ابان انتخابات المجلس التاسيسي بتاريخ 23 اكتوبر 2011 و ميلاد التحالف الثلاثي في صيغة الترويكا التي جمعت كل من حركة النهضة و حزب المؤتمر من اجل الجمهورية و التكتل من اجل العمل و الحريات,هذا التحالف الذي اجمع الملاحظون انه لا يعدو ان يكون سوى تحالفا من اجل الحكم و اقتسام كعكة السلطة لا غير دون ان يكون تحالفا على اساس برنامج و استراتيجيا توحد هذه الاطراف.

الترويكا و عبر هذا التحالف ضمنت تمرير مشاريع القوانين التي تقترحها لاحكام قبضتها على الحكم الا ان ميزان القوى و ان اختلف بين الترويكا و المعارضة من جهة فهو يختلف ايضا بين مكونات الترويكا في حد ذاتها من جهة اخرى,وهنا مكمن الصراع الحقيقي.

اول الغيث قطرة كان مشروع تنظيم السلط العمومية و مسالة صلاحيات رئيس الجمهورية و التي ندد بها لقلتها و محدوديتها عديد نواب المعارضة حينها و من بينهم النائب احمد نجيب الشابي و الذي لام حزب المؤتمر في مداخلاته حينها و التي ساندت مشروعا يجرد منصب رئيس الجمهورية من جميع صلاحياته و تجعله مجرد صورة ,واعتبرها مهزلة ستخلق حزب سياسي متغول ينسج على منوال التجمع على حد تعبيره .

وكان تعليق محمد عبو عن حزب المؤتمر يصب في خانة ان حزبه يؤمن باقتسام السلطة التنفيذية و يؤمن ايضا بوجوب التنازل في السياسة للحليف الاغلبي و يعني بذلك حركة النهضة و التي تحمل تصورا برلمانيا للنظام السياسي في تونس.

حركة النهضة و في برنامجها اوضحت انها قلبا و قالبا مع النظام البرلماني و عللت ذلك بوجوب تجاوز الصورة النمطية التي كرسها كل من بورقيبة و بن علي لمنصب رئيس الجمهورية ,الى جانب وجوب التفريق بين السلط وضمان عدم تغول السلطة التنفيذية و هيمنتها على السلط الاخرى .

الا ان ممارساتها و بمجرد تثبيت الحكومة التي يقودها امينها العام حمادي الجبالي حاولت بشتى السبل التدخل في السلطة القضائية من جهة عبر محاولة هذا الاخير للسيطرة على المجلس الاعلى للقضاء و تهميش دور جمعية القضاة الى جانب عديد الممارسات الاخرى للتدخل على جميع الاصعدة من جهة اخرى.

كما افرغت منصب رئيس الجمهورية من جل كي لا نقول جميع الصلاحيات ولم تترك له سوى الفتات و هو ما جعل السلطة التنفيذية في شكلها الثنائي غير متوازنة بين رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية .

ولعل ابرز دليل على ذلك قضية تسليم البغدادي المحمودي التي كان بالامكان احسن مما كان لو كانت النوايا صادقة الا ان الطرفان اي رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية و عوض فض الخلاف في الكواليس خيرا التوجه الى وسائل الاعلام بتصريحات متضاربة ففي حين صرح المرزوقي بان تونس لن تسلم المحمودي,صرح الجبالي من جهته بانه ليس في حاجة لموافقة المرزوقي لتسليم هذا الاخير.

الا انه و بطلب من اكثر من مائة جمعية من المجتمع المدني الليبي بتشكيل لجنة تبحث في مدى استقلالية القضاء الليبي و جاهزية ليبيا لتلم المحمودي تطور موقف المرزوقي من الرفض الى القبول المشروط على ان يتم تسليمه اثر الانتخابات الليبية التي من شانها ان تفرز حكومة شرعية قادرة على تحمل مسؤولية ضمان المحاكمة العادلة.

الا ان طريقة و توقيت التسليم اثارت الجدل حيث سلم البغدادي دون علم المرزوقي دون ان نتطرق الى موافقته من عدمها بما ان القانون المنظم للسلطات حتى و ان كانت المسالة من صلاحية رئيس الحكومة فانه يشترط اعلام رئيس الجمهورية,في حين ان التسليم كان على حين غرة اثناء تواجد المنصف المرزوقي بالجنوب التونسي رفقة قائد الجيوش الثلاث رشيد عمار.

وهو ما جعل المرزوقي يتخبط في الفترة اللاحقة لتسليم المحمودي بين ارضاء مبادئه من جهة والتريث و تجنب التصعيد مع حليفته النهضة,هذا التخبط نستشفه من تصريحاته المتضاربة في ما يخص هذه المسالة و التي تراجعت وتيرتها بمجرد اعلان الجبالي عن تفهمه لقرار رئيس الجمهورية باقالة محافظ البنك المركزي ,وهنا احس المرزوقي ان في ذلك حفظ لماء الوجه.

الا ان تطور رياح الاحداث لا يفضي ضرورة الى ما اشتهته سفينة المرزوقي,خاصة امام ما شهدته نقاشات المجلس التاسيسي يوم امس و التي نالت من كفاءة المرزوقي و مستشاريه القانونية في اصدار القرارت وعدم ادراكهم و تمكنهم من ابسط الشكليات.

اضافة الى كل هذه المعطيات لا يجب ان ننسى تصريحات المستشار المتخلي لرئيس الجمهورية ايوب المسعودي و التي كشفت خفايا و كواليس العلاقة اللامتوازنة بين رئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية.

في الختام ان ما تشهده المواقع الاجتماعية من جهة و الصحف ووسائل الاعلام من سلاسة غير معهودة و غير مسبوقة في استهداف شخص الرئيس بصفة خاصة و منصب الرئيس عموما مما جعل المواطن التونسي يكسر بل يحطم حاجز الهيبة التي كانت تحيط بهذا المنصب.

دون ان انسى تعامل وسائل الاعلام مع انشطة رئيس الجمهورية على غرار التجاهل الذي احاط بزيارة المرزوقي هذه الايام الى جمهورية فرنسا و الخطاب الذي نال استحسان العديد في حضرة المجلس الوطني الفرنسي في سابقة هي الاولى من نوعها لرئيس جمهورية عربي.

جميع هذه الحيثيات مجتمعة تطرح تساؤلا مشروعا يتعلق بمن له مصلحة في نزع الهيبة عن منصب رئيس الجمهورية خاصة وانه باستطاعتنا نزع القداسة عنه و كسر حاجز الخوف دون ان ننزع عنه الهيبة …كما يمكن ان نقول باننا عشنا مع بورقيبة و بن علي نظاما رئاسويا بامتياز و بذلك لا نظلم النظام الرئاسي كخيار ممكن و فعال اذا ما لم يسعى الحكام الى هرسلته و تحويل و جهته؟
كما يطرح السؤال ايضا حول تواجد المرزوقي في هذا المنصب و الذي قد يكون بغاية ضرب عصفورين بحجر واحد اي المرزوقي و رئاسة الجمهورية في نفس الوقت وهنا يكون المنصف المرزوقي كبش فداء ,لكن لمن ؟