syrie

سبعة أشهر من النضال السلمي ابتدأت في مطلع مارس 2011، اعتصامات ومظاهرات وإضرابات، وحل عسكري قمعي كانت نتيجته آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، الحل الذي استهدف الناشطين السلميين والإعلاميين والعقول أدى لاحقاً إلى انفجار الشعب بمقاومة مسلحة كرد فعل على القتل والاغتصاب والتدمير الممنهج.

هذه المقاومة التي ابتدأت بالضباط والعساكر المنشقين عن الجيش النظامي والذين رفضوا إطلاق النار على المدنيين، وتبعهم فيما بعد مدنيون متطوعون انضموا إلى المقاومة المسلحة.

مع مرور الوقت وإمعان النظام في القتل واستخدام سياسة الأرض المحروقة من خلال القصف العشوائي بالطيران والمدفعية وراجمات الصواريخ والذي ابتدأ من قصف الخالدية بحمص في 4/2/2012 ولم يتوقف حتى اليوم، ازداد عدد المتطوعين المدنيين الذين انضموا للمقاومة المسلحة، وبدأت التنظيمات والكيانات تكثر تحت مسمى “الجيش الحر”، بالتزامن مع دخول عدد من المقاتلين الايرانيين والعراقيين واللبنانيين من حزب الله إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام، وتعالي الهتافات الشعبية المنادية بالنجدة العربية والاسلامية والدولية لنصرة الشعب ضد النظام ومنع الموت والذل عنه.

شهدت سوريا في الأشهر الأخيرة تدفقاً لعدد من المقاتلين الأجانب من جنسيات مختلفة للقتال ضد نظام الأسد. ويكثر الحديث عن تمويلهم وأهدافهم ودورهم على الأرض، ويتراوح هذا الحديث من مبرر لوجودهم تحت مسمى الدفاع عن الشعب السوري والدافع الإنساني والديني إلى الحديث عن مشروع سياسي بعيد وتمويل أجنبي وأجندات خارجية.

“…نفسه العقل الجمعي هذا تقبّل سابقاً فكرة الستّين ألفٍ من المتطوّعين، الذين جاؤوا إلى إسبانيا من خمسين دولة للمشاركة في القتال مع الجمهوريين ضدّ الفاشيين الذين تلقوا بدورهم دعماً عسكريّاً واسعاً من إيطاليا وألمانيا، كان ذلك أثناء الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936-1939 ، هؤلاء لم يدخلوا إسبانيا يومها للسياحة، بل بقصد القتال ضمن حملة دولية ضخمة مساندة للحكم الجمهوري القومي، ضد انقلاب عسكري مدعوم خارجياً بشكل غير محدود، لم يعب أحد على المقاتلين الأجانب تدخلهم في السيادة الوطنيّة، لم يؤخذ عليهم عبثيّة الموت وعدميّته، وهم الذين تركوا أوطانهم ليلقوا بأنفسهم في محرقة راح ضحيّتها حوالي المليون إنسان خلال سنواتها الثلاث!. على العكس من ذلك فقد اكتسب تدويل تلك الحرب الأهلية واشتراك الأجانب فيها بعداً شعرياً سُجّل في التاريخ، من خلال وقوف عدد كبير من الكتاب و الشعراء الإسبان والأجانب مع الجمهوريين في وجه الفاشيين، كبابلو نيرودا وآرنست همنغواي وكلود سيمون جورج أويل وأندريه مارو ولوركا وآخرين” د.عماد العبار- أورينت نت.

في مقابلة أجريتها سابقاً مع “أبو طلحة” أحد التونسيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا وعاد إلى تونس، لمح قليلاً إلى أهداف أبعد من الدافع الديني والإنساني: “والمسلمون هناك لا أحد إلى جانبهم، فواجب علينا أن نقف معهم وندافع عنهم وننصرهم <..> الأمة العربية والأمة الإسلامية واحدة ولا تفرقنا حدود <..> هؤلاء المجاهدون يقاتلون في سوريا لإقامة دولة الإسلام” عند تجميع هذه العبارات من أبو طلحة مع بعضها يظهر لنا أن هناك مشروعاً سياسياً يتجاوز الدافع الديني في “الجهاد”، فمن سيتم الدفاع عنهم هم المسلمون وحدهم في حين أن هناك أكثر من عشرين طائفة دينية أخرى في سوريا، كما أن “الجهاد” سيستمر لإقامة “دولة الإسلام” أي أنه مشروع سياسي بامتياز وعابر للحدود.

هذا المشروع تم التصريح عنه في مناسبات عدة من قبل قادة كيانات مسلحة على الأرض السورية تعرف بأنها حاضنة للمقاتلين الأجانب، كجبهة النصرة الحاضن الرئيسي لهم (وليس الوحيد كما أشار أبو طلحة) والتي صرح أميرها أبو محمد الجولاني بأن الجبهة “امتداد لتنظيم القاعدة” وبايع زعيم التنظيم أيمن الظواهري على السمع والطاعة. جبهة النصرة صرحت في غير مرة أنها تقاتل لإقامة الخلافة الإسلامية على أرض الشام الأمر الذي أثار غضب الناشطين السوريين والعديد من كتائب الجيش الحر والذي كان واضحاً في رد لؤي مقداد المنسق السياسي والإعلامي لقيادة أركان الجيش الحر على قناة العربية بأن “هذا الإعلان مرفوض تماماً ولا نقبل بهذا الطرح، الجيش السوري الحر مهمته الأساس هي إسقاط نظام بشار الأسد وإقامة دولة ديمقراطية”.

ووصل الأمر لحد الاشتباك أحياناً كما حصل في بلدة الدانا بريف إدلب، حيث ذكرت جريدة زمان الوصل الإلكترونية السورية المعارضة في شهر مارس الماضي عن قيام عدد من المسلحين التابعين لكتائب المهاجرين “هي كتائب غير سورية وغير تابعة للجيش السوري الحر ويقودها مقاتلون اجانب يسعون لاقامة مايدعون انه (خلافة)” باغتيال اسماعيل عرابي القيادي في الجيش الحر، والمعروف أن “عرابي” من أوائل القادة الذي حملوا السلاح في المنطقة، وكان له فضل كبير في تحرير معبر باب الهوى الحدودي، كما أنه شارك بعمليات قمع ظاهرة التهريب في المنطقة، وكان من الداعين والمؤسسين لمحكمة الشمال العليا في الريف الإدلبي، وبحسب المصادر فإن اغتيال “عرابي” جاء بعد قيادته لحملة تطهير للسلاح من وسط التجمعات المدنية في المنطقة، حيث يفرض عناصر كتيبة المهاجرين ما يدعون بأنه “إمارة إسلامية” في قرية المشهد القريبة من بلدة الدانا، ويفرضون الأحكام بالقوة. وقد قامت عدة كتائب من الجيش الحر بملاحقة أفراد “المهاجرين” حيث قتلت 4 وأسرت 12 في بلدة دير حسان القريبة.

والجدير بالذكر أنه تمت عدة عمليات اغتيال في الفترة الماضية استهدفت على وجه الخصوص القيادات الثورية المعتدلة، ذات القبول الواسع بين أطراف الجيش الحر في منطقة ريف إدلب بحسب مصادر ميدانية.

الناشطون المدنيون وبعض أهالي المناطق المحررة يستنكرون مثل هذه التصرفات وينددون بها، وآخر اعتصام لهم أمام الهيئة الشرعية في حلب كان في 30/4/2013 استنكاراً لممارسات الهيئة وقمعها للمجلس المحلي المنتخب وفرض قوة السلاح.

الجبهة الإسلامية السورية، وهي فصيل مسلح مقاتل في عدة مناطق من سوريا ويذكر الناشطون أن فيه عدداً من الأجانب، صرح على لسان الناطق الرسمي باسمه “محمد طلال بازرباشي” على صفحته على الفيسبوك بتاريخ 28/1/2013 بأن “فجر سوريا الإسلامية العادلة قد بزغ” على حد تعبيره.. واصفاً المطالب الأساسية للثورة السورية بأنها أفكار غريبة ومناهج مسمومة “بل والمصيبة العظمى والطامة الكبرى أن من يحسب علينا نحن المسلمين من بني جلدتنا يروجون لأفكار غريبة ومناهج مسمومة كالديمقراطية والمدنية والمواطنة بل ويحاولون إظهارها بطابع إسلامي ويسوِّقونها بمسميات منمقة، كالديمقراطية بضوابط إسلامية، أو مدنية الدولة في الإسلام، بل ويستشهدون بكثير من النصوص النبوية بزعمهم أنها تؤيد فكرتهم وهي إما أن تكون نصوصاً لا تصح، وإما أن يكونوا نزلوها على أمثلتهم بعد ليِّ أعناقها ونقلها عن سياقها، فإني أوصي كل الصادقين من المسلمين أن يكونوا على حذر وأن نشمر جميعاً عن ساق الجد لأجل الدفاع عن الدين الحنيف وأن يكون هذا الدين هو الحاكم الوحيد فينا فهو نجاتنا ورفعتنا وعزنا وأن لا ننخدع بقول أصحاب المسميات الجديدة من الديمقراطيين والعلمانيين والقوميين فهم دعاة أديان جديدة وأصنام نحتتها أقلام أعداء الدين ليضلوا المسلمين عن دينهم”

نرى اليوم تحولاً واضحاً في الأهداف عند المقاتلين الاجانب والكيانات التي تحتضنهم، فهي أهداف بعيدة كل البعد عن المطالب الأساسية للثورة السورية والتي خرجت طلباً للكرامة والحرية ودولة المواطنة، بل وصل بهم الأمر إلى حد إجبار الناس على رفع الراية السوداء “راية القاعدة” في مظاهراتهم والتخلي عن علم الاستقلال الذي اعتاد الثوار رفعه. ويظهر هذا الخلاف جلياً في المناطق المحررة، فكثيراً ما تم رصد انتهاكات بحق الحريات العامة والفردية تقوم بها هذه الكتائب بحق المدنيين والناشطين، كإهانة علم الاستقلال أو دوسه بالأقدام أو الاعتداء على المتظاهرين الذين يهتفون للحرية والدولة المدنية بدل الهتفات الإسلامية. أحد أهم هذه الانتهاكات حصل في مدينة الشدادي في محافظة الحسكة في 15 مارس الماضي حيث قامت عناصر جبهة النصرة بإهانة علم الاستقلال أثناء مظاهرة لأهالي المدينة، الأمر الذي أثار سخط الأهالي فبادرت جبهة النصرة لتفريقهم برشاشات “دوشكا” الثقيلة.

هذه الأهداف التي لايزال الجيش الحر ككيان ممثلاً بقيادة الأركان المشتركة للجيش الحر بقيادة اللواء المنشق سليم إدريس متمسكاً بها والذي صرح لـ “سكاي نيوز” عربية بـ “لا علاقة بيننا وبين جبهة النصرة في سوريا”، هذا الفصل والاختلاف كان واضحاً في جواب أبو طلحة “لا، فهناك جبهة النصرة والكتائب الاسلامية، وهناك كتائب وألوية الجيش الحر، مختلفون عن بعضهم” عند سؤاله هل جميع من يقاتل اليوم هو من الجيش الحر أم لا.

هذه المجموعات بما تحتويها من مقاتلين أجانب هي خارج الإطار السياسي والثوري السوري، فهم لا يتبعون لقيادة أركان الجيش الحر، تمويلهم مستقل، ولا يعترفون بأي نوع من القيادة السياسية للمعارضة السورية، وهذا واضح حين قال أبو طلحة في نهاية المقابلة: “لا وصاية على الشعب السوري لا من ائتلاف معارض ولا من الخطيب ولا من غيره، الشعب السوري سيتحرر من خلال الجهاد بإذن الله”.

الامتدادات الدولية لهذه الكيانات واضحة بما أن تركيا سهلت عبور الأجانب أو على الأقل لم تعقد الإجراءات لهم كما أوضح أبو طلحة. كما أن التمويل الخليجي لا ينكره أحد من الناشطين على الأرض، فالجميع يتحدثون عن سلاح أقوى وذخيرة لا تنضب لدى الجبهة الإسلامية السورية وجبهة النصرة ولواء الأمة وغيرها من التشكيلات، بإمكانك أن ترى الفارق بين لباس وعتاد مقاتل من إحدى هذه الكيانات، ومقاتل من فصيل مستقل، هذا الأخير لا تتجاوز حصته اليومية من الطعام علبة تونة وقطعة خبز. كما يتسائل متابعون عن سبب ضرب الغرب للمتشددين في مالي والاكتفاء بالنأي عن النفس تجاههم في سوريا مع أن خلفيتهم القاعدية واحدة في البلدين.

هل يخدم وجود المقاتلين الأجانب المتشددين في غالبهم جماعات أخرى معارضة؟ هل يتم إبرازهم وتضخيمهم ليتم إستخدامهم للمقارنة فيما بعد؟ فقد صرح رياض الشقفة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية لصحيفة فايننشال تايمز في 26/4/2013 أن “الوقت للثورة وليس الأيديولوجيا، لكن هناك الآن العديد من الجماعات في الداخل، ما دفعنا إلى إعادة تنظيم أنفسنا والترويج لنهج أكثر اعتدالاً من التفكير الإسلامي، في وقت تتزايد فيه أفكار التطرف”.

ويبقى السؤال الأهم، هل تستطيع الثورة السورية بناشطيها المدنيين ومقاومتها المسلحة المستقلة أن توقف عملية شبه التدمير الذاتي الحاصلة لها من عدة محاور أهمها أجندات العناصر الأجنبية المقاتلة على الأرض في نفس الوقت الذي يجب عليها أن تحقق هدقها الأساس في إسقاط نظام الأسد وبناء دولة حرة ديمقراطية؟
سؤال برسم إرادة الشعب وتقاطع المصالح الدولية.