Les articles publiés dans cette rubrique ne reflètent pas nécessairement les opinions de Nawaat.

بقلم رضا السمين
يمكننا تلخيص المشهد السياسي اليوم في خمسة مشاكل كبرى: 1ـ ضعف إستراتيجية النهضة وحلفائها والأداء الجماعي السياسي الرخو والمتذبذب في جوّ من عدم الثقة. 2ـ توتر شديد للمعارضة أحيانا حدّ الهستيريا وواضح أنها تتمنى فشل الترويكا بأية طريقة لتنصّب نفسها منقذة للبلاد. 3ـ وضع اقتصادي يتدهور بسرعة فائقة إلى حد يهدد بالكارثة مع وجود نسبة كبيرة من التونسيين الذين عبروا عن رفضهم للانخراط في التغيير بعد الثورة (نسبة غياب التصويت في 23 أكتوبر). 4ـ إعلام الإشاعة السمعي البصري وأضراره الفادحة والحملة الشرسة للإعلاميين الفاسدين الذين ينشرون فوضى الهواجس في المجتمع طيلة أيام الأسبوع لإثارة الفزع بين المواطنين، بقصد أو بدونه، ولا ننسى أنّ استراتيجية النظام المخلوع اعتمدت على تهميش الكفاءات وتعويضهم بـ”صحافيين” لا تتوفر لديهم لا الحرفية ولا الشخصية. 5ـ نسبة هامة من الشعب يغلب عليها عدم التحضر والأنانية، وهي تريد أن تحقق مطالبها آنيّا حتى وان اشتعلت البلاد، مع إقرارنا بوجود جو من البؤس الحقيقي وعدم الأمان لدى نسبة ربما توازي الثلث من السكان.

زائد كلّ هذا هناك المشاكل العنيفة التي تعيشها بلادنا وتشترك في همومها مع بقية بلدان العالم مثل تفكك الأسرة، المرض والجهل والفقر وارتفاع معدلات الجريمة، تلوث البيئة والحروب والكوارث، المسألة اليهودية والصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين، الانحراف في تسخير العلم والمعرفة وأزمة المنهج التجريبي، الهجرة السرية القاتلة وهجرة الكفاءات المدمرة، الأزمة المالية المعاصرة.

أمّا الهول الأكبر فهو التعليم، يقول عبد الله العروي يمكنك أن ترتكب أخطاء في الاقتصاد ويسهل بعد ذلك إصلاحها أما إذا ارتكبت أخطاء في التعليم فإن ذلك يتحول إلى كارثة يصعب إصلاحها لعقود… وفي بلادنا الخيار السياسي للنظام المخلوع كان قائما على “النجاح بالجملة” مما أنتج مئات الآلاف من الخريجين دون أفق تشغيل وبشهادات تكاد لا تساوي شيئا في سوق التشغيل ولا في أي مكان… فتصبح العائلات القليلة القادرة على إرسال أبناءها للخارج هي وحدها التي تستطيع الخروج من الحلقة الجهنمية المغلقة. وكمثال نجد أنّ المعهد الفلاحي يقذف تقريبا 700 مهندس سنويا ! في حين أنك لن تجد أكثر من 10% من الفلاحين القادرين على توظيف مهندس بمليون شهريا، مما يعني أنهم كلهم ذاهبون للبطالة، وهو ما يؤثر أيضا وتبعا لذلك على نوعية التكوين إذ أن الأفق مسدود… زد على ذلك أنّ هشاشة التكوين خلق مقاومات لإصلاح التعليم سواء من المدرّسين أو النقابات أو العائلات…
وإذا أضفنا وجود “تآمر” على الثورة وقابليّات للانفعال بذلك التآمر، اتضح أكثر المشهد.

ما العمل ؟ هناك مقاربات ممكنة كثيرة وما يلي إحداها لا أكثر ولا أقلّ:
علينا أوّلا أن نفكر وأن نتصرف «استراتيجيا» كى نتخذ الإجراءات التى تبعدنا عن النماذج التي حوّلت نظامها السياسي إلى «كهنوت» مثل بلاد الخليج، أو «عسكرتاري» مثل باكستان، أو «انقلابي» كالجزائر بعد 1992، أو «عصبية الفشل الدائم» كالسودان، أو إلى بيئة سياسية واقتصادية هشة مثل اليونان. وكما قال صلاح الدين الوسلاتي “حان الوقت لمراجعة النفس، لأن الأمر يتعلق بمستقبل البلاد، فالنجاح والفشل يعنيان جميع التونسيين، إننا في سفينة واحدة في أعماق البحار، ولا ينبغي أن ننتظر النجدة من أحد، كلهم سيتابعون المشهد عبر الأقمار الصناعية لدراسة “الحالة التونسية” والخروج باستنتاجات وكأن تونس مخبر تجارب” !
ثانيا الوعي بأنّ عالمية الأزمة تستدعي عالمية الحل… والبحث عن التعاون مع كل القوى في العالم حول أيّ قضية معيّنة تهمّنا دون اشتراط التناغم حول كل المسائل.

ثالثا تحقيق الإصلاحات المؤسساتية والاستعداد السياسي والنفسي لدفع ثمن ذلك، دعم السلم الأهلي والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، تعزيز بناء منظمات المجتمع المدني وجمعيات المجتمع الأهلي، إصلاح النظام الأمني، استعادة الأموال المنهوبة ومناقشة مسألة الديون الخارجية، دعوة الجالية المقيمة بالمهجر بأجيالها المختلفة لإشراكها في عملية التنمية، والعمل بكل الوسائل لتقديم المساعدة الإنسانية الفورية للأشدّ فقرا وحاجة، وتحسين التواصل السياسي مع الناس سواء بالنسبة للحكومة أو للمعارضة، وينبني ذلك خاصة على تقديم “شخصيات” سياسية قوامها تكامل الرؤية والخطاب والحسّ بالمشاكل الفعلية للناس.

رابعا تكثيف المقترحات العلنية لمناقشة كيفية التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر وتشجيع قيام الشركات المتوسطة والصغيرة والتعاونيات، وحوار اجتماعي موسع من أجل ابتكار السبل لتوفير فرص العمل للشباب في المناطق الفقيرة، ودعم سبل الحفاظ على الموارد المائية والمواد الأولية. «التخطيط السياسيّ» وبناء الاستراتيجيّات، واستشراف المستقبل، وما إلى ذلك من علوم ووسائل وأدوات لا يمكن بناء سياسات ناجحة دونها. وأن نعلم أيضًا أنّه مهما بلغت قدرات الآخر التخطيطيّة والعلميّة والماديّة فإنّ الله أقوى وأكبر، وأنّه قد يمكر الماكرون ويمكر الله ويُفشل خططهم، وما أكثر النماذج التي خطط وقدّر الآخر فيها ثم جاءت الأمور على خلاف ما قدر ومكر، وعلى المؤمن أن يستحضر دائما أنّ الله -سبحانه وتعالى- ما خلق السموات والأرض إلا بالحق، وأنّ الأرض يرثها الصالحون الذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادًا، وأنّ العاقبة للمتقين في التدافع بين الحق والباطل… بين الحق والظلم.

خامسا الجمع بين القراءتين، قراءة الوحي وقراءة الواقع. ومعرفة أنّ توحيد الله، تزكية الإنسان، والعمران في الأرض… هو الهدف الأقصى للإسلام. وأن لا إكراه في الدين، وأنّ القرآن هو حافظ رسالات الله، وبناء الوعي القرآني وتفعيل مفهوم الأمّة الشاهدة… أي الاستقامة والوفاء بالعهود.
فهل أنتم منتهون عن الثرثرة السياسية والنعيق حول الحداثة أو الهوية ؟