عندما نحاول تشخيص الوضع الحالي بالبلاد… هل يجوز طرح سؤال هام حول إجهاض المسار الديمقراطي ودخول البلاد في مصير مجهول العقبات معلوم فيه ملامح الفشل الكبير?
إذا كان التشخيص هدفه الوصول إلى نتيجة تقرب من توصيف الواقع فإن الأمر يدعونا في هذا المقام إلى استبعاد الحيثيات غير ذات الأولوية …أي دعنا نتخلص من التوصيفات الحزبية والسياسية والثورية وما يحوم حولها علنا نهتدي إلى قراءة للواقع بعيدة عن الترف الفكري والحسابات والمحاصصة الضيقة المجردة من توزيع نياشين الوطنية والثورية والإيديولوجية.
بالعودة إلى المسار الديمقراطي لابد من أن نتحلى بفرز وظيفي منهجي يخلصنا من الإرتهان للفخر والإعتزاز و من ما يحلو للتونسي ان يتباهى به من عنتريات فلا داعي الآن وهنا لإستحضار عبقرية الثورة التونسية وما يغدق به علينا المراقبون من تميز التجربة التونسية عن غيرها ، وهذا إستحقاق مشروع ليس فيه منة من احد.
ولكن هل ينبغي إن تتوقف عقارب الساعة عند نجاح حكومتي الغنوشي والسبسي رغم انتمائها للمنظومة المتقهقرة في تأمين وصول البلاد إلى بر الأمان، وإقامة انتخابات استثائية وشفافة، وروعة الشعب في تقرير مصيره ونجاح لجنة مستقلة في ادارة انتخابات حقيقية افضت إلى حكومة شرعية… و إدارة حكيمة بفضل رجالاتها استطاعت ان تؤمن سير البلاد بإتقان في احلك الظروف.. وجيش حمى الثورة ..ومجلس تأسيسي شرعي ممثل للشعب…
حين يشهد القاصي والداني بهذه الإنجازات العظيمة فأنه لا يجانب الصواب صحيح ان ما عددناه لا يشكل الا نذر قليل من ابداعات الشعب التونسي التي اختزل بها رصيده الحضاري وثقافته العصرية وتجذره وطموحه المشروع وإستحقاقاته التي افتكها بدمائه ونضالته العريقة…
ولكن كل هذه الأشجار الكريمة الثابتة لا يمكن لها ان تغطي الأشواك التي برزت الآن في بيتنا فلا مبرر أن نرى- بتعلة التفاؤل والصبر والمغالبة – الأعشاب الطفيلية والنباتات الشوكية والأشجار المتوحشة نراها زهر ياسمين واقحوان ونرى خطرا داهما سيدمرنا مجرد لعبة فيديو أطفال …
قد يرى البعض ان في الامر نزوعا نحو التشاؤم وهؤلاء عادة ما يستندون في مواساة انفسهم بأن الامر عادي وكثيرا ما يحصل البلدان التي تصنع الثورات فلا يستقر امرها الا بعد سنين وكثيرا ما تدفع الثمن غاليا وتعيش سنينا انتقالية كبيسة… ولكن ليس محتوما أن تتكرر حركة التاريخ بنفس الشاكلة.
صحيح ان مسارنا استثنائي وصحيح كذلك ان الخطوات الثابتة التي قطعناها قد اختزلت عديد المآسي والويلات وتمت في وقت وجيز جدا.. ولكن ما نعيشه الآن يفتح صفحة اخرى جديدة ومغايرة نحتاج في قراءتها تفاد مقصود لكل هذه البطولات لان الأمر عاجل وخطير فلا ينبغي ان ننسى ان سقوط رأس النظام وجزء من اركانه قد تم في ايام محدودة وحسم في سويعات محسوبة حددت مصيرنا وأفضت إلى ما ننعم به من حرية لا ينبغي ان تضيعها في ايام وسويعات محدودة فنبدع مرتين : مرة في القبض على الحرية المسلوبة ومرة في التفريط فيها… حينئذ لن تنفعنا لا الأحزاب ولا الرموز ولا العنف الثوري ولا الإيمان بمطالبنا المشروعة ولا الابتهالات غير المستندة للاخذ بالاسباب …

مكونات الوضع الراهن:

تمسكت الحكومة بحقها المشروع في قيادة البلاد وتصدرت مقاليد السلطة وانبرت تلح على اقتدراها على قيادة المرحلة رغم تعدد خصومها وهتك حرمتها في وسائل الإعلام وفي تحديها بالإعتصامات وقطع الإمدادات على شرايين الإقتصاد ونزوع عديد الأطراف المعارضة إلى فرض عصيان مدني عبر دفع إلى الأمام كل الحاجيات والمطالب الإجتماعية والتنموية والنقابية والجهوية دفعة واحدة فيما يشبه التعجيز…
كل ذلك دفعة واحدة وبتحد وعناد يطرح الإستجابة الفورية وعلى رأس كل هذا المطالب تشغيل كل العاطلين والفضاء حالا على الفقر…
ولم تجد الحكومة الا ان تمني نفسها بالصبر والسعي غير الفعال إلى اطفاء الحرائق هنا وهناك، وقد أدى بها هذا الوضع إلى الإرتباك والحيرة والتردد في مشهد تتصاعد فيه هذه الثنائية مضادة وفي هذا المسار الى اقرار ضمني بالضعف المتراكم.
لقد عاد الإنفلات الأمني يلوح بتهديده من جديد في شكل تصاعدي مما أضفى على الجو العام ضيق نفسي وخوف بليغ خاصة وأن الأمر قد يبلغ ما من شأنه ان يؤسس لسيادة الفوضى وتعطيل المرافق وشح المؤونة واضطراب السير العادي وعودة العنف المتبادل بين اطراف لعبة شد الحبل والتي تجرّ معها عديد الفئات المهمشة والتي ان عادت للعنف الأعمى فلن تبقى على الأخضر واليابس ولن يقدر احد على كبح جماحها..
بدأ يتضح جليا انقسام بليغ في الطبقة السياسية فمن جهة حركة النهضة وحلفاؤها ومن يناصرهم ومن جهة اخرى كل من يعارض الحكومة ومن تدفع به للمغالات في الإحتجاج بغية تعطيل عمل الحكومة.
ولعلّه من الأكيد التنبيه إلى ان البلاد لم تشهد في تاريخها مثل هذا الإنقسام وهو انقسام خطير ومتضاد حتى النهاية ويكاد يتحول عند الخصمين إلى قضية وجود وليس قضية اختلاف وحدود ففي الوقت الذي تصر فيه الحكومة التي تكاد تنهي شهرها الأول في الحكم على عزمها على معالجة القضايا المطروحة تتموقع المعارضة في الشق المقابل ساعية إلى عدم ادخار أية جهد لإفشال مسار الحكومة عبر تحريك الشارع ووسائل الإعلام قصد انهيار الحكومة ووضعها في مقام العاجز وغير المستجيب للمطالب المشروعة.
ان العنف الأبرز في هذا الحراك والمحدد لمصير البلاد يتعلق اساسا بالرهان الإقتصادي فلم يعد خافيا ان الوضع الإقتصادي في تقهقر يدفع به الوضع الأمني وتعطيل المنشآت الإقتصادية الكبرى منها والصغرى إلى الهاوية.
ان انهيار الاقتصاد لن يحتمل الترميم فالأمر لا يتعلق بمهاترات سياسية يمكن تجاوزها او التراجع عنها او التعايش معها . ان الأمر يتعلق بمصير البلاد ومصير الثورة ومصير الأنتقال الديمقراطي .
ان البلاد اذا تواصل هذا النهج السائد المفروض من الأطراف السياسية واطراف الحكم سيؤدي إلى كارثة بأتم معنى الكلمة . وسيجهض كل الإصلاح وسيجعل العديد يكفر بالثورة وبالديمقراطية وبالحكومة وبالمعارضة ويكفر بهذا الشعب الأبي الذي هو بريء من هذا التلاعب بالمصير بل يدفع فاتورة فشل الطبقة السياسية التي لم تؤهل نفسها لمقامها الريادي ولم تتخلص من ارثها المبني على عدم الفعل في مصير البلاد.

اخطاء حكومة الترويكا :

إن هذه الحكومة التي كثيرا ما تدفع إلى الإمام لافتة شرعيتها لم تتمكن من استيعاب أنها تتنزل في “سياق ثوري” وضمن ما يعرف “بالإنتقال الديمقراطي” وقد اقترن صعودها إلى مقدمة الإستحقاق الإنتخابي بضئالة حصة هذا الإستحقاق بالنسبة لأحزاب سياسية مسلحة بشرعية مضامينها “الديمقراطية” “العلمانية” و”الحداثية” وخبرتها في الشأن العام سواء على المستوى التقنوقراطي أو بإنفتاحها وشراكتها الضمنية مع المحيط الدولي “المتدخل” في الشأن التونسي عبر شراكة تاريخية حقوقيةواقتصادية وثقافية تقليدية وعريقة.
وهذا الأمر ذهب بالبعض إلى أن الناخب التونسي تمت مغالطته وتحفيزه عبر وعود “وهمية” من جهة وعبر استغلال مجحف لعاطفته وعقيدته الدينية و تمسكه بهويته العربية الإسلامية. كما أن الناخب يوصف من قبل الفاشلين “إنتخابيا” بعطفه على الذين عانوا الويلات في السجون والمنافي دون إدراك انه بذلك يؤهلالبلاد للإستبداد بالحكم. وهذه الخلفية بغض النظر عن مصداقيتها ومدى صحتها تشكل جزء قائم في عقلية نخب سياسية لها امكانات التأثير في الواقع.
ونلخص فيما يلي ما نراه أخطاء جسيمة وقعت فيها الحكومة وربما حركة النهضة على وجه أدق.
1 ) سوء التقدير في استعجال الصعود للحكم رغم حساسية المرحلة التي يعرف مسبقا انها لن تصمد امام طلبات الشارع والحاجيات الملحة المتراكمة طيلة نصف قرن في ظل عدم وجود استقرار حقيقي وعجز عن فرض هيبة الدولة ويقترن كل ذلك مع خصوم لهم من المبررات والحسابات والخبرات والمصالح والعقائد الإديولوجية ما يدفعهم إلى عرقلة فعالة للحكومة.
2) عدم إدراك حقيقة الوضع الإقتصادي الموروث والذي من السهل تقدير تقهورة نظرا لمرضه الهيكلي وللمفعول الرجعي للخيارات الخاطئة ولسهولة تعطيل سير المنشآت التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد في مستوى الموارد… ومعلوم أن فشل الخيارات الإقتصادية يؤدي حتما وأد كل الأحلام بالحرية والديمقراطية والكرامة.
3) عدم الإعتماد في تشكيلة الحكومة على خبراء وتقنوقراطيين محاييدين وكان هذا الخيار يمكنان يجنب التجاذبات الحزبية والصراعات الإديولوجية والمصلحية التي يمكن أن يؤدي تصاعدها إلى نفق مظلم لا يلوح فيه الا اجهاض المسار الديمقراطي .
4)عدم احكام ادارة شراكة وظيفية وسياسية متكاملة بين احزاب الترويكا فقد ظهر نزوع نحو محاصصة سياسية في الحقائب الوزارية نزعت نحو ارضاءات مرتجلة تكرس توافق آني لا يحتوي على مقومات الإستقرار.
كما يبرز تعامل مبني على غياب الثقة بين اطراف الإئتلاف فيما يتعلق بحقائب وزارات السيادة في حين ان وزاراتي الداخلية والخارجية تحتاجان إلى وفاق وطني لما تتضمنانه من ألغام ودسائس وحساسيات.
5)المراهنة في ميزانية الدولة على خيارات ذات طبيعة تنموية والتركيز على مشاريع يتطلب انجازها ثلاثة سنوات على الأقل، وهذا لن يحقق آنيا انجازا ملموسا على الأرض ولا يمكن للأفواه الجائعة والأنياب البارزة أن تتفاعل معه ايجابيا. وذلك في الوقت الذي يمكن فيه التركيز على الأسعاف الإجتماعي وترك البعد التنموي متوسط المدى وبعيدة إلى الحكومة المقبلة.
6)العجز عن ارساء الحدّ الأدنى المطلوب من هيبة الدولة وبسط مقومات الأمن والاكتفاء بتبني خطاب يبالغ في التفهم وغض الطرف عن الخروقات الكبيرة وعن اضرار الممتلكات الخاصة والعامة وهذا من شأنه ان يؤسس لهيمنة العنف وإنفلات امني قد يقود البلاد إلى الهاوية.
7) على الصعيد الدبلوماسي برزت خطابات ومواقف غير متجانسة خاصة فيما يتعلق برئاسة الدولة واخطرها ما يخص الشأن الجزائري في اضفاء الصبغة الرسيمية على زيارة رئيس حكومة حماس ومشاكسة فرنسا…
8)عدم القدرة على ادارة المعركة الإعلامية والتذبذب في إتخاذ قرارات ذات علاقة بالإعلام خاصة وقد بينت وجود خلل كبير في النسق بين اطراف الترويكا.

طبيعة الجبهة المضادة للحكومة :

تتكون الجبهة المضادة للحكومة من عدة اطراف غير متجانسة تلتقي في تبني “التصدي” للنهضة لا حكومة ولا حزب وانما كظاهرة تتصدر مشروع الإسلام السياسي وترى هذه الأطراف ان الطبيعة العقائدية للطرف الإسلامي ومكوناته وازداواجية خطابه واجندته تتناقض مع المشروع الديمقراطي الحداثي ويلخص هؤلاء موقفهم بان الاسلاميين ” مرضى ومعقدين وغير جديرين بالشأن السياسي “…ولكن الأطراف التي اختارت لنفسها المعارضة غير متجانسة وهي تحاول ان تجمع نفسها قسرا في صفين :
-صف يضم الطبعة الجديدة للتجمع المنحل شكلا وفيها الدساترة وتجمعيين فاعلين لم يتوفر ما يبرر إقصاءهم من الساحة السياسية وهذا الشق يحاول اعادة صياغة نفسه باستقطاب عدد من المستقلين واحزاب المعارضة القديمة المصنفة ضمن الوسط او وسط اليسار وهذا الحراك خاضع لعديد التواقعات والأخذ والرد بإعتبار غياب التجانس في الطرح والأجندة وصعوبة الإستجابة للإرضاءات في الزعامة والهيكلة خاصة عندما يتعلق الأمر باندماج احزاب… ولعل ابرز ما يراهن عليه الفاعلين في هذا التمشي تأسيس تكتل يتزعمه السبسي في إطاره الإستفادة من خبرته وصورته الإيجابية والعمل على تلميع صورته من جديد.
-الصف الثاني : يضمّ الأحزاب والحركات والشخصيات اليسارية التي حاولت الإلتجاء “لرادكيلتها ” والبحث عن انقاذ الوضعية مادامت صناديق الإقتراع لم تسعفهم حتي بتمثيل نسبي بحفظ ماء الوجه ويضمن حد أداني من التأثير في الخيارات الوطنية.. ولعل الأمر الأكثر “فضاعة” بالنسبة لهؤلاء يتمثل في صعود تيار “لاهوتي” لا يؤمن بالديمقراطية ويمكنه ارساء “دولة دينية ” تيوقراطية مما يحتم ان يكون التصدي لهذا المد “واجب وطني” في “وضعية ثورية” تقتضي تصحيح المسار عبر التصعيد وتبني سياسية “الارض الممروقة” لإنقاذ المسار الديمقراطي ومن هنا يتعين تقديم التضحيات الممكنة وتجاوز الخلافات والتناقضات الداخلية .
ولعله من المفيد في عرض هذا الاصطفاف الإشارة إلى وجود عدد مهم من الرافضين لمشروع النهضة ولا يمكن تصنيفهم لا ضمن اليسار ولا ضمن النسخ المتجددة للتجمع، وهؤلاء يتموقعون اما ضمن ما يعرف بالمستقلين او الخبراء او اكادميين كما يمكن ان تعتبر انصار التيار القومي العروبي بصدد البحث عن التموقع في هذه الخارطة الجديدة مع اعتبار انهم بدورهم ينقسمون إلى عدة اتجاهات لم تبد في الأفق القريب بوادر التفاهم ولكنهم يكتفون بمعارضة الجميع .
ولعله من البديهي التذكير انه لا احد يمكن ان ينكر على المعارضة معارضتها فلا حديث عن الديمقراطية والحرية في غياب توازن ضروري بين من يحكم ومن يراقب فضلا عن حرية كل طرف في التعبير بما يراه مناسبا عن مواقفه وارائه ضمن قوانين ونواميس وتقاليد تؤطر هذه الحرية وبضرورة التحلي بالمسؤولية والمصداقية التي من شانها ان تؤسس فعليا لبناء الإنتقال الديمقراطي ولا تعرض البلاد إلى اجهاض الحكم الذي ناضلت من اجله الأجيال ولعله يجانب الدقة من يحتمي – لدحر هذا الخطاب – بمجرد التلويح ان هذا الخطاب يوظف عادة لتكريس الأستبداد وتبرير القضاء على الخصوم. فلا احد بإمكانه ان ينكر ان للوطن مصلحة ينبغي حمايتها وللمرحلة متطلبات ينبغي مراعاتها دون “دمغجة” من هذا الجانب او ذاك ولا يمكن للحرية والكرامة ان تتحول الى حجة تبرر التحريض الضمني على العنف.
ويمكن الإشارة إلى بعض المستويات التي اخطأت فيها اطراف من المعارضة نوردها فميايلي :
1)تبني خطاب معارض تماما لكل ما تطرحه الترويكا والمبالغة في اتهامها بالإستبداد ونفي استحقاقها وشرعيتها ومحاججتها بالشىء وضده كأن تعيب على الحكومة عدم تقديم برنامج اقتصادي واجتماعي واضح من جهة وتعيب عليها تقديمهما لبرامج اجرائية بتعلة انها حكومة انتقالية وأن المرحلة انتقالية فحسب مخصصة لصياغة الدستور.
2)توظيف الجبهة المعارضة للحكومة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة عامة وخاصة في إثارة اصحاب الطلبات الإجتماعية وتبنيها ومطالبة الحكومة للإستجابة لها فورا وتحفيز المحتجين على اعتماد كل الطرق للضغط على الحكومة والوقوف عند حجج ان الحكومة لم تحقق شيئا ملموسا على الأرض والحال انها لم تستلم مقاليد الحكم الا خلال ايام معدودة وقد حوكمت حتى قبل مباشرتها للحكم كما نضمن توظيف الإعلام ماهو اخطر من ذلك خاصة فيما يتعلق بعكس صورة سوداوية قاتمة على وضع البلاد متضمنة انفلات امني وعصيان مدني يعمها الدخان والفوضى في كل نواحيها وهذا من شأنه ان يعكس صورة للخارج تكرس فشبل المسار الديمقراطي وتهرّب كل من يفكر في الشراكة والتعاون والاستثمار..
كما ان الجانب الديبلوماسي يتضمن مبالغة المعارضة في إظهار التدخل الداخلي والخارجي في الشأن التونسي بما يمس من السيادة الوطنية خاصة فيما يتعلق بدولة قطر وبالولايات المتحدة وغيرهم من الشركاء.
3)سعي جبهة المعارضة وحلفائها الى دفع اطراف في المجتمع المدني من حقوقيين ونقابيين وجمعيات مختلفة الى الدخول في صراع مع الحكومة لا يستند في كثير الأحيان إلى وقائع مبررة والتركيز في ذلك على المناطق المنجمية .. ومرافقة زيارات اعضاء الحكومة ورئيس الدولة إلى المناطق الداخلية بخطط تفشل مسعى الحكومة واهانتها ومثال ذلك ما حصل في قفصة والقصرين وغيرها… وان كانت المعارضة تنأي بنفسها عن هذه التهمة وتتبنى خطابا لا يحرض على العنف فأن سلوك قواعدها المنظم بالجهات يضع بعض الأطراف في منزلة ذوي الخطاب المزدوج.
5)دخول المعارضة في حملة انتخابية للإنتخابات المقبلة بأسلوب لا يراعي تقاليد الصراع الديمقراطي المتعارف عليها والحال ان المعارضة تتناسى ان سير البلاد في هذا الإتجاه من شأنه ان يفسد الأمر على الجميع و لايفتحه الا لدكتلتورية جديدة مجهولة العواقب.

من يجهض المسار :

ان الطبقة السياسية ونخب الأديولجيا والسياسة مسؤولون كل المسؤولية عن ما نحن سائرون اليه وهذا الأمر يشمل كل الأحزاب على السواء من هم في المعارضة ومن هم في الحكم و يشمل القائمين على المشهد الإعلامي البائس.
ان حركة النهضة وحلفاؤها كان حري بهم ان يستقرؤوا الوضع على حقيقته ويتنازلوا عن حقهم الشرعي في الحكم ويلتقون على حكومة تقنوقراط ولهم في السطلة التشريعية ما يمكنهم من تعديل مسار الحكومة وتحقيق الأولويات وذلك ليس عجزا في إدارة البلاد ولا وفاء الإنتخابات اصلها تأسيسي … ولكن ادراكا منهم لخطورة المرحلة ومتطلباتها التي لن تسمح بحزب او احزاب بتصدر دواليب الحكم حيث من البديهي ان يكونوا مرمى لسهام المعارضين وهدفا لمطالب الجائعين. فالمرحلة لا تحتمل حكومة الأحزاب
-إن خطأ احزاب الأغلبية الكبير ليس اقل وطأة من فشل المعارضة التي لم تعترف بصناديق الإقتراع وكفرت بالديمقراطية واصبحت تعارض كل شيء وتشاجر بمطالب “الغلابي ” وتمعن في دفع البلاد إلى الهاوية وتعتمد في تبني سياسة الأرض المحروقة رغم انها لا وزن حقيقي و لها في الشارع ولكنها تعلم ان قلة قليلة من “المتمرمدين” يمكنهم قطع الطرق وتعطيل عجلة الإنتاج وخلخلة الأمن “كل ذلك من اجل التصدي للنهضة وابطال تجربتها في الحكم الى الأبد… ولكنها نسيت ان النهضة ستجد لنفسها سبيلا ولو سقطت الحكومة وحتى لو وضعت في خانة المعارضة غير المعترف بها ولكن الشعب وحده سيدفع الثمن خاصة وأن ملامح الإقتصاد في ظل هذا التعطيل والتمرد سائرة نحو الإنهيار يومها لن تتمكن حكومة قادمة من اعادة البناء وان حاولت ستجد معارضة اخرى ستفسد عليها امرها.
ان الشعب الكريم يدفع فاتورة فساد الطبقة السياسية من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار وان الشعب يفهم جيدا خفاي الأمور ويميز بين المطالب المشروعة وبين وضع العصا في العجلة كما انه ايضا لن يتساهل مع الحكومة التي وضعت نفسها في مقام لم يحن وقته بعد ولن يغفر للمعارضة وقوفها عند حساباتها الضيقة..ومازالت البلاد تلملم جراحها فمن يرحمها.