بقلم سعيد الجندوبي

قال تعالى : “وَجَادلهم بالّتي هي أحسن” النحل 125
وقال:”وَلاَ تسبُّوا الّذين يدْعون من دون الله فيَسُبُّوا الله عَدْوًا بغير عِلْم” الأنعام 108
وقال: “لَقَد نصركم الله في مواطِن كَثيرَةٍ ويوم حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبتكم كثْرَتكم فَلم تُغْنِ عَنكم شيْئًا وضَاقتْ عليكُمُ الأرْضُ بما
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلّيّتُمْ مُدْبِرين” التّوبة 25
وجاء في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ” إنّ هذا الدِّين متين، فأَوْغِلوا فيه برفق”..

كنت كتبتُ فيما مضى (8 مارس 2011) أنّ “الغوغائيّة هي أحد أشكال الثورة المضادّة، بل هي من أخطرها… فهاهي اليوم يشتدّ عودها خاصّة على صفحات الفايسبوك، في تكامل وتناسق مع ما حدث خلال فترة حكومة الغنّوشي التي نجحت في تحقيق جل أهدافها (خلافا لما يظنّ البعض) من تلهية للشعب تارة بالتخويف والترهيب وطورا بعمليات “كشف” استعراضية لبعض خزائن مغارات علي بابا. تلهية للشعب عمّا كانت تقوم به بالفعل ، وهي تسابق الزمن، من طمس لآثار الجرائم الكبرى للنظام وتفرّعاته اللامتناهية”…

وجاءت بعض الأحداث الأخيرة الّتي أعادتني لما كتبته آنفا قاصدا بما كتبتُ غيركم… بل أعدائكم وأعداء الثورة، ولم يدر بخلدي آنذاك بأنّني سأعودُ لمقالتي متوجّها بالحديث هذه المرّة، إليكم دون غيركم… ولتُدْخِلوا كلامي هذا في باب النصيحة.. والنّصيحة واجبة..

استفتحتُ كلامي بثلاثة آيات وحديث أحسب أنّ حفظهم والإلمام بمعانيهم، والعمل بمضامينهم قد يغني الكثير منكم عن قراءة العشرات من الكتب التي تشتغل “بقضايا” الساعة… أي علامات وقوعها… وفضل اللحية والعمامة والسّواك… وحكم النقاب… وغيرها ممّا لا يعتبر في الإسلام من لبّ الأمور…

وَيْحكم…
فهاهو الله يأمر الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم).. وما أدراك.. بحسن المجادلة.. وأنتم تتغنّون بأغاني الملاعب وبما أفرزته “ثقافة العهد الجديد”.. ألم تأتِ الثورة (فضلا عن الإسلام الذي أعتبره ثورة مستمرّة) لإستئصال مثل هذه المحتويات الهابطة..

وَيْحكم…
ألم ينهَ القرآن عن استفزاز الآخر بسبّ آلهتهم وأفكارهم وقيمهم، حتّى لا يسبّوا ويعرضوا بسببكم عمّا تدعون إليه؟ إنّه نهي بمثابة التحريم… “ولا تسبّوا”! وها أنتم تسبّون، وبالتكفير تعلون عقيرتكم.. من أنتم؟ ما درجة علمكم؟ من خوّل لكم تكفير النّاس؟ وبأيّ طريقة؟ باستعارة شعارات طاغية أسقطه شعبه لظلمه وعدوانه…
“زنقة، زنقة، دار، دار، نحن وراكم يا كفّار!”…

لقد علّمنا الإسلام وكذلك أخلاق الثورة (ولا تعارض بينهما) بأن لا نُعامِل كمَا نُعَامَل إلاّ في الخير… فيما عدى ذلك فمقياسنا قيمنا الأخلاقيّة الفاضلة لا طرق الأعداء إن تدنّت… بعضهم سمّاكم افتراءا ودناءة “حزب النهقة”… هل يجيز لنا هذا بأن ننزل لهذا المستوى فنسمّي مثلا “حزب العمّال”، “حزب الهمّال”؟ أليس في هذا تجنّي على النّاس بما فعل السفهاء منهم؟

وَيْحكم…
توقّفوا عن دعوة من لم يسعفه الحظّ في الإنتخابات “بجماعة الصفر فاصل” بل ادعوهم بأسمائهم حتّى وإن تنابزوا بألقابكم… حتى وإن سخروا من أشكالكم… حتى وإن تعرّضوا لأعراضكم… لا تعاملوهم كما يعاملوكم فتقعون في المحظور… وتصبح الكثرة… كثرة عددية لا تغني ولا تقي من الهزائم…

لقد علّمنا التاريخ بأنّ أجدادنا غزوا، قبل 1400 سنة، قلوب الناس بأخلاقهم لا بسيوفهم كما لا يزال يدّعي البعض… وعلّمنا أيضا أنّ الإسلاميين في تونس سكنوا قلوب الناس، قبل 30 عاما، بأخلاقهم لا بخرفان العيد واستعراض العضلات…