،بقلم وليد العربي، جامعي

لأوّل مرة منذ 14 جانفي 2011، شعرت بخوف شديد وبرهبة… وقد تملكتني تلك المشاعر عشية الجمعة الأول من شهر جويلية 2011، لما استمعت لبرنامج بثّته “إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم” بين صلاتي العصر والمغرب. وقد خصّص البرنامج للتداول حول شريط “لا ربّي لا سيدي” وحول الكلام الذي كان قد قاله المفكر محمد الطالبي في شأن عائشة. ومن أبرز المدعوّين الذين حضروا البرنامج سواء مباشرة في الأستوديو أو عبر الهاتف، أذكر الأساتذة المحامين فتحي العيوني وأحمد بن حسانة ومنعم التركي والشيخ عادل كشك والدكتور نور الدين الخادمي والصحفي الناصر الرابعي… ولا أدري إن كان خوفي مبرّرا أو غير مبرّر ولكنه شعور عفوي تلقائي ولا يحتاج إلى التبرير…

بمناسبة عرض شريط “لا ربّي، لا سيدي” عشية الأحد 26 جوان 2011، في قاعة “أفريكا آرت”، والذي يندرج في إطار تظاهرة نظّمها فنّانو ومبدعو تونس تحت عنوان “إرفع يدك عن المبدع”،وبعد الاحداث التي جدت حينها اندلعت معركة كلامية وأحيانا ميدانية بين فريقين تونسيين. الفريق الأول يتكون من المثقفين الحاملين لقيم الحداثة والعلمانية والحرية والمساواة… وسأسميهم “الحداثيين”، وأنا أحدهم. أما الفريق الثاني فيتألف من المتدينين المدافعين عن التراث والأصالة… وسأسميهم “الإسلاميين”.

ميادين الخصومة

تدور رحى المعركة على ثلاث جبهات وهي الإسلام والأمر الواقع والفن. ورغم التباين الواضح بين هذه السجلات، فإن تداخلا قد يحصل بينها نظرا لترابطها الوثيق.

الإسلام هو الميدان الأول للمعركة. يدعي الحداثيون بأن كل التونسيين مسلمون وأن الإسلام في قلوبهم وأنه لا وصاية لأحد على الدين لأنه دين تسامح ومحبة…أما الإسلاميون وإن كانوا لا ينفون بأن الإسلام يقبل حرية العقيدة، فإنهم يؤكدون بأنه ليس مجرّد ديانة مائعة وإن التسامح لا يجب أن ينقلب ميوعة وانحلالا ويشدّدون بالخصوص على أن الإسلام مقدّس وله مقدّسات لا يسمح لأي كان أن يتطاول عليها. والحق أن الإسلام سواء كدين أو كثقافة أنتجها هذا الدين، يحتمل كل التأويلات. فهو يقبل التأويل التحرّري الحداثي كما يقبل التأويل الشمولي الكلياني. ولكل من التأويلين ما يسنده من الشواهد سواء تعلقت بالنصوص أو بالتاريخ. ولذا بدا هذا الميدان غير خصب، فتمّ الانتقال إلى الميدان الثاني، أي الأمر الواقع.

يتمسك الحداثيون بفكرة مفادها أن تونس نجحت في المزاوجة بين مبادئ الحداثة وقيم الإسلام السمحة وأن مسار التحديث انطلق في بلادنا منذ حوالي قرنين وأن “الإسلاميين المتطرفين قلة قليلة في المجتمع التونسي وأنها تحمل أفكار خطيرة ودخيلة على مجتمع لم يألفها. ويتمسك الحداثيون بأن حداثة المجتمع التونسي أمر واقع لا سبيل لتغييره أو التراجع عنه. ويرد الإسلاميون على هذه الأقوال فيعتبرونها مجرّد أباطيل إذ أنهم يؤكدون بأن الإسلام هو دين هذه البلاد منذ ما يزيد عن الأربعة عشر قرنا وأنه قد شكّل هويتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها” وأنه ولئن عرف التديّن بعض التراجع في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، فإن النهضة التي حصلت أواخر سبعينات القرن الماضي، هي التي غلبت فأكدت بأن التونسيين متمسكون بدينهم ولا يقبلون الظواهر الدخيلة المائعة التي يحاول بثها الحداثيون في المجتمع. ويؤكد الإسلاميون بأن إسلامية هذه البلاد، أمر واقع لا سبيل إلى التراجع عنه. والحق أن في كلا القولين شيء من الحق. فقد قدم العرب المسلمون هذه الأرض، أرض إفريقية –تونس- غزاة أو فاتحين وذلك منذ أواسط القرن السابع ميلادي. فأسسّوا فيها سنة 670 ميلادي، مدينة القيروان ولي فخر الانتساب إليها. ولكن العرب المسلمين وجدوا مقاومة شديدة من سكان البلاد البربر، ولم يستتب لهم الأمر إلا بعد ما يزيد عن القرن. في بدلياتها ، كانت القيروان تضم غالبية سكانية عربية إلا أنها تخلصت شيئا فشيئا من التركيبة القبلية لتتحول بنيتها الإجتماعية إلى بنية عائلية حضرية. وكان التخطيط العمراني للمدينة شبيها إلى حد بعيد بتخطيط المدن المتوسطية الرومانية : معبد (مسجد كنيسة ) يتوسط المدينة ، تحيط به أسواق التجارة النظيفة والدور ثم الأرباض. أما مسجد عقبة وتحفة فنية معمارية بديعة فتبدو التأثيرات البيزنطية واضحة فيه وذلك إلى جانب الطابع العقائدي الإسلامي .وعلى الصعيد السياسي ، فقد أعلن الأغالبة سنة 800 ميلادي، عن قيام إمارة متمتعة بحكم ذاتي أو مستقلة عن الخلافة العباسية في الشرق. وفي سنة 906 ميلادي، قام بإفريقية أول حكم شيعي المتمثل في الدولة الفاطمية أو العبيدية. ورغم اتخاذ الفاطميين مدينة المهدية عاصمة جديدة لدولتهم، فإن القيروان هي التي ظلت مركز الثقل الاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي… للبلاد، والعاصمة الفعلية للعبيديين بإفريقية التي غادروها سنة 975 ميلادي، في اتجاه مصر أين أسسّوا القاهرة المعزية. وقد استخلف الفاطميون في إفريقية بني الزيري أو الصنهاجيين وهم أسرة بربرية. فكان أول حكم للبربر منذ “الفتح العربي الإسلامي”. غير أن الزيريين سرعان ما أعلنوا التخلي عن المذهب الشيعي وإعادة اعتناق المذهب السني المالكي كمذهب رسمي للدولة وكان ذلك حوالي سنة 1048، فكان ردّ الفاطميين عنيفا جدّا حيث أنهم أرسلوا قبائل بني هلال ورياح وسليم وهي قبائل عربية بدوية وذلك لتأديب أهل إفريقية. فزحفت هذه القبائل على القيروان فنكبت هذه الأخيرة وهي في عزّ إشعاعها وازدهارها. وتتمثل أهم آثار هذا الزحف في تعريب البلاد التي كانت قد حافظت على اللغتين البربرية واللاتينية كلغتين محليتين وذلك إلى جانب العربية، لغة الأرستقراطية والطبقة الحاكمة وكذلك لغة الأدب. ومن الآثار الأخرى لزحف الهلاليين عودة التركيبة القبلية للمجتمع وتراجع المدن وتراجع التجارة ومسالكها وكذلك بروز الفلاحة الرعوية… وعرفت البلاد اضطرابات استمرت حوالي قرنين رغم مجيء المرابطين ثم الموحّدين من بلاد المغرب الأقصى إلى أن استقرّ الأمر سنة 1236، للحفصيين وهم من سلالة البربر.

وأهم ما يمكن أن نخلص إليه في خصوص هذه الفترة من العهد الوسيط، هو أن القيروان وهي مدينة عربية إسلامية بامتياز، كانت دائما تبحث عن الاستقلال تجاه المشرق العربي الإسلامي، فدفعت ثمن نزعتها الاستقلالية غاليا من دم أبنائها ومن شرفهم وكذلك من مجدها وإشعاعها. كما أن القيروان وهي مدينة عربية، لم تعمل على تعريب البلاد بل إنها أنتجت نمطا حضاريا يقوم على الاندماج والانصهار بين العرب والبربر فحكم هؤلاء البلاد دون حرج.

استمرّ حكم بني حفص إلى سنة 1534، تاريخ استنجاد السلطان الحفصي، مولاي حسن، بالأسبان الذين اقتتلوا مع الأتراك العثمانيين طيلة أربعة عقود، فكانت الغلبة في سنة 1574، للعثمانيين الذين حكموا حكما مباشرا مدة لا تزيد عن الثلاثة عقود ثم استأثر الدايات المراديون وهم أتراك بالحكم.وفي سنة 1705، أسّس حسين باي ابن علي وهو تونسي تركي الأصل، الدولة الحسينية التي امتدّ حكمها إلى غاية 25 جويلية 1957، تاريخ إعلان الجمهورية التونسية.وقد وضع حينهاالحسينيون أركان الدولة التونسية الحديثة. فظهرت فكرة سيادة الدولة التي جابهت بها الخارج وخاصة الباب العالي. والدليل على ذلك أن الحاكم الأول في البلاد أصبح يسمّى في القرن التاسع عشر “صاحب مملكة تونس”. كما أن المشير أحمد باي الثاني قام سنة 1846، بزيارة إلى فرنسا بوصفه رئيس دولة. وتحولت علاقة تونس مع الإمبراطورية العثمانية إلى علاقة دولية حيث أن الدولة التونسية أصبحت توفد “السفرات” إلى إسطمبول… كما برزت فكرة السيادة في الداخل فعملت الدولة شيئا فشيئا على الاستئثار بالقانون وضعا وتطبيقا، وبدأت القوانين المكتوبة تظهر في شكل أوامر يصدرها الباي وتنشر في جريدة رسمية، الرائد الرسمي، وذلك انطلاق من سنة 1860. كما أخذت الدولة في وضع يدهاعلى القضاء بتنظيمه وبتسمية القضاة. كما بدأت الدولة تعمل على محاربة العروش والعروشية… وقد نجحت إلى حدّ كبير في كل ذلك رغم النكسات والأزمات التي عاشتها طوال القرن التاسع عشر.ولكن أبرز ما حققته الدولة في تلك الحقبة يبقى إلغاء الرق في تونس سنة 1846، رغم معارضة عديد المشائخ والأئمة والفقهاء… اما الانجاز الثاني البارز للدولة فيتمثل في إصدار “عهد الأمان” سنة 1857، وهو بمثابة إعلان حقوق، ثم “قانون الدولة” المعروف باسم “دستور 1861” وبذلك برزت فكرة تقييد الحكم والحد من إطلاقيته. وقد سمّى دستور 1861 رعايا الملك “التونسيين” وسوّى بينهم وضمن حريتهم على اختلاف دياناتهم. وبذلك ظهر مفهوم “التونسي” أي المواطن كمفهوم جامع لأفراد ينتمون إلى الدولة مباشرة دون واسطة لا قبلية، ولا عائلية، ولا مهنية ولا دينية، فالرابطة الوحيدة التي تجمع الفرد بالدولة هي رابطة الجنسية. وقد كانت تونس أول بلد في العالم الإسلامي يلغي الرقّ ويصدر دستورا. وقد قامت هذه الثورة تحت تأثير الأفكار الإصلاحية لعدد من المستنرين على غرار أحمد أبي الضياف وخير الدين التونسي ومحمود قبادو سلام بوحاجب وغيرهم.ولكن الدولة الحديثة عرفت انتكاسة سنة 1881، لما انتصبت الحماية الفرنسية ففقدت بذلك الدولة جزءا هاما من سيادتها، أي السيادة الخارجية.

وتواصل المدّ الإصلاحي طيلة فترة الحماية الفرنسية فتكاثرت النصوص القانونية وأخذت شكل مجلات وتراجع دور الفقه الإسلامي والعرف، وأخذ القضاء يتوحّد تدريجيا تحت لواء الدولة. كما برزت نخبة من المثقفين أغلبهم درس في المدرسة الصادقية التي تكونت سنة 1874. وتحولت هذه النخبة إلى حركة وطنية تمكنت في 20 مارس 1956، من إعلان استقلال تونس عن فرنسا وإعادة السيادة الكاملة للدولة. ثم وبسرعة شديدة، تم انتخاب مجلس تأسيسي قصد سنّ دستور وإصدار مجلة الأحوال الشخصية وتوحيد القانون والقضاء بصفة كاملة وإلغاء نظام الملكية التقليدي، الأحباس، وإعلان قيام الجمهورية…

هذه إذن، أهم المحطات التي عاشها الحكم السياسي في تونس من أواسط القرن السابع ميلادي إلى أواسط القرن العشرين. وأهم ما يمكن أن نخلص إليه هو أن تونس رغم انفتاحها الدائم على القدوم الأجنبي فإنها كانت تنزع نحو الاستقلال وعدم التبعية. فتونس لم تكن أبدا مجرد ولاية أو إيالة أو قطر بل كانت في أغلب الأحيان دولة مستقلة. كما أنه لم تكن لتونس نزعة توسعية أو إمبراطورية فقد كانت تكتفي في أغلب الأحيان بحدودها الحالية تقريبا. كما يمكن أن نخلص إلى أن النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أرساه العرب المسلمون في أواسط القرن السابع ميلادي، عرف تطورا عبر الزمن إلى أن تغير تغييرا جذريا وتسارعت وتيرة هذا التغيير انطلاقا من القرن التاسع عشر إلى أن أصبحت الدولة التونسية دولة حديثة فقامت بتحديث المجتمع. فصارت الدولة ذات إقليم محدّد وأضحت مركزية تسنّ القانون وتستأثر بالقضاء وتؤطرالدين وتعمل على تحديث خطابه، كما ظهر مفهوم الشعب الذي يتمحور حول وحدة القانون وبرزت قيم ومبادئ جديدة كالحرية والمساواة والتقدم… وقد حصل هذا التطور نتيجة تفاعل الثقافة العربية الإسلامية الوافدة من الشرق مع الثقافة المحلية وفي خلاصة الثقافات البربرية والفينيقية والرومانية والمسيحية واليهودية… فأفرز هذا التفاعل نمطا ثقافيا طريفا بعض الشيء وعرف هذا النمط بدوره تأثيرات شيعية وأندلسية وتركية وموريسكية وإسبانية… ثم كان الاتصال بالغرب القوي المتفوّق في القرن التاسع عشر، وخاصة فرنسا، فأفرز هذا الاتصال حركة إصلاحية أثرت تأثيرا عميقا في الثقافة التونسية. وعموما يمكن القول إن النموذج الاجتماعي التونسي أقرب في جوانب كثيرة إلى الحياة اليومية للغربيين منه إلى المشارقة، بينما يقرب في جوانب قليلة إلى الحياة المشرقية وبالتالي فإن تونس متميزة عن المشرق وعن الغرب وقد تكون أقرب إلى النمط الحضاري المتوسطي ولكن شعورها الحادّ بذاتيتها يجعل منها دولة وطنية وأمّة بالمفهوم الحديث. لقد أفرز تطور التاريخ بروز الشخصية التونسية.ولكن لا يجب المبالغة في التأكيد على خصوصيات هذه الشخصية، إذ أن لها قواسم مشتركة مع الشخصية المشرقية، كما أن لها قواسم مشتركة مع الشخصية الغربية. وهي إذن، خلاصة التفاعلات بين مختلف الثقافات. وهذه عين الحداثة. وهكذا تبدو الهوية في الواقع مغايرة لما هي عليه في الخطاب . فهي متغيرة ومتطورة وغير ثابتة ، وهي مسار تاريخي ومصير ينحته المجتمع في كل يوم . فالهوية ليست إذا أمرا كان وإنقضى ، يكتفي المجتمع بتكراره .

ويمكن أن نؤكد أن الميدان الثاني للخصومة بين الإسلاميين والحداثيين أي ميدان الأمر الواقع، هو ميدان عقيم ولا يمكن أن يؤول إلى نصر حاسم لأحد الطرفين، ولذا كان لا بدّ من الانتقال إلى جبهة أخرى، فكانت جبهة الفنّ.

يرى الحداثيون أن الفن خلق وإبداع وأنه ليس مجرد كشف أو نقل أمين للواقع، وأنه على الفنان إذا أراد أن يستحق هذه الصفة، أن يأخذ مسافة تجاه الأنماط الاجتماعية والسياسية السائدة وتجاه النماذج الثقافية المهيمنة. أما الإسلاميون فإنهم يعتقدون أن الفن لا يمكن أن يكون خلقا أو إبداعا، باعتبار أن الله هو وحده المبدع الخلاق، ولا يتسنى لأحد دونه أن يختص بهذين الصفتين. كما يجزمون بأن الحضارة الإسلامية أنتجت نمطا فنيا متناغما على عقيدة المسلمين، ويقصدون بذلك خاصة الخط العربي والعمارة… ولذلك يؤكد الإسلاميون أن الفن هو مسؤولية والتزام بالقضايا “الحقيقية” للمجتمع . والحق أن قول الإسلاميون يشبه في بعض جوانبه أقوال الفلسفة الماركسية وخاصة فيما يتصل بعلاقة الفن بالمجتمع.

يحصل الاختلاف بين الحداثيين والإسلاميين حول ما إذا كان الفن خلقا وإبداعا. إذا كان يقصد بالخلق الإيجاد من العدم، فهو من خصائص الله وصفاته… أما ما يقصده الحداثيون بقولهم إن الفن إبداع، فهو التأكيد أن الفن رؤية جمالية من رؤى العالم، مستقلة عن النمط السائد وعن النموذج المهيمن. لقد بات من المتأكد اليوم أنه يستحيل على أي إنسان أن يخلق شيئا من العدم، بل إن الأمر ينحصر في تطور الأفكار والواقع المادي عبر التراكم، إلى أن تظهر عبر الزمن التاريخي، نماذج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية جديدة…، لم تعهدها المجتمعات في السابق. وإذا كان الفن مجرد التزام بقضايا المجتمع، فإنه يصبح نوعا من النضال الإيديولوجي والسياسي.أما إذا كان وعضا وإرشادا فإنه يتحول إلى خطاب أخلاقي، وأما إذا انحصر دور الفن في النقل الأمين للواقع أي في وصف الموجود، فإنه لن يختلف عن العلم.إن من أبرز “إحداثات الحداثة” أنها فصلت السجلات والمجالات فقد أحدثت شرخا داخل الوحدة النسقية التي كانت تحكم الثقافة التقليدية، وهذه الأخيرة لا حاجة لها بالفن كرؤية جمالية باعتبار عدم اختلافه عن العلم وعن الأخلاق. وهذا ما تذهب إليه تيارات إسلامية واسعة ترفض الفن باعتباره تجسيدا وتصويرا.

وهكذا، إذن نتبين أن هذا الميدان الأخير الذي تدور في رحاه الخصومة بين الحداثيين والإسلاميين هو ميدان عقيم أيضا ولا يمكن أن يكون مسرحا لفصل النزاع.

الإسلام والأمر الواقع والفن هي الجبهات الثلاثة التي تجري عليها المعركة الحالية. وبما أن هذه الميادين لم تمكن من فصل النزاع نظرا لتباعد الرؤى واختلاف الأفكار اختلافا جذريا جوهريا، فقد سعى الإسلاميون إلى نقل المعركة إلى ميادين أخرى، الشارع والقضاء ،معتمدين الترهيب كمنهج .

خطاب ترهيبي

كنت قد أسلفت القول أنني شعرت برهبة لما استمعت للبرنامج الذي بثته “إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم” عشية الجمعة 1 جويلية 2011 والذي خصص للردّ على شريط “لا ربي، لا سيدي” وعلى كلام الأستاذ محمد الطالبي إلا أن المشاركين في ذلك البرنامج لم يجيبوا في الأصل، بل راحوا يسبّون ويشتمون مخرجة الفيلم “نادية الفاني” ومحمد الطالبي” فنعتوا هذا الأخير “بالسفيه” لا بالمعني القانوني وإنما بالمعني العامي للكلمة وسموه “أبا جهل” ووصفوه بأنه شيطان وقالوا عن نادية الفاني إنها صاحبة المظهر البشع… وعموما لم يبق في ذهني سوى السبّ والقذف والثلب كما ذكروا بسوء ألفة يوسف وعبد المجيد الشرفي وكلية الآداب بمنوبة… وسموهم جماعة إبليس .

أما في الأصل ، فقد قدم عديد الإسلاميين أومن والاهم كالمفكر سامي براهم والأستاذ أبو يعرب المرزوقي في محطات أخرى ، دروسا للحداثيين في معنى الحداثة والديمقراطية ولا أظنهم مؤهلون لذلك فالمنطق القائل بأن الحداثة يجب أن تنبع من المجتمع لتكون مشروعة ومقبولة لا يستقيم ،لأن التاريخ يثبت أن ظهورالحداثة داخل مجتمع ما يترتب ضرورة عن إتصاله بمجتمعات أخرى أي عن المثاقفة .

كما تمسكت “جماعة إذاعة الزيتونة ” بقانون قاسّو الفرنسي لسنة 1991 الذي يجرم مراجعة أرقام المحرقة اليهودية ، وذلك لتبرير فكرة أن لكل مجتمع مقدساته . وأشير هنا أن هذا القانون وضع في ظروف خاصة القصد منه الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفرنسية ولا صلة له بالقداسة . والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو الآتي : ماذا لو تم نسخ هذا القانون الذي طالم إحتج به الإسلاميون ؟ هل سيصبح حينئذ “المسّ من مقدسات المسلمين “أمرا جائزا ؟

كما حددت لنا “جماعة إذاعة الزيتونة ” قائمة في المقدسات التي لا يجوز لأحد التطاول أو الاعتداء عليها. ومقدسات المسلمين على حد قولهم تتمثل في الله والرسول والقرآن. وتم تحديد هذه القائمة استنادا إلى الآية 65 من سورة التوبة، مع أن الآية لا تفيد تحديدا ما ذهبوا إليه ولا تعطي لأي كان الحق أو الصفة للدفاع عمّا ذكرته من “مقدسات” ثم ما المقصود تحديدا بالقول إن الله والقرآن والنبي مقدسون؟ فهل أن التساؤل مثلا عن صفات الله يعدّ مسّا من قداسة الذات الإلهية؟ وهل أن طرح الإشكال المتعلق بخلق أو عدم خلق القرآن، يمثل تطاولا على الكتاب المقدس؟ إن الآية المذكورة تنكر فقط السخرية والإستهزاء و لا ترتب عليهما عقابا دنيويا. ثم هل أن هذه القائمة نهائية؟ أي هل يجوز مثلا المس من الملائكة؟ لا تجيب الجماعة المتحدثة في إذاعة الزيتونة عن هذا السؤال ولكن يبدو منطقها منغلقا وأن قائمة المقدسات فيه أطول بكثير مما شملته الآية. فالمشاركون تحدثوا عن ضرورة احترام زوجات النبي والصحابة وأجازوا إمكان نقدهم ولكن بأدب. غير أن المثال الذي قدموه هو الذي يثير الدهشة، فقد قالوا لنا أنه يمكن أن نقول أن معاوية رضي الله عنه قد أخطأ حين حارب عليّا، ولكن معاوية يبقى صحابيا جليلا. والله لو قالوا هذا الكلام في حق أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو الزبير أو بلال أو حمزة أو سعد ابن أبي وقاص… لكنت أبديت بعض التفهم، أما أن يحولوا معاوية ابن أبي سفيان إلى صحابي جليل، فهذا ما لا يقبله عاقل. كما يبدو أن المحظور والقداسة قد امتدا إلى الفقه وأصوله حيث أكد أحد المشاركين بطلان أقوال من يدّعي، مثلا إن السنّة ليست أصلا من أصول الفقه. وهنا أتساءل: أي مستقبل للبحث الأكاديمي الحرّ في تونس وخصوصا في هذا الموضوع؟

ولكن من أخطر ما قيل في ذلك البرنامج الإذعي ،هو ما جاء على لسان الأستاذ فتحي العيوني الذي أكد أن المجموعة التي هاجمت قاعة سينما أفريكا آرت والتي نظمت وقفة احتجاجية، بعد يومين أمام قصر العدالة بالعاصمة، ليست أقلية سلفية متطرفة، بل أن عناصرها من أبناء الشعب التونسي وهذا ما لا ينكره أحد، وإنهم مسلمون غيورون على دينهم جاؤوا يدافعون عنه وقال الحاضرون إنهم “لن يسكتوا بعد اليوم” وهذا أمر مخيف باعتبار أنه تحريض واضح وتشريع لكل مسلم لم يستسغ أمرا للجوء إلى العنف.وقد برر المشاركون في هذا البرنامج ، العنف بالإستفزاز الذي تعرضت له مشاعر المسلمينن وهو منطق لا يستقيم، فالانتساب إلى الإلهي وجعله هويّة فيه حطّ من عظمة الله لأن الهوية وفق هذا المنطق تجعل من الإله مجرد “مملوك للعباد ” كما رمى المشاركون في البرنامج المثقفين بالاعوجاج، في إشارة إلى المعنى اللغوي لكلمة “ثقافة” وكأن هذا المعنى محكوم عليه بأن يظل جامدا ولا يتغير. كما نسبوهم إلى جهات أجنبية مشبوهة وقالوا أنهم مأجورون لخدمة مصالح إستعمارية في تونس. وهذا القول يظل مخيفا وإن كان دأب عليه أغلب المنتمين إلى الثقافات التقليدية. فهذه الأخيرة تعدّ “زنديقا” كل من ينطق بكلمة لا تروق للأغلبية، وتشتبه في أمره فإن لم يكن قد سخّره الشيطان، فهو عميل مناوئ، يجب التخلص منه. وكنت أظن أن مثل هذه الاعتقادات ستزول بفعل ثورة 14 جانفي ولكن خاب ظني.

قال أحد المشاركين في البرنامج أن فقهاء تونس وأئمة المساجد سيجتمعون يوم الجمعة 8 جويلية 2011 في جامع الزيتونة المعمور إثر صلاة الجمعة بدعوة من جمعية العلوم الشرعية وذلك لإبداء رأي “شرعي” في خصوص محمد الطالبي ونادية الفاني، وتم الإجتاع فعلا يوم الخميس7 جويلية 2011 .كما كان منشط البرنامج يسأل المحامين الحاضرين عن إمكان مقاضاتهما ووزير الثقافة باعتبار أن الوزارة هي التي مولت الفيلم ورخصت له للعرض. وأجاب الأستاذ فتحي العيوني عن هذه الأسئلة قائلا أنه يمكن لكل تونسي أن يقدم شكاية ضدّ وزير الثقافة على أساس الفصل 114 من المجلة الجزائية وأنه يمكن تقديم شكاية ضدّ محمد الطالبي على أساس الفصل 226 والأصح 227 من نفس المجلة وذلك للتجاهربما ينافي الحياء العام. كما قال إنه يمكن القيام بدعوى في الحجر ضدّ محمد الطالبي باعتبار ثبوت فقدانه لمداركه العقلية… وهنا أطرح السؤال التالي على الأستاذ العيوني: كيف يؤاخذ من فقد مداركه العقلية من أجل التجاهر بما ينفي الحياء ؟ وأمام إلحاح أحد المشاركين في البرنامج لمعرفة إن كان بالإمكان تقديم شكاية ضدّ محمد الطالبي وضدّ نادية الفاني من أجل الاعتداء على المقدسات، تدخل الأستاذ منعم التركي وهو أحد ثلاثة محامين تقدموا بدعوى قضائية من أجل حجب المواقع الإباحية على شبكة الأنترنات، وزعم أن المجلة الجزائية التونسية تتضمن كتابا أو بابا يجرّم الاعتداء على المقدسات. وهذا زعم لا أساس له من الصحة. وتواصلت المزايدة القانونية صبيحة الأربعاء 6 جويلية 2011، في برنامج أخر لمّا دعا الشيخ عادل كشك إلى سحب الجنسية التونسية من محمد الطالبي… من الناحية القانونية الصرفة، كل هذا الكلام ليس سوى مجرد هراء.ولما أيقنوا أن كلامهم هراء ، تقدم أعضاء جمعية العلوم الشرعية بمطلب إلى رئيس الدولة المؤقت قصد إتخاذ مرسوم يجرم الإعتداء على المقدسات فأين تكمن مشروعية هذا المرسوم إن صدر؟ سأبدي ملاحظتين مترابطتين إزاء هذا الخطاب.

تتمثل الملاحظة الأولى في أن هذا السلوك الذي ينتهجه الفقهاء والإسلاميون بالمعنى الضيق للكلمة، ليس جديدا ولا هو غريب عنهم. فلطالما اشتكوا ورفعوا الأمر للقضاء قصد البث في مسائل متعلقة بالرأي وبالتعبير. فقد فعلهاعلى سبيل المثال شيوخ الأزهر في مصر سنة 1926، ضدّ طه حسين، وفعلها الإسلاميون ضدّ نصر حامد أبو زيد سنة 1995، وضدّ فؤاد زكريا. أمّا في لبنان، فقد تقدم عدد من العلماء والإسلاميون بشكاية ضدّ الفنان مرسال خليفة سنة 2000. وفي السودان تقدم الإسلاميون بقيادة حسن الترابي سنة 1988 بشكاية ضدّ الشيخ الفقيه محمد محمود طه. وفي تونس، رفع علماء الزيتونة شكاية ضدّ الشيخ عبد العزيز الثعالبي… اللجوء إذا إلى القضاء ضدّ المفكرين والفنانين أصبح يشكل سنّة الإسلاميين وقد يفسر هذا السلوك ربمّا بأنهم يعتقدون أن القضاء مازال يؤدي وظيفة شرعية تقليدية ويحاولون بالتالي إسترجاعه و تطويعه .أمّا الحداثيون فإنهم لا يلجؤون إلى القضاء إلا في صورة تعرضهم للعنف، وقد لا يفعلون ذلك.ومردّ هذا أن الحداثيين يرون أن الدولة وقضاءها يجب أن يحافظا على حيادهما في قضايا الفكر والرأي والتعبير وأن دورهما يجب أن ينحصر في ضمان الممارسة الحرة للتعبير.

أمّا الملاحظة الثانية فتتمثل في أن عددا كبيرا من الفقهاء والإسلاميين بالمعنى الضيق للكلمة، إنتهازيون والغاية عندهم تبرر الوسيلة، غايتهم فرض رقابة على الضمائر وعلى العقول وعلى الحواس بالمنع والحجب وبجعل الاستحالة قانون الرؤية والسمع والكلام، أي بإعماء الأبصاروالبصائر ويصمّ الأذان وبإسكات الألسنة… أما وسائلهم لبلوغ هذه الغاية فمتعددة ومنها الإفتاء بالإقصاء كما حصل مع الشيخ على عبد الرزاق ومع الطاهر الحدّاد ومنها أيضا اللجوء إلى القضاء اعتمادا على القانون الوضعي للدولة. فأغلب الفقهاء والإسلاميين ينكرون الدولة الحديثة والقانون الوضعي، ويرون أن هذا القانون يشكل نوعا من الضلالة وإن توافق محتواه مع الفقه الإسلامي، لأن أساس مشروعيته وتطبيقه لا يستند إلى الإرادة الإلهية بل إلى إرادة إنسانية أي إرادة الدولة ولأنه مدنس غير مقدس ولا أزلي، يمكن تغيير أحكامه في كل وقت.ولكن ورغم دنس هذا القانون الوضعي، فإن الإسلاميين لا يتوانون في الإعتماد عليه وإستخدامه لفرض رقابة على الضمائر وعلى العقول وعلى الحواس، وهم لا يترددون في استعمال مفاهيم حداثية لا قبل للثقافة التقليدية بها، كمفهوم الدستوروالقانون وحقوق الإنسان والديمقراطية وهم بذلك إنتهازيون، هدفهم الأول بلوغ غايتهم مهما كان دنس الوسيلة التي يعتمدونها في نظرهم .

إن ما تشهده تونس، اليوم من جدل وخصومات بين الحداثيين والإسلاميين، ليس سوى حلقة من حلقات صراعات طويلة إمتدت على التاريخ الإسلامي. فقد انقسم المسلمون الأوائل في المستوى السياسي إلى أهل سنّة وشيعة وخوارج، ثم انقسم أهل السنّة في مستوي العقيدة والفكر، نحلاومللا كثيرة: أهل الرأي والمعتزلة والفلاسفة والإلهيون والدهريون والطبيعيون من جهة، وأهل الحديث والأشاعرة وأهل السنّة والجماعة والجبريون من جهة أخرى وقد كانت الغلبة، في كثيرمن الأحيان للتيار الثاني، المحافظ بعد تحالف مع أهل السياسة والعسكر، أي مع “دولة الخلافة” فطالت الملاحقات المعتزلة وتم اضطهاد الفلاسفة المسلمين فعشنا محنة ابن رشد…كما شهدت الساحة الفقهية صراعات بين المذاهب، لعّل أشهرها ذلك الصراع الذي عرفته القيروان بين أتباع المذهب الحنفي بقيادة أسد ابن الفرات وأتباع المذهب المالكي بقيادة الإمام سحنون، وكان النصر للمالكية فأقصوا الأحناف من مسجد عقبة…

لم يكن الاختلاف والتنوع والتعدد في المجتمع الإسلامي، مؤشّر صحة وحياة، بل كان مجرد أمر واقع، لأن العقل العربي الإسلامي لم يؤصّله ولم يشرّع له، فتمّ حسمه، في أحيان كثيرة، بقوة السيف، إلى أن خفت صوت المسلمين منذ أواخر القرن الثاني عشر ميلادي، بعد تحريم الفلسفة لأنها اعتبرت “ضارة بالدين “واثر “غلق باب الاجتهاد” بعد اعتبار أنه “ليس بالإمكان أحسن مما كان” … ثم عادت الصراعات مجددا بعد حوالي سبع قرون أي في أواسط القرن التاسع عشر وبالخصوص، في الشام ومصر وتونس، معاقل النهضة وحركة الإصلاح فقد تصدى مشائخ وفقهاء تونس لأمر أحمد باي القاضي بإلغاء الرق، سنة 1846 ثم نظموا حملة شعواء ضد الطاهر الحداد غداة إصدار كتابة “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، في ثلاثينات القرن المنصرم، كما أنكر جزء هام منهم مجلة الأحوال الشخصية أيام إصدارها في 13 اوت 1956، وعادوا اليوم لتبنيها معتبرين إياها عملا اجتهاديا مضفين عليه، بعض القداسة التي قد تحول دون مراجعته وتطويره. وقد خفت لهيب المعركة في تسعينات القرن العشرين ثم عاد ليتأجج مجددا في أواسط العشرية الأولى للقرن الحادي والعشرين، لما سمح النظام السابق بعودة الحجاب إلى الفضاء العام وبدا وكأنه يشجع على حمله… ثم دشن النظام السابق، في شهر سبتمبر 2007، إذاعة الزيتونة التي خرجت من صلبه وكانت نتاجا لبنيته، فكانت هذه الإذاعة “الخاصة” تبث خطابا أشعريا تقليديا، غير عقلاني، يقوم على التسليم وعلى الاستسلام وكأنها كانت تريد أن توصل إلى المؤمنين من التونسيين، أن الاستبداد قدرهم. وكان هذا الخطاب منافيا للسياسة الحداثية التربوية لتونس.فنافست إذاعة الزيتونة المدارس والمعاهد والكليات في محتوى المعرفة .كما إستضافت البلاد في مارس 2009 في مدينة القيروان الشيخ يوسف القرضاوي الذي بارك السياسة الإسلامية للرئيس السابق في تصريح أدلى به للتلفزة التونسية . ثم وفي سنة 2010، تمّ تدشين “بنك الزيتونة “في خطوة أولى ربما “لأسلمة” الاقتصاد التونسي. ولم يتخذ الإجراءان الأولان المتصلان بالحجاب وبإذاعة الزيتونة انطلاقا من إيمان النظام السابق بحرية المعتقد واللباس وبحرية التعبير، بل كانا إجراءين يدخلان في إطار حسابات سياسوية، إذ أن طابعها الشعبوي غير قابل للإنكار، فكان القصد منها استمالة جمهور المؤمنين وهذا ما نجح فيه النظام السابق، فتكاثر حرفاء بنك الزيتونة في وقت قياسي.

منذ زمن بعيد، دقّت نواقيس الخطر، وقد يقول البعض أن هذا التعبير من أصل كنسيّ مسيحيّ ولكن لا يهمّ. دقت أجراس الخطر الإسلاموي منذ شهر رمضان الفارط، أوت 2010، لما قام مجموعة من المحامين بقضية لإيقاف بث مسلسل النبي يوسف بدعوى تحريم التصوير والتجسيد… ثم لما شنّت، في شهر ديسمبر 2010، حملة شعواء على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي ضد عدد من المفكرين والفنانين وفي مقدمتهم ألفة يوسف وقد تعلل أولئك الإسلاميون بمفهوم حداثي وهو حرية التعبير، لسب ألفة يوسف وشتمها و هتك عرضها وذهب بهم الأمر إلى إباحة دمها… إذن، استعملت حرية التعبير الأجوف ، التعبير عن اللاشيء، للقضاء على حرية الفكر والرأي والخلق والإبداع… والحال أنها كلها مفاهيم تنتمي إلى سجل الحداثة، وهي مفاهيم متكاملة، متناسقة، لا تتعارض، ولا تخضع لترتيب هرميّ تفاضليّ، وإلا فإن تغليب أحدها على الآخر قد يؤول إلى العنف وإلى الفوضى ومن ثمة الدمار، فالحرية حرية واحدة لا تتجزأ…!