لا يعجبه العجب ظاهرة اجتماعية تزداد انتشارا في مجتمعنا من سنة الى أخرى، و تكرست بصورة واضحة بعد الثورة. هي قد تكون عادة سلوكية سيئة أو حالة نفسية مرضية تستوجب العلاج، لكنها خطورتها تكمن في أنها مُعدية و تهدم و لا تبني، و تنشأ عنها أمراض نفسية أخرى كالحسد و التطرف و اليأس من الحياة.

أتحدث عن ظاهرة رمي الاخطاء على الآخرين و التهرب من تحمل المسؤولية، و محاولة الظهور دائما بمظهر المظلوم أو الضحية.

في سنوات التعليم هو على صواب دائماً والمعلم على خطأ . المعلم لا يشرح الدرس بصورة صحيحة، وإذا رسب في الامتحان فليس التقصير منه وإنما المعلم ضده . يكرهه ويبيّت له . في الجامعة الحالة ذاتها، ثم في العمل و انتقل الامر حديثا للحياة السياسية في تونس. سيرة المعلم وأستاذ الجامعة تتحول إلى سيرة المدير والمسؤول والوزير . الجميع ضده، وهم يبيّتون له النيات، ويحاصرونه بكل الوسائل حتى لا ينجح.

ظاهرة التهرب من المسؤولية و تحميل الاخطاء على الآخرين، هي في الحقيقة نتيجة لتربية مجتمعية عشوائية لم تنبني على أسس أخلاقية. هي أيضا نتاج لثقافة مجتمعية مبنية على الانتهازية و استغلال حالات ضعف الآخرين أو حاجاتهم الملحة.

الثورة كانت فرصة ذهبية للمرضى بحالة التفصي من المسؤولية، تذهب لقضاء خدمة ادارية فتتأخر كثيرا، تعود لتسأل عن سبب التأخير فتكون الاجابة المعهودة بسبب الثورة و عدم استقرار الاوضاع و…و…و….الامر لا يتعلق بالادارة و المؤسسات العمومية فقط بل حتى المؤسسات الخاصة بعد توقيع العقد يتأخر التنفيذ و عندما تسأل عن السبب أو تحاول فسخ العقد يتم التعلل بالثورة. ترتفع الاسعار، يزداد الغش، تحاول ان تستفسر فيقال لك الثورة. الثورة صارت شماعة بالنسبة للفاشلين و المخطئين و الغشاشين و الانتهازيين يبررون بها تصرفاتهم.

الخطر هو عندما يستسلم المجتمع التونسي لهذه الظاهرة و يقبل بها بل و يتعامل معها على أساس أنها أمر واقع بدعوى شدة انتشارها، ولا يحاول معالجتها و التصدي لها. بل ان التساؤل هو ماهو دور وزارات مثل الشؤون الاجتماعية و الثقافة و الشؤون الدينية والتربية في التعاطي مع ظواهر اجتماعية و سلوكية مرضية مهددة لنجاح وطن بأكمله. و الى متى ستضل هذه الوزارات تسير بروتينية الخمسينات من القرن الماضي كما تركها المستعمر و لا تتخذ المبادرات و تضع البرامج لدراسة الواقع الاجتماعي و الاخلاقي في البلاد.

أينما تسافر شمالا أو شرقا أو غربا في أروبا بقسميها الشرقي و الغربي في أمريكا في الخليج أو في بقية دول شرق آسيا، تلاحظ و تحس بانتشار ثقافة المساءلة و تحس بوجود برامج حكومية فاعلة تعتني بالجوانب الاجتماعية و السلوكية للمواطنين. صحيح أنها ثقافات مبينة على المال و الاعمال و النسق السريع للحياة لكنها مجتمعات تحس فيها بتحمل الافراد للمسؤولياتهم و باعتزازهم بذلك. وهو حسب رأيي ما يفسر تطور جودة الحياة و مستوى العيش بهذه البلدان مقارنة ببلادنا.