djihad-syrie

يستحوذ الحراك المسلح في الثورة السورية ضد نظام الأسد على اهتمام بالغ على الصعيد السوري والعربي والدولي, فبين معارض ومستنكر لحمل السلاح من جهة, إما لإيمانه بأن اللاعنف و الحراك السلمي هو الوسيلة الأنجع لتحقيق التغيير وضمان مستقبل أفضل وتبعات سلبية أقل, أو لعدم إيمانه بالثورة السورية أساساً ومتهم لكل من تحرك ضد النظام بالعمالة للخليج واسرائيل وأميركا. وبين مؤيد ومبرر له يرى أنه نتيجة طبيعية للقمع المفرط الذي جوبهت به التحركات السلمية على مدى عدة أشهر في بداية الثورة, وحق مشروع للشعب السوري في الدفاع عن نفسه ضد القتل اليومي الذي يمارسه النظام من جهة أخرى. ويجمع الطرفان على أن الحالة السورية وصلت إلى درجة من التعقيد أحالت فهمها إلى عملية صعبة.

نحاول في هذه السلسلة أن نسلط الضوء على هذا الحراك المسلح, موضحين أسبابه ومظاهره وتمويله في البدايات, والوضع الراهن الذي وصل إليه حالياً, كما نحاول أن نتعمق في شخوص مشاركيه. وسنعتمد على مقابلة مع “صبحي أبو نعمان”, الناطق الرسمي باسم لواء “أسود الغوطة” العامل في ريف دمشق والمتركز في مدينة دوما (8 كلم شرق دمشق). حيث يعتبر هذا اللواء مستقل في التمويل ولا يتبع أي جهة حزبية أو دينية.

– اسمك وعمرك وعملك قبل الثورة ومن أي مدينة أنت؟

صبحي أبو نعمان, كنت طالباً في هندسة الكومبيوتر, وعمري 30 سنة. أنا من مدينة دوما في ريف دمشق.

– ما هي توجهاتك السياسية قبل الثورة؟ هل انتميت إلى حزب أو تيار معين؟

كنت معارضاً للنظام من صغري, والسبب في ذلك هو الجو العائلي الذي تربيت وترعرعت فيه, فقد نشأت في أسرة معارضة للنظام وقد كان الفضل لوالدي الشهيد في توعيتي بالأمور السياسية ولجدي الذي كان عضواً في حزب “الاتحاد العربي الاشتراكي الديمقراطي” وهو أحد الأحزاب المعارضة غير المرخصة طبعاً. توجه الحزب ناصري ورفض الدخول مع السلطة وكان بقيادة الدكتور جمال أتاسي رحمه الله. الوالد أيضاً كان عضواً في نفس الحزب وتركه منذ فترة طويلة, وبقي على نهجه المعارض للنظام وبشكل علني طوال فترة حياته, وبعد الثورة كان من أبرز الناشطين في المجالات الثورية والإغاثية الإنسانية ولاحقاً العسكرية.لم أنتسب لأي حزب طوال فترة حياتي ولكن هذا لايمنع أنني احتككت بجميع الأحزاب وكونت فكرة عنهم. ولم أنتم لأي فكر أو تيار سياسي حتى هذه اللحظة.

– ذكرت أن والدك استشهد, كيف؟

استشهد بقصف لطيران الميغ على منطقة للمدنيين بريف دمشق بتاريخ 30-10-2012.

– لنعد إلى بدايات سنة 2011, كيف واكبت الثورة في مصر وتونس وما تأثيرهما على انطلاق الحراك في سوريا؟

عندما أحرق البوعزيزي نفسه واندلعت الاحتجاجات في تونس, كنا أنا ومجموعة من الشباب المعارضين (من أحزاب مختلفة) نتابع الأحداث بشكل يومي, وكنا من مبدأ الممازحة نقول أن هذه الاحتجاجات ستستمر لتصبح ثورة في تونس وتنتشر في المنطقة.انتصار الثورة في تونس أعطانا دفعة من الأمل بتحرك ثورة في بلادنا أيضاً وأنه شيء غير مستحيل, فقررنا البدء ببعض الأعمال البسيطة بإمكانياتنا المتواضعة للقيام بثورة شعبية في سوريا وعزز جهودنا اشتعال ثورات أخرى في الوطن العربي كمصر واليمن.

كانت البداية بنشاطات مختلفة, منها طباعة وتوزيع المنشورات في حارات وأزقة دمشق, والقيام ببعض المظاهرات أمام سفارات البلدان التي تحصل فيها ثورات كسفارة مصر وسفارة ليبيا.

بعدها وعن طريق هذه المظاهرات ومجموعات سرية على الفيسبوك, بدأنا بتنظيم مظاهرات مناوئة للنظام السوري. بعد عدة محاولات فاشلة نسبياً تمكننا من تحديد 15 مارس 2011 كموعد للبدء بالثورة وعلى مستوى سوريا ككل. بعدها وفي 18 مارس استلمت درعا الراية من اوسع نطاق وانطلقت الثورة.

– كيف تطورت الأحداث بعد بداية الثورة؟

الجرائم التي كان يرتكبها النظام في مدينة درعا كانت كافية لكسر جدار الصمت عند الشعب السوري, في دوما خرجت أول مظاهرة في 25/3/ 2011 شارك فيها حوالي 10 آلاف شخص حيث بادرت قوات الأمن إلى فضها بصورة وحشية, الأمر الذي أدى إلى دخول مدينة دوما ومشاركتها في الثورة من أوسع أبوابها.بدأ الناس بالتظاهر لأنهم أحسوا أنه من الممكن تحقيق تغيير ما بخطوات جريئة وأن الشعب يستطيع أسوة بتونس ومصر أن يأخذ حقه, بالإضافة إلى أن أحداث مدينة درعا وارتقاء العديد من الشهداء فيها حرك مشاعر النخوة للخروج لمناصرة المدينة الثائرة وتخفيف الضغط عنها.

كانت المظاهرات سلمية تماماً, وشكل الناشطون مجموعات لحماية المصالح العامة كقصر البلدية والبريد والقصر العدلي, وأخذ زخم الحراك يزيد بسرعة الأمر الذي تزامن مع القمع المتزايد من قوات النظام لهذه المظاهرات والاعتقالات للعديد من الناشطين.

– لماذا اختار الشعب “السلمية” كوسيلة للتعبير عن مطالبه؟ وإلى أي مدى أثرت ثورتي تونس ومصر في ذلك؟

الثورتين المصرية والتونسية أثرتا بشكل كبير في تبني الشعب للسلمية, بالاضافة إلى مستوى الوعي والثقافة عند الشعب السوري الذي كان له الدور الأكبر في الحفاظ على سلمية الثورة لمدة طويلة. الشعب طيب بطبعه ويعرف أن الكلمة هي أقوى سلاح في مواجهة الطغيان.

– ذكرت أن الكلمة هي أقوى سلاح في مواجهة الطغيان,و أنت نفسك حملت السلاح من بعد, لماذا؟

نعم, أجبرنا النظام على حمل السلاح بسبب وحشية القمع والقتل الممنهج المتبع من قبله.

– ما هي المدة التي حافظت فيها الثورة على سلميتها؟ وماذا حصل خلال هذه الفترة؟

بين 6 إلى 7 أشهر حتى أواخر رمضان/ سبتمبر 2011.خلال هذه الفترة نستطيع القول أن الأسبوع كان مقسماً إلى ثلاثة أقسام, يوم الجمعة تخرج مظاهرات سلمية حاشدة تطالب بالحرية وإسقاط النظام تجابهها قوات النظام بإطلاق النار المباشر على المتظاهرين, أيام السبت والأحد والاثنين تقام مجالس العزاء لشهداء الجمعة وتشارك فيها المدينة بمختلف فعالياتها وأحياناً وفود من البلدات المجاورة, أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس حملات اعتقالات تشنها قوات الأمن لاعتقال النشطاء ممن شارك في المظاهرات او مواكب تشييع الشهداء بناء على تقارير من المخبرين. وهكذا دواليك.

استمرار القتل والاعتقال لمدة طويلة دفع بالناس إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم, فلو نجينا من القتل في المظاهرات سيتم اعتقالنا فيما بعد والكثير من المعتقلين استشهدوا تحت التعذيب في المعتقلات الأمر الذي دفعنا إلى حمل السلاح, مع العلم أن سلاحنا غير متكافئ مع سلاح النظام ولكنه كان ولا زال وسيلة للدفاع عن أنفسنا وأهلنا.

– كيف بدأت ظاهرة حمل السلاح؟ وما مصدره؟

بدأت بشكل فردي من خلال بنادق الصيد والمسدسات. هذه الأنواع من الأسلحة متوفرة لدى الشعب السوري منذ زمن, ومعظمها مرخص, الفلاحون لديهم أسلحة خفيفة لحماية حقولهم من السرقة. فبدأ بعض الأشخاص باستخدام أسلحتهم للدفاع عن المظاهرات السلمية وحمايتها من بطش قوات النظام. طبعاً موضوع انشقاقات الضباط والجنود عن الجيش الأسدي والذين رفضوا إطلاق النار على المدنيين العزل سبق ذلك وتشكيل حركة الضباط الأحرار في 9/6/2011.مع ازدياد ظاهرة حمل السلاح صار من الواجب تنظيمها ضمن صفوف موحدة, وكان التنظيم يتم عن طريق أشخاص مشهود لهم بالثقة والوعي من أهل المنطقة, وخلال هذه الفترة دخلت معظم المدن السورية على خط الثورة وتشكلت فيها أيضاً عناصر مسلحة على نفس الغرار فكان من الضروري أيضاً تنظيم العمل المسلح بين المدن وهذا كان نواة تشكيل الجيش السوري الحر.

بدأ العمل المسلح في الغوطة الشرقية ككل (الغوطة هي تسمية تطلق على الريف المحيط بمدينة دمشق) في مدينة دوما باعتبارها أكبر مدن الريف الدمشقي وأولى وأكثر المدن الثائرة. كما قلت لك الموضوع بدأ بشكل فردي ولكن تطور الظاهرة وانتشارها فرض علينا تنظيم هذه العناصر في مجموعة وهكذا تشكلت كتيبة أبو عبيدة بن الجراح وبعدها تشكلت مجموعات وكتائب أخرى.

كان العمل في البداية يقتصر على حماية المظاهرات ومواكب تشييع الشهداء والتي كانت تتعرض لهجوم عنيف من قوات الامن مع إطلاق نار مباشر على المدنيين العزل, هنا كان الجيش الحر يتدخل ليردع قوات النظام ويعطي فرصة للمتظاهرين لإكمال تشييعهم أو الهروب إلى منازلهم و بالتالي عدم التعرض للاعتقال.

– ومع تطور العمل المسلح, من أين أتى التمويل والذخيرة والسلاح؟

التمويل كان بشكل شخصي أو من متبرعين من أهل وتجار البلد وطبعاً مصدر السلاح هو الشراء من السوق السوداء.تجار السوق السوداء معروفون بالنسبة لنا منذ زمن, سبق وأن أخبرتك أن كل منزل في دوما كان يحتوي على قطعة سلاح واحدة على الأقل, فنحن نعرف هؤلاء التجار منذ ما قبل الثورة بفترة طويلة.

طبعاً استغل هؤلاء التجار الوضع وبدؤوا باستغلالنا حيث كان سعر الكلاشنكوف قبل الثورة ما يقارب 40 ألف ليرة سورية, ووصل اليوم إلى أكثر من 180 ألف ليرة سورية!

– ذكرت أن التمويل يأتي من متبرعين وتجار, من هم هؤلاء ولماذا يقدمون الدعم؟

هم من أهل البلد في الداخل والخارج, ما الغريب في الموضوع؟ هم جزء من هذا البلد وواجب عليهم مساعدة أخوتهم, بالإضافة إلى أنهم كانوا يريدون حماية أنفسهم من قوات الأمن التي كانت تخطف التجار وتطلب مقابلهم فدية, الأمر الذي دفع هؤلاء التجار لدعم الجيش الحر. طبعاً مو ضوع الخطف كان يتم في البداية بأسلوب أنيق يدعى الاعتقال, حيث كان الأمن يشن حملة مداهمات ويعتقل كبار التجار ومن ثم تجري مفاوضات مع ذويهم من تحت الطاولة لإخراجهم مقابل مبالغ مالية. حتى الفقراء تبرعوا للثوار المسلحين, لأنهم أيضاَ جزء من أبناء البلد ويريدون حماية أنفسهم, وفي النهاية كل من حمل السلاح هم من شباب دوما ونحن نعرف بعضنا.

– وهل كان الجيش الحر, جيشاً؟ وما أصل التسمية؟

إذا أردنا الحديث بالتعريف النظامي للجيش, فلا لم يكن جيشاً. كان مجرد ميليشيات مسلحة تتبع أسلوب حرب المدن لحماية المدنيين, ولكن تطور الأمور وتوسع رقعة العمل وتنظيم الصفوف أصبح يقارب الجيش من ناحية هيكليته التنظيمية.في البدايات كان الناس يطلقون على من حملوا السلاح اسم “الثوار” ومن ثم استخدموا كلمة الجيش الحر لوصف المجموعات التي تحميهم من الجيش النظامي ولتمييزهم عنه وتزامنت مع ظهور تجمعات المنشقين من حركة الضباط الأحرار أو الجيش الوطني أو الجيش الحر.

طبعاً العساكر والضباط المنشقون من أبناء دوما كانوا يلجؤون إلى الأهالي ليخبئوهم في المزارع البعيدة. ومع وجود عدد كبير من المنشقين ومحاولات المخابرات الدائمة مداهمة مخابئهم استدعاهم ذلك للتسلح للدفاع عن أنفسهم وهكذا اندمجوا مع التشكيلات العسكرية الثورية في المدينة.

نستطيع القول أن الجيش الحر في البداية ككلمة كان تسمية عامة أكثر منه كيان ملموس.