أين الأمل الذي أحدثته الانتخابات ؟ انقلب بسرعة إلى خيبة أمل تعبر عنه اتساع الحركات الاحتجاجية التي تشهدها كل جهات البلاد وما يرافقها من اعتصامات عشوائية وانفلات اجتماعي وامني لأنه لم تكن هناك رسائل طمأنة على معالجة أوضاع البلاد بما يلزم من جدية وكفاءة والتزام بالمصلحة العامة بل كانت هناك خليط من رسائل حزبية وقسمة غنائم سياسية وتصريف للشأن العام يخضع لقراءات إيديولوجية نتيجتها التراخي إزاء مظاهر الاعتداء على الحريات وتعطيل المرافق العامة وضعت هيبة الدولة في وضعيات حرجة

إذا لم نكن واعون بذلك فإن الأمور تسير نحو التدهور وكل الخوف ان يخرج هذا الوضع من تحت السيطرة
قطع الطرق وتعطيل المرافق العمومية ونهب الممتلكات واضطراب الأمن العام و كل التحركات الخارجة عن القانون يجب أن تتوقف بكل سرعة وفي سبيل ذلك يجب أن تتضافر كل الجهود التي يقرها القانون وهذه الجهود يجب أن تقتصر حصريا على أجهزة الدولة على أساس أن إعادة النظام هي من مشمولات أجهزة الأمن ولا دخل لأي مجموعات أخرى دينية أو سياسية في ذلك و أن تستثني الطرق الأمنية القمعية التي لا جدوى من ورائها و تذكر بممارسات العهد البائد

وبهدف استقرار الأوضاع يتعين على الحكومة أن تأخذ بجدية أسباب الخلل في سياستها وأن تتمعن في عوامل الفشل في تعاملها مع الرأي العام الوطني و مواطن الضعف في أدائها والفراغ في خطابها و الذي أدى بها إلى شبه عزلة عن الحراك العام في البلاد مما دفعها إلى الاستنجاد بأنصارها من الناشطين في حركة النهضة وفي جماعات أخرى ودفعهم إلى الشارع لمحاصرة الاحتجاجات وعرقلة التحركات السلمية تجاوز الخطوط الحمراء و وصل إلى حد استعمال العنف و الاعتداء على الحريات الفردية و العامة

غير أن الحكومة لم تجن من كل ذلك غير مزيد عزلتها لأن هذه الحركات الاحتجاجية تجاوزت التفسيرات الضيقة والتوقعات الخاطئة و اتسعت إلى فئات شعبية واسعة عبرت عن انسداد الأفق أمامها وعن حاجتها الأكيدة والملحة في استعادة الثقة بأن الأوضاع السياسية للبلاد تتطور في اتجاه تحقيق أهداف الثورة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية

أخطأت الحكومة في قراءة المشهد السياسي والوضع الاجتماعي أو لنقل بوضوح انها انساقت وراء القراءات السياسية الحزبية للهيئات القيادية في حركة النهضة والتي ما زالت سجينة لنظرية المؤامرة

حاولت النهضة منذ البداية تحميل المسؤولية للمعارضة في كونها ’’ تحط العصا في العجلة ’’ وتعطل أعمال المجلس’’ و ’’إرباك النهضة ’’إلى غيرها من التقييمات التي لم تكن مقنعة وفتحت الباب لتجاذبات سياسية كان لها تأثير سلبي على المناخ العام ثم توجهت إلى اتهام الإعلام بالانحياز والتعتيم التشويه و دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اعتباطية وضعها في مواجهة مباشرة مع الاعلاميين ومع قطاعات واسعة من الملأ الديمقراطي وهاهي الآن تتهم الأحزاب اليسارية ’’وفلول التجمع’’ ولم يبقى لها إلا القول ان هناك مؤامرة أجنبية ’’

بات واضحا الآن أنه لا المعارضة ولا الإعلام ولا الأحزاب اليسارية لها دور في اتساع الحركة الاحتجاجية ولا في شدة تواترها و إنما هي المطالب في الشعل التي طال الانتظار لدى أصحابها والتذكير بوضعيات الفقر والتهميش التي تعاني منها جهات بأكملها
نعم ليس للحكومة هذه ولا لأي حكومة أخرى عصى سحرية تمكنها من الاستجابة الفورية لكل هذه المطالب ولكن هناك تمش عقلاني تفتقده هذه الحكومة وعليها أن تبادر بتوخيه في تصريف الشؤون العامة والشرط الأول لذلك هو الخروج من دائرة الوصاية الحزبية فهي ليست حكومة حزب النهضة مهمتا تطبيق برنامج هذا الحزب إنها حكومة تسيير الشؤون العامة في مرحلة انتقالية وهو ما يفرض غليها التحرك في أوسع قدر ممكن من التوافق الذي يضمن ان تأخذ بالاعتبار وجهة نظر كل القوى الوطنية دون استثناء حول القضايا التي تهم مصير البلاد على مستوى المصالح الخارجية للدولة وعلى مستوى المسائل التي تهم الشأن الوطني في مواصلة الجهد لتحقيق أهداف الثورة

إن ذلك يفرض فسح المجال لإقرار خارطة طريق واضحة لمعالجة كل المطالب الملحة في إطار ميثاق وطني يمكن من بناء الثقة مع المواطن ومع الرأي العام