من البلاهة طبعا أن أتساءل إن كانت هذه الدولة قائمة على الأشخاص و رغباتهم وشطحاتهم و ما يمليه شيطان الجنون عليهم أو على جملة من المبادئ و القوانين التي يحترمها الجميع و يخضع إليها الكبير قبل الصغير. لن أحاول الإجابة على هذا السؤال لسببين اثنين:

السبب الأوّل أنّ تلاميذ المدارس الابتدائية أنفسهم قادرون على الإجابة فهي لا تحتاج تحليلا أو تفسيرا.

ثانيا، لن أجيب حتى لا أتـّهمَ بأنّي من المطالبين بتأسيس المجتمع المدني وبالدولة القائمة على القانون والمؤسسات وبالفصل بين السلطات و بالديمقراطية وبمبدأ التداول على السلطة.
لم قد أُتـّهَمُ؟ لسببين اثنين كذلك:

– أوّلا لأن هذه مفاهيم غربيّة مسقطة على مجتمعاتنا العربية الإسلامية

– ثانيا لأنّ هذه المفاهيم هي التي تحرّك سياسة بلادنا منذ 21 سنة و6 أشهر 11و يوما. هذه مكاسب لم يعد أحد يناقشها و سنرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة.

و مع ذلك فإني أتساءل هل يمكن القيام بالنزر القليل في اتجاه العمل المبني على الجدية للحفاظ على ماء الوجه؟
ما الذي بعثني على طرح هذا الاستفهام الإنكاري؟

السبب هو الآتي: تمّت دعوتي مع بعض الزملاء و الزميلات لحضور اجتماع على الصعيد الوطني يترأسه ممثّل عن وزير التربية و التكوين المهني وذلك لإبلاغنا بجملة من المعلومات والتراتيب والتعليمات في خصوص برنامج تّم إعداده و العمل به منذ سنتين.

أوّلا حضر السيد المتكلّم باسم الوزير على الساعة العاشرة بينما تمّت دعوتنا للحضور على الساعة التاسعة وبرّر ذلك حرفيا بأنه جرت العادة أن يحضر المدعوون بعد الوقت المقرر لبداية الاجتماع بساعة، لذلك أراد سيادته أن يضمن وجود الجميع قبل أن يلقي كلمته التاريخية. هذا مع العلم أنّ من بيننا من استيقظ من نومه على الثالثة صباحا حتى يلتحق بالاجتماع في الموعد المحدّد، علاوة على الزملاء الذين تجشّموا مشقـّة السفر قبل يوم والمبيت بعيدا عن بيوتهم لإيمانهم بضرورة الانضباط في المواعيد.

ثانيا من جملة الإجابات الكاريكاتورية التي أذكرها على استفسار جاء على لسان أحد الزملاء: “عندما يصدر منشور أو تصدر مذكّرة عن الوزارة فلا موجب للرجوع للفصل القانوني الصادر في الرائد الرسمي في نفس الغرض و إن لاحظتم بعض التناقض يجب احترام ما جاء في المنشور”

ملاحظة أخرى مثيرة للسخرية على لسان نفس الشخص كانت: “قد لا تتمكّن من الحصول على إجابات على جميع التساؤلات حين ترجع إلى النصوص القانونية و المناشير: عندها بإمكانك أن تجد المعلومة بطرقك الخاصة، مثلا في المقهى، يمكنك أن تقابل مدير مؤسسة و تسأله عن آخر المستجدّات”

كلّ ما ذكرته لم يثرني و لم يوتّر أعصابي لأنّي أحاول الفصل بين ما هو شخصي وما هو متعلق بالمؤسّسات، يعني أنّي أخذت هذه الردود على أنها صادرة عن شخص لا يحترم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها عمله والتي من بينها احترام الطرف الآخر و احترام المواعيد و التمييز في أمور جوهرية بالنسبة لعمله (لا يدرك الفرق بين فصل قانوني و منشور وزاري.)

و لكن ما أفقدني السيطرة على أعصابي فعلا هو أنّ هذا السيد كانت له نفس الإجابة تقريبا على كلّ الاسئلة المتعلّقة بمستقبل البرنامج الوزاري الذي يقوم بحملة إعلامية لفائدته، و هذه الإجابة هي: “أنتم تعلمون أنّ هذا البرنامج أتى به الوزير السابق، يعني الوزير الحالي ليس فعلا مسؤولا عنه و أنا بدوري لم أعمل مع الوزارة السابقة لذلك لا يمكنني الإجابة على هذه التساؤلات. و لكنّي أؤكد لكم أن اللجان التي تعمل على هذا البرنامج بصدد إعداد الإجابات على كل ما طرحتموه من أسئلة.”

لم أنفعل ضدّ شخص المتكلّم و لم أحقد عليه ووجدتني أقول: كم أنا محظوظة إذ أني لست في مكانه، المسكين، كيف يقدر على مواجهة كل هذه العيون التي تتهمه بعدم النزاهة و بغياب المصداقية؟

لم أنفعل ضدّه لأنه فعلا غير مسؤول: كل وزير يأتي ببرنامج و يعمل ما بوسعه على أن يذكر له التاريخ ما قدمه من جديد و كلّ وزير يشكّل لجانا تبحث عن المواضع التي كانت محل تساؤل ، إلا أنه لا يكترث للأسئلة العالقة التي لم يجد لها أحد إجابة، ثم يخرج من الوزارة كما لو كان شريكا في تجارة أو عمل من الأعمال و فض الشركة. و هكذا تعمل وزارة فلان بطريقة ووزارة فلتان بطريقة أخرى و ما من أحد بقادر على الدفاع عن برامج سابقيه لأنها مسائل أصبحت مشخصنة و لا علاقة لها بالقانون و لا بالمؤسسات.

من مدونة : Les raisins de la colère