من شعارات مظاهرة أخوتنا المصرين أمام قصر عابدين يوم 20 سبتمبر

’ابكي ابكي يا حرية حيخلوكي ملكية، يا مبارك فوء فوء بكرة نشيلك زي فاروق، ثورة ثورة حتى النصر مش عاوزينك تحكم مصر، مش حنسيبك تحكم مصر، يا بلدنا يا وسية يا تكية لجمال والحرامية، يسقط يسقط حكم العسكر، لا مبارك ولا سليمان يسقط يسقط الطغيان، يا مبارك يا مفلسنا قول عملت ايه بفلوسنا، مصر فيها الف بديل، يا حاكمنا بالمباحث كل الشعب بظلمك حاسس، علي وعلي يلا الصوت اللي يهتف مش حيموت

وضع مشين سيبقى وصمة عار في تاريخ شعبنا

لا أحد قادر على تقييم الخراب الحالي الذي ألحقه نظام العصابات بمؤسسات ضرورية لحياة المجتمع كالشرطة والقضاء والجمارك والتعليم والإعلام، وكلها اليوم فوضى وتلاشي وضياع وعجز.أنظر انحطاط التعليم وخاصة التعليم العالي وكيف أن أول جامعة تونسية تحتلّ المرتبة 6719 أي في آخر قائمة جامعات العالم ويحدثونك عن إنجازاتهم الهائلة.

الأخطر من هذا كله تخريب الروح المعنوية. هو نشر في المجتمع بكيفية غير مسبوقة، الكذب والتزييف والعنف والتواكل والإذلال والإهانة، مدمّرا بكيفية لم يسبق لها مثيل أهم روابط المجتمع، أي الروحية والأخلاقية.

وضع مبرمج للتواصل إذ لا خيار لنظام العصابات غير سياسة التمسّك بالسلطة ولو بأقصى العنف.

إن انطلاق المناشدات المزيفة- ككل شيء متعلّق بهذا النظام المبني من الألف إلى الياء على الكذب والتزييف- للترشح لفترة رئاسية جديدة الخطوة الأولى التي ستتبعها عملية تغيير الخرقة المسماة “دستورا”.

لكن التمديد لا معنى له نظرا لعمر الدكتاتور، دون التوريث. ثمة لغط حول إحداث مجلس باسم رنان يضمّ رئيس البرلمان وبعض الخدم الآخرين للتغطية على وجود الصهر والزوجة، يقود البلاد حال موت الدكتاتور وينظم “الانتخابات الرئاسية” التي ستنتهي ديمقراطيا ب”انتخاب” السيدة بن علي لتقوم الدنيا وتقعد مفاخرة بأن تونس أول بلد عربي تحكمه امرأة….وقد بدأ التطبيل عبر الكتب المدفوعة الثمن التي صدرت والتي ستصدر هنا وهناك.

لا غرابة في الأمر والنظام بلا خيار آخر. لماذا ؟

لأن جرائم الحق العام التي ارتكبت في حق التونسيين من قتل تحت التعذيب وسرقة الأموال العمومية والخاصة في وضح النهار وقضايا أخرى مثل الاتجار في المخدرات، تجعل كل واحد من أفراد العصابات وعلى رأسهم بن علي، معرّضا للسجن بقية عمره. إنه الهاجس الذي يجعل والتمديد – التوريث الضمان الوحيد للمحافظة على الحرية وحتى على الحياة. نحن نواجه حيوانا جريحا أسير قفصه الذهبي، وسيدافع عن نفسه بكل شراسة والكل يعلم انه لا اخطر من حيوان محاصر وجريح ومهدد. انتظروا التهاب قمع ليس لديكم أدنى فكرة عما سيصله من شراسة.

كيف نضع حدا لوضع إن تواصل، سيرتهن مستقبلنا ومستقبل الأجيال الصاعدة لأجل غير مسمّى؟ بأربعة، إن جمعناها لن يمددوا إلا في عبث وجودهم ولن يورّثوا إلا جزءا صغيرا من أموالهم المسروقة.

1- اعتماد العقل

ضرورة التشخيص الصحيح

لم تكن الكثير من الأخطاء في التعامل مع النظام المشين بالضرورة نتاج خوف أو انتهازية وإنما نتيجة خطإ كبير في التشخيص. فالمشاركة بالحكم أو بالمعارضة لتوسيع الحريات والتدرج وسياسة المراحل أمور منطقية عندما نكون نمشي على مسار ديمقراطي ولو كان بطيئا. لكن بن علي وضعنا منذ البداية على مسار استبدادي ضيّق على الحريات تدريجيا وصولا للاختناق الحالي والبقية آتية.

أليس في كل التجارب التي مررنا بها ما يكفي من العضات ليصبح بديهيا للجميع ما طبيعة النظام الذي ابتُلينا به؟

هو يشبه حبّة خوخ: القشرة السطحية هي المؤسسات من “برلمان” و”حكومة” و”قانون” و”دولة” الخ …أما الثمرة فهي حكم البوليس وبالخصوص المخابرات، بما هي وكالة محلية للمخابرات الغربية والإسرائيلية، أما النواة الصلبة فعصابات حق عام لها ماض في تجارة المخدرات واليخوت والسيارات الفاخرة المسروقة ونهب المال العام والخاص . لكن أخطر جرائمها ليس الفساد كما يتصور الناس وإنما الإفساد. من يعرف أن المقاهي والمطاعم الفاخرة في الأماكن السياحية مملوكة لكبار موظفي الداخلية لإشراكهم في الغنيمة وجعلهم حرّاسا للسرقات الكبرى . من يعرف أن تشجيع الفساد في القضاء والشرطة والإدارة هو خطّ وخطة حتى يمكن التحكم في هذه المؤسسات عبر أشخاص تورطوا أو حتى ورّطوا في أعمال مخالفة للقانون والأخلاق. مثل هذه السياسة الشيطانية هي التي خربت كل مؤسساتنا . مكانُ مثلِ هذه العصابات في أي بلد يحكمه القانون والمؤسسات هو السجون وليس القصور.

يجب أن يكون لنا أيضا تقدير موضوعي للمرحلة المقبلة في صراع هذا النظام للبقاء؟

المشكلة أن أمرا كهذا شبه مستحيل ونحن لا نتوفّر إلا على معطيات متفرقة، والنظام مهيكل منذ انطلاقته على مزيج من “الأومرتا” (السرّ بلغة المافيا) والتضليل الذي تنفق فيه المخابرات أموال الشعب المسكين.

في هذه الحالة فإن الضمان الوحيد لعدم الخطإ في التقدير هو اعتماد طرق العلم في التفكير، أي اختيار فرضية نبني عليها مواقفنا وتصرفاتنا، شريطة أن تكون مدعومة بالتجربة والأحداث ومن الأحسن أن تكون أسوأ الفرضيات. إن صدقت كنا في مستوى التحديات وإن أخطأت نستطيع تغييرها بسرعة دون أن نفقد شيئا ونحن جندنا لها طاقات يمكن إعادة توزيعها.

هذه الفرضية هي أن الدكتاتور ليس مشرفا على الموت كما يشاع باستمرار وأن الهدف وراء الإشاعة تضليلنا …أنه سيترشح سنة 2014…أننا سنفيق كلنا صبيحة هذه البيعة الجديدة لنجد أنفسنا في نفس الورطة وقد تعمّق اليأس والإحباط وتفاقمت كل المشاكل.

الجزء الثاني من الفرضية أنه إذا كان فعلا مشرفا على الموت وإن مات بعد تمديد جديد فإن التوريث سيتمّ، لا لمصلحة الصهر أو الزوجة وإنما لشخص ثالث تتفق عليه المخابرات الغربية والإسرائيلية وتتبناه المخابرات المحلية و وهي أحسن من يعلم بغض التونسيين للعصابتين وخاصة لهذا الدكتاتور الغبيّ الذي ضيع كل الأوراق التي كانت بيده صبيحة انقلابه وأعاد تونس للنقطة التي أخذها منها. مثل هذا الشخص ومن وراءه يعلمون أن المدخل للشرعية ولقلوب التونسيين هو التضحية بالعصابتين المكروهتين لإنقاذ العصابات الأخرى والنظام نفسه.

معنى هذا أننا قد نشهد نكبة البناعلة مثلما عرف التاريخ نكبة البرامكة. إنها قاعدة من قواعد التاريخ أن الضربة لا تأتي من الخصوم أمثالنا الحريصين على انتقال سلمي للديمقراطية ولو بثمن عدم المحاسبة مقابل عدم إراقة الدم، ولكن من أقرب الناس و”أوفى” الأصدقاء.

المهم بالنسبة لنا أننا في مثل هذا ” التغيير” لن نربح إلا كثيرا من الوعود مع رجوع المهجرين وشيء من التنفيس في الحريات وبعض المناصب الوزارية لجماعة “التغيير من الداخل” و”سبق الخير” و”وصّل السارق لباب الدار” الخ.

لكن مثل هذا التوريث لن يغير شيئا في الجوهر. فالمنقذ الجديد لن يحتل منصبه إلا لأن من عيّنه واثق من مواصلته نفس السياسة الخارجية: التطبيع والليبرالية المتوحشة ومحاربة الأصولية والمشاركة البوليسية وفتح المحتشدات لحماية حدود أوروبا من الزحف الإفريقي. أما على صعيد السياسة الداخلية فلأنه لا مجال لإصلاحات في العمق إلا بالحريات ولأن هذا يتعارض مع مصالح أسياد الداخل والخارج فلا خيار غير المحافظة على نفس الوضع لكن بأساليب أقل غلظة وبذاءة من التي اعتمدها “العهد البائد”. هكذا لن يتوقف الانحطاط لحظة إلا للعودة من جديد وبأكثر سرعة.

إنه مستقبل رهيب بكل المقاييس ومشروع واجب كل تونسي العمل على إفشاله. كيف؟

2- عودة الروح

من أبشع جرائم الدكتاتورية ضربها للروح المعنوية لشعبنا. أي تونسي يحترم اليوم نفسه وشعبه ؟

استمع إلى ما يقوله التونسيون عن التونسيين وسيصدمك عمق كره الذات، وهو اليوم من مميزاتنا الوطنية وحتى القومية.

صحيح أننا شعب يقول قبل ظهور بن علي “اخطا رأسي واضرب”، ” أرقد لهم في الخطّ”، “بوس الكلب من فمه حتى تقضي حاجتك منه”، “اللي خاف نجا”، “شدّ مشومك لا يجيك ما أشوم”. صحيح أنك لا تجيل بصرك حولك إلا وتواجه بالانتهازية والجبن والضعف.

كل هذا ليس طبيعتنا الوطنية وإنما الجزء المظلم منها … الزبالة التي نشأت منها هذه الدكتاتورية الحقيرة وعملت كل ما في وسعها لنشره، إذ لا يمكن أن تعيش إلا منها وعليها.

لكن من يستطيع أن ينكر أن هناك تونسيون رفضوا الانبطاح والذلّ ورفعوا إلى أعلى المستويات قيم الشجاعة والتعاضد والتضحية والصبر والصلابة والإيمان. أليس الدغباجي الذي رفض ثني الركبة عندما أعدم وحشاد وبن يوسف وكل الذين استشهدوا منّا وإلينا؟

من يقدّر ما تطلبته مقارعة الدكتاتورية الحقيرة طوال هذين العقدين من تضحيات قدمها آلاف من التونسيين وعائلاتهم، وعلى ماذا تهشمت كل مطامح الدكتاتور في حكم مطلق ومريح إن لم يكن على رفض أقلية تخدم قيما، وهي أول من تعلم أنها تضرب بهذا مصالحها الشخصية ؟

هذه الأقلية هي الحاملة للجزء الخيّر من طبيعتنا. صحيح أننا في لحظة من تاريخنا تبدو فيه مساحة الظلام كليل كالح ومساحة النور لا تتجاوز أولى تباشير الصباح. لكن ألم يَعِدنا شاعرنا الوطني والقومي بأن الليل سينجلي مهما طال؟

نعم يجب أن نعتبر ما ظهر منا من تقصير في حمل القيم التي تحي وتكبر بها الشعوب مرحلة عابرة.

يجب أن نستلهم من الدغباجي وحشاد وبن يوسف وفيصل بركاتي وعبد الرؤوف العريبي وكل شهداء التعذيب ، لكن أيضا من أبطالنا الأحياء مثل شيوخنا الأجلاء أطال الله في عمرهم مثل علي بن سال والصادق شورو ومحمد الطالبي وكل الذيم الذين لم يرضخوا يوما للإذلال وقد تجاوزوا السبعين من العمر . هم أيضا تونسيون وهم حفظة القيم المحاصرة والمحاربة والتي ستعود يوما كجدول نجح جدار قذر ومتداعي في إيقاف تدفقه لكنها سصبح بفضل رفعكم للتحدي نهرا يحطم هذا الحاجز.

يجب أن نرفع رؤوسنا وأن نرفض تواصل إذلال شعب بأكمله من قبل أذل خلق الله . يجب ألا نترك الإحباط وكره الذات يسمم حياتنا ويحقق أغراض الدكتاتورية التي تعمل جاهدة على خلق هذا الشعور وتعهده بكل التقنيات النفسية التي يدرسونها في أكاديميات علوم إجرام الدولة. يجب أن نهبّ بقوة متجددة لفرض رجوع الكرامة إذ لا نجاح لأي ثورة في السياسة دون هذه الثورة في الضمائر.

3- تصعيد وتنظيم المقاومة المدنية

يخطئ من يتصوّر أن المقاومة المدنية شعار أجوف أو مشروع للتحقيق في يوم من الأيام، فهو واقعنا منذ انتصاب الدكتاتورية حتى وإن لم ننتبه لطبيعة ما نفعل ولم نعطه الاسم الوحيد الذي يليق به. أنظر إلى صمود المهجرين بعد كل ما عاشوا من ملاحم لوصول برّ الأمان …انظر لموجة التديّن، للاحتجاج في الفضاء الافتراضي للانتفاضات العفوية في الرديف وبن قردان، للتشهير الحقوقي، لإضرابات الجوع العديدة، لأحداث العنف هنا وهناك، وحتى لموقف من لم يكفوا من داخل النظام على مدّنا بأسراره النتنة …كل هذه مظاهر لنفس الإرادة: التصدي لنظام العصابات وتجاوزاته . أليس كل هذا مقاومة ؟

للتاريخ ، بدأت المقاومة المدنية تتنظم بصفة واعية ابتداء من منتصف التسعينات.

فبعد استيلاء السلطة على الرابطة سنة 1994 وشلّ الاتحاد العام التونسي للشغل وضرب كل مؤسسات المجتمع المدني، تمّ لقاء في بيتي حال خروجي من السجن بجدول أعمال فيه نقطة واحدة: إعادة البناء على الخراب. يومها قررت مجموعة لا تتجاوز عشرة أشخاص الدخول في إعادة هيكلة المجتمع المدني عبر بعث مؤسسات مدنية لا يخترقها النظام. من هذه الإرادة الجماعية ولد المجلس الوطني للحريات ثم ولدت رابطة اتحاد الكتاب وبدأ العمل على ولادة اتحاد شغل جديد (للأسف دون نتيجة) وأردنا بعث حركة سياسية ديمقراطية لا تنخرط في لعبة التعددية المزيفة ولا خط لها غير تفعيل خيار المقاومة المدنية كانت ثمرتها ” المؤتمر من أجل الجمهورية” .

يعلم الله الثمن الذي دفعه حملة المشروع وقد استهدفوا في حياتهم وحريتهم وشرفهم ورزقهم وبيوتهم وأولادهم، لكنهم ثبتوا على قلة عددهم و رغم ما تلقوه من ضربات موجعة. إنهم بحق مقاومون أشداء حافظوا هم وإخوتهم المتواجدون في حركات سياسية أخرى أو خارج كل إطار، على شرف التونسيين، معطين عكس الصورة النمطية الكاذبة التي استبطنها التوانسة عن أنفسهم، وإليهم كلهم أريد أن أتقدم بأسمى عبارات المحبة والتقدير والاحترام.

بعد اتّضاح عبثية المشاركة في “انتخابات” 2004 للجميع وظهور حركة 18 أكتوبر التي رأيت فيها تجسيدا لحلمي المتواصل بجبهة سياسية لا تطالب بإصلاح النظام وإنما بسقوطه وتتقدم للداخل والخارج كالبديل الديمقراطي، ظننت الثمرة بدأت تنضج.

هكذا أطلقت في أكتوبر 2006 من منبر الجزيرة نداءا إلى الشعب التونسي للدخول بقوة في المقاومة المدنية وقررت الرجوع لتونس رغم بطاقة الاستدعاء للمثول أمام حاكم التحقيق التي تسلمها شقيقي عشية العودة وبعث السلطة بإنذار إيقافي في المطار. لكن أي مصداقية للدعوة للمقاومة المدنية من الخارج ؟ هكذا ركبت الطائرة وأنا مقتنع أنني سأقضي ليلتي في السجن. لكن النظام كان أخبث مما توقعت، فقد تُركت طليقا لأصبح فريسة الأوباش يتعقبونني في كل خطوة. أذكر يوم مشيت على كورنيش سوسة وورائي مائة منحرف على الأقل تابعوني بالسب والشتم والمحاصرة وكنت أتجول بهم عن قصد أمام المقاهي التي يتجمع فيها المثقفون والسياسيون لعل أحدا يغيثني. عبثا. نفس الشيء في الكاف، عندما ذهبت للوقوف أمام السجن تضامنا مع محمد عبو وكان برفقتي زوجته وسمير بن عمر وسليم بوخذير وكدنا نقتل ذلك اليوم ولم يتحرك أحد. آخر تجربة في دوز عندما حاولت مع مجموعة من الشباب التظاهر يوم العيد فحاصرنا البوليس بكثافة منقطعة النظير …والناس تتفرج. البقية شهران من العزلة قاطعتني فيها الطبقة السياسية التي اعتبرتني خصما مزعجا جاء لينازعها عظما افتراضيا اسمه الزعامة. موقف هذه الطبقة وموقف الناس أقنعاني بأن خطاب الدعوة للمقاومة المدنية إما جاء بعد الأوان وقد حطم النظام معنويات شعب محبط وعاجز، أو قبل الأوان والناس لم تختزن القدر الكافي من الغضب للخروج للشارع وفرض حقوقهم والدفاع عن كرامتهم. لذلك قررت العودة للمنفى حيث أستطيع على الأقل مواصلة التحرك، والقرار كان ولا يزال العودة يوم تصبح للتضحيات مهما غلا ثمنها جدوى.

قناعتي اليوم بعد أربع سنوات من هذه المحاولة الفاشلة أن الظروف بدأت تنضج فعلا، فالنظام أسقط آخر قناع، واستراتجيات المشاركة الاحتجاجية أظهرت عقمها ودورانها في نفس الحلقة المفرغة العبثية، والأزمات الاقتصادية والسياسية والروحية في أوجها والشباب الذي يصرخ في الفضاء الافتراضي لا ينتظر إلا قيادة وخطّا وخطّة للدفاع عن مستقبله.

كم يثلج صدري أن أرى البرادعي يدعو بنفس المصطلحات إلى ما دعا إليه المؤتمر منذ عشر سنوات وكل الحركات السياسية في الوطن العربي تتفحص الخيار باهتمام متزايد وقد أغلقت كل الأبواب الأخرى لأن هذه النظم الإجرامية لم تعد تترك لشعوبنا إلا خيارين الاندثار أو المقاومة، وهذه المقاومة لا تكون إلا سلمية أو مسلحة وقد اخترنا منذ البداية أن تكون سلمية ونحن أعلم الناس بأن كل النظام مهيكل على العنف وأنه سيخلقه لافتعال محاربته.

ما الذي يتطلبه ويفرضه الوضع إذن؟ أن نترك جانبا كل خلافاتنا بخصوص الانتخابات والإصلاح من الداخل فكل الطيف السياسي متفق لأول مرّة على رفض التمديد والتوريث وهو ما يعني آليا المطالبة برحيل بن علي ورفض تواصل نظامه.

إنها الفرصة التاريخية لبلورة أوسع تجمع ممكن ضد الاستبداد: تجمعنا كلنا حول شعار” لا تمديد ولا توريث” والانخراط من الآن في رصّ الصفوف لأعمال نضالية مشتركة ستبني على أرض الواقع جبهة ديمقراطية مهمتها تصعيد وتنظيم المقاومة المدنية بداية من التحريض على الثورة السلمية وصولا لتنظيم العصيان المدني مرورا بكل أشكال الإضرابات المتتالية والمظاهرات التي تنطلق في نفس اليوم من ألف مكان ومكان، مع دعوة قوات الأمن والجيش باستمرار لحماية المجتمع من الإجرام المنظم وليس مواصلة الدور القذر الذي ورطتهم فيه العصابات أي حماية الإجرام المنظم من المجتمع.

إن اتفاق أغلب الطيف السياسي بما فيه النهضة على نوعية النظام الذي نريده لتونس أي النظام الجمهوري – الديمقراطي، تعطي لمثل هذه الجبهة كل الحظوظ وكل الشرعية للتقدم لحكم بلاد يكفي ما قاست من ويلات أنظمة استبدادية تتوارثنا منذ نصف قرن. فإلى مسؤوليتاكم أيها الشباب في بلورة هذه الجبهة تونس تستصرخكم لإنقاذها من الأنياب والمخالب للذئاب التي لا تشبع.

4- التمسك بحلم عظيم

نحن اليوم شعب وأمة بلا قدرة حتى على الحلم. كان لأجدادنا حلم اسمه الاستقلال والوحدة العربية والاشتراكية، ولا نتجاسر حتى على رفع شعار “ليرحل بن علي”.

بمناسبة ذكرى 9 أبريل 2009 كتبت نصا عنوانه برنامج “تونس وطن للإنسان’’ ومرّ دون تعليق إلا من بعض الأصدقاء الذين وصفوه بالحلم الجميل. ربما تصوّر البعض منهم أنني سأغضب للوصف. لكنني لم أغضب بل بالعكس. نعم إنه حلم وجميل…تصوروا لحظة …. ..وطنا اسمه جمهورية التونسيين … علم جديد للقطع مع علم أصبح لا يرمز إلا لمراكز البوليس والشعب الدستورية …

جواز سفر مكتوب عليه مِلك للتونسيين وحق مضمون بالبند 13 من الإعلان العالمي وبدستور جمهورية التونسيين … عاصمة اسمها القيروان الجديدة …دولة يرأسها مجلس جمهوري لا رئيس فرد بعد اتضاح خطورة الخيار … توزيع محكم للسلطات بحيث لا مجال لاستبداد طرف بالسلطة … مجلس دستوري فعلي بصلاحيات واسعة لضمان حريات التونسيين …قضاء مستقل لا مستغلّ…مجلس أعلى مهمته السهر على المال العام وملاحقة أي سارق، خاصة إذا كان من أعضاء المجلس الجمهوري ….رفض دفع الديون التي أغرقتنا بها العصابات واستعمالها لبرنامج طموح لتشغيل الشباب …استرجاع الأموال المنهوبة أينما أخفيت …دعوة المؤتمرات السياسية و المهنية لوضع خطط بعيدة المدى لإصلاح الاقتصاد والجامعة والقضاء والإعلام الخ . ألن تصبح بحق تونس الأرض التي نفرّ إليها وليست الأرض التي نفرّ منها.

تذكّروا حلم مارتن لوثر كنج منذ نصف قرن. هل كان أوباما يدخل البيت الأبيض لولاه. تذكروا حلم غاندي. لولاه لما خرجت بريطانيا من الهند أو ربما بعد زمن أطول. تذكروا حلم مانديلا الذي لم يمدّ غطاءه على قدر رجليه ولم يطالب في إطار سياسة المراحل برفع التمييز العنصري في الباصات ثم في المراحيض ثم الدخول من الباب الصغير لبرلمان العنصرية وإنما قال ليذهب الابارتايد …وذهب. كل الذين يسخرون من الأحلام والحالمين لا يفهمون الوظيفة الحقيقية للحلم وأنه الرؤيا البعيدة المدى لكبار النفوس والعقول …الخطوة الأولى والضرورية على الدرب الشاق الخطر الطويل لنحت جزء من الواقع بالكاد ننتبه لمعجزة تحققه.

نعم تذكّروا قانون “كل الأحلام لا تتحقق لكن كل الأمور العظيمة كانت يوما من الأحلام”، فليقدنا حلم عظيم وهو أن تصبح تونس في يوم قريب بعون الله وبعزيمة كل فرد منا وطنا للإنسان.

ملاحظة

ملاحظة شكرا على الدعم ببعث هذا النص لعشرة من أصدقائك يوزعونه بدورهم على عشرة من أصدقائهم إلى أن يصل النداء كل تونسي.