المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

freeboussa-nador

بقلم فرحات عثمان،

إن قضية ما سمّي قُبلة الناظور لهي بحق فضيحة للإسلام وللمسلمين قاطبة ! فلم يكف السلط المعنية المغربية مقاضاة أطفال من أجل قُبلة، فهي ذي توبخهم وتزعم أنها تكتفي بذلك رعاية لمصلحتهم! كيف ذلك وقد شوشت حياتهم باتهامها لهم بالإخلال بالحياء العام؟ فمتى أخلت بالحياء قُبلة وديعة بين أطفال أبرياء؟

ثم هي أودعتهم سجن الأحداث ولم تفرج عنهم إلا تحت ضغط الرأى العام العالمي والمجتمع المدني بالمغرب. فكيف يسمح ضمير المسؤولين بالمغرب معاملة الأبرياء هكذا وباسم الإسلام؟ فديننا لبريء من مثل هذه التصرفات الخرقاء التي تضر بسماحته وبتعاليمه القاضية بأن يحب المسلم إخوته في الإسلام، بل في البشرية، وأن يبين عن مشاعره النبيلة بكل طلاقة وحرية. فهل أفضل من قبلة لتبيان هذه المشاعر؟

نعم، لقد أفرجت محكمة الناظور الابتدائية عن الأصفال، ولكن لم يكن ذلك إلا بعد أن تتبعتهم عدليا ثم بعد أن حرصت على توبيخهم. فعلى أي شيء توبخهم؟ هل سرقوآ؟ هل اعتدوا على راحة غيرهم؟ هل سبّوا الجلالة أو نكروا وحدانية الله؟

كيف ندّعي تطبيق أحكام الإسلام وهي تحبب الناس ولا تنفرهم منهم؟ كيف ينسي قضاتنا ما رواه مثلا أبا ذر عن الرسول حين روى عنه في حديث متفق عليه أن ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة… حتى إن زنى وسرق… وقد أكدها مرارا بأن قال أن ذلك يكون على رغم أنف أبي ذر.

فأليس أطفال الناظور من الموحدين بالله؟ فكيف يرضى الله عليهم ويدخلهم جنته منعّمين أحرارا ولا يرٍضى عليهم عباده ولا يتركونهم إلا بعد توبيخهم على ما حرض عليه الإسلام من حب المسلم لأخيه المسلم وأخته المسلمة؟

لقد حان الأوان لأن نحترم ديننا كما يجب، فلا نجعل منه دين الكراهية والبغضاء، بل دين المحبة وقُبلة الإخاء والتسامح! لنجعل إذا من القِبلة الإسلامية قُُبلة المحبة لإخوتنا في البشرية!
فالقِِبلة في الإسلام هي تسليم من العبد لربه، وقد دعاه ربّه لأن يسلم الناس من يده ولسانه. ولا شك أن أفضل وسيلة لذلك تكون في تبادل القُبل بين البشر. فأليست تلك علامة الصداقة والمحبة؟
لنعد إلى ديننا على حقيقته و لنترك كل ما داخله من تزمت غريب عنه، تسرب إليه من عادات نشأت وترعرعت مع أخلاقيات لم يكن يعرفها، دخلت إليه مع ما سمّي بالإسرائيليات في زمن نسي المسلمون فيه دينهم كما جاء به رسولهم، سمحا متسامحا، لا يحدّ من حرية المؤمن لأن علاقته مباشرة بربه الذي له وحده أن يقاضيه فيعاقب أو يعفو، والعفو أغلب لأنه الرحمان الرحيم.

لقد بدأت فضيحة القُبلة بالناظور بقضية رفعتها جمعية تدّعي الدفاع عن الإسلام وهي تهدم صرحه. وكان على السلط المغربية أن ترفض من الأساس الدعوى القضائية لاعتدائها الصارخ على حريات الناس. فلا شك أن في ذلك التطبيق الصحيح للإسلام لأنه يضمن الحريات، كل الحريات.

إن الإسلام يبقى، أولا وقبل كل شيء، قِبلة كل من سعى حقا إلى تزكية نفسه والعودة بكل ذاته إلى الحق، وذلك بتسليم نفسه إلى الله، وهي حرة أبية لا تركع لأحد إلا لخالقها. والله كله محبّة، لا يظلم كما يظلم البشر أنفسهم وغيرهم، فدينه قُبلة على خد المؤمنين.

والله حكيم أيضا، لا تغرّه مظاهر التقوى الخادعة، لأن دينه ليس مجرد عبادات، وليس هو، خاصة، تلك التعاليم التي أُفرغت من معانيها ولا حركات وصفات ليس هدفها إلا المراءاة أو المغالطة.
إن الإسلام سلامُ روح ونيّة ونقاوة ضمير ويد من كل ما من شأنه الاضرار، لا بالدين أولا، بل بالمؤمن نفسه وبأخيه، مؤمنا كان أو لم يكن؛ لأن الإنسان، أيا كان، يبقى لصيقا بالإنسان في الأخوة البشرية، أيا كانت عقيدته.

إن الإسلام قبل أن يكون عبادات لهو معاملات. والأولى، أي العبادات، هي الله، وهو حر في قبول أو رفض ما يتم منها أو لا يتم من لدن عباده؛ فهم الأحرار، يفعلون ما يشاؤون لأنهم دوما تحت نظر الله، فلا يفلتون من جزائه، سواء كان بالاستحسان أو بالعقاب، وسواء كان ذلك عاجلا أو آجلا؛ ولكن من لدنه وحده.
أما الثانية، وتلك هي المعاملات، ولها الحظ الكبير في ديننا، فهي من شأن البشرية، التي لا تتقيد فيها إلا بمصالحها على تنوعها حسب الزمان والمكان؛ لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية المصلحة البشرية؛ وهي ليست بحكر على نمط من البشر ولا على عقيدة، إذ يُؤتي الله الحكمة من يشاء، والبشر في شؤون الدنيا سواسية كأسنان المشط.

ثم إن التقوى التي من شأنها رفع البعض والحط من البعض الآخر هي أساسا الخوف من تجاوز ما حرّم الله، ولا غرو أن أهم ما حرّم الله لهو الإفساد، سواء كان ذلك للذات البشرية نفسها، وهو إفساد النفس والإفساد للنفس؛ أو الإفساد في الأرض، أي التسلط على الغير والمس بحريته، وقد ضمنها له الله بأن حرر العبد من كل عبودية إلا له.

فلنجعل من القِبلة الإسلامية قُُبلة المحبة لإخوتنا في البشرية! وليكن إسلامنا إسلام الحب والتسامح، لأنه دين علمي التعاليم عالمي الأخلاقيات؛ فهو رسالة حب. لنجعل القِبلة الإسلامية في بلداننا الإسلامية قُبلة الحب التي يطبعها كل مؤمن بار بدينه على خد أخيه وأخته، لا في الإسلام فقط، بل في البشرية أيضا كله. لتكن قِبلتنا قُبلة السلام على خد كل البشر، بما أن الإسلام دين البشرية جمعاء، يحب فيه المسلم ولا يكره، يسامح ويتسامح. فالله رحمان رحيم!

ولنكن أوفياء على مكارم الأخلاق التي جاء رسولنا الأكرم متمما لها، ولنقل كلنا لمن تحدّث عن الدين فغوى وهو يتعمد الاساءة له دون وعي : لا عقاب في الإسلام الحق إلا متى نفذت وسائل الحمل على التوبة لله، وهي لا تنفذ أبدا عند الله، وإلا كان منا الشك في قدراته! ولا نكال في الدين القيم أفضل من نكال الله بمن يرفض، إلى آخر رمق في حياته، فرصة الإنابة إلى خالقه؛ وتلك الفرصة للحسنى لا تفارقه إلا مع مفارقة الروح له حتف أنفه وبلقائه ربه متى شاء ربّه له ذلك.

لقد حان الوقت لأن نجعل من قِبلة الحب في ديننا وبلادنا حب القُبلة الإسلامية الحقيقية، وهي ذاك التوجه التام المستدام إلى الله في كل حين وفي كل مكان. فأينما يتوجه المسلم بروحه وحبه الفياض يجد الله أمامه، فالله في كل مكان، وهو أمام المؤمن أينما ولى وجهه بكل حسن نية وصدق سريرة.
تلك هي قِبلة الحب، قُبلة الإسلام للبشرية، كل البشرية، بما فيها التي أخطأت في حق نفسها فأذنبت؛ إذ هي تعلم أن الإسلام بقِبلة الحب فيه يبقى قُبلة كل مذنب يزكّي نفسه في رحابه الواسعة بتعاليمه السمحة وغفران االله لكل الذنوب، وهو بلا حدود وبلا تحديد زمني.

فليعتذر قضاة الناظور للأطفال الأبرياء وليوبخوا من سعى بهم إليه حتي يتعلموا حقيقة دينهم، فلا يشيونه، مشميتين فيه الأعداء المتربصين به الدوائر. وليسهر أمير المؤمنين بالمغرب على حرية المسلم في بلاده وقد ضمنها له ربه!

وليقبّل الأطفال من جديد بعضهم بعضا وبكل حرية، وليقولوا بكل فخر واعتزاز لمن تسوّل له نفسه منعهم باسم الدين : إننا نحن من دين الإسلام، دين الحرية والانعتاق من كل إستبداد! ونحن في بلد الإسلام الذي هو قُبلة المؤمن وقِبلته لدين الحب اللامتناهي بلا حدود!