بقلم علاء الدين زعتور،

من كان حليفا و صديقا لبن علي و نظامه منذ أشهر قليلة، أصبح اليوم في الصفّ الأوّل لمساندي ثورة تونس. هذا ما ينطبق على دول مجموعة الثمانية (الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا.. ) الذين تقدموا إلى تونس بدعوة خاصة لحضور إجتماعهم الأسبوع المقبل (يومي 26 و 27 ماي) بدوفيل الفرنسية.

القوى الإقتصادية الأضخم في العالم ستكون مستعدة لتقدم إلى تونس منحا و قروضا قد تصل إلى 25 مليار دولار (أيْ حواليْ ضعف ميزانية تونس و حوالي مرتين و نصف من ديوننا الخارجية الحالية !) يتم إستخلاصها خلال 5 سنوات.

من جهة أخرى، رحبت الحكومة المؤقتة بالدعوة، بل أن الوزير الأول المؤقت صرّح إثر زيارته نهاية الأسبوع المنصرم إلى باريس أن “الأمور تجري على ما يرام” و أكد أن ” الحكومة قامت بصياغة خارطة طريق توضع حاجيات تونس و الأهداف المنشود تحقيقها خلال الفترة القادمة “.

السيّد الباجي القايد السبسي، ربما نسي أنه وزير أول مؤقت، و أن حكومته مؤقتة … ربما نسي أيضا أنه في أوّل يوم له على رأس الوزارة الأولى صرّح بأن مهمّة هذه الحكومة هي تصريف الأعمال فقط … فهل التخطيط لبرامج مستقبلية و المصادقة على ديون بقيمة 25 مليار دولار يدخل في مشمولات هذه الحكومة؟

الإجابة ستكون قطعا النفي، و السبسي يعلم ذلك جيدا، فليس لهذه الحكومة أيّ شرعية للمصادقة على إلتزامات من هذا النوع و لا بهذا الحجم … ديون ستثقل كاهل البلد، و سيتحمل أعبائها الشعب التونسي بمفرده، الذي لم يقل كلمته بعد عبر صناديق الإقتراع … و السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل تعي هذه الحكومة بأن الشعب التونسي قام بثورة؟ و أنه لن يرضى مجددا من يتعامل معه و كأنه قاصر فلا تستشيره في مثل هذه القرارات المصيرية و لا تستطلع رأيه؟

سؤال آخر علينا أن نطرحه، أ لم يكن جديرا بهذه الحكومة أن تعمل على الكشف عن الحجم الحقيقيّ للثروات الطبيعية التي نمتلكها، خاصة و أن عديد الدراسات العلمية و مقالات أهل الإختصاص أكد أن لتونس مخزون لا يستهان به من الذهب الأسود، هذا إلى جانب الطاقة الشمسية التي لا يتم استغلالها في الصحراء جنوباً؟ أ لم يكن، من باب المنطق، أكثر أهميّة أن تعمل هذه الحكومة المؤقتة على إصلاح منظومة الإحصاء و مؤسساته لكي ندرك حقيقة الوضع الإقتصاديّ في البلاد، عوض الهرولة وراء القروض و المنح؟

أما المعضلة الكبرى في هذه المسألة، هو التعتيم الإعلاميّ على الموضوع … فوسائل الإعلام تغط في سبات يبدو أن لا نهاية له، و لا تستفيق إلا حين يتعلق الأمر بتمرير أفكار مضادة للثورة أو تبنّي فزّاعات جديدة و هذا ليس بغريب أو بجديد عن إعلام كان بوق دعاية لنظام المخلوع المتهاوي.

الأحزاب و الجمعيات هي الأخرى لا نسمع و لا نقرأ تعليقاتها عن الموضوع، و كأنه يخص بلدا آخر غير تونس، و مستقبل وطن آخر غير هذا الوطن ، بينما تعلوا الأصوات كلما تعلق الأمر بمسائل هامشية لا تهم الثورة و لا تخدم مصلحتها و لا تحقق أهدافها.

و من باب الصدف، و ما أكثر الصدف بعد الثورة، هو أن هذا الإجتماع يأتي بعد أيام قليلة من حادثة الروحية الإرهابية، التي تمثل دون شك ضربة قاسية للموسم السياحي و للإستثمار الخارجيّ، و حملة إعلامية تعمل على تهويل الحادث (و إن كان الخطر موجودا) و تقديمه للرأي العام بوقائع متناقضة و متضاربة، و كلّ ما نتمناه، أن لا تعتمد الحكومة المؤقتة ما حصل بالروحية فزّاعة لتمرير مشروعها و المصادقة على خارطة “الإستعمار الديموقراطي” …