يد الباجي قائد السبسي في لقطة علنية عاينها الجميع ووقف على تفاصيلها البشعة كل أفراد الشعب التونسي في نشرة أخبار الثامنة على الوطنية الأولى. لكن البيان الصادر في الغرض غرق في الاستجداء الى وزيري الداخلية والأمن وادانة لم تشمل الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرين السلميين من غير الصحفيين وطالب بفتح تحقيق من الوزيرين، لما كان المطلوب هو رفع قضية جزائية لدى وكالة الجمهورية، وطلب فتح لجنة تحقيق من حقوقيين والمجلس التاسيسي، والرد بشكل صارم وواضح لوضع حد لتفاقم الاعتداءات والتضييق التي اصبحت تهدد السلطة الإعلامية في كليتها.

ولم يتسن حقا فهم حقيقة موقف النقابة في الشأن وتوجهها لوزيري الداخلية الأول والثاني، في حين ان الاعتداءات تمت من خلال منظوريهما، وكانا على علم بما جرى الذي كان قبالة مكتبيهما في الوزارة وتحت أعينهم، كما انه لم يتسن فهم حقيقة الاقتصار على إدانة الاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون ولم تصدر إدانة مماثلة تخص الاعتداءات على المتظاهرين السلميين الذين كانوا يدافعون على حرية التعبير الذي هو احد ابرز أهداف النقابة.

وكان البيان فاترا الى حد ما، ولم يعكس قوة حجة القضية المدافع عنها ولا موقع النقابة المفترض في الساحة، الذي وجب ان لا يقل على مواقع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف ورابطة حقوق الإنسان وعمادة المحامين، وبدا عدم وجود رد على اتصالات النقيب من مسؤولي الوزارة المضمن بالبيان، وكذلك البيان في حد ذاته، وتوجيهه للوزير دليلا على تهميش دور وموقع النقابة التي وجب ان يكون لها خطا مباشرا مع رأس الوزارة في مثل هذه الحالات الاستثنائية.

والأصل انه لم يكن مستغربا الوصول الى هذه الوضعية بعد المواقف المتذبذبة وغير الحازمة إزاء الانتهاكات والاعتداءات السابقة التي تعرض لها القطاع والإعلاميين قبل هذه الحادثة، وأيضاً الاستهانة بعدم التدخل لضبط الأمور في مسائل خطيرة تهدد القطاع الاعلامي بعد انتهاكات خطيرة لضواطه وميثاقه من داخله.

اتجاه عديد الصحفيين في خروقات جسيمة للميثاق الصحفي والثوابت الوطنية قابلته النقابة بصمت رهيب لم نجد له مبررا:

– العمليات الدعائية لجمعة وبعض وزرائه من كثير من وسائل الاعلام، وهي عمليات إشهارية هابطة مثلت انخراطا في الشعبوية والعاطفية، وشكلت انحرافا بـالمبادىء الصحفية وميثاق شرف المهنة،

– تعدد أشكال الدفاع من كثير من الأصوات والأقلام الصحفية للتطبيع مع الكيان الصهيوني والمس من ثوابت القضية الفلسطينية والإخلال باستقلال القرار الوطني والسيادة الوطنية في خصوص السماح لحاملي الجوازات الإسرائيلية بالدخول للتراب التونسي في الحج للغريبة وللسياحة ولحضور الملتقيات والتظاهرات،

– الشكل الاحتفالي على الطريقة النوفمبرية وفرض شكل غريب في ندوة جمعة الصحفية.

وهو أمر فوت على النقابة دورها التعديلي خاصة فيما يتعلق بمرتكزات الاعلام الأساسية وتسجيل المواقف المتطلبة في الصدد، وزاد في ضعف موقفها بغيابها لما كان التدخل مستعجلا.

سلبية المكتب التنفيذي وعدم انتهاجه الجدية والصرامة كان مريبا في حالة الاعتداءات الصادرة من ميليشيات الاتحاد ومن الباجي قائد السبسي، وشكلت مواقفه في الصدد تفريطا في حقوق منظوريه وتهاونا واضحا في حق المهنة الصحفية:

1 – اعتداء الاتحاد في ذكرى عيد الشغل، شمل عدد عالي من الاعلاميين، وكانت الطريقة فاضحة، وإذ لم تتجاوز النقابة الإدانة و”التهديد” الأجوف في بيانها، فإنها لم تلبث ان تراجعت كليا في اليوم الموالي مصدرة بيانا غريبا “مشتركا” مع الاتحاد، وُصِفَت فيه الاعتداءات الواضحة بـ”ما جد في مسيرة الاتحاد” وما “حصل للصحافيين” و”الحادث” و”الأسف لما حصل من توظيف لهذه الأحداث من بعض الأطراف” في مقابل مجرد تعبير الاتحاد على “الأسف”، ولا تنسوا، الأسف ليس لوقوع اعتداء وإنما على “الحدث”، في حين ان الأصل كان رفع الأمر للنيابة ومعاقبة المعتدين ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب ضد الجرائم التي تصاعدت ضد الإعلاميين، وطلب فتح تحقيق لكشف الحقيقة للشعب وإنهاء دور الميليشيات التي لازال يعتمدها الاتحاد وتحميل المسؤولية النقابية والجزائية للقيادات النقابية المتورطة في تأسيس هذه الميليشيات.

2 – اعتداء السبسي هو الآخر كان فضيعا غير ان رد فعل النقابة لم يتجاوز التنديد و”التحذير” الانشائي، ولم نكد نطوي اليوم حتى رجع رئيس نداء تونس الى الظهور الاعلامي بعد ان اعتقدنا ان المقاطعة قد حسمت في شأنه، لكن الأمر، كان مجرد “تدوينة” على صفحة عضو مكتب النقابة سيدة الهمامي. الحقيقة ان ما مارسه السبسي من تحقير وحط للمهنة والصحفيين كان شديدا ولم يكن الأول في تاريخه، والرجل متخصصا وله صولات وجولات في معاداة الاعلام، آخرها الاعتداء على الصحفي محمد بوغلاب برميه بالأوراق داعيا إياه بعنف “هاو عطيتك هاذي خوذها اقراها” وقبلها الاعتداء على صحفية في الوطنية 1 ضاربا الميكروفون الذي في يدها بعد ان وجه لها كلمات مهينة “قداش عمرك؟”.. “ربي يقوي سعدك”.. “كان تبدل السياسة متاعك خير”.. في سلسلة محاربة للرأي والإعلام سجلت فيها حكومته اعتداء شديدا عبر البوليس على الصحفيين في “اعتصام القصبة 3” واعتداء واسعا على قرابة 15 صحفيا واستباحة مقر جريدة “لابراس” في أحداث 6 ماي 2011 اللاحقة لتصريحات الوزير المعزول الراجحي.

الأحداث كانت في اغلبها خطيرة جدا، قابلها استهانة وفتور من النقابة في المواقف جعل الإعلاميين والمهنة الصحفية محل استهداف متزايد خاصة وان التفريط كان خطيرا ومَسَّ مبادىء وقيم عليا، منها الاعتداء على الصحفيين بدنيا وأدبيا، ومنعهم من العمل، والتضييق عليهم، وكسر معداتهم، وحجزها، وتهديدهم، وتحقيرهم، واحتقار المهنة الصحفية وازدرائها، وكان من المفروض سلك كل المسالك القانونية والقضائية وطرق الضغط والفضح، وانتهاج الطرق النضالية السلمية للدفاع عن الحقوق والحريات المنتهكة، عبر تقديم القضايا، وفتح التحقيقات، وخاصة سلاح المقاطعة، والندوات الصحفية المشهرة بالاعتداءات والمعتدين وان لزم الأمر الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات السلمية.

التناقض في المواقف أوهن موقع النقابة وسلطتها، كما ان الفتور في المواقف والتراجع افقد المكتب التنفيذي المصداقية وحتى الجدية، وأغرى الكثيرين في توجيه “الضربات” في العمق، كما ان الانتقاء والازدواجية في التعامل بين المواقف المسجلة سابقا ضد “الترويكا” وأعضاءها، والمواقف إزاء أحداث “9 افريل 2012 ” و”أحداث الرش بسليانة” و”أحداث 4 ديسمبر2012″ وما صحبها من ضجة، والتقاعس الحالي فسح المجال واسعا للتشكيك في نزاهة والتزام النقابة بـالمبادىء اصلا.

ارتباط إحدى العضوات بحزب المسار المرتبط بنداء تونس من خلال الاتحاد من اجل تونس، وأيضاً احد الأعضاء بحزب العمال وبالاتحاد قد يكون له تأثير واضح في المواقف المسجلة.

كما ان موقف النقابة من كراسات الشروط، التي وضعتها “الهيكا”، المتجاوب مع مالكي الوسائل الإعلامية، يثير الغرابة الشديدة في خصوص ارتباط النقابة بـ”باعثي القنوات” والحال ان الاصل كان ينتظر دفاعها على موقف “الهيكا” المكرس الى حد عالي لحقوق الصحفيين والضامن لحقوق المستهلكين من المشاهدين والمستمعين.

الثابت في المحصلة ان اندفاع الصحفيين لاستضافة النقابات الامنية والترويج لمواقفها واللهث وراء نيل “رضى” السبسي هو ما جعل الصحفيين سهلي “المنال ” في الاعتداءات، السبسي صاحب التاريخ “الناصع” في منظومة الاستبداد والفساد، ووزارة الداخلية التي لم تقدم أي مؤشرات واضحة على قطعها مع الممارسات التي ثار ضدها الشعب، كان الاعلام أبرز المروجين لهما فأصبح اول ضحاياهما، ويتحمل بالتالي الصحفيون المسؤولية المباشرة في الصدد، بقطع النظر عن مواقف النقابة التي انطلقت شاحبة، ولا يعني انها ستستمر، على هذا الحال.