ملاحظة هامة : نظرا لطول المقالة، فقد اكتفينا بإيراد الفهرست والتوطئة في ما يلي وتوفير النص الكامل للتنزيل هنا.

مع الإشارة إلى تواجد المقالة بتمامها على موقع صاحبها :

الفهرست :

1 – توطئة

أ – في ماهية المسألة

ب – في موضوعية المرجعية الدينية

ج – في محورية الأخلاق

2 – في المسألة الجنسية

أ – من الزاوية اليهودية والمسيحية

١ – العهد القديم

٢ – العهد الجديد

ب – من زاوية المفهوم الإنساني والإجتماعي

ج – من زاوية العادات العربية والتونسية

3 – في اختزال الرأي الإسلامي السائد

أ – اللواط في القرآن

ب – اللواط في الحديث

ج – اللواط في بقية المراجع

د – حكم اللواط حسب المعتقد السائد

١ – حد اللواط

٢ – إثبات اللواط

ه – مسألة غلمان وولدان الجنة

4 – في التنظير لموقف موضوعي

أ – موقف العلم اليوم من اللواط

ب – موقف الأخلاق اليوم من اللواط

ج – ما يكون موقف الإسلام من اللواط

5 – في تصحيح المفردة : من اللواط إلى المماثلة

أ – المفهوم الديني واللغوي

ب – المفهوم القيمي

ج – المفهوم الموضوعي

6 – خاتمة في موقف إسلامي أصيل

أ – في المفهوم الصحيح نصًا

ب – في المفهوم الصحيح روحًا

ج – في المفهوم الصحيح حضارةً

1 – توطئة

أ – في ماهية المسألة :

سألني سائل ممن يقرّ بما عليه أوضاعنا من التردّي البغيض والتدنّي المقيت مع ضرورة العمل على الإصلاح من أجل الأفضل : ما معنى التركيز على مسألة كهذه، وبخاصة كفاتحة للسلسلة وهي، في رأيه، من المواضيع المبتذلة إذ لا يعدّها من مشاغل الساعة.

أقول : أنا أبدأ بهذا الموضوع لما فيه من حساسية ونظرا لصبغته الرمزية؛ فهو يختزل كل ما من شأنه الإنباء عن تعلّقنا أو رفضنا للآخر، كل آخر، أيا كان مشربه وهواه، لاحترامنا التام للذات البشرية التي قدّسها الله.
ذلك أن الله جعل من بني آدم الخليقة الوحيدة الذي كانت لها الجرأة على حمل الأمانة مما حتّم على كل المخلوقات الأخرى أن تركع له، ومنها الملائكة رغم علوّ قدرها.

ونحن نعلم أن لا جنس للملائكة، مما يمكننا القول أن تقديسها للإنسان هو ذلك التقديس الكلي لكل إنسان، أي كان جنسه، ذكرا كان أو أنثى، أو حتى خنثى، ما دامت همّته عالية وتقواه في مستوى ثقة الله به وبرجاحة عقله.
والجنس من ضروريات الحياة ومن مقوّمات النفسية البشرية في توازنها وانعدامها من المركّبات؛ فإذا كانت علاقتنا بالجنس علاقة رهبة وخوف أو هلوسة وشطط في تعاطينا معه، كانت شخصيتنا مشوّشة وإرادتنا مذبذبة وحياتنا العاطفية جحيما.

لذا، فمن أوكد الضروريات أن نضع أوزار الحرب التي نشنّها على أنفسنا وعلى غيرنا من أجل الجنس أو باسمه وذلك بتصحيح رؤيانا للموضوع، وفيه من الفائدة ما لاتحصى وتعد في ما يخص نظرتنا لسائر المسائل الأخري من المشاغل التي تعدّ كبرى وهي في الحقيقة لأصغر بكثير من المسألة التي تشغلنا اليوم.

ب – في موضوعية المرجعية الدينية :

إن عملنا هذا يرتكز على روح الدين الإسلامي الحقّة، وهذه الروح التي يمكن لنا تبيّنها من خلال مقاصد الشريعة لهي من المعضلات الجمّة حيث يقصرالعقل البشري مهما تعالى عن بلوغ كنه الدين الصحيح. فليست هذه إلا محاولة، وهي ككل المحاولات البشرية من باب الاجتهاد، سواء أصاب أو أخطأ، لأن الإجتهاد من أوكد ما نادت به الشريعة وضمنت له الأجر.1

وبالطيع، ليس هذا الاجتهاد من باب النشاط الفكري الاعتباطي إذ هو يرتكز على ما يميّز أساسا ديننا الحنيف، ألا وهو علميته وكونيته. فلا إسلام إن لم تكن تعاليمه علميّة، ولا إسلام إذا أحكامه تقوقعت فلم تكن عالمية تهم كل إنسان في كل مكان أيا كانت مشاربه وطبيعته.

نحن نعمل من خلال هذه المقالات على الرجوع إلى الروح الحقّة للدين الإسلامي الحنيف، ونحن في ذلك نرفع مباديء السلفية الحقة كما نظّر لها وعاشها أفضل فقهاء الإسلام من أهل التصوف الأوائل.
إلا أننا في عملنا هذا لا نتوجه لصفوة قوم أو دوائر علمية أو مجالس مرجعية هي أدرى بما نقول وأقدر من غيرها على تأييدها، بل همّنا إيصال المعلومة إلى عموم المؤمنين ممن سهم عن معرفة دينه في أسمى ما فيه من علوّ، يرتقب الحقيقة ممن يتوسم فيه المعرفة والفقه ولا يدري أن البعض من هؤلاء في حقيقة دينهم ومقاصده السنيّة يعمهون.

فهم ينسون أو يتناسون أن الدين الإسلامي الحق لهو في حرية العلاقة المباشرة بين الله وعبده؛ فلا واسطة بينهما. أما ما جرت به العادة من وضع القيود في معرفة الدين للحديث عنه، وبالتالي من إقامة النفوذ للفقهاء مما ماثل وشاكل ما عرفناه في اليهودية والمسيحية، فهو من باب الاجتهاد البشري وإسلام الفقهاء الأوائل، لا إسلام القرآن.

ولا غرابة في ذلك؛ فحتى العلم اليوم أصبحت مفاهيمه توظف لأغراض هي عن العلم الحقيقي غريبة، فما أدراك بعلوم الدين وقد توطدت العلاقة بينها وبين منحى أخلاقي معيّن أصبح يقنن مفاهيمها ويحدد معايرها دون أخذ بعين الاعتبار بروح الإسلام وحقيقة الدين التاريخية والقيمية.

لذا، فنحن لن نطنب في المراجع والاستشهادات،2 إذ قد يدأب البعض على مثل هذا التصرف العلمي شكلا وهمّه المغالطة؛ بل سنكتفي بالقليل الكافي والشافي للتدليل على ما نراه من صحّة في المقال وفصل لحجيّته مع إفساح المجال لكل مشكك أو متشكك للعودة إلى النصوص والوثائق إنطلاقا مما نقطع به هنا.

ونحن في عملنا هذا لا نعدو ما تمسّك به خيرة سلفنا في هذه الأرض كما ذكّر به الإمام ابن عاشر إذ نستنير في عملنا هذا بروح وفكر الجنيد السالك ومن سار على نهجه في الأخذ بإسلام متسامح دائم التجديد والتجدد.
فكما لا مكان في تونسنا الجميلة لمن يتجاهل الإسلام ويترفّع عن عبقريته، لا مجال البتة لمن يدنّس صفاءه وسناه بتصرّفات أعتى وأنكى من تصرفّات أعدائه حتى وإن تظاهرت بالدفاع عنه. ولا غرو أنه بالإمكان دوما أن يكون ألد الأعداء لنا أقرب الناس إلينا! فليتعرف المسلم الحق على أحبّائه وليميز منهم أعداءه وقد تمثّلوا له على أحسن هيئة وصورة؛ فللشيطان تبليس وتلبيس للحق حتى على أهل الحقيقة !

إن الإسلام دين الحق، والحق إذا أردناه علميّا يبقى متفتّحا على كل العلوم، طبيعيّة كانت أو إنسانيّة، وهو في ذلك مع ما عرفناه كقاعدة أساسية في عاداتنا، ألا وهي قاعدة الإجماع.

إلا أن هذا الإجماع اليوم ليس من شأنه أن يكون مقتصرا على إجماع الأمة فقط، إذ لا مناص له أن يُعنى أيضا بإجماع عامة الأمم المتحضّرة في حالة تعرّضه لمسائل هي بشريّة قبل كل شيء؛ فلا امتياز للمسائل البشرية لأمة على أمة إلا بتقواها أو تقوى صفوتها من رواد الفكر.

والتقوى هي مخافة الله والتزام حدوده؛ وأهم وأسمى هذه الحدود ما يمتاز به الإسلام من كونه في الآن نفسه دين ودنيا، وما يختص به الدين من حرية الإنسان. فهو لا يسلّم أمره إلا لله ويبقى تام الحرية في سائر شؤونه، وذلك ما تختص به دنياه، إذ لا كنيسة في الإسلام ولا رهبنة ولا مرجعية لطائفة تدّعي تمثيل الإسلام وهي لا تمثّل إلا نفسها ومصالحها والإسلام منها بريء.

إن الإسلام حرية تامة، والمسلم لا يدين في شيء من أمور دينه ودنياه إلا لربّه. فليتعظ من ادعّى خلاف ذلك، وليدرس ويتدارس دينه على حقيقته! وله الهداية في ذلك، والله يهدي من يشاء.3

ج – في محورية الأخلاق :

إن الأخلاق رهينة بحالة المجتمع، فهي متضعضعة وهزيلة إذا كانت حاله يُرثى لها، وهي قوية مترفة إذا ازدهرت تلك الحال وأترف المجتمع. وقد عرفنا هذا من خلال تاريخنا العربي الإسلامي، إذ جاء الإسلام بمكارم الأخلاق في مجتمع تنوّعت أخلاقه حسب تنوّعه، فأخذ الإسلام بالسنيّ الحسن وأزال القبيح الفاحش. ولكنه في ذلك لم يقم إلا بترتيب المجتمع حسب عادات وتقاليد العصر، إذ الإسلام دنيا كما هو دين، ومن مباديء حسن تصريف أمور الدنيا التدرّج؛ وقد تدرّج الإسلام في أحكامه الدينية، فما أدراك بأحكامه الدنيوية!

ولا شك أن في مثل هذه التدريجية تقدمية بمكان. فهل نعيب على الإسلام عدم تحريمه العبودية والاكتفاء بالتدرج في أمرها وقد كانت متغلغلة في عادات وأنفس الناس؟ وهل نحييها اليوم لعدم تحريمها بنص صريح من القرآن؟4

علينا أن نقيس عل هذا المثال، ولا لزوم لتعداد الأمثلة؛ فسائر المواضيع الأخر، من الأمور التي لا تخص علاقة الإنسان بخالقه، تندرج في الإسلام تحت راية مراعاة حالة المجتمع ونفسيته وعاداته. فللمؤمن مثلا، في مواضيع كتعدد الزوجات والزنا وما شابه ذلك، كل الحرية لترتيبها وتصريفها أخذا بأهم مباديء الإسلام كما أشرنا إليها آنفا.

ولا غرو أن المسألة التي نحن بصددها من هذه المواضيع؛ بل هي من أسهلها إذ لا نص فيها خلافا لما يعتقد البعض ممن جهل دينه أو تجاهله، فلم يعلم منه إلا الأماني.

فهل نواصل التبجح بعلمية ديننا وإنسانيته وقد دلل العلم وبرهن بما فيه الكفاية أن النزوع الجنسي للبعض لمن هو من جنسه مثل سائر من في الطبيعة سواء أكانت بشرية أو غير بشرية؟ فتلك سنة الله في خلفه، ولا مرد لسنة الله! وهل نواصل التنديد بما هو من طبيعة البشر فنرمي بالقبح والفحش من لا يعدو أن يحيا ويعيش كما أراد الله له؟ فأي فحش في هذا منا ونحن ندّعي التمسك بعروة الإسلام الوثقى وهي أساسا في حب المسلم لأخيه والتسليم لأمر الله في كل ما أراده فينا؟

إن العلم يبرهن اليوم بما لا يترك مجالا لأي شك أن الغريزة الإنسانية في الإنسان تقتضي أن يمارس الجنس سواء مع المختلف من الجنس أو المتشابه أو معا، فالطبيعة لا تميز تعاطي الجنس بين الذكر والأنثى وبين الأنثي والأنثى أو الذكر والذكر، إنما الطقوس والعادات البشرية هي التي اقتضت وتقتضي ذلك، ثم جاءت الأديان للتماهي مع هذه النواميس الإجتماعية.

فلا أحد في عصرنا هذا ممن يأخذ بالعلم الصحيح5 ويحترم الذات البشرية يرمي بالفحش ومخالفة الأخلاق من تعاطى الجنس مع من شاكله فيه، وإلا فهو يخالف العلم في ما وصل إليه اليوم6 وينتهك في نفس الآن أبسط حقوق الإنسان، وهي في أن يحيا حياة طبيعية ومطمئنة كما تقتضيها ذاته.

وبما أن الإسلام الحق، وهو دين الفطرة، يحترم الذات البشرية ولا يناقض ما جعله الله فيها من غرائز طبيعية، وبما أنه يحترم كل ما يصل إليه العلم من حقائق وثوابت، فلا مجال بعد اليوم للكلام عن اللواط إلا من الزاوية التاريخية، ولا مناص من الاعتراف بحقوق المماثلة الجنسية7 كحق من حقوق الإنسان لا يكرسه العلم والبلاد المتقدمة فقط، بل وأيضا بلاد الإسلام الحق، الإسلام التنويري لا الجاهلي الذي نريد إحياءه ببلدنا تونس حتى يبقى دوما خير قدوة للمثل العليا في العالم أجمع.

الهوامش

1 وهذا لا يقتصر على الحاكم كما جرت العادة في فهم الحديث وتصريفه، بل يخص كل مجتهد، فمعناه العموم لأن العلم ليس من شأنه أن يُمتلك فتحوزه مرجعية تكون بالنسبة للعلم كالكنيسة بالنسبة للدين. فلا كنيسة، من أي نوع كانت، في الدين الإسلامي!

2 ورغم ذلك فعددها لا يستهان به في هذا المقال.

3 وطبعا، وباسم نفس هذه المابديء. نحن نبقى متفتحين لكل رأي مخالف واجتهاد معاكس ما دامت النية حسنة في خدمة الإسلام الكوني والعلمي لا في تشوييه وحكره على من يدّعي تملّكه والمتاجرة به.

4 وها نحن نرى البعض ممن يدّعى معرفة الدين التأسف على انقراض مثل هذه المؤسسة فيربط تأخر الإسلام بزوال العبودية! ولا داعي لذكر مراجع هنا، فمواقع الأنترنت تزخر بها أو تندد بها، كما هو الحال على موقع الآن التنويري الذي سنحيل إلى بعض مقالاته لاحقا.

5 أقول الصحيح لأن هناك من العلماء أو أشباه العلماء من يدّعى على العلم ما ليس منه، فالعلم الصحيح هو ما لا يقرّ بحقيقة عمياء أزلية، إذ يعتمد فرضية الخطأ آجلا، لأن العلم هو الدليل الراهن والمبرهن عليه لا الأبدي المسلّم به.

6 وهذا دليل على أننا نقر بأن الأمر، في ما نقول بخصوص الجنس هنا، ليس هو إلا ما وصل العلم إلى التدليل عليه اليوم وعلى حاله الآنية. ولعله يثبت غدا خطأ العلم في ذلك؛ ولكن، كما يتوجه العلم أن نغير موقفنا بتغير الحال، فالتوجه العلمي اليوم يقتضي الأخذ بآخر ما توصّل إليه من معرفة ثابتة.

7 المُماثَلة الجنسية أو المُماثَلة هو التعبير الصحيح والفصيح عربيا الذي نقترحه كترجمة لكلمة Homosexualité . أنظر لاحقا الفقرة 5 : في تصحيح المفردة : من اللواط إلى المماثلة. فنحن لا نستعمل هنا عبارة اللواط إلا جريا على العادة ولإبلاغ المقصد.