المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

torture-tunisie

بقلم د.عقيل بن سلامة *،

أصدرت وزارة الداخلية بالأمس توضيحا بخصوص انتشار التعذيب في مراكز الايقاف بشكل ممنهج وواسع، هذا التوضيح لم يكن ينقصه سوى توقيع عبد الله القلال، أو الحاج قاسم لنتذكر أننا مازلنا تحت وطئة اللغة الخشبية لنظام بن علي. و أن رياح ثورة 14 جانفي لم تدخل وزارة الداخلية.

توضيح وزارة الداخلية، ذكرنا بنشرات الأنباء زمن بن علي عندما كانت تونس تُنتقد لسجلها الأسود في حقوق الانسان. يبدأ الأمر بالنفي للموضوع جملة و تفصيلا قبل القيام بأي تحقيق، ثم تُكرر الجملة المشروخة أن وزارة الداخلية تكافح الارهاب لذلك علينا الصمت أمام كل تلك الانتهاكات فهم يقومون ب “مزية” على الوطن لذلك علينا القبول بكل التجاوزات.

توضيح وزارة الداخلية بالأمس، كان غير موفقا و سيئا للغاية ، و غير مهني، ليس فقط لأنه أعطى الضوء الأخضر للعناصر التي تمارس التعذيب بمواصلة الانتهاكات، بل أيضا لأنه يعبر عن أن العقلية الأمنية القائمة على التشفي (التي ورثها بن علي للبعض) مازالت راسخة و متحجرة في بعض العقول.

هل يعلم وزير الداخلية ماذا كان يحدث هنا في ألمانيا مثلا لو انتشرت فضيحة بحجم ما حصل في تونس، كان سوف يتعهد بالتحقيق في الانتهاكات التي حصلت و احالة مرتكبيها للعدالة و بعد ذلك يعتذر و يقدم استقالته، هذا في البلدان التي تحترم حقوق الانسان و تراعي الحرمة البشرية لكل فرد مهما كان عرقه او لونه أو دينه أو ايديولوجيته.

هل تظن وزارة الداخلية أنه بمثل ذلك التوضيح قد اقتنع الشعب التونسي و المجتمع الدولي ببراءتها من ممارسة التعذيب؟ على العكس طريقة كتابة ذلك التوضيح و بتلك اللغة الخشبية وطريقة النفي و الهروب إلى الأمام تدل -في العلم الجنائي- أنها قرينة قوية على ارتكاب جريمة التعذيب.

ثم ان وزارة الداخلية تقول بأنها مزاعم غير مُدللة، فهل تضحك على ذقون التونسيين؟ أم على ذقون منظمات حقوق الانسان الدولية؟ هل تسمح وزارة الداخلية لمن يتم ايقافه وممارسة التعذيب عليه و انتهاك حرمته الجسدية أن يحمل معه كاميرا لتوثيق ذلك أو يستدعي عدل اشهاد ليرافقه اثناء ذلك؟ و بالمناسبة فإني أدعو من تمت ممارسة التعذيب عليه الاتصال بالمنظمات الدولية قصد رفع دعوى دولية ضد من يرتكب هذه الانتهاكات لغياب الارادة السياسية في تونس في لمحاسبة الجلادين.

إن ممارسة التعذيب تسيء لسمعة كل التونسيين و نحن نشعر بالخجل عندما نفتح جريدة أو نشاهد قناة ألمانية تتحدث عن تواصل انتهاكات حقوق الانسان في تونس ما بعد الثورة و غياب محاسبة مقترفيها، و افلاتهم من العقاب و الدفاع عن الجلادين من قبل وزارة الداخلية و النقابات الامنية و غيرها.

الثورة قامت على الفاسدين و على الجلادين الذين لا يحترمون كرامة التونسي و لا يحترمون انسانيته، التونسي هي كلمة السر حتى و لو كان ارهابيا، هناك قانون يطبق و ليس هناك مبرر لممارسة السادية المنتشرة و التشفي من من يتم ايقافه.

عهد بن علي قد ولى بدون رجعة و ليكن لكم عبرة في ما حصل و يحصل لجلادي الماضي، و القانون الدولي في هذا المجال لا يرحم و سنسعى بكل جهدنا لتفعيله لمحاسبة كل من تخول له نفسه الاجرامية المس من حرمة التونسيين الجسدية مهما كانت درجته او وظيفته و للموضوع بقية.

* أستاذ محاضر- ألمانيا