مخيم بو رشادا في مدينة غريان. يونيوحزيران 2012
بعد مرور نحو عام من النزاع في ليبيا، ما زالت السلطات المركزية تكافح من أجل فرض سيطرتها على الفصائل المتعددة التي ساهمت في الإطاحة بالدكتاتور وكما هو الحال في كل الأوضاع السياسية والاجتماعية غير المستقرة، تواجه أضعف الفئات أشد الأخطار. إن المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء لا سيما هؤلاء من أفرقيا السوداء يدفعون ثمناً باهظاً في ليبيا الآن وأكثر من أيام حكم القذافي.

أستُهدف المهاجرين منذ بداية النزاع الليبي يوم 17 فبراير 2011 وفر مئات الآلاف هاربين من البلاد ولكن الآن مع بداية إعادة أعمار البلاد، أصبحت ليبيا مرة أخرى مركز وصول للعديد من المهاجرين من أفرقيا السوداء الذين فروا للسعي على العمل والهروب من الاضطهاد.

ولكنهم يجدون أنفسهم الآن ملاحقون في ليبيا من قبل كتائب الثوار الذين يعملون خارج أي إطار قانوني وفي ظل عنصرية واسعة وعريقة وقد قرروا أن يعينوا أنفسهم بمهمة “إزالة المهاجرين من البلاد الذين يجلبون الجرائم والأمراض”. ويتم القبض على المهاجرين في الحواجز الأمنية أو منازلهم ويؤخذون إلى مراكز احتجاز مرتجلة تديرها الكتائب ويظلون قيد الاحتجاز لأجل غير مسمى في زنازين خالة من الهواء والمعايير الصحية ويتعرضون إلى إساءات جسدية ونفسية على أيدي حراس المخيمات كما ليس لديهم فكرة إذ ومتى سيستردون حريتهم.

هذه هي بعض النتائج التي توصل إليها التقرير الجديد الصادر عن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة المهاجرون-أوروبا وعدالة بلا حدود للمهاجرين ونتج التقرير عن بعثة تحقيق أجريت في ليبيا في يونيو 2012 وخلالها قابل وفد البعثة مئات من المهاجرين في ثمان مراكز احتجاز.

وفي هذا السياق يبدو أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء مصممون على تكرار أخطاء الماضي حيث إنهم مستمرون في تطبيق سياسة الحدود المغلقة وفي تمويل مراكز الاحتجاز على الجانب الآخر من البحر المتوسط.

ولكن عبر المهاجرون من الدول المجاورة وغرب أفريقيا في المقابلات إنهم ليس لديهم نية للاستمرار برحلتهم إلى أوروبا، بالعكس فهم جاؤوا للعثور على العمل في ليبيا. أما هؤلاء النازحون من النزاعات في منطقة القرن الأفريقي، فهم يسعون إلى الحماية الدولية المكفلة لهم بموجب القانون الدولي فهم بالفعل يخططون إلى مغادرة ليبيا حيث إنها لم تصدق على اتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن اللاجئين كما ليس لديها نظام لطالبي اللجوء. هؤلاء اللاجئين هم الذين من اليأس يباشرون على رحلات في سفن غير صالحة للإبحار من أجل محاولة طلب اللجوء في القارة الأوروبية. على الاتحاد الأوروبي أن يكف عن غرس النفس في الرمال وعليه أن يقدم فرص لإعادة توطين هؤلاء اللاجئين في الأراضي الأوروبية لكي يتمكنون من الاستفادة بحماية فعالة ودائمة.

بينما تأخذ الحكومة الليبية الآن مكانتها وتجرى تفاوضات حول اتفاقيات التعاون مع أوروبا، يحب على الاتحاد الأوروبي أن يضع حد للتعامل مع سياسات الهجرة من منظور أمني فقط وعليه أن يدعو إلى إجراءات تعزز وتضمن حماية حقوق الإنسان الأساسية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

كما يجب أن يكون أي اتفاق مستقبلي مشروط باحترام جميع الأطراف للالتزامات الدولية وحقوق المهاجرين وليس على مكافحة الهجرة غير النظامية. إن هذه القضايا أصبحت أكثر إلحاحا لأن حينما يستقر الوضع في ليبيا ستعتمد ليبيا مرة أخرى على العمال المهاجرين من أجل إعمار وتمنية اقتصادها. وستستأنف الشركات الأجنبية ومنهم العديد من الشركات الأوربية، استثمرتاهما في ليبيا مما سيجعل ليبيا مركز للهجرة بين البلاد الأفريقية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي المساهمة بالطموح والمسؤولية في هذا الحراك لا سيما من خلال تطوير سياسة أكثر مرونة للحصول على التأشيرات بالإضافة إلى عدم إجبار ليبيا بإعادة قبول غير المواطنين.

ففي يوم 25 يونيو\حزيران 2012، تعهد مجلس الاتحاد الأوروبي بتعزيز حقوق الإنسان “في جميع مجالات العمل الخارجي دون استثناء”. فهل تكون سياسة الهجرة هي الاستثناء؟

⬇︎ PDF