Les articles publiés dans cette rubrique ne reflètent pas nécessairement les opinions de Nawaat.

1 ـ ماهية الأخلاق الحميدة :

الأخلاق الحميدة أساسية لصحة الجسم الإجتماعي، وهي قيم ثابتة في روحها ومثل عليا في أهدافها وغاياتها لأنها صالحة للإنسان في كل زمان ومكان بصرف النظر عن جنسه ونوعه ومكانه وزمانه. وهي وإن كان مصدرها الوحي في الإسلام، فهي لا تتعارض مع العقل البشري وما يتفق عليه الناس في مجتمعهم وعرفهم، لذلك فهي غير متغيرة في لبها وروحها من ناحية، لكنها دوما متأقلمة مع المجتمع، متطورة مع مقتضيات العصر ومستجدات الطبيعة البشرية، من ناحية أخرى.

والأخلاق هي عنوان الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، إذ هي أساس الحضارة. وفي ذلك يقول أحمد شوقي :

وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا

ولعل أول الأخلاق الحميدة هي تزكية النفس عن التكبر والاعتداد بالذات كأن نعتبر أنفسنا أعلى وأكبر من غيرنا. فهذا لا يكون من الصحة بمكان إلا إذا كنا من الأتقياء؛ ولا شك أن التقوى هي أولا وقبل كل شيء احترام الآخر، حتى وإن كان كافرا في عرفنا، مع العمل بمكارم الأخلاق حتى نكون له القدوة المثلى؛ ولا يكون ذلك إلا في جو من الحرية التام بدون تحريم تصرف أو تجريم رأي هما من باب الحريات العامة التي يؤمن به كل هذا العالم المتطور الذي يحيط بنا.

2 ـ صفة الأخلاق الحميدة الإسلامية :

لا مراء في أن تعالي الإسلام في مبادئه وتساميه في مقاصده يجعلانه لا محالة فوق كل شيء، لكون محط تعاليمه القلوب السليمة. أما التي فيها مرض، فهي لا تضيره في شيء، بل تظلم ذاتها حتى ينتهي بها الحال إلى الرجوع للحق من تلقاء نفسها، إذ الحق يعلو أبدا ولا يُعلى عليه حتى وإن طال الزمن، وذلك عندما تميل الأمور بالناس إلى الزور امتحانا من الله للمؤمنين صدق نواياهم وطيبة أخلاقهم. وفي امتحان الله لخلقه يُكرم المؤمن ويُهان المرائي والمنافق!

وكما سبق أن قلنا، إن مثل هذا التعالي ليس ازدراء للآخر المختلف أو للمذاهب والملل غير الإسلامية، إذ الإسلام أولا وقبل كل شيء أخلاق عليا وصفات حميدة، فبقدر ما هو يؤمن بعلو منظومته الأخلاقية بقدر ما يقدر أحقية الغير في الانتماء إلى أخلاقية أخرى؛ بل هو لا يرفض ما صلح منها إذا أثبتت فضلها على الذات البشرية التي هي مقدسة في ديننا، إذ الأخلاق الحميدة في الإسلام هي أخلاق كونية تراعي الذات البشرية جمعاء.

فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والآداب التي جاء بها القرآن ودعمتها السنة النبوية، وقد عرفها الشيخ محمد الغزالي بأنها

«مجموعة من العادات والتقاليد تحيا بها الأمم كما يحيا الجسم بأجهزته وغدده».

والإسلام دين صالح لكل الأزمان؛ وهذا لا يكون إلا بنص جاء في بلاغته ثائرا على وضع شائن، وهو في نفس الوقت متأقلم مع المحيط البشري الذي دعاه للتسليم لله. فهو يبقى أزليا ببقائه متأقلما مع الأوضاع الراهنة للبشرية بالتفعيل الدائم لروح الله التي تتجلى من خلال كلامه.

فالإسلام بيّن مثلا في زمن انعدمت فيه الحريات أن من الأخلاق الحميدة إعتاق رقبة الرقيق وقد كانت العبودية هي القاعدة في العالم، وقطع يد السارق عندما كان يُقتل في سائر البلاد، وتصريف حظ وحيد للمرأة في الميراث وهو قطعا أقل بكثير من حظي الرجل ولكنه كثير في عهد لم يكن للمرأة من الميراث أي حق. وليس من الضروري أن نعدد هنا الأمثلة التي تبين أن الأخلاق الحميدة كانت في الإسلام ثورية لأنها جاءت لتجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا متطورا سابقا لزمانه.

واليوم، لا يمكن للأخلاق الحميدة الإسلامية أن تحافظ على ثوريتها هذه إلا بالبقاء في أعلى المنظومة الأخلاقية العالمية. وبما أن الأخلاق في عالمنا اليوم تقتضي التمسك بمباديء الديمقراطية، وأن هذه تعني الالتزام بالمعايير الدُولية، فلا مناص من الأخذ بها حتى يبقى الإسلام ثورة عالمية وتبقى الأخلاق الحميدة به تلك المنارة الأخلاقية التي تستهوي كل بني آدم فتعمل على أسلمتهم بالجنوح إلى كل ما فيه من سماحة وعلو. أفليس الإسلام خاتم الأديان؟ أليست تعاليمه كونية وعلمية؟ فلا مناص إذن أن يكون مفهومنا للأخلاق الحميدة التي نستوحيها منه في علو كعبه وسمو قدره!

3 ـ العلوية النظرية للأخلاق الحميدة في الإسلام :

إن المسلم اليوم ينسى أو يتناسى أن الذات البشرية لتطغى أحيانا فتطلب دوما المزيد من كل شيء حتى وإن كان في ذلك التشويه الفاحش الفظيع لما جماله يكمن في الأفئدة، لا تلحقه معرة لقوة الإيمان به ورباطة الجأش في التمسك به، فلا تزعزعهما أعمال الشياطين من بني آدم، وقد يسلطها الله من حين لآخر لامتحان صدق نوايا المخلصين من عباده، غير المرائين ولا المخادعبن.

والزمن لا تنعدم حقبة منه من مثل هؤلاء؛ بل إن في وجودهم ما يقوي الدين ويزيد من محبة الناس له، فتؤلف قلوبهم سماحته والحريات التي يضمنها للمسلمين، فيأتون إليه بكل حب طواعية.

إن أمثال هؤلاء المسلمين ليتعلقون بأخلاق حميدة هي مجرد نظرية، بل هي كالأصنام المعنوية عندهم، إذ يتعاملون معها كما كان يتعامل الكافر مع أصنامه، فلا يعيرون أهمية للمثال الذي يقدمونه في احترام هذه المباديء بقدر المجهود الذي يأتونه للذب عنها وعما في رأيهم يمس بقداستها.

ذلك أن الإسلام لا يخاف على نبل مبادئه وقدرتها على فرض نفسها بنفسها من باب تعلق المؤمن الحق بالأخلاق الحميدة وتفعيلها بتصرف فعلي لا مجرد احترام نظري. لذا، فبما أن أخلاقه الحميدة هي في قلب المؤمن الحق، فالإسلام لا يُضطر إلى فرضها بشوكة القانون على الناس وإن أمكنه ذلك؛ كما أنه لا يخاف أن تنهار دعائمه المتينة لمجرد تصرف أحمق أو عمل أخرق، فيجرّم مثل تلك الأعمال التي تبقي إما صبيانية وإما هلوسة. فخلافا لما رأيناه عند بني إسرائيل من يهود ونصارى، لا ينزل الإسلام أبدا من عليائه إلى المستوى الدني لمن حاول المساس بقداسته، وهو في ذلك لا يدنس إلا نفسه.

هكذا كان السلف الصالح يرى دينه، فلا يسرف فيه ولا يغلو عملا وقولا، فإذا امتحنه الله بوقوعه مثلا بين قوم جاهلين، صبر واصطبر ، وغض النظر عن الفسق حتى وإن أمكنه اللجوء للقوة لفرض الحق، لأن الحق يفرض نفسه في الإسلام. لذا نراه يعمل ويجتهد حتى يعطي المثل على الأخلاق الحميدة، فيكون ذلك منه حقيقة الجهاد الأكبر في سبيل الدين الإسلامي السمح.

لننصت مثلا إلى ما يقول الامام الشافعي في سفهاء قومه:

يخاطبني السفيه بكل حمق فاكره ان اكون له مجيبا
يزيد سفاهة فازيد حلما كعود زاده الاحراق طيبا

ولنصغ إلى عالم اللغة أبي عمرو بن العلاء وهو يحدد نوعية الأخلاق الحميدة الحقة التي تزين كل مسلم عرف حقا قدر دينه :

شاتمني عبد بني مسمع فصنت عنه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ومن يعض الكلب إن عضا؟

ولقد رأينا السلفية الحقة من أهل الأثر قد اتبعت الكتاب وسنة الرسول وأقوال الصحابة بذكاء وفطنة لا بجهالة؛ فلم تقتف الآثار كآثار، كأصنام وأنصاب لا تُمس ولا تُغيّر، بل اتبعتها كتشخيص لفكر وعلو مقاصد. لذا قبلت، إذا تغيرت الظروف واقتضت تعديل الأثر للحفاظ على روحه السنية، أن يكون ذلك جائزا حتى لا يصبح الأثر صنما لا نورا يُهتدى به.

لقد قيل، وصدق القول، أنه لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها؛ ولا شك أن الذي أصلح أولها هو مباديء إسلامية كانت ثورية، متقدمة على زمانها، فأخرجت العالم من الجهالة إلى النور. ولم يكن الإصلاح الذي جاء به الإسلام إلا بالثورة على الجمود وجحود آلاء الله في نعمته على عباده بالعقل لأجل الاستنارة به في شؤون هذه الحياة الدنيا على هدي روح الدين ومقاصده لا على التقيد بنصوص أرادها الله فضلى لكونها تقدمية على الدوام، متدرجة في البيان وفي الأخذ بعلوم الآن.

والنور يتنوع حسب الزمان والمكان، أما الصنم فلا! خذ على ذلك مثلا في ابتداع السلف تحريم العبودية ولم ينص عليها الأثر؟ أفكان ذلك من باب البدعة أم التمسك بسنة الرسول الكريم في روحها؟ ذلك هو احترام روح الأثر لا الأثر نفسه؛ وذلك هو حقا التمسك بسنة السلف الصالح والتزام طريقه!

4 ـ العلوية الفعلية للأخلاق الحميدة في الإسلام :

فالإسلام لعلو كعبه ونبل رسالته لا يسطر أي خط أحمر لاحترام الناس له، لأنه لا يكتفي بعلوية أحكامه نظريا كما جرى العمل به في الأديان الأخرى؛ ، بل هو يرى، وحق له ذلك، أن علوية الأخلاق الصحيحة هي في قلوب المؤمنين. فواجب الإحترام لدين مثله، كوني وعلمي التعاليم، لهو واجب يفرضه العقل والتصرف الرصين لا يتأتى فحسب من أمر الحاكم أو بأي سلطة قهرية أخرى؛ إذ الإسلام يضمن الحرية كاملة للإنسان بما أنه لا يدين بالعبودية إلا لله، والحرية التامة كما أرادها ديننا في جميع الميادين هي التي ترفع من قدر الإنسان الحامل للأمانة الإلاهية.

فمن مكارم الأخلاق الصدق والأمانة والحلم والأناة والشجاعة والمروءة والمودة والصبر والإحسان والتروي والاعتدال والكرم والإيثار والرفق والعدل والحياء والشكر وحفظ اللسان والعفة والوفاء والشورى والتواضع والعزة والستر والعفو والتعاون والرحمة والبر والقناعة والرضى. فهل يقع التنصيص عليها كلها بالقانون؟ أليست هي قائمة الذات بدون تنصيص لأنها في الطبيعة البشرية؟

لذا، فإن أعظم الأخلاق الحميدة وأعلاها قدرا ليست تلك التي تقرها الدساتير والقوانين بصفة شكلية فلا تعبأ بها البشرية، بل هي تلك التي تجد في نفوس الناس الصدي والقبول الحسن بالعمل على الأخذ بها واحترامها بحذافيرها في حياتها اليومية. فمصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بأن الله يراقبه، وحتى إن لم يكن هو يراه، فخالقه دوما يراه. فلا شك أن الأخلاق إذا كان مصدرها أولا الضمير أو الإحساس بالواجب قبل أن يكون ذلك بالقونين الملزمة لهي بحق مسلمة، مجتهدة في الأخذ بمبادئه.
والإسلام نادى بمثل هذا الجهاد الذي يجعل تعاليمه تأخذ بمجامع القلوب أخذا فترى الناس من جراء ذلك تأتي إليه زرافات ووحدانا من كل حدب وصوب بطواعية دون عنف أو إكراه، في محيط كله حرية، لأن تمام الحرية من تمام الأخلاق، وكمال الأخلاق في حرية التصرف؛ فلا أخلاق حميدة ولا تصرفات صادقة إذا كان الخوف مصدرها والسيف حارسها، لا الوازع الأخلاقي فحسب، ولا شيء آخر!

هذ، ولم يكن المسلم الحق يزدري ما حسن عند قوم من غير ملته، فينتقي منها الأحسن يضيفه إلى مكارم أخلاقه فتكون صالحة لكل زمان ومكان لتطورها الدائم وشديد تعلقها بالواقع المعاش.

ذلك أن الله يهدي من يشاء؛ ثم لأنه من سماحة الإسلام وتأسيسه للحرية الإنسانية أن لا مفر لغير المسلم أن يصبح مسلما طال الزمن أو قصر، ولكن ليس ذلك عسفا وقهرا بل بمحض اختياره وتمام حريته حبا وتقديرا لدين يحمي كامل الحريات الذاتية للإنسان ببقائه المثل الأعلى لكل الأديان وتكريسه لأعلى وأفضل منظومة أخلاقية أخذ بها كل من تحضر من بني آدم.

أما إذا غيرنا ما يميز هذا الدين وتأسينا بما كان من هوج في الدين اليهودي وهلوسة من الدين المسيحي فحاولنا، تماما مثل ما كان يفعل الرهبان والقساوسة، فرض تعاليم الإسلام على الناس بقوة، فضيقنا من حرية المعتقد والرأي والإبداع وقيدنا النفاذ إلى المعلومات في عالم المعلومة الحرة ومنعنا من الحرية الشخصية لارتياد المواقع الإفتراضية وقبضنا أوراح البشر دون الله الذي له وحده هذه القدرة لقداسة الروح البشرية، لعملنا ولا شك على انفضاض الناس عن ديننا آجلا إن لم يكن عاجلا عوض التشجيع للدخول فيه، وقد كان ولا يزال عزيزا بالتوافد المستمر عليه من المهتدين للحنيفية المسلمة.

ولا شك أن لنا في كل هذا من الرسول الأكرم أعلى المثل وأفضل القدوة. فليكن عملنا في تكريس علوية الأخلاق الحميدة الإسلامية في القانون وفي المجتمع بأن نكرس أفضلها عالميا لأن أخلاقية الإسلام وتعاليمه كونية لا محالة.

فالإسلام، لما جاء بإحكام مثل قطع اليد، كان في مقصده رحيما بالسارق الذي كان يقتل في ذلك العهد؛ لذا، فقد جاء قطع اليد رحمة من الله بالسارق لا نكالا به كما نعتقد، وإلا كيف يهدي الله الكافر إذا آيس هذا الأخير من رحمته وغفرانه بسد باب التوبة في وجهه؟

أما اليوم، وقد تطور العالم وأصبح السارق لا يُقتل ولا يُعذب، بل يسجن، يكون من ابتغاء الدين عوجا أن نفرغه من لبه، وهو الرحمة العارمة، بالتمسك بحكم أصبح مخالفا لروح النص. أفتكون المسيحية اليوم مثلا أرحم من الإسلام وأرقا قلبا في مثل هذا الموضوع وفي غيره؟

لذا فالمسلم الذي يتجاهل ذلك لفي غي، لا هم له إلا تتبع غي غيره؛ ولعل في ذلك منه مراوغة حتى لا يُحاسب نفسه على هناتها بالانشغال بمحاسبة هناة غيره، ولربما يداري كفره بكفر غيره ! فلردع الكافر اللهُ، وكفى بالله ناصرا لدينه السني؛ أما نفس المؤمن، فالله يوكلها لضمير هذا المؤمن حتى يبرهن بحق عن إيمانه. والله إن لم يغفر تصرفات كافرة ممن كفر بجهله وكفره، هل يغفر تصرفات كافرة ممن كفر بعلمه وبإسلامه؟

إن مثل هذه الأخلاق والآداب لهي من الأهمية بمكان؛ فالرسول الكريم جاء ليتمم مكارم الأخلاق لمكانها الحقيقي في نفوس الناس أجمعين، إذ غاية الإسلام أن تتعامل البشرية جمعاء بقانون حسن الخلق الذي ليس فوقه قانون. لذلك، فالتحلي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن الأفعال الرذيلة مدارها أولا وقل كل شيء النفس الانسانية التي لا يسهر على كبح جماحها إلا صاحبها بوازعه الأخلاقي.

5 ـ الأخلاق الحميدة والنظام العام الإسلامي :

إن البعض ممن يجهل حقا ما لدينه من قدسية لما فيه من تسامح كبير ودعم أكبر للحريات العامة ليحاول تزويق هذا الجمال بالإفراط في حمايته وهو في الحقيقة يشينه.

إنهم في ذلك كالأم الحنون التي تبتغي ولا شك حماية طفلها فتبالغ إلى حد خنق نموه الطبيعي، فتحرمه من نشأة سليمة تجعل منه ذلك القاصر الذي لا قدرة له ولا قوة لأجل ما بالغت فيه من الإحاطة والرعاية التي كان منها الغلو والشطط. ومن الحب الجارف ما يشين وما يقتل!

فنحن إذا نظرنا إلى الأخلاق الحميدة من زاوية ضيقة وأخضعناها إلى تعاريف معينة ورثناها من تلك الفترة التي كانت فيها تلك الأخلاق ثورية قبل أن يولي ذلك الزمن لحكمة الله وسنته التي تقتضي التطور المستديم، فنحن نفرغها من روحها النيرة فلا نحتفظ منها إلا بهيأة لا روح فيها، كمن تمسك لشدة حزنه على فراق حبيب له بجثته الهامدة بعد موته ورفض مواراتها التراب؛ أو نحن نتصرف كتلك الأم التي من فرط حبها لصغيرها تجني عليه و تقضي على حياته دون أن تشعر. لقد كان الإسلام من الحرية بمكان في زمن أظلمت الدنيا فيه في سائر بلدان العالم، فما كانت في البلاد الإسلامية محاكم تفتيش ولا قوانين كنسية لتكبيل المسلمين في حرياتهم، مما جعل ديننا ينمو وينتشر بأخذه أولا وقبل كل شيء بمجامع القلوب مما انعدم في الأديان الأخرى فهرب الناس منها لقسوتها ورعونة أحكامها وتسلط الحكام عليها باسم الدين يكبل به الحريات.

ليس دين الله الحق في التأكيد على أحكامه بنص قانوني كأي حكم بشري، إذ ذلك من محض الشكليات، فنجده في النصوص ولا نجد له أثرا في واقع المجتمع. إنما الإسلام أولا وقبل كل شيء في تعلق المؤمنين به بكامل جوارحهم عن طواعية وتعلق بسماحته، لا غير.

لذا رأينا هؤلاء الذين أحزنهم هذا النمو المطرد للإسلام بين الناس لأجل مثل هذه السماحة وذاك الاعتدال في كل شيء ينوون له الشر بلا هوادة ويعملون على أن ينقلوه من دين التسامح إلى دين المغالات والتعالي، فيدعون إلى أن يتصرف كغيره من الأديان، يفرض أحكامه بحد القانون ويتتبع كل من خالف تعاليمه، فيقض مضاجع الناس بعد أن كانوا آمنين على أنفسهم في ربوع هذا الإسلام الذي هو أولا وقل كل شيء الأمن التام والسلام العام للمؤمن ولغيره.

إن علوية الأخلاق الحميدة التي يكرسها الإسلام لهي عالقة أبد الدهر بالقلوب قبل أن تكون بالقانون. ولعل المبدأ الثابت في ديننا أن كل مسلم راع وكل مسلم مسؤول عن رعيته يؤكد هذا التوجه، بمعنى أن الرعاية لحقوق الله هي مسألة الجميع، فلا تُفرض قسرا، إذ هي تنبع أساسا من مكنون صدور المسلمين فليست هي إلا بتعاطي المثل الأفضل والدعوي للحسنى بالتي هي أفضل مع نبذ العنف وكل مظاهر الخوف من تتبعات زجرية لما فيها من إنقاص لحرية الإنسان في اختيار الأفضل. وذلك أس من أسس الإسلام الحق كما جاء به سيد الآنام.

إن الحرية في النظام العام الإسلامي هي حرية مسوؤلة، ولا تكون كذلك إذا انعدمت إمكانية تعاطيها دون خوف أو وجل من تتبعات عدلية لادعاء اعتداء على المقدسات أو مس بمحرمات. فلم يستعبد الإسلام الناس لرأي مخالف أو مذهب جديد وقد أرادهم الله أحرارا لا عبودية لهم إلا لربهم ولا سلطة لأحد عليهم في ما يخص دينهم إلا له، هو ربهم الأوحد!

6 ـ الأخلاق الحميدة الإسلامية والنظام العام :

فإذا كانت هذه خصائص النظام العام الإسلامي، فما تكون خصائص الأخلاق الحميدة الإسلامية في النظام العام؟

كما سبق أن قلنا، إن الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان في كل زمان ومكان، وهي كذلك من زاوية النظام العام. لأنها، ولا شك، ذلك التوازن المنشود بين مطالب الروح والجسد، إذ لا رهبنة في الإسلام ولا غلو في التدين.

فالمسلم الحق هو الذي يستنبط دوما الطريق السوي لأنه وسط بين من يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، كما نرى ذلك في المجتمعات التي ذهبت أخلاقها، ومن يعمل لآخرته كأن يموت غدا، كما نراه عند المتبتلين من النساك والزهاد.

فلا تمانع أن الإسلام لا يعارض حاجات الجسد من شهوات ورغبات، وكيف له أن يفعل ذلك وقد وضعها الله فيه؟ كل ما في الأمر أن الإسلام يحددها بإطار شرعي هو من الذكاء بمكان، إذ هو يتأقلم مع الوضع الراهن من زاوية نصه وفي الوقت نفسه يتماهى تمام التماهي مع مستجدات العصر من ناحية روحه. وتلك ولا شك أزليته.
إن الأخلاق الحميدة اليوم هي ما نحمده عند عموم الإنسانية المتحضرة؛ بما أن الإسلام كان ولا يزال دينا حضاريا متساميا في مبادئه متناغما مع مستجدات عصره، لكونه في نفس الوقت دنيا. وبذلك فإن مفهوم الأخلاق الحميدة الإسلامية لا يمكن بحال أن يكون متناقضا بشكل من الأشكان مع ما ثبتت صحته وجدواه في الحضارة الإنسانية قاطبة لتعلق رواد دول العصر به.
ومثال ذلك اليوم حرية الوصول للمعلومة ومنع عقوبة الإعدام وعدم تجريم التجديف، فلا مجال في الإسلام للخلط بين طلاقة الرأي وحرية التعبير وبين المقدس الذي لا تطاله أية شائبة لعلوه المبدئي وتساميه فوق مساويء البشر.

أما كيف السبيل إلى ذلك فبأن تتصف الأخلاق الحميدة الإسلامية بالسهولة والسيولة واليسر ورفع الحرج. ألم يقل الله «وما جعل عليكم في الدين من حرج» (الحج 78) وأيضا «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» (البقرة 286)؟

فالإسلام في تحديده لإحترام النظام العام بالمجتمع ليس بوسعه أن يغض النظر عن مثل هذه المباديء الأساسية للأخلاق الفعلية، كما أنه لا يمكنه البتة الحكم على الأفعال اعتمادا على ما ظهر منها فقط. بل أوجب قبل الحكم البحث على النوايا والمقاصد الكامنة وراء ما يخاله المرء أول وهلة إخلالا بالأخلاق الحميدة متجاهلا البواعث الحقيقية التي حركت مثل هذه الأفعال. أليس الرسول الأكرم يقول : «إنما الأعمال بالنيات»!

كما أن من خصائص الأخلاق الحميدة في نظام عام إسلامي حقيقي وفعلي أن تكون ضرورة المبادىء التي يسهر الحاكم والقانون على أن تُحترم مقنعة للعقل كما هي مرضية للقلب، إذ الأخلاق الإسلامية تقبلها الفطرة البشرية السليمة ولا يرفضها العقل الإنساني الصحيح؛ فلا نهي من الشرع لشيء إلا وله مسوغات ودوافع لهذا النهي، سواء أكان تحريما أو تكريها.
نعم، هناك من يقول أن الأخلاق الإسلامية هي في ما جاء به الوحي وهو كلام الله، واحترام كلام الله كاحترام النظام العام، بل وأوكد؛ وهذا صحيح. ولكن ليس كلام الله مجرد كلام انعدمت منه روحه الزكية؛ فهو أولا وقبل كل شيء روح ومقصد ومغزى. فليس بالإمكان الأخذ بحرف نص نحترم شكله ونحن في نفس الآن نرمي بأهم ما فيه عرض الحائط، أي مقصده الشريف الذي تعبر عنه روحه الأزلية . فإننا إذا فعلنا ذلك لا نحترم لا ديننا ولا عمل السلف الصالح! أما رأينا الخليفة الراشد الثاني لا يتردد مثلا في مخالفة سنة الرسول الأكرم في المؤلفة قلوبهم وكان أقرب عهدا وصلة به وبها أكثر من أي أحد اليوم؟

لذا، لا يحق لنا، باسم قدسية الوحي، التمسك بنص كلام الله والتنصل من روحه. فقد علمنا الإسلام أن الروح، وهي من أمر الله، أعلى شأنا من كل شيء في مخلوقاته؛ فلا مجال لأن نتجاهل روح الإسلام بدعوى احترام نصه.

لذا، فاحترام الوحي ليس في احترام النص فقط، بل هو أساسا في احترام روح النص؛ أما إذا اختلف ظاهر النص مع روحه، فالروح أولى أن تحترم! ويكفي الرد على من يقول غير ذلك : أليست روح النص كلام الله تماما كالنص؟ أليست الروح أعلى من الشكل؟

ولنسق على ذلك مثال عقوبة الإعدام التي لا نجد أي أثر لها اليوم في دساتير الدول المتحضرة، ولعل الدستور الإسلامي أجدر بها من أي دستور آخر إذ أقر الإسلام هذا المبدأ بصفة غير مباشرة في عصر كان الإعدام فيه القاعدة، فحد منه وحرض على الاستثناء بأن أكد على قيمة العفو وأسبقيته على القصاص.

والشأن نفسه بخصوص حرية المعتقد إذ أكد الإسلام على أن لا إكراه في الدين وذلك في زمن كان الإكراه هو القاعدة. وحدث ولا حرج عن تسامح الإسلام على تصرفات الفاسقين حتى في مهاجر الرسول الأكرم، حيث حث على مكارم الأخلاق في غض النظر عن فسق الفاسقين، لأن قداسة الإسلام في عليين.

7 ـ العلوية الكاملة للأخلاق الحميدة في كونيتها :

ولا شك أن علوية الأخلاق الحميدة الإسلامية هي أيضا في كونيتها نظرا لنزعة ديننا العالمية، فأحكامه تتوجه إلى الأمم بأكملها، لأنه إذا انعدمت الأخلاق عند أمة، كان مصيرها الزوال. والأخلاق لا علاقة لها بالضرورة بالنظام السياسي أو الملة المذهبية، فكم من مسلم ساءنا تصرفه وكم من مسيحي أو مجوسي وجدناه العجب العجاب في قمة الأخلاق والتواضع وكأنه أخذ ذلك، وهو غير المسلم، من سيد الآنام!

ذلك أن الأخلاق الحميدة هي رسالة ربانية من الله لكل البشرية تجد آثارها عند كل خلقه، فلا تحتكرها أمة حتى وإن كانت خير تلك التي أخرجت للناس. فكما تحلى الرسول الأكرم بالأخلاق الكريمة، تحلى بها جميع الأنبياء الذين سبقوه.

فلا مجال للانفراد في مجال الأخلاق الحميدة الحقة بتميز خاص أو تصور معين يقصينا عما وصلت إليه الإنسانية من تطور وتحضر في مجال الإنسانيات. فحسن التصرف وثراء الثقافة العقلية في وضع الكلام في موضعه الصحيح ليس حكرا على المسلم، بل هو إن كان إسلاميا فلكونه ليس خاصا بالمسلم حيث تعاليم الحنيفية هي للعالم وللبشرية كلها.

فلا بد عندما نتحدث عن أخلاقنا الحميدة أو نكتب فيها أن نراعي ما وصل إليه العالم في مجال الأخلاق من تقدم في شؤون دنياه للاعتبار بتجاربه والأخذ بالطيب منها حتى يكون تصرفنا دوما في الطليعة، فلا نفسح لغيرنا المجال للاستخفاف بنا ورمي ديننا بالجمود والتحجر وأخلاقنا بالإنحطاط وانعدامها من الواقعية، إذ بدأت وتبقى ثورية أبد الدهر!

إن الأخلاق الإسلامية الحقيقية هي التي من شأنها أن تكون دوما تلك الأخلاق التي تختزل الأخلاق الإنسانية والأعمال البشرية برمتها حتى تكون خير داعية للمقبل على الإسلام كما أقبل عليه الكثير في بداية انتشاره في حقبة من التاريخ كان الإسلام فيها بأحكامه الثورية منارة لسائر الأمم.

فالمسلم بأخلاقه الحميدة هو القدوة لغير المسلم للدخول فيه، ولا شك أن أخلاقا نعتقدها حميدة بينما هي تخل بما تعارفت عليه الأنظمة المتحضرة اليوم لتمنع الناس من دخول الإسلام إذ تكون حجة على تأخر ديننا عن مصاف المجتمعات المتحضرة بعد أن كان في طليعتها.

ولا شك أن مما ساعد الإسلام على أن يكون كذلك أن المسلم، بصريح عبارة الرسول، لا يضره من خالفه ولا من خذله، لأنه يصبر على الحق ويداوم العمل على إعلاء كلمته بالتي هي أحسن دون إفساد في الأرض. فالصبر على المصائب من أوكد وأسمى صفات المسلم الحق، لا مسلم اليوم، وكأنه من قوارير، يفتخر بلمعان الزجاج ولا يأبه بما يحتويه مما فسد بداخله ولا بهشاشته إذ يتصدع أو ينكسر لأدنى هزة.

ففي زمن ما بعد الحداثة الذي أظلنا،،وهو زمن رجوع الوعي إلى عظمة خالق هذا الكون، وعصر عودة الروحانيات، لا يمكن للمسلم أن يكتفي بطبيعة من قوارير في هشاشتها، بل عليه السمو بها إلى أعلى المصاف التي تليق بقدر دينه السمح.

8 ـ كونية الأخلاق الحميدة يختزلها التسامح :

فلنكن في كتابة دستورنا وهو أعلى مثل لأخلاقنا الحميدة مضربا للمثل كما بلدنا اليوم هو المثال الذي يُحتذى به في العالم أجمع لمثالية ثورته وذكاء شعبه وفطنته!

وليكن ذلك بالتزام تلك الخاصية العظمي لديننا الحنيف التي ميزته عن سائر الأديان، ألا وهي التسامح، وهي وإن كانت مجمع لمكارم الأخلاق، فهي أيضا من أصعب الصفات، إذ من السهل الافتقار إليها في أنفسنا وأبنائنا وعند أئمتنا ومثقفينا ونساء ورجال سياستنا.

إن التسامح ليس فقط من أركان الأخلاق الحميدة وبه تكتمل شخصية المسلم، بل هو قمة تلك الأخلاق! فبالتسامح يكون المؤمن متسامحا مع نفسه ومتصالحا مع غيره؛ ألم يقل الله : «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » (فصلت 34)، وألم يقل أيضا «وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم» (النور 22) وأيضا «ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور»(الشورى 43)؟

إن التسامح في سماحته مطلب حضاري وإنساني، وهو المطلب الديني الأساسي للإسلام، فلابد منه في كل أمر نقوم به، وخاصة في الأخلاق الحميدة التي نتشبث بها ونعيش على هديها. فالتسامح في كل شيء زينة، وانعدامه يجعل من الخلة شينة، إذ يدينها انعدامه.

فإذا كانت الشدة في أخذ الحق وفي الأمر بالدين أو في الدعوة إلى الله أو الغيرة على شريعته هو من المطلوب والمستحب والمندوب، فلا شك أن نتيجة كل ذلك تنقلب إلى عكس ما نبتغي فندين بتصرفنا ما كنا ندعو إليه من خير إذ نقلبه شرا بتشددنا في طلبه واستخدامنا الأسلوب القمعي من أمر ونهي وغلظة وعنف؛ ألم يقل تعالى : «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (النحل 125)؟

وبما أن الحكمة هي ضالة المؤمن في عصرنا الحاضر، فهي تُطلب بكل رفق ولين وسماحة وتسامح من كل مكان، خاصة عند من كان في ركب الحضارة حتى لا يتخلف الإسلام عنه. فلنكن كنبينا الكريم في الدفاع عن مباديء دينه، فقد قال الله فيه : «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» (آل عمران)!

وبما أن الإسلام يقدس النفس البشرية التي تميل دائماً إلى الرفق واللين والحب والعطف ولا تميل إلى العنف بكافة أشكاله وأنواعه، فليكن دستورنا الذي نكتب كديننا في إعلاء الأخلاق الحميدة به، فيكون في أخذه بمعالم الحضارة البشرية والمعايير الديمقراطية العالمية كما قال الشاعر :

ولقد وجدتك بالسماحة والندى بحرا وبالاداب روضا مزهرا

9 ـ الأخلاق الحميدة في دستورنا :

إن النظام الإسلامي الحق بما أنه دين وسياسة في الآن نفسه، لا فرق ولا تفريق بين الإثنين، فهو نظام عالمي النزعة والتطلعات التي غايتها أن تطبق بالعالم أجمع، علمي الأحكام إذ هي تحترم كل ما تفرزه المعارف العقلية والاكتشافات العلمية في جميع الميادين، وخاصة ميدان العلوم الإنسانية والإجتماعية.

لذا، فلا مناص لمن يسعى لإقامة دستور نظام إسلامي حق من أن يراعي مثل هذه الإعتبارات في ما يقره من بنوده حتى لا يكون مدى فاعلية هذه البنود خاصا ببلد معين أو رافضا لتوجهات فرضت نفسها في كل البلدان المتحضرة.

فعلمية الإسلام وكونيته تقتضي بأن يأخذ بكل ما حسن في بلاد الله وأقرتها دساتير البلاد المتحضرة وإن لن تكن مسلمة، لأن إقرارها بذلك يجعل منها معايير إنسانية لا يمكن تجاهلها إذا كنا نعتقد حقا أن الإسلام هو الدين الأزلي الذي ختم جميع المعتقدات لتضمنه على كل ما حسن لإصلاح أمور البشرية قاطبة.

نعم، هناك من يعتقد ضرورة العودة بالإسلام إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من مثال وقدوة؛ وتطلعهم هذا من الحكمة وحصافة الرأي بمكان لو كان ينتهج في ذلك السبيل القويم والمحجة السوية.

فإن السلفية الحقيقة هي تلك التي تعود إلى روح الإسلام، وهي روح التسامح والمحبة، لا روح الكراهية والبغض. أما سلفية شوارعنا، فقد زاغت عن الحق حين دعت شكلا إلى العودة إلى مثال السلف الصالح في حين هي تعمل فعلا على تقويضه؛ فليس مثلها الأعلى في ذلك إلا سلف اليهودية والمسيحية اللتان كان فيهما فرض الدين بحد السيف والتخيير بين الإيمان والقتل. وليس هذا إيمان المسلم المؤمن بالله الرحمان الرحيم؛ وليس هو إسلام محمد، خاتم الإنبياء، الذي جاء لتتمة مكارم الأخلاق!

لقد عمل أعداء الإسلام منذ الفتنة الكبرى الأولى، وحتى قبلها، في الخفاء، وها هم اليوم يعملون جهرة تحت قناع الدفاع عن الإسلام، جاهلين أو متجاهلين أنه دين التسامح ونظام المحبة، أحب من أحب وكره من كره!

ولنختم بما نراه على شاشات التلفاز اليوم. فلقد كان من المستحيل البارحة أن يقع تقمص أي شخصية إسلامية من الشخصيات الهامة، ثم بدأ الشيء يتغير إلى إن رأينا هذه السنة شخصية عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة الأجلاء وقد رُفع المنع في تقمصها.

فتلك عجلة التاريخ لا يديرها إلا الله ولا يتوقف دورانها؛ فمنع التشخيص ما كان من الدين في شيء وقد امتلأت كتبنا في الأدب والتاريخ بالأوصاف الدقيقة لكل شخصيات الإسلام، فجاءت أبلغ وصفا وأكثر دقة من أي شريط سينمائي أو تلفزي. وكان الأجدر بنا استغلال مثل هذه الوسائل والتقنيات الحديثة للتعريف بديننا والدعوة له عوض معارضتها غير المجدية.

كان علينا أن نفعل ذلك، وكان بإمكاننا النجاح فيه على قاعدة حسنى وطريقة فضلى عوض أن يفعلها غيرنا، وقد فعلها، مع إمكانية الإساءة للإسلام عن قصد أو عن غير قصد.

هذه الإشكالية اليوم في تفهم ديننا والعمل على إعزازه، وهي نفسها في كتابة دستورنا؛ فإما أن نأخذ بما يفرضه الواقع اليوم من معالم الحضارة والحداثة، بل وما بعد الحداثة، وإما أن تطحن آمالنا الساذجة عجلةُ التاريخ. ذلك هو الخيار اليوم، ولا خيار غيره!

فالتاريخ لا يرحم؛ ومسؤوليتنا أمامه وأمام الأجيال القادمة لكبيرة إذا أخفقنا في الإعداد لدستور يكون المنارة التي تهدي بسماحة بنوده إلى الدين القيم، دين متسامح، تعاليمه كونية وغاياته علمية؛ ذلك الإسلام الحق الذي جهله الكثير ممن تاه في ظلمات التزمت وجاهلية التحجر!

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat

iThere are no comments

Add yours

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *