RCD-degage

بقلم أحمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

يمكن أن نعتبر في غياب الاتفاق بين أعضاء لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي على منع المسؤولين السابقين بالتجمع الدستوري الديمقراطي من الترشح في الانتخابات أن التجمعيين قد نجحوا في اقرار حرية مزدوجة لم يكونوا ليحلموا بها في الفترات الأولى للثورة والأهم بالنسبة اليهم هو اقرار ذلك دون أن يكونوا مضطرين الى الخضوع لأية محاسبة أو تحمل أية مسؤولية أو حتى الظهور في شخصية المعتذر ولو صوريا.

وتتمثل الحرية الأولى في أحقية الترشح دون قيود حتى وان تولى المترشح أرفع المناصب في الحزب المنحل بشرط التمتع طبعا بحقوقه السياسية و استجابته للموجبات القانونية طبق التشريع الانتخابي. ومن البديهي أن يسمح ذلك بترشح الوجوه البارزة للنظام السابق حتى وان ثبت بالتواتر -لا بالأحكام القضائية- تورطها في تزوير الانتخابات أو تغطية الممارسات الداعية الى تزويرها.

أما الحرية الثانية فتتمثل في حرية تكوين “الحزب التجمعي” المتولد عن الحزب-الأب بعد مصادقة الحكومات المؤقتة على تشكيل الأحزاب الكثيرة التي تستند في عضويتها أو أهدافها الى الحزب المنحل تحت غطاء الارث “الدستوري” أو “البورقيبي” وفي بعض الصور دون حاجة الى اي غطاء مهما كان.

وفي ضوء ذلك يبدو أن الواقع الحالي لا يسمح -بالنظر اساسا للتحالفات و التوازنات السياسية- بتضمين القوانين المنظمة للأحزاب أو الانتخابات أي مانع من الموانع المرتبطة بتكوين الأحزاب التجمعية أو الترشح في قوائمها من قبل التجمعيين مهما كانت مسؤولياتهم خصوصا بعد اقرار الدستور الجديد .

ومن المفارقات ان تورد النصوص المنظمة لعدد من الهيئات الانتقالية (هيئة القضاء العدلي-هيئة الانتخابات -هيئة الحقيقة والكرامة ..) الموانع المتعلقة بالنشاط صلب التجمع المنحل أو مناشدة رئيسه وأن يجيز القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها المؤرخ في 24 -12-2013 اقتراح الاعفاء او الاقالة من الوظائف العليا للدولة لكل شخص “قدم تقارير أو معلومات للتجمع الدستوري المنحل” (الفصل 43) في حين يتجه القانون الانتخابي الى فتح باب الترشح على مصراعيه لهؤلاء وحتى لقيادات التجمع من الصفوف الأولى و هو ما يطرح تساؤلات جدية حول حظوظ تطبيق مقتضيات العدالة الانتقالية في هذا السياق السياسي الذي يدعو الى التفصي من المسؤولية والافلات من العقاب.

ورغما عن ذلك يبقى لنا ان نتساءل عن حرية اضافية يمكن ان يطمح التجمعيون الجدد الى اقرارها في الدعاية السياسية لأحزابهم أو الحملة الانتخابية لقوائمهم وهي تمجيد التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل والدعوة الى مبادئه و الترويج لخياراته و الدعاية لأفكاره في اتجاه “القواعد التجمعية” العريضة وغيرها من “الصفوف الانتخابية”المهيئة لتقبل الخطاب التجمعي.

وجوابا على ذلك من الثابت أن الحكم القاضي بحل التجمع الصادر بتاريخ 9 مارس 2011 قد منع اعادة تكوين نفس الحزب وكذلك اعادة تشكيله تحت مسمى آخر مما يجعل الدعوة الى الانتساب اليه أو الانضمام لنشاطه من المحظورات المترتبة عن ذلك المنع.

غير أن تمجيد التجمع و الافتخار بانجازاته وتلميع صورته والدعاية له بتلك الوسائل في الحملات الانتخابية أو الاجتماعات العامة يبقى معزولا عن الموانع القانونية أو العقوبات وهو ما مكن في الفترة الأخيرة بعض رموز التجمع من استعراض مآثره و الاعتداد بأشخاصه رغم ما صدر من استنكار لتلك الممارسات الاستفزازية.

ولذلك فمن الأكيد أن منع أي مترشح من الدعوة الى الحزب المنحل أو تلميع صورته -بمناسبة الحملة الانتخابية- يجب الاحتياط له في القانون الانتخابي المرتقب خصوصا وقد أصبح من المستقر قانونا و قضاء أن التجمع قد تم حله لأسباب ترتبط باحتكاره للحياة السياسية وعدم احترامه للنظام الجمهوري وأسسه ومبدأ سيادة الشعب فيمتنع لذلك الدعاية له. واضافة لهذا من الواجب أيضا التنصيص على عقوبات مدنية و زجرية عند مخالفة تلك الاحكام القانونية.