union-nationale-syndicats-forcessurete

منذ أن هبّت رياح الحرّية على تونس بعد ثورة 14 جانفي، سعت كلّ القطاعات إلى ضمان أكبر ما يمكنها حيازته من قوانين تسمح لها بتوسيع أطر تحرّكها لضمان تحقيق مطالبها في كلّ المجالات. القطاع الأمني كان من أكبر المستفيدين من ثورة قامت ضدّ “النظام البوليسي” الذي كان يقوده بن علي. فإضافة إلى الترقية التي تمتّع بها عدد كبير من المسؤولين الامنيين و إفلات بعض المورّطين منهم من المحاسبة، استطاع رجال الأمن أن يظفروا بقوانين تمنحهم الحق في ممارسة العمل النقابي الذي حرمهم منه بن علي طيلة عقود.

ويعتبر المرسوم 42 المؤرّخ في 25 ماي 2011 أي في عهد حكومة الباجي قايد السّبسي، أوّل مرسوم حكومي يسمح بإنشاء نقابات أمنيّة وينّص هذا المرسوم في الفصل 11 منه على الاتي:

لأعوان قوات الأمن الداخلي الحقّ في ممارسة العمل النقابي، ويمكن لهم لهذا الغرض تكوين نقابات مهنيّة مستقلّة عن سائر النّقابات المهنيّة واتحاداتها.

على مؤسّسي النّقابة المهنيّة إيداع نظير من قانونها الأساسي وقائمة في مسيّريها بمجرّد تأسيسها، وذلك لدى السّلطة الإداريّة التي يرجع إليها بالنّظر أعوان قوات الأمن الداخلي المنخرطون فيها. كما يجب أن يتمّ بنفس الكيفيّة إعلام ذات السّلطة الإداريّة بكلّ تغيير يتعلٌّق بالقانون الأساسي للنقابة أو بقائمة الأشخاص المكلّفين بإدارتها أو بتسييرها.

يحجّر على أعوان قوات الأمن الداخلي، في ممارستهم العمل النّقابي الإضراب عن العمل أو تعطيل سيره بأيّ وجه.
الفصل 11 من المرسوم 42 المؤرّخ في 25 ماي 2011

وبمجرّد إصدار هذا المرسوم تمّ تشكيل عدد كبير من النقابات الأمنية التي تداخلت أسماؤها وتشابكت مهامّها. وقد تمّ تبعا لذلك تكوين الإتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي الذي يضم في مكوناته: الإدارة العامة لوحدات التدخل والإدارة العامة للمصالح المشتركة والإدارة العامة لحماية رئيس الدولة والشخصيات الرسمية والإدارة العامة للمصالح المختصة وكذلك نقابات أساسية تابعة للحرس الوطني والادارة العامة للمصالح الفنية ونقابات الإدارة العامة للسجون والإصلاح و النقابات الأساسية للحماية المدنية.  وإضافة إلى النقابات المنضوية تحت هذا الإتحاد تمّ تشكيل عدد من النقابات الأخرى. ورغم أنّ وزارة الدّاخليّة تضمّ اكثر من 83 ألف عون وإطار أمني بمختلف الأسلاك إلاّ أنّ عدد المنخرطين بمختلف النقابات الأمنيّة لم يتجاوز ال 25 ألف منخرط حسب ما صرّح به الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي منتصر الماطري لموقع نواة.

union-nationale-syndicats-forces-surete-politisation

نقابات مهنيّة أم سياسيّة ؟

أعلن نقابيو الأمن منذ بداية تشكيلهم لنقاباتهم أنّ دورهم سيقتصر على الدّفاع عن الحقوق المهنيّة والإجتماعية لرجال الأمن. لكنّ هذه النّقابات حادت بحكم حساسية مواقع مؤسّسيها عن دورها المهنيّ في بعض الحالات لتنخرط في الصّراع السياسي الدّائر في البلاد عبر اتّخاذها لبعض المواقف التي اعتبرت ” سياسيّة” ولا شأن لها بالعمل النّقابي.

ومن بين هذه المواقف نذكر قيام نقابة أعوان الأمن بإقليم تونس بتهديد رئيس الحكومة مهدي جمعة ووزير الدّاخلّية لطفي بن جدّو باتّخاذ اجراءات تصعيدّية في حال عدم قيامهم بالتحقيق في تهجّم عماد دعيج عليهم. إضافة إلى رفع بعض النقابات الامنية لشعار ” ديقاج” في وجه الرّؤساء الثلاثة يوم 18 أكتوبر 2013، بثكنة العوينة أثناء تأبين عوني الحرس الوطني الذين استشهدوا في معارك قبلاط.  وقد اعتبر رئيس الحكومة انذاك علي العريض هذا التصرّف موقفا سياسيا وقد أصدرت وزارة الداخلية تبعا لذلك بيانا ذكّرت فيه بأنّ العمل النقابي المسؤول هو الذي يحترم قواعد الإنضباط ويدافع عن الحقوق الماديّة والإجتماعيّة لكافة الأعوان شرط أن لا يتحوّل إلى وسيلة لإرباك عمل الحكومة وتهديدا لوحدة وانضباط المؤسسة الأمنيّة.

ولأنّ دور النّقابات الأمنية أصبح فاعلا ومربكا و”غامضا” حسب تعبير بعض المحلّلين السياسيين فقد نادى ناشطون على المواقع الإجتماعية وسياسيون بحلّ هذه النّقابات. وحول هذه النقطة كان لنواة لقاء مع الامين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي منتصر الماطري الذي أكّد أنّ ” حلّ النقابات الأمنية أمر غير وارد خصوصا إثر تضمين حق الامنيين في العمل النقابي في دستور تونس الجديد. فالنقابات الامنية تعتبر اليوم مكسبا هاما لتونس خصوصا وقد تحوّلت إلى مصدر إزعاج لبعض الاحزاب السياسيّة التي ترغب في تركيع الأمنيين واستعمالهم كورقة رابحة تستعملها لقمع المواطنين وترهيبهم أسوة بالنّظام السابق وهو ما حاولت أحزاب الترويكا القيام به وقد قامت حين فشلت في مساعيها بزرع موالين لها يقومون بالتشويش على العمل الأمني ويسعون إلى تقسيم وزارة الداخلية وهو ما يدعى اليوم ب”الأمن الموازي” الذي تسعى النقابات لمحاربته والحدّ من نفوذه ضمانا لأمن البلاد واستقرارها وتحييدا للمؤسسة الأمنية عن العمل السياسي.”

وقال الماطري أنّ ” النقابات الأمنية ارتكبت في بداية تشكيلها بعض الاخطاء لكنّها عملت على تجاوزها و قد سخّرت كلّ جهودها لتحقيق أغلب المطالب المهنية للأمنيين كالرتب والمرتّبات والنّقل وغيرها، إلاّ أنّها لم تقف مكتوفة الأيدي بخصوص التحذير من الأخطار التي تهدد البلاد فقد حذّرت من المجموعات الإرهابيّة ومحاولات الأحزاب السياسية السيطرة على قطاع الأمن ضمانا لمصالحها الخاصة.”

وبغضّ النّظر عن أهميّة النقابات الأمنية ودورها في البلاد وإن كانت مكسبا أم مصدر تشويش وتعطيل فإنّ تونس تعتبر الدّولة الوحيدة التي جعلت من تأسيسي النّقابات الأمنيّة حقّا دستوريّا حيث ينصّ الفصل 35 من باب الحقوق والحريات على الاتي:

الحق النّقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون، ولا ينطبق هذا الحقّ على الجيش الوطني، ولا يشمل حقّ الإضراب قوات الامن الدّاخلي والدّيوانة.

الفصل 35 من الدستور التونسي، باب الحقوق والحريات

غير أنّ النقابات الأمنية لم تكتف بدسترة حقّها النقابي لتسعى الان من أجل دسترة حقّ أعوان الأمن في المشاركة في الإنتخابات الأمر الذي لم يحسم القانون الإنتخابي فيه بعد رغم رفضه بصفة مبدئيّة من طرف أغلب أعضاء المجلس التأسيسي.

نحو دسترة حق رجال الأمن في الإنتخاب ؟

إشكال دستوري جديد طرحته مطالبة النّقابات الأمنية بحقّ رجال الأمن في الإنتخابات. هذا الحق الذي يؤكّد الامين العام للإتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي منتصر الماطري أنه حقّ دستوري يريد بعض اعضاء المجلس التأسيسي حرمانهم منه. ويستند الماطري في تصريحه إلى الفصل 21 من دستور تونس الجديد الذي ينصّ على أنّ ” المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء امام القانون من غير تمميز”. حيث اعتبر محدّثنا أنّ ما يقوم به البعض داخل المجلس التّأسيسي من محاولة حرمان رجال الأمن من القيام بواجبهم وحقّهم الإنتخابي يدخل في إطار التمييز ضدّهم.

وبمواجهته بالفصل 19 من الدّستور الذي ينصّ على أنّ ” الأمن الوطني أمن جمهوري، قواته مكلفة بحفظ الأمن والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ.” قال الماطري أنّ التّشكيك في وطنيّة رجال الأمن وفي حيادهم في الإنتخابات، أمر غير مقبول، فكيف يمكن التّشكيك في أعوان يعملون ليلا نهارا لحماية المواطنين والمؤسسات وحرمانهم بالتالي من حقّهم في اختيار من يمثّلهم سياسيّا؟

أمّا بخصوص ما سينجرّ عن مشاركة رجال الأمن في الإنتخابات من انقسامات داخل المجموعات الامنية قال الماطري أنّ الانتماءات السياسيات في صفوف الامنيين موجودة وهي لم تؤثر على علاقة الأمنيين المهنيّة ولا على تعاونهم من أجل الصالح العام ، وفي المقابل فإنّ إقصاء الأمنيين من المشاركة في الإنتخابات يمكن أن يولّد شعورا بالظّلم في صفوف الامنيين وتشكيكا في نزاهتهم ووطنيتهم.

وستحسم النقاشات حول القانون الانتخابي في الأيام القليلة القادمة في حق رجال الامن في الإنتخاب حيث تنقسم اراء أعضاء المجلس التأسيسي بين مؤيد للمقترح (أقلية من نواب المعارضة ) ورافض له ( أغلبية من بينهم نواب ممثلين لحركة النهضة). وفي انتظار الحسم النهائي في هذه النّقطة نذكّر أنّ الموافقة على هذه المقترح –إن تمّت- ستجعل من تونس البلد العربي الثاني بعد المغرب الذي سيسمح للأمنيين بالحق في الإنتخاب.

كان لمنح الحق النقابي لرجال الامن انعكاسات إيجابية من حيث مساهمتها في كشف عديد الحقائق وخلق أرضية للتواصل بين الأمنيين والمواطنين من خلال الندوات الصحفية والملتقيات التي تنظمها هذه النقابات إضافة إلى خلق نوع من الصّراع الداخلي الفعال داخل وزارة الدّاخلية في صالح القضايا الحساسة والهامة. إلاّ أنّ نقص الخبرة وقصر عمر التّجربة النّقابيّة لدى ممثّلي هذا القطاع واستقلالها عن الإتحاد العام التونسي للشّغل دفع بعض هذه النقابات إلى القيام بأخطاء وصلت بها في بعض المناسبات إلى حد الإنفلات الذي يتعارض مع مبدأ الإنضباط الذي ينظّم عمل الأمنيين. وفي انتظار تنظيم العمل النّقابي لهذا القطاع الحسّاس يبقى إرساء نظام أمني جمهوري مطلبا صعب التّحقيق في تونس في ظلّ تأثير الصراعات السياسية على مواقف بعض النقابيين الأمنيين المورّطين أساسا في دعم بعض الاطراف على حساب أخرى لاعتبارات يصعب إثباتها.