المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
crédit photo: newsoftunisia.com
هكذا إذا تذرفون اليوم الدموع مع أمهاتنا التونسيات على فلذات أكبادهن الذين راحوا فداء لرغبتهم الجامحة في التنقل بحرية وتطلعهم المشروع لحياة أفضل!

أليس من الأحرى بكم، وأنتم تمسكون بزمام الشؤون الخارجية للبلاد، المبادرة دون تأخير لوضع زملائكم ممثلي البلاد الأجنبية أمام مسؤولياتهم وذلك بأن تنادوا باسم الشعب التونسي إلى ضرورة رفع الحواجز أمام تنقل التونسي كمستحق من مستحقات نجاح ثورته التي أدخلت البلاد في مصاف الأنظمة الديمقراطية؟

أليست تونس اليوم ديمقراطية؟ وأليست من مباديء الديمقراطية التقيد برغبات الشعب ومطالبه؟ وأليست هذه الرغبات والمطالب هي حرية التنقل حتى وإن اضطر الشاب التونسي إلى دفع ثمنها غاليا؟

إنكم تتجاهلون رغبات شباب الشعب فلا ترفعونها،كما هو واجبكم، إلى من يهمه الأمر من ممثلي البلاد الصديقة حتى تجعلوها، على الأقل، أمام واجباتها؛ فحتام وإلام هذا التجاهل لحق شبابنا في التنقل والحياة؟ وحتام وإلام هذا الاحتقار للوعة آبائهم وأمهاتهم؟ وحتام وإلام هذا التنصل من مسؤولياتكم وأنتم مسؤولون على احترام سيادة البلاد؟
فأليس من سيادة بلادنا أن لا تُأخد بصمات أبنائها إلا من طرف السلطات الوطنية؟ فكيف تسمح سلط بلادنا بأن تُأخذ بصمات مواطنينا من طرف سلط أجنبية في نطاق تسليمها للتأشيرات؟

نعم، إنها سياسة تلك البلدان تفرضها علينا فلا ننبس ببنت شفة لأننا بحاجة إلى مثل تلك التأشيرات، حيث أنه أصبح لا مناص من التأشيرة للدخول للبلاد الأجنبية، حتى وإن كان في ذلك الشيء الكثير من الدوس لسيادة البلاد! ولكن، وحتى نكون واقعيين، أليس من حل بديل؟

إن مزايا التأشيرة المعمول بها حاليا للبلاد الأجنبية هو التأكد من هوية المنتفع بها والحد من الهجرة السرية؛ فهل نجحت هذه السياسة؟ وهل حدت التأشيرة من الهجرة السرية؟ كلا وألف كلا ! بل إنها أدت إلى تفاقم الأمور وعددت من المآسي وعيوننا تنظر، وقلوبنا تبكي، وكلامنا في هذا الأمر في النافخات زمرا!
فكم من مرة نادينا بأن تجعل تونس من مباديء سياستها الخارجية مطلب رفع التأشيرة كمستحق هام من مستحقات دخولها عالم الديمقراطية؟ ولقد وضحنا الطريق المثلى للوصول إلى ذلك في القريب العاجل أو حتى الآجل وذلك بأن تطلب بلدنا من الممثليات الأجنبية أن تجعل من التأشيرة الحالية تأشيرة مرور تسلم مجانا لكل التونسيين الراغبين في ذلك.

فبذلك، وإلى أن تتطور العقول الغربية في اتجاه الثورة على التقاليد البالية التي تطغى اليوم على تعاملها مع بلاد الجنوب، يصبح للتونسي، كمواطن بلد استحق الديمقراطية، الحق في التنقل بحرية بين بلده والدول الأجنبية دون أن يكون في ذلك أي مساس بحق هذه الدول في السلامة، بما أن حرية التنقل هذه تتم بموجب تأشيرات مرور تضمن معرفة هوية أصحابها. وهي في الآن نفسها تمنع من النزوع للهجرة السرية بل وتقضي تماما على هذه الظاهرة بكل ما تؤدى إليه من فواجع.

أفلم يحن الأوان، سيدي الوزير، بأن تكونوا الناطق الرسمي للشعب في أعز ما يطلبه من حكامه، ألا وهو احترام حقه في التنقل بحرية، وهو عنده أعز من الحق في العمل وفي الحياة، لأن كرامة التونسي هي في حريته، فإذا انعدمت الحرية هان عليه الموت، كما تبينه لنا هذه الفواجع التي تأتي لنا بها الأخبار من عرض البحر.
سيدي الوزير،

لقد عملت في الحقل الديبلوماسي وأعرف ما تتندرون به في صالوناتكم للرد على مثل ما تحتويه هذه الرسالة : إنكم تستهجنون صاحبها وتسخرون من مقولته؛ ولكنكم لا تشعرون أنكم في الآن نفسه تسخرون من الشعب كله، لأن هذا الكلام ليس إلا كلام الشعب الذي لم تبعدني عنه الكراسي وأبهة الحكم، وهذه الرغبة هي رغبته وقد مارستها وعرفتها على حقيقتها.
إنني اليوم أرفع لكم مجددا رغبة شعبنا لأنه لم يعد باستطاعته الصبر أطول مما صبر على تجاهل حقه في الحياة الكريمة، والحياة الحقة هي في حرية التنقل كما تواتر التاريخ على التدليل عليها منذ القدم.

فكم من فكرة مجددة تكون قُبرت وكم من فكر مبدع يكون وُئد وكم من عبقري أفاد أبناء بجدته والعالم أجمع تكون روحه أُزهقت إذا لم تكن توفرت حرية التنقل بحرية كطيف النسيم؟ بل هل كان الإسلام يصل إلى ما وصل إليه بدون هجرة الرسول؟ فالعودة العودة إلى والوعي، سيدي الوزير ! اطلبوا رسميا وفي أقرب وقت باسم كل التونسيين أن تصبح التأشيرات المسلمة اليوم تأشيرات تنقل تسلم مجانا وذلك في نطاق مطلب رسمي من الجمهورية التونسية برفع التأشيرة في وقت لاحق لمواطنيها كمكسب لا محيد عنه من استحقاقتها على درب الحداثة السياسية!

وإن لم تفعلوا ذلك باسم سيادة البلاد، فلتفعلوه باسم كل أم محروقة الكبد على ابن فقدته في عرض البحر، و باسم كل أب حُرم من ولده، وباسم كل طفل فُصل عن والده، وباسم كل أخ وأخت لن يريا أبدا شقيقا لهما ابتلعته مياه المتوسط!
فهذا البحر لم يكن ليحرم هؤلاء من أعز الناس عليهم لولا قساوة قلوب هذه الساسة التي ترى الفواجع ولا تقيم لها وزنا بالعمل على تفاديها. ولا عذر لمن توفر له الحل فلم يأخذ به ولم يعمل على تفعيله!

لقد أرسلت مؤخرا رسالة في الغرض نفسه إلى سفير الولايات المتحدة الأمريكية بتونس بوصفها زعيمة العالم الديمقراطي اليوم، ولسوف أواصل الجهد في سبيل هذه الغاية لأن التاريخ سيفرضها إن عاجلا وإن آجلا، فلا مناص غدا من عالم بدون حدود! إن السؤال المطروح الآن ليس هو: هل سترفع يوما القيود الراهنة في التنقل بين بلاد العالم الديمقراطي، بل : متى يكون ذلك وكيف؟

أما كيف، فقد بينته، وبقي متى؟ فهل يكون ذلك غدا بتونس، سيدي الوزير؟

إن الوضع الراهن بالبلاد من احتقان وتواتر أعمال العنف، والتزمت خاصة، مأتاه انحباس شبابنا داخل حدود بلد أصبح بوتقة تخنق تطلعاته وتعدم حسه للمقارنة بالغير والتفتح على الآخر. فلقد كان التفتح خاصية التونسي، وهاهي هذه الخاصية تنعدم لعدم قدرة الشاب التونسي على التنقل بحرية وهو سليل آباء دربوا على السفر والترحال، مما فتح قلوبهم على الغير ووسع من آفاقهم.

إننا لا نقدر حقا ما لانعدام حرية التنقل من إفساد للحس التونسي في التسامح وتعكير لصفو البلاد، فالعلم يبين بما لا مجال فيه للشك أن انحسار الفضاء الحياتي وضيقه يحد من المجال الذهني ويأجج كراهة الغير وبغض الآخر. فهل هذا الذي نبتغيه لبلادنا؟ وهل هذا الذي تريده لسلامتها البلاد الآخذة بمبدأ التأشيرة؟
سيدي الوزير،

أما حان الوقت لكم للعمل على حماية أبنائنا من الرمي بأنفسهم إلى التهلكة وأنتم تعلمون أنهم لن يتوقفوا عن ذلك لأن رغبتم في حقهم في حرية التنقل لا يحدها شيء؟ هل تريدون المزيد من الفواجع والمآسي حتى تقوموا بواجبكم، ألا وهو رفع صوت التونسي إلى من يعنيه الأمر والعمل على أن تُحترم سيادة البلاد وكرامة أبنائها؟ هل يجب أن ينزل الشعب إلى الشارع مناديا برفع التأشيرة حتى تأخذوا بحقه في ذلك؟ إنه ليفعلها يوما إن تماديتم في جهلكم لمطالبه المشروعة!