Crédit photo Hamideddine Bouali
بدأ المجلس الوطني التأسيسي هذا الأسبوع عمله الأساسي والذي أنتخب من أجله ألا وهو صياغة الدستور وكان خلال الأسابيع الفارطة قد ركز مختلف اللجان التأسيسية ووضع هيئات الإشراف وتنظيم هذا العمل
وتتواتر التصريحات هنا وهناك التي تؤكد ضرورة تفعيل روح الوفاق الوطني عند صياغة هذا الدستور وهي تعبر عن وعي تاريخي بأهمية وخطورة هذا العمل الذي لا يصح إنجازه بآلية الأغلبية لأنه لا يهم حزب بعينه أو ائتلاف
أحزاب وإنما هو عمل يهم كامل المجموعة الوطنية على مدى أجيال متعاقبة وكل هذا يبعث الأمل في قدرة المجلس على انجاز مهمته التاريخية بما يستوجبه ذلك من روح المسؤولية هي في مستوى التطلعات الوطنية

وفي جدل حول مشروع دستور تداولته مواقع اجتماعية ونسبته لحركة النهضة وينص في أحد فصوله أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع و أعلن السيد الحبيب خذر المقرر العام للجنة صياغة الدستور أنه لا يرى مانعا في تواجد هذا الفصل في الدستور المرتقب كما أعلن السيد الصحبي عتيق رئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة بأنه سيدافع على هذا الفصل رغم أنه موضوع خلاف داخل الحركة
يجب أن نسجل هنا أن وجود خلاف حول هذا الفصل داخل حركة النهضة والذي سيشهد مثله المجلس إنما يدل على إمكانية تناوله من الناحية السياسية بحيث يتم استبعاد كل تصادم عقائدي واستقطاب إيديولوجي من حيث أن هذا الفصل لن يكون الموقف منه مؤيدا أو معارضا هو موقف من الإسلام كما سيروج له كل الذين داخل المجلس وخارجه يسعون لتشويه موقف معارضيهم وهم في الحقيقة يبتغون السطو على الدستور لتحويل محتواه إلى غير ما هو في سياق الثورة كخطوة أولى لمخطط هدفه الانقلاب على المسار التحديثي لبلادنا

كل الشواهد تدل أن الجدل سيحتدم حول هذا الموضوع وإذا عجزنا على إبقاء هذا الجدل في دائرة المجال السياسي والفكري فإن أي من طرفي الجدل لن يحقق شيئا لفائدة الدستور وإنما سيفتحان الباب الجهنمي للمزايدات على العقيدة والتجييش الإيديولوجي الذي لن يكسب منه إلا القوى المتشددة والمتربصة والتي يستوي أمامها هذا وذاك وهي تدفع نحو افتعال معارك لا تبقي ولا تذر
وهذا ما يفرض على كل الأطراف الحرص كل الحرص على أن ما يتوفر حولها التباين أو التوافق أو التعارض في كل المسائل المتعلقة بصياغة الدستور هي خطوط سياسية وفكرية لا علاقة لها بالمقدس الديني الذي هو محل إجماع وطني وهي تدخل في دائرة مقابلة وجهات النظر ومقارعتها بغاية فرز وتأليف ما هو أنسب وما هو أضمن لفائدة دستور ديمقراطي يكون في مستوى قيم الحرية التي أتت بها الثورة
لنقل مباشرة أن التنصيص في الدستور غلى أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع لا يستند إلى مبرر مقنع وهو مدعاة للكثير من التحفظ ذلك أنه ومن الناحية المنهجية لا يوجد مصدر أساسي أو مصدر ثانوي للتشريع بل هناك مصدر واحد و وحيد للتشريع هو المجلس التشريعي وهذا مستمد مباشرة من مبدأ سيادة الشعب الذي هو متفق عليه بالإجماع ثم أن وجود هذا الفصل يفترض وجود هيئة إلى جانب المحكمة الدستورية تراقب مدى مطابقة القوانين لمصدرها –الشريعة- وهذا ينجر عنه إشكال دستوري لأنه سيخضع مشاريع القوانين إلى سلطة موازية لا وجود لها في الدستور ولا يمكن الاتفاق حول وجودها ومهامها ومرجعياتها

أن الشريعة لا تعني في هذا السياق مجموعة مبادئ تعتمد التعاليم الإسلامية في حفظ الضرورات الخمس :الدين والعقل والمال والنفس والنسل يمكن و يجب على التشريع أن يستلهم منها ويهتدي بها عند وضع القوانين لفرض الأمان وإقامة العدل وإنما هي أصبحت شعارا سياسيا ترفعه تيارات دينية متطرفة لها قراءات مختلفة ومتعارضة للإسلام بحيث انحصرت الشريعة في ذاتها حول منظومة أحكام وضعها الفقهاء لمعالجة قضايا اجتماعية في وضع تاريخي وثقافي محدد وأسقطها تطور الواقع الاجتماعي ومن ضمن هذه الأحكام مجموعة من الحدود هي اليوم في تعارض تام مع قيم حقوق الإنسان والحرمة الجسدية للفرد هذه القيم التي أصبحت محل توافق وطني شامل
هل أن التنصيص على الانتماء الحضاري والثقافي للشعب يستلزم وجود هذا الفصل؟ و هل أن استبعاد هذا الفصل من الدستور معناه استبعاد الإسلام من الفضاء الاجتماعي ؟ هذه هي نوع الأسئلة التي تساعد على تناول هذا الموضوع
أن يتضمن الدستور تحديد الإطار الأساسي للتوجه الحضاري والثقافي المنسجم مع الهوية العربية الإسلامية للبلاد فذلك أمر مؤكد و يضمنه الفصل الأول من الدستور السابق والذي يجب إدراجه في الدستور الجديد

كذلك أن يتضمن الدستور مرجعية ما في الإسلام من قيم وتعاليم تدفع نحو العدل والحرية فذلك مشروع تماما ويمكن ان تتضمن التوطئة كل ما جاء في توطئة الدستور السابق من :
إقرار بأن هذا الشعب الذي تخلص من السيطرة الأجنبية بفضل تكتله العتيد وكفاحه ضد الطغيان والاستغلال والتخلف ( مع إضافة فقرة تقر بأن هذا الشعب تخلص من نظام الاستبداد والفساد بفضل ثورته المجيدة ) مصمم على :
– توثيق عرى الوحدة القومية والتمسك بالقيم الإنسانية المشاعة بين الشعوب التي تدين بكرامة الإنسان وبالعدالة والحرية وتعمل للسلم والتقدم والتعاون الدولي الحر
– وعلى تعلقه بتعاليم الإسلام وبوحدة المغرب الكبير وبانتمائه للأسرة العربية وبالتعاون مع الشعوب الإفريقية في بناء مصير أفضل وبالتضامن مع جميع الشعوب المناضلة من أجل الحرية والعدالة
– وعلى إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب وقوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة تفريق السلط