Palestine
Photo: abdallah maraka

بقلم: نسرين رمضاني بمساعدة عبد الله مرقة

اسمه منير كفاشة و يلقبونه بأبي العبد، عمره تجاوز الـ55 سنة، فلسطيني من مدينة الخليل قدره أن يكون صاحب محل لبيع الهدايا الصغيرة من التراث الفلسطيني في شارع يتشاركه الفلسطينيون و والإسرائيليون حيث بدأ فيه العمل مع والده و جده منذ سنة 1970. هذا القدر فرض عليه أن يعيش تحت المراقبة المستمرة بسبب وجود نقطة حراسة و تفتيش أمام محله بصفة دائمة: 4 جنود يقبعون هناك على مدار الـ24 ساعة.

محل العم أبو العبد هو أحد الثلاث محلات التي استطاعت أن تبقى مفتوحة من جملة حوالي 900 محل مغلق، و يقع قبالة المسجد الإبراهيمي الشريف، التقسيم الذي كان سنة 1994 شمل الحرم حيث أصبح هناك جزء لليهود و اخر للمسلمين و كذلك شمل المنطقة الخارجية للمسجد حيث خصص جزء للاستعمال اليهودي و جزء ثان للاستعمال العربي، و قدر السيد منير كفاشة أن يصبح محله بعد التقسيم داخل منطقة اليهود.

هذا الوضع، جعل العم أبو العبد يعيش حالة نفسية صعبة جراء هذه المراقبة المستمرة التي تؤثر سلبا على تجارته الصغيرة، و يقول:

“…في اي مكان في العالم يمر الحرفاء أمام المحلات و ينظرون الى واجهاتها و يزورون الأسواق الشعبية دون أن يجدوا الحراسة أمامهم أو سيارة الجيش أو الدبابة… الحراسة عادة تكون من أجل حماية الناس و لكن في حالتنا هذه الغاية منها هي التضييق عليهم… هنا كل شيء مختلف عن أي مكان اخر…”

هذه المظايقات تجاوزت صاحب المحل لتشمل حرفاءه أيضا، فكل من يبدي رغبته في زيارة العم أبو العبد أو من يرغب في بضاعته الفلسطينية التقليدية عليه أولا الحصول على تصريح من الجندي الذي يقف في نقطة التفتيش و الذي ينظر في منح التصريحات على أساس الدين و الجنسية لأن المسلم بصفة خاصة و العربي بصفة عامة هو من يلزمه التصريح بالعبور في حين لا يتوجب ذلك على غير المسلم و كذلك على الجنسيات الأجنبية.

يقول عبد الله مرقة، أحد أبناء الخليل:

” في كل مرة اتي فيها إلى هذا المحل يسألني الجنود اليهود عن ديانتي و يطلبون البطاقة الشخصية أو جواز السفر و أحيانا يحددون لي المدة الزمنية التي يمكنني أن أقضيها في المحل…”

و يؤكد السيد منير كفاشة هذا الكلام بقوله أنه في أي لحظة يمكن أن يدخل الجنود الإسرائيليون إلى المحل و يسألونه عن هوية أحد الحرفاء و عن سبب زيارته و مدتها تقريبا، هذا إن لم يحددوا بأنفسهم مدة الزيارة فأحيانا يفرض على صاحب المحل و زبونه عددا محددا من الدقائق يجب أن تستغرقه الزيارة، و في صورة ما تجاوزت الزيارة ما قد فرض سابقا يأتي الجنود لإنهاءها و هذا يحدث في احيان كثيرة، و إذا ما تفطنوا إلى دخول، شخص إلى المتجر دون علمهم يأتون لإخراجه من المحل.

أغلب زوار المكان و تقريبا حوالي 90 بالمائة منهم من خارج بلدة الخليل القديمة و عادة لا يعرفون شيئا عنها، فيفاجئون عندما يجدون العدد الهائل للجنود كل حوالي 30 متر توجد نقطة عسكرية و جنديان يحملان سلاحا حربيا أو ما يسمى بالبنادق الرشاشة، كل هذه الحراسة لأن هذه المنطقة يوجد بها قبر سيدنا ابراهيم عليه السلام و زوجاته و ابناءه، و من يتجول في المنطقة يشعر أنه وسط معسكر فعلي للجيش.

فالتجارة في هذا المكان و بهذه الظروف ليست مربحة نظرا للإزعاج اليومي الذي يتعرض له العم أبو العبد و زواره بما ينعكس سلبا على تجارته الصغيرة، و لكن كل هذا لم يحبط من عزيمته و لم يجبره الوضع الصعب على الانحناء أو الإستسلام، كل إصراره على البقاء لخصه في كلمات بسيطة:

“غايتي من البقاء في هذا المحل لا تمت للتجارة بصلة و لكني بذلك أبقى شوكة في حلق المستوطنين الذين حاولوا بكل الطرق مفاوضتنا على محلاتنا قدموا لنا المبالغ الضخمة و الصكوك البيضاء و حاولوا اذلالنا بشتى الطرق… و لكننا مازلنا هنا صامدون…”

اخر أسئلتنا للعم أبي العبد كانت عن مدى تفاؤله و حول نظرته للمستقبل فأجابنا بإختصار: “ليش في شي اسمو المستقبل؟

صامد في نضاله، صامد أمام الضغوط و المظايقات، كذلك سيبقى العم أبو العبد شامخا بكرامته شموخا لطالما عهدناه من شعب جعل من النضال خبزه اليومي.