اعتصام ساحة الساعةبحمص

مضى عامان.. ولا يزال ذلك المشهد حياً في ذاكرة معظم السوريين وخاصة أهل حمص, فهو رمز النضال السلمي و نقطة التحول في مسيرة الثورة. إنه الاعتصام الأول في الثورة السورية.. اعتصام ساحة الساعة في حمص يوم 18/4/2011.

في اليوم السابق له والذي يصادف ذكرى عيد الاستقلال عن المحتل الفرنسي, خرج السوريون في مختلف أنحاء سوريا بمظاهرات سلمية ضمن الثورة السورية مطالبين بالحرية والكرامة في ظل نظام قمعي شمولي استولى على السلطة منذ الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970 واستمر حتى يومنا هذا بتوريث الحكم للأسد الابن عام 2000 بعد وفاة الأب.

حمص, والتي كانت من أولى المدن السورية التي انتفضت سلمياً منذ بداية الثورة في مطلع مارس 2011, شهدت مظاهرات حاشدة في ذلك اليوم عدت من أكبر المظاهرات حينئذٍ وتركزت في حي باب السباع. بادرت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط 13 شهيداً وعدد كبير من الجرحى.

في اليوم التالي, احتشد أهل حمص لتشييع شهدائهم حيث تمت الصلاة عليهم في مسجد المدينة الكبير و دفنوا في مقبرة تل النصر في شمال شرق حمص وعاد المشيعون مباشرة إلى الساحة الرئيسية في حمص, ساحة الساعة.

أثناء عودتهم إلى الساحة, مر المشيعون من حي الحميدية ذي الأغلبية المسيحية التي بادرت برش الجموع بحبات الأرز وتقديم مياه الشرب لهم.

بدأ الاعتصام حوالي الساعة الثانية بعد الظهر, وقدرت أعداد المشاركين بدايةً بأكثر من أربعين ألف متظاهر من مختلف الطبقات الاجتماعية والعمرية حيث شارك الرجال والنساء والصغار والكبار والتجار والطلاب ورجال الدين ورجال القبائل في هذا الاعتصام الداعي لإسقاط النظام.

مع مرور الساعات بدأت الحاجة تظهر لتنظيم هذا الاعتصام العفوي وخصوصاً مع ازدياد أعداد المشاركين التي قدرت في ساعات الذروة بحوالي 100 ألف مشارك, لذا بدأ الشباب بتشكيل مجموعات لتنظيم النواحي المختلفة للاعتصام من تأمين الطعام والشراب, الحفاظ على نظافة الساحة, مراقبة مداخل الساحة وتفتيش الداخلين اليها لمنع تسرب أي مندسين أو حامل سلاح مهما صغر. (كان السلاح في ذلك الوقت مرفوضاً رفضاً قاطعاً وذلك حفاظاً على سلمية الثورة).

كما تشكلت أيضاً لجنة إعلامية تشرف على الهتافات والشعارات المرفوعة ومكبرات الصوت ولجنة لتنظيم الصفوف ليشكلوا لوحات بالمتظاهرين أنفسهم.

شهد الاعتصام حالات فريدة تستحق الذكر, منها قيام مسيحيي المدينة بحماية مداخل الساحة وتشكيل طوق حول المعتصمين لحمايتهم أثناء تأدية المسلمين للصلاة كما تم رفع رجال الدين الإسلامي والمسيحي على الأكتاف جنباً إلى جنب وترديد شعار: “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”. كما قام المتظاهرون بتغطية كاميرات المراقبة المتوزعة على أبواب المصارف المطلة على الساحة بأكياس سوداء ولم يكسروها لتلافي استخدام التسجيلات من قبل المخابرات فيما بعد.

بدأ خبر الاعتصام ينتشر, ويظهر على الفضائيات والصفحات, وتم تداوله على أنه شبيه بميدان التحرير في مصر, ومع وصول الوقت إلى منتصف الليل, وصل تسريب من أحد الضباط الشرفاء إلى بعض رجالات حمص ورجال الدين بأن هناك أوامر عليا بفض الاعتصام قبل الفجر بأي ثمن كان.

تواصل بعض رجالات المدينة مع معارفهم في ضباط الأمن فأخبروهم بأن عليهم فض الاعتصام قبل الفجر وإلا.., وسادت حالة من التردد في أوساط المعتصمين فمنهم من أصر على البقاء ومنهم من فضل الرحيل وذلك لتهديد قوات الأمن باستخدام أي وسيلة كانت لفضه, ومع الساعة الثانية فجراً تفاجأ المعتصمون الباقون في الساحة بإطلاق الرصاص الحي بشكل كثيف ومباشر على من تبقى من المعتصمين, وقد تم إطلاق النار من من مبنى قيادة شرطة المدينة ومبنى السرايا (المحافظة) والبنك التجاري وترافق ذلك بانتشار العناصر الأمنية على الأرض التي كانت تجهز على الجرحى وتعتقل من بقي على قيد الحياة ولم يسعفه الوقت للفرار. استمر إطلاق النار على المعتصمين في الساحة ساعة كاملة, وبعد ذلك استمر تمشيط المنطقة وإطلاق النار العشوائي حتى الساعة الخامسة فجراً.

نتج عن هذه المجزرة 83 شهيداً وعشرات المفقودين ومئات الجرحى والمعتقلين. و مع خيوط الشمس الأولى عملت الجهات الأمنية إلى تكديس الجثث فوق بعضها في شاحنات صغيرة ليصار إلى نقلها ومن ثم تم تسليم الجثث لأهلها تباعا بمعدل 5 إلى 7 جثث أسبوعيا.

كما قامت سيارات مياه خاصة بالجيش بغسل الأرض من الدماء وجمع فوارغ الرصاص وفرضت حالة من منع التجول في المدينة استمرت 3 أيام بعدها.

شكل هذا الاعتصام نقطة التحول الأساسية في الثورة في مدينة حمص, فالكثير من الناشطين يعتبرونه نقطة التحول من حراك إلى ثورة, حيث أدت مجزرة ساحة الساعة إلى مشاركة معظم أهالي حمص بأطيافهم العمرية والطائفية والاجتماعية فيما بعد في التظاهرات والتركيز على شعار إسقاط النظام.

كما شكل رمزاً للنضال السلمي لدى كل السوريين وبدأ يطرح جدلية إمكانية إسقاط النظام من خلال اعتصام كما السيناريو المصري وذلك لمعرفة النتيجة مسبقاً بأن الحصيلة ستكون مئات الشهداء والجرحى وستقوم قوات الأمن بفض الاعتصام بأي ثمن كان.

اعتصام ساحة الساعة هو أول اعتصام عفوي شعبي سلمي بهذا الحجم ضد السلطة منذ زمن, حيث مثل كسراً لاحتكار السلطة لأي تحرك شعبي وحصره في مسيرات مؤيدة للديكتاتور والانتقال إلى مرحلة المبادرة في الفعل وأخذ خطوة إلى الأمام في الحراك. وقد كان مدهشاً كيفية التحرك السريع للشباب المتظاهرين وتقسيم أنفسهم للجان لتنظيم الاعتصام مع عدم وجود خبرات سابقة لديهم في هذا المجال نظراً لاستحالة تنظيم اعتصام شعبي قبل الثورة.

اليوم وبعد عامين على الاعتصام, يعتبر عدد شهدائه عادياً جداً مقارنة مع الحصيلة اليومية للشهداء في سوريا الآن, حيث تصل أحياناً إلى عدة مئات في اليوم الواحد نتيجة للقصف بالطيران الحربي والمدفعي والصاروخي بالإضافة إلى المجازر التي تركتبها كتائب جيش الأسد والمجموعات الموالية له بحق السوريين على اختلاف أطيافهم.

يتبادر إلى ذهني سؤال واحد, أين كان من يطبل ويزمر الآن على المقاومة المسلحة ولا يرى في الثورة السورية غير مجموعة من الارهابيين؟ أين كانوا خلال 7 أشهر من النضال السلمي سقط خلالها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين؟

يبدو أن الزمن يبدأ عند البعض كيفياً من لحظة معينة..