elections-tunisie

لازالت لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي تواصل مناقشة مشروع القانون الإنتخابي بالإستناد إلى جملة مشاريع قوانين اقترحتها منظمات مختلفة. ورغم توافق اللجنة على أغلب النقاط التي تهم خصوصا إجراءات تنظيم العملية الإنتخابية إلاّ انّ بعض النقاط الخلافية لازالت قيد النقاش وتخص أغلبها مسائل التمويل والإشهار والحملات الإنتخابية وموانع الترشّح. هذه المسائل خضعت في أغلبها لمزايدات سياسية لأهميتها في مضاعفة فرص ربح القائمات والأحزاب في كسب مزيد من الأصوات رغم مخالفة بعض المقترحات التي كانت حزبية بتّة لبعض ما جاء في فصول الدستور الجديد.

صادقت لجنة التشريع العام على 20 فصلا من بين 169 فصلا في مشروع القانون الإنتخابي. وتميزت نقاشات هذه الفصول الإجرائية بشبه إجماع بين ممثلي الكتل على غرار مسألة الآجال والجهة المخول لها الطعن ونشر قائمات الناخبين وصفة الناخب. هذا التوافق النسبي رغم الإختلاف في التصورات العامة بين مختلف الأحزاب كان نتيجة الرغبة في التسريع في النقاشات. وقد ساهم هذا التوافق في تجاوز بعض الإشكالات التي من المنتظر أن تطفو على السطح خلال المصادقة على هذا المشروع في جلسة عامة.

ومن بين النقاط الخلافية التي تم التوافق حولها في لجنة التشريع العام هي الية تسجيل الناخبين بشكل إرادي أو الي. وقد تم اعتماد الية التسجيل الارادي رغم أن عددا من النواب طالبوا باعتماد النظام الالي نظرا لعدم وعي عدد من الناخبين بضرورة التسجيل وخصوصا منهم متساكني الأرياف والمناطق النائية. هذا في حين أكّد نواب اخرون أن التسجيل يجب أن يكون إراديا لما يعكسه من حرص الناخب على اداء واجبه الإنتخابي. كما تم الإتفاق حول منع العسكريين والأمنيين من حق الإقتراع والترشح للانتخابات إضافة إلى التوافق على إقرار الدوائر الانتخابية التي اعتمدت في انتخابات 23 أكتوبر 2011 وعددا من الإجراءات الأخرى كاعتماد مبادئ التناصف والعتبة لتبقى مسالة اعتماد التزكية محل خلاف.

ممنوعين من الترشح : رجال الأمن والجيش ورموز نظام بن علي ؟

وجد أعضاء لجنة التشريع العام أنفسهم من جديد في مواجهة مع ما جاء في الدستور بخصوص مسألة منع رجال الأمن والجيش من الترشح للانتخابات أو الإقتراع. وقد انعكس التضارب الذي جاء في الدستور بخصوص هذه المسالة على نقاشات اللجنة. فدستور تونس الجديد ينص في فصله الحادي والعشرون على أنّ “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز” . غير أنه يعود ليؤكّ في الفصلين 18 و19 على ضرورة حياد المؤسستين الأمنية والعسكرية.

الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون.
الفصل 18

الأمن الوطني أمن جمهوري، قواته مكلفة بحفظ الأمن والنظام العام وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ.
الفصل 19

وقد اتفق أعضاء اللجنة على ضرورة منع الامنيين والعسكريين من الترشح للانتخابات والإقتراع. و بررت رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين في تصريح لنواة هذا المنع بضرورة ضمان حياد العملية الإنتخابية نظرا لأن الأمنيين والعسكريين سيكونون عنصرا من عناصر تنظيم العملية الإنتخابية وضمان سلامتها وحيادها. هذا في حين دافع عدد من أعضاء اللجنة ومن بينهم النائب نجيب الشابي على حق الفئة المذكورة في الترشح للانتخابات والإقتراع بحجة ضمان الدستور لهذا الحق وبتعلّة أنّ أعتى الديمقراطيات في العالم راجعت هذه المسألة وسمحت للعسكريين والأمنيين بالتمتع بحقوقهم الإنتخابية باعتبارها حقوقا انسانية.

مناقشة الفصل 21 من القانون الإنتخابي عرفت أيضا جدلا كبيرا حيث أعاد أعضاء اللجنة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التيار الديمقراطي مسالة إقصاء التجمعيين إلى طاولة النقاش. وقد طالبت سامية عبو تضمين الفصل 21، المتعلق بموانع الترشح للإنتخابات، منع كل من تحمّل مسؤوليّة في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وحكومات بن علي والمناشدين من الترشّح للانتخابات التشريعية. هذا المقترح عرف معارضة من نواب المجلس التأسيسي من مختلف الكتل فيما امتنع أعضاء حركة النهضة باللجنة عن إبداء ارائهم حوله. وبخصوص هذه النقطة أكّد عدد من نواب الكتلة الديمقراطية أن القانون الانتخابي ليس مجالا لإقصاء أطراف دون أخرى مؤكّدين أن هذا الأمر سيحسمه القضاء. وقال كريم كريفة النائب عن حزب المبادرة في هذا الإطار أنّ إعادة طرح قضية إقصاء التجمعيين خلال مناقشة مشروع القانون الإنتخابي يدخل تحت طائلة المهاترات السياسية التي ساهمت في تعطيل عمل المجلس التأسيسي لمدة طويلة والهدف منها هو كسب نقاط إضافية لدى الناخبين المعادين لبعض الأحزاب المتهمة بضم رموز النظام السابق. كما أكّد أن هذا المنع يتعارض مع ما جاء في الفصل 34 من الدستور الذي ينصّ على أنّ ” حقوق الإنتخاب والإقتراع والترشح مضمونة طبق ما يضبطه القانون” وبالتالي فإنّ أي إقصاء لأي مواطن لم يثبت القانون تورطه في أي فساد هو خرق دستوري. هذا وقد عبرت سامية عبو عن إصرارها على تمرير مقترحها سواء في نقاشات اللجنة أو خلال الجلسة العامة.

منع مالكي القنوات والإذاعات الخاصة من الترشح للانتخابات ؟

خلال جلسة استماع تمت صلب لجنة التشريع العام قدّم أعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ” الهايكا” مقترحا يقضي بمنع المترشّحين للانتخابات التشريعية والرئاسية من المطالبة برخصة بعث مؤسسات إعلامية سمعية بصرية ومنع مالكي القنوات الإعلامية من الترشح للانتخابات. هذا المقترح لم يرق للعديد من أعضاء المجلس التأسيسي الذين رأوا فيه خرقا لما جاء في الدستور من حق كل التونسيين في الترشح للإنتخابات وتحاملا ضدّ عدد من مالكي القنوات التلفزية الخاصة من السياسيين.
وقد أكّد أعضاء ” الهايكا ” أنّ هذا المقترح تم تضمينه بكراسات شروط القنوات الإذاعية والتّلفزية الخاصة والجمعياتية الذي صدرت مؤخرا. (نص الفقرة التي تتعرض لهذه النقطة) هذا التصريح أثار غضب عدد من النواب المنتمين لأحزاب يترأسها مالكون لقنوات أو إذاعات خاصة على غرار الهاشمي الحامدي رئيس حزب تيار المحبة وصاحب قناة المستقلة والعياشي العجرودي رئيس حزب حركة التونسي للحرية والكرامة وصاحب قناة الجنوبية وسليم الرياحي رئيس حزب الإتحاد الوطني الحر ومدّعي ملكيته لقناة التونسية والعربي نصرة رئيس حزب حركة الجمهورية ومالك قناة حنبعل. وحسب تصريح إعلامي لعضو التنفيذي للهايكا محسن الرياحي فإن أصحاب القنوات والإذاعات الخاصة مطالبون بتسوية وضعيتهم والتخلي عن مؤسساتهم الإعلامية كشرط أساسي لدخول سباق الإنتخابات القادمة.

نائب تيار المحبة أي العريضة الشعبية سابقا أيمن الزواغي وضّح في تصريح لنواة أنّ مقترح الهايكا غير دستوري وهو يستهدف حزب تيار المحبة في شخص قائده الهاشمي الحامدي من أجل الحد من الشعبية الكبيرة التي يتتمع بها هذا الحزب. وقال الزواغي أن هذا المقترح مبكتر على قياس تيار المحبة ومساند من طرف حزبي نداء تونس وحركة النهضة لإقصاء الحامدي ومنعه من المشاركة في الانتخابات القادمة خوفا من “الإنتصار الساحق الذي سيحققه” حسب قوله. كما أكد الزواغي أن الهايكا غير مؤهلة قانونيا لتقديم هذه التصريحات فهي لا تعتبر مشرّعا بل هي فقط هيئة استشارية وعلى كل القوانين التي تقوم بإصدارها أن تمرّ أولا على المجلس التأسيسي للمصادقة عليها وبالتالي فإنّ كل تصريحات أعضائها بشأن منع مالكي قنوات وإذاعات خاصة هي لاغية.

كما عبّر سليم الرّياحي حسب ما ورد في بعض التصريحات الإعلاميّة عن استيائه الشديد لما جاء في كراس شروط الهايكا تكبيلا للإعلام وخرقا للديمقراطية والتعددية الحزبية. واعتبر الرياحي أن كراس شروط الهايكا تعدّ سابقة في المشهد الاعلامي العالمي حيث أن جميع دول العالم لا تمنع رجال أعمال أو سياسة من امتلاك باقة من القنوات مستحضرا التجربة اللبنانية والمصرية والإيطالية في امتلاك رؤساء أحزاب لقنوات تلفزية.

خلاف دستوري حول تمويل الحملة الانتخابية والتزكية

لم يتمّ التوافق إلى حد الان بشكل قطعي ونهائي مع مسألة تمويل الحملة الإنتخابية رغم محاولة رؤساء الكتل إيجاد صيغة ترضي جميع الأطراف. وقد ألقت مخلفات الإنتخابات السابقة بظلالها على نقاشات لجنة التشريع العام. حيث تم في الإنتخابات السابقة اعتماد التمويل العمومي السابق للأحزاب والقائمات عبر تقديم مبالغ مالية للحملات الإنتخابية على دفعات إلا أن عدم خلاص هذه الدفعات من طرف عدد كبير من الأحزاب والقائمات طرح فكرة اعتماد التمويل اللاّحق، أي اعتماد كل حزب أو قائمة على تمويلها الخاص ليتم خلاصها فيما بعد من طرف دائرة المحاسبات مع استظهارها بفواتير ووثائق للمصاريف. هذا الطرح يضرب حسب تصريح النائب المستقل فؤاد ثامر بأهمّ مبدأ دستوري وهو مبدأ العدل والمساواة بين جميع المواطنين ويفتح المجال أمام الأحزاب الكبرى للفوز بالإنتخابات باعتماد المال السياسي. وقال فؤاد ثامر أن اعتماد التمويل اللاحق سيمنع الشبان والأحزاب الصغرى من ممارسة حقهم في تسيير حملاتهم الإنتخابية بشكل جيد على غرار الأحزاب الكبرى والثرية.

مبدأ التزكية أثار أيضا جدلا دستوريا كبيرا حيث ينص الفصل 74من الدستور على ضرورة اعتماد التزكية في الإنتخابات الرئاسية إذ جاء فيه أنّه “تشترط تزكية المترشح للإنتخابات الرّئاسية من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين المرسمين حسبما يضبطه القانون الانتخابي”. هذا ولم يتم التنصيص على مبدأ التزكية في الفصول الخاصة بالإنتخابات التشريعية. والإشكال هنا تمثّل في مطالبة كتل الأحزاب الكبرى من بينها حزب حركة النهضة باعتماد التزكية في الإنتخابات التشريعية الأمر الذي يتعارض مع ما جاء في الدستور. النائب المستقل هشام حسني وضّح في تصريح لنواة أن اعتماد التزكية في الانتخابات التشريعية غير وارد تماما رغم إصرار عدد من النواب على تمريره وذلك لصعوبة تطبيق إجراءات التزكية ميدانيا. إلا أن خلافا جديدا حول تزكية المترشح للانتخابات الرّئاسية سرعان ما طفا على السطح إذ اعتبر عدد من النواب أن هذا المبدأ يفتح الباب أمام المال السياسي ويظلم المترشحين للانتخابات الرئاسية من الأحزاب الصغرى. وقد اقترح عدد من أعضاء اللجنة حلا اخر للخروج من هذه الأزمة يتمثل في تقديم المترشح للانتخابات الرئاسية مبلغا ماليا كضمان لإغلاق الباب أمام الترشحات العشوائية، إلا أن أغلب أعضاء الهيئة اعتبروا أنه شرط لا دستوري وقد تمّ رفضه.

احترام ما تمّ التنصيص عليه في دستور تونس الجديد يعتبر من أهم الصعوبات التي تواجه أعضاء لجنة التشريع العام خلال مناقشتها للقانون الإنتخابي. فالمزايدات السياسية وتركيز الأحزاب على الإنتخابات القادمة شرّع للبعض فكرة تجاوز بعض نقاط الدستور. هذا في حين كان من الضروري أن تكون فصول الدستور خطوطا حمراء لا تقبل المناقشة في احترامها من عدمه. هذا ويبقى أمام أعضاء المجلس التأسيسي الرهان الدستوري الأهم وهو تنصيص الدستور على ضرورة إجراء الإنتخابات القادمة قبل سنة 2014 . فأيّ مخرج قانوني سيتمّ اعتماده لو عجز أعضاء المجلس وهيئة الإنتخابات على الإلتزام بهذا الموعد؟