guerre-contre-haica-medias-tunisie

بقلم نادية الهداوي، ترجمته إلى العربية نادية الهداوي، بالتعاون مع محمد سميح الباجي عكّاز

مع اقتراب موعد الانتخابات، لاح من جديد التحالف بين أصحاب المؤسّسات الإعلامية ورجال السياسة في سباق متجدّد للسيطرة على المشهد السمعي و البصري. بل إنّ البعض منهم ينظر إلى التشريعات الحاليّة على أنها أكثر تشدّدا ممّا كانت عليه في عهد بن عليّ، كذريعة لمراجعة مرسوم القانون عدد 116، في تواصل للذهنيّة السابقة القائمة على الهيمنة حتى على الإعلام الخاص، وهو ما يجعل من مراجعة وضعيّة المشهد السمعي و البصري ضرورة ملحّة وعاجلة.

بمبادرة من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، شملت إجراءات التعديل حتى الآن، إنشاء آلية لمراقبة المواد السمعية والبصرية، وتعيين مسئولي القطاع العممي، بالإضافة إلى وضع كرّاس شروط للبثّ السمعيّ والبصريّ الخاصّ والجمعياتيّ. هذا دون أن ننسى أهمية الحملة بالمجلس الوطني التأسيسي لدسترة هيئة الاتصال السمعي البصري وتعديل الفصلين 122 و124.

و قد ضبط كراس الشروط الذي وضعته الهيئة العليا القواعد الأخلاقية والاقتصادية التي تضع على قدم المساواة المترشحين الجدد و مستغلي التراخيص القدامى. و طبقا للمرسوم 116 لم يعد دور الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري منحصرا في مجرد إسناد الذبذبات، بل تعداه إلى تسهيل النفاذ إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية وضمان تعدّديته وتنوعه .

و يكمن الهدف الرئيسيّ من هذا التعديل في ضمان احترام القواعد الأخلاقية التي تمثّل صمّام أمان في خضم هذه المرحلة الانتقاليّة الحرجة. إلا أن استمرار حملات الدعاية والتواطؤ مع أصحاب الأموال أدّت إلى انزلاقات عديدة. وبالفعل، أدّى ظهور فاعلين جدد على الساحة الإعلامية إلى تفاقم الإستقطاب واحتدام التنافس على نسب المشاهدة. وقد حذّر التحالف المدني للدفاع عن حرية التعبير في مناسبات عدة من “الخطر الذي يخيم على المشهد السمعيّ البصريّ في تونس بعد ظهور العديد من وسائل الإعلام الخارجة “عن القانون” والتي يمتلكها رجال أعمال نشطون في الساحة السياسيّة.

ما معنَى أن تتكلم

في محاولة للوقوف على مسافة واحدة من السلطة ووسائل الإعلام، أزالت الهيئة العليا أخيرا اللُبس الذي رسخته سنوات من الدعاية، من خلال رسم خطّ فاصل بين الإعلام و المال والسلطة، و ين المعايير الأخلاقيّة والضرورات الاقتصاديّة وبين الأعراف والصحفيين.

ومع ذلك، فإنّ نقابة مديري المؤسّسات الإعلامية، وجامعة النقابة الأساسية وحتى جمعيّة الصحافيين الشبان، متلاعبة باللّبس المذكور، إتهمت الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري بسوء استخدام السلطة و تحويل التعديل إلى رقابة.

و في بيان مشترك دعت هذه الهياكل “كافة مكونات المجتمع المدني إلى الانتباه إلى ما يحتويه مشروع كراس الشروط من خطر على حرية التعبير واتخاذ مواقف واضحة وصريحة من مشروع الهيئة العليا المستقلة للاتّصال السمعي البصري”.
ويرى الموقّعون على البيان أنّ هذه الإجراءات ليست سوى “محاولة لعرقلة الإستثمار في المجال السمعي البصري وتهديد مورد رزق العاملين في القطاع”، متعمّدين الخلط بين قواعد الأخلاقيّات المهنيّة والقواعد الاقتصاديّة ومتذرّعين بحرّيّة الإعلام والتجارة. والأغرب من ذلك أنهم يطالبون الدولة بالتدخّل لإنصافهم.

من المثير للاستغراب أن نجد من بين الموقعين على البيان المذكور، راديو شمس أف.أم، الذي تساهم الدولة في رأس مالها بما يقارب 69٪ منذ مصادرتها سنة 2011. كما وقعت على البيان النقابة العامة للثقافة والإعلام التي يبدو أنها قد اختارت تغيير موقعها والخروج من صفوف التحالف المدني للدفاع عن حرية التعبير. وبالفعل، منذ شهرين تقريبا، دعت هذه النقابة الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري إلى مراجعة نص المرسوم 116 “بدلا من تأويله”، وذلك احتجاجا علي تشريك للهيئة العليا “بإبداء الرأي وجوبا” في تعيين رؤساء المؤسّسات السمعية والبصريّة العموميّة. فحسب نقابة الإعلام والثقافة، فإنّ هذا الرأي يعود بالنظر إلى مجلسي إدارة التلفزة والإذاعة العمومية، وهما مجلسان لم يتأسّسا بعد، أو إذا استلزم الأمر إلى رئيس الحكومة، مبرّرة هذا الاقتراح بشغور منصب الرئيس المدير العام للتلفزة العمومية، والتعسف الذي يمارسه المدير العام للإذاعة الوطنية الذي استقال من منصبه تحت ضغوط اعتصام الصحافيّين.

في أعقاب ذلك، برمجت قناة نسمة “نقاشا” حول “عيوب” كرّاس الشروط وقامت باستضافة عدد من الصحافيين للحديث حول هذا الموضوع. إلا أن البرنامج، ومنذ البداية، مثّل خرقا لأخلاقيات المهنة، حيث لم تتمّ دعوة الهيئة العليا للمشاركة في هذا الحوار رغم كونها طرفا أساسيّا في القضيّة. بالإضافة إلى ذلك، تحولت الناقش إلى مجال لتصفية الحسابات بدل التركيز على سلبيّات كرّاس الشروط.

[youtube https://www.youtube.com/watch?v=nHSTVIV5z_g]

وقد استفسرنا منشّطة الحلقة مريم بلقاضي عن تغيّب الهيئة العليا فأجابت قائلة :

كان هذا الخط الذي اختارته الإدارة، لأن هناك خلافا حقيقيا بين مديري وسائل الإعلام والهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري. و قد طلبت أن تكون الهيئة العليا حاضرة، فقيل لي بأنهم يريدون التكيز على عيوب كرّاس الشروط. وقد اقترحت أن نخصّص حلقة أخرى فيما بعد مع ممثلي الهيئة حتى يتمكنوا من الرد على الإنتقادات و توضيح بعض النقاط. أمّا بخصوص كرّاس الشروط، و أرى شخصيا أن هناك العديد من العيوب كراسات الشروط إذا ما قارناه بما ينص عليه المجلس الأعلي للسمعي البصري CSA في فرنسا.
مريم بلقاضي ، منشّطة برنامج من ناس نسمة

قبل يوم واحد، ومرة أخرى على قناة نسمة، طُلب من الباجي قائد السبسي تقييم كراسات الشروط الذي وضعته الهيئة العليا فأجاب باقتضاب ” كل ما هو مشطّ غير عادل وعديم الأهمية.” ولكنّ، عندما نعرف أن المرسوم 116 وُضع في ظل حكومة السبسي يحقّ لنا أن نتساءل إذا كان رئيس الحكومة السابق قد كلّف نفسه عناء قراءة المرسوم أو انّه ومنذ أن أصبح رئيسا لنداء تونس قرر أن لا يدعم الفصل بين الإعلام والسياسة.

و في الواقع، فإن الإجراءات التي جاءت في كرّاس الشروط مثّلت قيدا للطموحات السياسية لنبيل القروي، صاحب قناة نسمة، الذي عبّر عن نيته في تأسيس حزب والترشح للانتخابات الرئاسيّة في سنة 2014 . هذا و رغم أن مساهمة الايطالي سيلفيو برلسكوني، شريك القروي، التي تصل إلى ال 25 ٪ وكذلك الفلسطينيّ طارق قدادة الذي يساهم في قناة حنبعل بنسبة 49 ٪ لن يشكلا خرقا لكراسات شروط الهيئة العليا التي رفعت الحد الأقصى للمساهمين الأجانب إلى معدل 49 ٪، وفقا لمجلة الاستثمار.
وقد أقدم كذلك العربي نصرة، مالك قناة حنبعل على تأسيس حزب جديد تحت اسم “حزب حركة الجمهوريّة” والذّي يتألف من اثني عشر نائبا في المجلس التأسيسي قدّموا استقالتهم من العريضة الشعبيّة. نفس الشأن بالنسبة إلى رجل الأعمال ومدير قناة الجنوبية، محمد العياشي العجرودي، صاحب قناة الجنوبيّة الذي يتزعم “حركة التونسي للحرية والكرامة”. وأما الطاهر بن حسين مدير قناة الحوار التونسي، الذي استقال من المكتب التنفيذي لنداء تونس، فقد صرح مؤخرا أن :”السلطة العقوبية للهيئة أمر غير مقبول”، واضعا بذلك مسألة عزمه على تحويل نشاط قناته إلى عمل جمعياتيّ
محل شكّ.

عندما تتحوّل مناظرة تلفزيونية إلى اجتماع عائليّ

مساء الثاني من أفريل، عرضت قناة نسمة الجزء الثاني من النقاش حول كرّاس الشروط، وقد تمّت دعوة هشام السنوسي و رشيدة النيفر من الهيئة العليا، بالإضافة إلى أمال مزابي بوقرّاس رئيسة النقابة التونسيّة لمديري المؤسّسات الإعلامية، التي رافقها المحامي كمال بن مسعود المستقيل من الهيئة العليا المستقلّة لانتخابات، و توفيق بوعشبة، أستاذ القانون وعضو المكتب التنفيذي الموسّع لنداء تونس، بالإضافة إلى محمد القلصي، القاضي و الرئيس السابقلمجلس المنافسة الذي غادره بعد أن رفع في وجهه شعار “ديقاج” سنة 2011، وأخيرا رؤوف بالي، رئيس الجمعيّة للصحفيين الشبّان والذّي عزّز الفريق في نهاية الحلقة.

وكان من المتوقع أن يكون السيد محمد صالح الخريجي، عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، من بين الضيوف، و إلا أنه، و حسب ما جاء على لسان هشام السنوسي، قد تم الاتصال به في آخر لحظة من قبل القناة لإلغاء دعوته. وكان ذلك طبيعيّا، إذ أن هذه الجولة الثانية لم تكن نقاشا بل امتدادا لندوة عائلية نظمتها النقابة التونسيّة لمديري المؤسّسات الإعلامية و الجمعية التونسية للقانون الاقتصادي التي يرأسها الهادي بو قراس والذي بدوره ينتمي لنفس نقابة مديري المؤسسات الإعلامية. وقد بثت القناة خلال البرنامج تقريرا مطوّلا في جزأين عن هذه الندوة التي كان نبيل القروي من بين المشاركين فيها.

وقد انخرط هؤلاء الخمسة من المعارضين للهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري، في سلسلة من الاتهامات و الخطابات المعتمدة على اللغة الخشبيّة في انحراف واضح عن طبيعة المناظرة الديمقراطيّة المرجوّة. وما يثير القلق بشكل جدّي، هو أن وجهات نظر هؤلاء الخبراء في القانون والإعلام اكتفت بالتركيز على التسويق لمفهوم رأسماليّ مبتذل للإعلام السمعيّ والبصريّ، باعتباره سوقا وقطاعا اقتصاديا صرفا، وليس صناعة مرتبطة بالمصلحة العامّة. ألم يقل بورديو بأن ” السوق لا تحدّد القيمة الرمزية فحسب، ولكنّها تحدّد أيضا معنى الخطاب”. و عندما نتذكّر أن في فرنسا، على سبيل المثال، تستخدم عائدات الإعلانات من وسائل الإعلام السمعية والبصرية الخاصة منها والعموميّة لتمويل الإبداع، ندرك تماما أنّنا بعيدون كل البعد عن أهداف التعديل المنشود !

وعلاوة على ذلك، فما يحدث من خلط للمفاهيم المتعلقة بالقطاع السمعي البصري هو أمر مربك للغاية، كما هو الحال بنسبة لمصطلح “التحكّم في البرمجة” والذي يضمن تنوّع الموّاد الإعلامية المقدّمة في مختلف وسائل الإعلام. وهذا الخلط كان مبررّا استغلّته رئيسة نقابة مديري المؤسّسات الإعلامية لتتهّم الهيئة العليا بفرض رقابة على القطاع الإعلامي الخاصّ، كما أن هؤلاء أنكروا تماما المخاطر الناجمة عن تداخل إدارة المؤسّسات الإعلاميّة بالأجندات السياسيّة لمالكيها.

واعتمد القاضي محمد القلصي في مداخلته على قانون متقادم يعود لسنة 1991، والذي يتعلّق بحرية التجارة والصناعة، منتقدا الإجراءات الواردة في كرّاس الشروط و الساعية للحدّ من احتكار رأس المال وضمان الشفافيّة الماليّة، متسائلا عن تغّيب مجلس المنافسة في صياغة هذا القانون، بيد أن ما لم يذكره القلصي هو أن هذا النصّ القانونيّ حظّر الممارسات المنافية للمنافسة. بالإضافة إلى أنه و في المستقبل القريب، سيتسنّى لا محالة لمجلس المنافسة أن يلعب إزاء الهيئة العليا نفس الدور التشاركي الذي يلعبه نظيره الفرنسي إزاء المجلس الأعلي للسمعي البصري.

من جهته، اقترح أستاذ القانون توفيق بوعشبة “تجميد كراس الشروط” لعدم دستورية بعض مبادئه، محذرا في الوقت نفسه من أن أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة يحتفظون بحقهم في الطعن لدى المحكمة الإداريّة. ونتساءل هنا عمّا إذا كان رجال القانون الذين استضافتهم قناة نسمة يرون أن شرط التعدّدية والتنوّع والتوازن، وهو من مهام الهيئة العليا، هدفا غير دستوريّ، آنذاك وجب الانتظار حتى تبعث هيئة مراقبة دستوريّة القوانين حتى تفصل النزاع. وهل يجب أن نعتبر أيضا القوانين المشتركة بين الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هي بدورها غير دستوريّة، إذ تنصّ أولا على “حياد وسائل الإعلام”، فضلا عن “حياد الإدارة وأماكن العبادة “.

هل بتمتع الصحفيون بأخلاقيّات مهنيّة؟

والأغرب من ذلك أن بعض الصحفيين كانوا هم أيضا على خط المواجهة، حينما اختاروا الإصطفاف إلى جانب الأعراف بحجة أن الحدّ من تمويل المؤسّسات الإعلاميّة الخاصّة، كما جاء في كرّاس الشروط، سيكون له انعكاس سلبيّ على مستقبلهم المهنيّ. وقد ندّد رؤوف بالي، رئيس جمعية الصحافيين الشبّان، بعدم اتخاذ إجراءات لحماية الصحفيين بعد أن سبقته سيدة الهمامي بالي إلى ذلك في إستوديو قناة نسمة. هذا على الرغم من أنّ كرّاس الشروط تضمّن المواثيق الأخلاقيّة التي تنظّم العلاقة لا بين الصحفيّين وأصحاب المؤسّسات الإعلاميّة فقط، بل وبين الصحافيّين و المتلقّين للمادّة الإعلاميّة المقدّمة عبر إنشاء خطّة الوسيط أو “الموفّق الإعلاميّ”. وقد ذكّر هشام السنوسي أن هذا الإلتزام سوف يتم تضمينه في الإتفاقيات التي ستوقّع بين الهيئة العليا والمؤسّسات الإعلاميّة.

في الواقع ، إنّ انعدام الاحتراف في مهنة الصحافة راجع إلي نظام تشريعيّ ورمزيّ كرّس عدم الاستقرار المهني. إذ أن القواعد الأخلاقية التي تسهم في مصداقية الصّحفي، فضلا عن استقلاله عن القوى السياسية والاقتصادية، تعمد أساسا على تهيئة الظروف الملائمة التي تمكن مجالس التحرير من العمل بجدية.

ولكنّ الصحافيّين لا يطبقون مبادئ مجالس التحرير التي أقرها المرسوم 115، ولا يدافعون عنها، حتّى أننا نتساءل عمّا إذا كانت علاقة الصحافيين بمهنتهم لا تزال يشوبها التواطؤ والصمت. وهذا ما يفسر و بدون شكّ ظهور فئة من المنشطين الذين ارتقوا إلى رتبة “محرّرين سياسيّين في وقت الذروة”، خارج كل إطار أخلاقي.

إنّ عملية التأهيل المهني تتطلّب “خضوع الصحفيّ للتدريب الملائم لضمان جودة عمله واستقلاليّته، وضمان أجر محترم وظروف لائقة، وإمكانيات تسهّل قيامه بعمله”، كما جاء في القرار 1003 “المتعلق بأخلاقيات الصحافة”، الذي تمّ اعتماده في سنة 1993 من قبل المجلس الأوروبي.

و كما جاء على لسان رياض الفرجاني:

تقتضي عملية التأهيل المهني تشريك عدة أطراف فاعلة، منها المسؤول على التعديل والمنظمات المهنية وكذلك مبادارات أخرى تأتي من خارج القطاع المهني. وأعتقد أن هناك نوعين من هذه المبادرات: مبادرات الجمعيات غير الحكومية، وخاصة مراصد أخلاقيات المهنة التي تدافع عن حقوق المتفرج وحقّه في إعلام جيّد، ومبادرات الجمعيات التي تدافع عن حرية التعبير. من ناحية أخرى، كما يجب فتح باب نقد وسائل الإعلام في وسائل الإعلام.
رياض فرجاني ، عالم الاجتماع مختصّ في الإعلام وعضو في الهيئة العليا المستقلّة لللإتصال السمعي البصري.

في شهر فيفري الفارط، بادر مرصد تونس لحرية الصحافة إلى تنظيم مائدة مستديرة حول “حدود دور مديري و أرباب المؤسّسات الاعلاميّة في الدفاع عن الحريّات الصحفيّة“، داعيا إلى ضرورة وضع ميثاق شرف يُلزم مديري وسائل الإعلام. وصرح رئيس مركز تونس لحرية الصحافة الفاهم بوكدّوس أن “الخطوة الأساسية في قطاع الإعلام في تونس تتطلب إنشاء ثقافة جديدة يشترك فيها أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة مع الجمعيات المختصة في الدفاع عن حرية الصحافة”. في حين اعتبرت رئيسة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين نجيبة الحمروني “أنّ الهيكلة الحالية للمؤسسات الإعلاميّة أشبه بالخراب ولا يمكن أن تساهم في حماية حرية الصحافة”. و أعربت عن أسفها “لكون أصحاب وسائل الإعلام مهتمّون فقط بالمكاسب المادية على حساب حقوق الصحفيين و حالتهم المعنوية والمادية”.

و نتج عن هذه المبادرة الإرتدادات التي نعلمها، من قبيل رفض كرّاس الشروط و و عمليّات الطرد التعسفي و المهين للصحفييّن.

طبعا كيف لنا أن نتوقّع عكس ذلك، بعد ما ماعترضت الجامعة الوطنيّة لمديري الصحف في جانفي الماضي على التقرير الذي نشره مرصد أخلاقيات المهنة والممارسات الصحفيّة، بالتنسيق مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، حول الأخلاقيّات المهنيّة في الصحافة المكتوبة، حيث استنكرت الجامعة في بيانها “عدم مصداقية التقرير والاتهامات المجّانية، ومحاكمات النوايا”، بل ووصل بهم الأمر إلى الطعن في الفريق التي وضع هذا التقرير. هذا ما يدفعنا إلى القول ” أنّ أي إصلاحات مسقطة ولا تنبع من رغبة حقيقيّة في الإصلاح من داخل القطاع، إنّما هي خراب للإعلام.”

وإذ يعكس هذا التراجع في قطاع الإعلام ركود الانتقال السياسيّ، فإنه يزيد من تعقيد مهمة الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعيّ البصريّ. فقد بدأت الهيئة عملها في مشهد سمعي بصري ما زالت تعمه الفوضى. فتركة ما بعد 14 جانفي تبدو ثقيلة للغاية، وسعي الهيئة العليا لتحرير إعلام ارتبط طويلا بالدولة سيتطلّب مجهودا جبّارا لتفكيك هذا الإرث قبل الانتخابات المقبلة.

بالإضافة إلى الأربعة عشر قناة إذاعيّة وتلفزيّة، (عشر منها عموميّة والباقي خاصّة)، فقد إلتحقت بالمشهد الإعلاميّ اثني عشرة إذاعة وخمس قنوات تلفزيّة مرخّصة في عهد الحكومة الانتقاليّة التي ترأسّها الباجي قايد السبسي بناءا على توصية من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، هذا بالإضافة إلى أكثر من عشرين إذاعة وتلفزة أخرى تبث حاليا دون ترخيص.

وفي الواقع، إن وسائل الإعلام هذه من حيث الوظيفة التي تؤديها والفضاء الذي تحتله ليست إلا امتدادا للإعلام المهيمن الذي يمنع الإعلام الجمعياتي والبديل.

تعديل، حرية، مسؤولية … في بلد تلجم فيه القوانين، هل يكفي أن ندوّن الديمقراطية على الورق لكي تتحقّق؟