المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

essebsi-ghannouchi-ammar-marzouki

بقلم إيهاب الغربي،

لقد كان وقع الكتاب الاسود كالصاعقة ليس فقط على فرقاء السياسة هذه المرة، وانما ايضا على كافة اطياف المجتمع التونسي بمختلف شرائحه كما ان الكتاب الاسود لم يكن كشفا للمتورطبن مع النظام النوفمبري والبورقيبي، بقدر ما كان تصنيفا شخصيا من السيد المرزوقي لاهل الجنة واهل النار .وكاننا في يوم الحشر فكان لا بد لهذا المقال ان يعيدنا الى الرشد، وينسينا ظواهر احلام نسجتها لنا المخابرات الامريكية بمساعدة صاحب الكتاب الاسود ومرشده ورفاقه من اهل الجنة، و وضعتنا في الدرك الاسفل بسحر كلمة واهمة اسمها ثورة. فلنغص اذا في كتابنا الاسود الذي لم ينشره صاحب قرطاج، ومنصبيه في اعلامهم سواءا كان إخواني او بورقيبي.

ان الشرعية الانتخابية التي منحت اخوان تونس الحكم هي شرعية زائفة، لان المجلس التاسيسي هو مطلب النخبة السياسية وليس الشعب وكان الهدف من انشاء هذا المجلس هو ترضية كل الاطراف المتصارعة على الحكم، وسحب البساط من القوى الثورية الحقيقية وتسييس اعتصامات القصبة. وهو ما جعل واشنطن وباريس تضغطان على حكومة محمدالغنوشي في سبيل الامتثال للاصلاحات السياسية التي كان ديكورها شبابا ومناطق مهمشة، ومحركها منظمات مجتمع مدني وشخصيات حقوقية تدافع عن المصالح الامريكية والفرنسية. وقد كانت المطالبة بانشاء مجلس تأسيسي المخرج الانسب للنخبة السياسية لقمع الاحتقانات الشعبية، و كسب هدنة يتمكنون خلالها من ترتيب اجنداتهم السياسية وتقديم ورقات اعتمادهم لامريكا. والذي فات هذه النخبة ان اهداف 14 جانفي قد حددتها امريكا هذا التاريخ ، و افهمت التجمعيين ان مهمتهم انتهت وان المكان الأن للاخوان.

لذلك فقد استسلم محمد الغنوشي للامر الواقع، واقر بوجوب انشاء مجلس تاسيسي. والملاحظ ان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة لم يعد الى تونس الا بعد المصادقة على انشاء المجلس التاسيسي، خاصة ان الاخوان في تونس ومصر لم يشتركوا في الحراك السياسي الا بعدانتهاء الاحتقان الاجتماعي و تمهيد الارضية اللازمة لهم من قبل الامريكان لاستلام السلطة بتنسيق امريكي مسبق بينهم وبين النظام السابق في كل من تونس ومصر، مع تقديم امريكا للفلول والتجمع بانهم سيحافظون على مكانتهم، وسيبقون اصدقاء لامريكا التي قد تحتاجهم في كل وقت.

عين الباجي قايد السبسي رئيس حكومة في مارس 2011 رغم اعتصامات القصبة 1 و 2 الداعية الى القطع مع النظام السابق. وهو لن يتم حسب الادارة الامريكية الا بشروطها وفي سياق اهدافها. فالولايات المتحدة تخلت عن حليفها بن علي، ولم تتخلى عن نظامه .والاحتجاجات الشعبية اللتي تلت فرار رأس النظام لم تعد ترق للادارة الامريكية كثيرا. لذلك فقد حاول جيفري فلتمان اخماد اعتصام القصبة بتحوير حكومي املاه على حكومة محمد الغنوشي.

بعد اندلاع القصبة 2 استجابت الادارة الامريكية مكرهة للتضحية بحكومة محمد الغنوشي، والقبول بمجلس تأسيسي ستتكفل بامر تطويعه فيما بعد. الا ان امريكا لم تفرط في حلفاءها السابقين. وكان اختيار السبسي الوجه البورقيبي المعروف والذي اشتهر بقمعه للحركة اليوسفية وسياسته الامنية المتشددة اثر انقلاب 62 عندما كان مديرا للامن، ثم وزيرا للداخلية. بالاضافة الى خبرة السبسي الكبيرة في العمل الديبلوماسي سواءا كوزير خارجية في الثمانينات، او سفيرا في باريس والمانيا الغربية. بالاضافة الى قربه من الجيش باعتباره وزيرا للدفاع في 69-70.

لذلك فان الباجي القايد السبسي الرجل الذي عمل في كل اجهزة الدولة يبدو الانسب للادارة الامريكية لقيادة المرحلة القادمة بما فيها من استحقاقات داخلية وخارجية. الاستحقاقات الداخلية هي اعادة السيطرة على دواليب الدولة من خلال االقضاء على المسار الثوري الذي انتهى في القصبة 2 ، و تمهيد السبيل لفوز الاخوان في االانتخابات من خلال الترخيص المجاني لكل من يرغب في انشاء حزب. وهو ما جعل المجتمع التونسي لا يستوعب البرامج السياسية للاحزاب.

قام الاعلام الذي كان يعمل بتنسيق مع رئاسة الحكومة بالتغاضي عن التعريف باحزاب على حساب احزاب اخرى، بدليل ان الاحزاب القومية والتي كان لها موقف مختلف من الربيع العربي قد وقع التعتيم عنها ومنعها من التعريف ببرنامجها السياسي . نفس الشيء وقع للاحزاب اليسارية التي عملت وسائل الاعلام على تشويه صورتها.

كما زادت افلام نادية الفاني وبرسيبوليس في خدمة حركة النهضة والتي كانت بترخيص من حكومة السبسي الذي يعلم حق العلم ان هذه الافلام ستخدم حركة النهضة. و قد اعتمدت الادارة الامريكيةعلى ثلاثة وجوه من اجل تسهيل انتقال السلطة لحركة النهضة فرع الاخوان المسلمين في تونس.

هذه الوجوه هي الباجي قايد السبسي السالف ذكره، وعياض بن عاشور شخصية برجوازية تدين بالولاء الى مشروع ساركوزي المتوسطي الذي يناقض مشروع الربيع العربي. خاصة ان بن علي هو شريك هام في مشروع ساركوزي في سيطرة فرنسا على المتوسط . وقد حاول عياض بن عاشور في رئاسته للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ان يعزل حركة النهضة. الا انه في النهاية خضع لضغوط الحركة و الادارة الامريكية في تسهيل السبل لقدوم اخوان تونس الى الحكم . حيث ان امريكا فرضت اجندتها السياسية رغم تصدي اليساريين للمشروع الاخواني، ووضعت عياض بن عاشور في كفة الاخوان على حساب اليسار.

اما كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فهو ايضا عضو ينتمي للشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان منذ 2003. وهو ايضا منخرط في مشروع خمسة زائد خمسة المتوسطي.

ثلاثة عناصر ساهموا في تزوير انتخابات 23 اكتوبر، وهذا جرد لعملية افتسام كعكة تونس:

افتتحت مسرحية الانتخابات في الاجتماع السري الذي شمل اعضاء الترويكا في 13 اوت 2011. وقد جمع هذا اللقاء كلا من راشد الغنوشي، حمادي الجبالي وبن جعفر والمرزوقي في دار نصر علي شقرون بمشاركة مركز كارتر وجمعيات امريكية وغربية اخرى.

لكن الاجتماع الاهم والحاسم قد دار يوم 25 اكتوبر 2011، في شقة بحي النصر بمشاركة كمال الجندوبي مهندس الانتخابات و محمد عبو عن المؤتمر، ومحمد بالنور عن التكتل وعلي العريض عن النهضة باضافة الحضور الامريكي في شخص مارك زارتمان وهو احد مساعدي الصهيوني جون ماكين في منظمة نيد*.

وقد كان لهذه المنظمة الامريكية دورا فاعلا في تحديد مسار انتخابات 23 اكتوبر و في خدمة الاجندة الامريكية. تعتبر “نيد”الذراع الايمن للاستخبارات الامريكية. ومن الهين على منظمة قامت بانقلاب فاشل على شافيز في فينيزولا سنة 2002، وبثورة ملونة على نظام نجاد في ايران سنة 2009 اعادت الكرة سنة 2011 في تونس باسم الربيع العربي واسقاط نظام مرفوض من شعبه بانقلاب عسكري قاده الجنرال رشيد عمار من أجل التمهيد للاطاحة بمبارك والقدافي وادخال شمال افريقيا في فوضى عارمة بمساعدة حركات الاسلام السياسي المقنعة تحت ثوب الديمقراطية، وتصدير النموذج السعودي إلى كامل اقطارنا العربية. لذلك فان الشرعية الانتخابية للترويكا عامة و لحركة النهضة خاصة هي زائفة باعتبار انهم وصلوا للحكم باجندة اجنبية وليس بانتخابات شعبية .

سنعود الى الوراء قليلا، و نتذكر عمالة حكومة السبسي ودورها في اسقاط حكم الجماهرية وفي حالة الفوضى وانتشار القاعدة في منطقتنا. اذلا يخفى على احد الدور الذي لعبته حكومة السبسي في الاطاحة بحكم الجماهرية، والدعم الذي وفره رشيد عمار لتمرير الاسلحة من الحدود التونسية الى ثوار ليبيا بطريقة جعلت علي الصلابي القيادي الاسلامي الليبي المقيم بقطر ممتنا لخدمات رشيد عمار. فبعد ضغوطات قطرية على حكومة السبسي، ذهب رشيد عمار في زيارة لقطر في افريل 2011. واتفق مع ولي العهد القطري انذاك تميم حمد الثاني على دعم الثوار بالسلاح عبر الحدود التونسية، وهو ما تم من خلال فتح معبر الذهيبة الذي سهل ضرب جبهة طرابلس من الظهر. بالتالي ضرب قوات القدافي في مقتل، من خلال السيطرة على عمقها الاستراتيجي في الشرق التونسي. خاصة وان الثوار متمركزون في شرق ليبيا،ومدعومون من مصر.

كما واصلت حكومة النهضة نفس النهج في الامتثال لاوامر قطر واجندتها الامريكية، بتوقيع رشيد عمار اتفاقية استراتيجية وورطت تونس رسميا في الحرب على سوريا. خاصة ان بلدان حلف شمال الاطلسي هي التي شاركت مع القوات القطرية في مناورات الصقر الجارح، والتي انضمت اليها تونس. بلغ عدد الجنود الأجانب المشاركين في التمرين نحو1500 شخص بمشاركة تونسية، بالإضافة إلى مشاركة ثلاث سفن حربية وثلاث طائرات. كما تميزت بمشاركة طائرات النقل الجوي الإستراتيجي والطائرات بدون طيار. يشار إلى أن قطر تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وتتمثل في قاعدة السيلية التي تعتبر اكبر مخزن لتخزين الاسلحة والمعدات الاميركية الذي يرجح إنشاءها بداية العقد الماضي.

كما تنص اتفاقية التعاون بين الجيش التونسي و الجيش القطري على اعارة جنود تونسيين للقوات المسلحة القطرية، وهو ما سيحول تونس الى ولاية قطرية رغم ان قطر اصغر حجما من ان تكون ولاية تونسية. والاخطر من ذلك هو النوايا القطرية المبيتة لانتهاك سيادة الجزائر ، والتي تجلت من خلال تجسس قطر من تونس على الاتصالات الجزائرية باشترائها لاسهم تونيزيانا و تجسسها من خلال التراب التونسي على الجزائر و الان وما بعد توقيع هاته الاتفاقية بامكان قطر ادخال السلاح الى التراب الجزائري بمساعدة الجيش التونسي دون قيد اوشرط، بل وتشريك القوات التونسية في عمليات بالتراب الجزائري بموجب هاته الاتفاقية وهو ما يثبت مرة اخرى انخراط تونس ما بعد 14 جانفي في مشروع أمريكا الجديد للاستيلاء على موارد الطاقة للدول التي ترفض الخضوع لتعاليم الشركات البترولية الامريكية، كليبيا والجزائر باسم الربيع العربي.

لقد بلغ مجموع المساعدات العسكرية الامريكية لتونس منذ اندلاع الثورة ما يقرب عن 32 مليون دولار، وهو تقريبا ضعف المساعدة المقدمة مباشرة قبل الثورة وهو ما يعتبر مفاجئا للمطّلعين و المتتبّعين للعلاقات العسكريّة الامريكية التّونسيّة. و بالتّالي يمكن أن نتساءل عن المقابل الذي دفعته الحكومة التونسيّة و العسكريّين للحصول على تمويلات أمريكيّة تفوق الـ 32 مليون دولار، وهو دليل قاطع على تبعية االحكومة التونسية الحالية والسابقة لاجندة الولايات المتحدة.

هذه الحكومات “الشرعية” لم تكن كذلك لولا تبني البيت الابيض. فحسب جريدة الفجر الناطقة بإسم حركة النهضة عدد 7 و الصادرة يوم 20 ماي 2011، زار وفد نهضاوي الولايات المتحدة بعد دعوة من وزارة الخارجية الأمريكية. و قد إلتقى هناك حمادي الجبالي بجوزف ليبرمان، جون ماكين، و قاري اكرمان و شخصيات أخرى من الكونجرس الأمريكي كما حصل، حسب نفس المصدر، تفاعل الإدارة الأمريكية و ممثلي الحكومة الانجليزية مع تصورات حركة النهضة و مقترحاتها. كما كان هناك استجابة واضحة من الطرفين الأمريكي والانجليزي في دعم هذه التجربة والحرص على نجاحها. و أشار المصدر إلى اهتمام المسؤولين الأمريكان الكبير بتصورات “الحركات الإسلامية المعتدلة” للمستقبل. كل هذا قبل الإنتخابات، دون ان ننسى مباركة حمادي الجبالي للكيان الصهيوني بقوله ان” في اسرائيل احزاب لا تعيق بالضرورة الديمقراطية” وهذا ما يفسر تشبث حركة النهضة بعدم تجريم التطبيع في الدستور. فوز النهضة بالانتخابات اوجب على رئيسها راشد الغنوشي في ديسمبر 2011 زيارة معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى الذي اسسه اللوبي الصهيوني، وهو ما يؤكد العلاقة الوثيقة و المتميزة لاسرائيل ودول الربيع العربي و انظمته بالاضافة الى انه احسن جواب على اهداف الربيع العربي وزعمائه المنصبين من الناتو واسرائيل. وقد اكد الغنوشي في معهد الصهاينة على علاقة تونس الاستراتيجية بحلف الناتو والتزام تونس بالتنسيق مع الحلف كشرط التزام الادارة الامريكية بدعم شرعية حركة النهضة.

هذا هو المقال الاسود، الذي لم يكتبه صاحب كرسي قرطاج في صفحات كتابه الاسود. ربما كان كتابه منقوصا ايضا من جائزته ومرشده راشد،التي تحصلا عليها من شاتهام هاوس** المعهد الماسوني الذي شكرهما على خدماتهما الجليلة للبيت الابيض واسرائيل

*NED: Le National Endowment for Democracy (NED) (en français, Fondation nationale pour la démocratie)

** Chatham House:Le Royal Institute of International Affairs (RIIA)