* القلم الحرّ سليم بوخذير


أعلمني اليوم الإربعاء 28 فيفري2007صاحب المركز العمومي الذي أنا دائب الحضور فيه و مشترك فيه بمبلغ 20دينار أنّ عونا أمن بالزي المدني حضرا لديه بعد آخر زيارة لي إلى المركز ليُعلماه بأنّهما مكلّفان رسميا بإبلاغه أنّني “أتعاطى نشاطا صحفيا ممنوعا و أكتب مقالات معادية للرئيس بن علي(أعيد حرفيا ما ذكره لي) و بأنّني “أدخل إلى مواقع محظورة في غفلة منه و ذلك بإستعمال البروكسي من ذلك تونيس نيوز ” و أضاف أنهما “أظهرا له نسخة من مقال لي أتهجّم فيه على الرئيس و بالمقال صورتي داعين إيّاه إلى منعي من الدخول مستقبلا” وقال مُحدّثي إنّهما أبلغاه أيضا أنّني “مطرود من جريدة الشروق و ممنوع من العمل في تونس” قائلين له حرفيا “رُد بالك منّو في المرّة الجاية كيف يجيك” حسب قوله ، و لأنّ صاحب المركز حدّثني بهدوء في الموضوع فقد إتّصفت إجابتي له بهدوء حيث سألته حرفيا : “هل أفهم من كلامك هذا أنّني ممنوع من الدخول؟ ” فأجاب بقوله أنا أوّلا أردت الإستفسار منك أنت عن الأمر” فأجبته أنّني فعلا أكتب مقالات ضدّ هذا الدكتاتورالمدعو زين العابدين بن علي و أدخل إلى مواقع تُنكر السلطات أنّها محجوبة في تونس و منها تونيس نيوز ، و أنّني لست على إستعداد لأن أقاطع عادة كشف ما يُمارس هذا الجنرال و أذنابه في حق الشعب التونسي من غنتزاع لحقوقه و نهب لثرواته و إمتهان لكرامته و إنّني لست وحدي في هذه المهمّة كما أنّني لست على إستعداد لأن أغيّر عادة الدخول إلى مواقع المعارضة التونسية و مواقع المنظمات الحقوقية المحجوبة في تونس . ثمّ سألته إن كان قد سأل العونان اللذيْن حضرا له : لماذا لايتعهدان هما بمنعي إن كانا يقدران ، فأجابني بهدوء بقوله حرفيا :أنا يا أخي أردت الحديث معك بشكل ودّي في الأمر لأفهم الحكاية فقط و لأعرف إن كنت تدخل مواقع ممنوعة أم لاو لم أعلمك بأنّني أمنعك من الدخول و أنت حريف و حرّ في الدخول فأنا لم أتسلّم قرارا كتابيا من الحكومة بمنعك من الدخول و لذلك لست على إستعداد لمنعك وأرجو منك فقط أن لاتدخلني في مشاكلك معاهم و لا تدخل إسم مركزنا العمومي للأنترنت في الموضوع ،فما تفعله هو أمر لا يخصّني و يعنيك لوحدك و هم لو أرادوا منعك لحضروا بأنفسهم فهذه ليست مهمّتي أنا”.

في الواقع هذه الممارسة البوليسية التي هدفها ترهيب صاحب المركز العمومي للاترنت من حضور إلى هناك ، هي ليست الأولى التي أتعرّض لها و لن تكون الأخيرة على ما أعتقد ، فطوال عمري لم أنعم بحرية المرور في شبكة الأنترنت ببلدي و دائما ما أجد حرس المرور منتشرا في طرقات الشبكة العنكبوتية مُلاحقا لي ليلعب لعبته المفضّلة معي إمّا بحجب المواقع التي أكتب فيها أو بالعبث بإيمايلات عديدة كنت أنشأتها أو بإرسال الأعوان لترهيب أصحاب المراكز العمومية للأنترنت منّي ، صدّقوني أنّني فعلا صرت أحلم بشيء واحد في حياتي و هو أن أدخل يوما واحدا إلى شبكة الأنترنت و أُبحر من الصباح إلى المساء دون أن أجد الموانع ، هذا أكبر حلم في حياتي صدّقوني و حتّى حينما كنت أمنّي النفس بأن أحقق هذا الحلم البسيط يوما بأن أسافر إلى بلد آخر ليس فيه بن علي و ليس فيه صنصرة ، حرمتني حكومة البعير هذه التي تحكمنا من حقّ بسيط للغاية إسمه جواز السفر .

مرّة في صفاقس في شهر جانفي 2006 على ما أذكر رافقني أعوان البوليس في كل مكان في المدينة و دخلوا معي مركزا عموميا للأنترنت يقع باب البحر و أبلغوا صاحب المركز بمنعي من الدخول و رغم مقاومتي أخرجني بالقوة 3 شبان من العاملين بالمركز بتعليمات من البوليس الذي كان يتفرّج و يضحك ، مرّة أخرى في صفاقس أبلغني صاحب مركز عمومي بعد أن طلب متّي بطاقة التعريف أنني ممنوع و أعطاني رقم هاتف الشخص الذي أعطاه التعليمات فإتضح أن إسمه شكري بن موسى و كان يشتغل وقتها على رأس فرقة بوليسية إسمها فرقة الإرشاد (لست أدري الإرشاد عن ماذا تحديدا و عمّن) مُبلغا إياي أنّه حضر لديه هو و أعوانه بعد آخر زيارة لي إلى هناك و أبلغه بضرورة منعي .

و في مناسبة أخرى حضر 4 أعوان من أمن الدولة و أخرجوني بالقوة من مركز عمومي بشارع الحبيب ثامر بالعاصمة في فترة إضراب 18 أكتوبر عن الطعام .

و منذ أيّام قليلة كنت مشتركا في المركز العمومي للأنترنت القريب من بيتي و تحديدا المركز الذي يقع بمنطقة السعيدية إلى جوار محطّة المترو ففوجئت بقطع الشبكة عنّي كلّما دخلت إلى أي موقع بالشبكة، فسألت صاحب المركز: لماذا أنا فقط تنقطع عنّي الشبكة في كلّ زيارة ؟ فأجابني بقوله حرفيا : “إنت تعارض في الحاكم و تحب تقعد تحل الأنترنت راهم هُوما الّلي قصُّوها عليك مش آنا ” ، فاجأتني إجابته فسألته : و أنت من أين لك أنّني معارض أصلا؟ فقال لي إنّ أعوان الأمن بباردو كانوا حضروا أكثر من مرّة طالبين منه معلومات عن المواقع التي أدخلها و ماذا أفعل و أنّه أعلمهم بعجزه عن معرفة مذا أفعل تحديدا و أنه لم يخبرني بالأمرسابقا لأنّه “حشم منّي” على حدّ قوله ناصحا إيّاي بأن أغيّر المركز العمومي للأنترنت حتّى لا يتفطّنوا لي و بالتالي يتيسّر لي الدخول إلى ما أريد دون قطع للشبكة و قد عملت بنصيحته و إنتقلت إلى مركز آخر فإكتشفت فعلا أن المشكل الفنّي لم يعد قائما و لكنهم سرعان ما حضروا إلى المركز الجديد الذي إشتركت به كما ذكرت لا ليفعلوا فعلتهم في الشبكة هذه المرّة و إنّما في صاحب المركز .

الأمر كما يعرف جميع النشطاء في تونس لا يسري على شخصي فقط ، فمرّة منعت صاحبة مركز للعمومي للأنترنت بنهج يوغسلافيا المحامية و الحقوقية سامية العكرمي من الدخول إلى تونيس نيوز و حدث الأمر نفسه مع السجين السياسي السابق الحسين بن عمر في مركز الأنترنت بشارع مدريد . و في شهر فيفري 2006 حضر البوليس و أخرج الزميل لطفي الحيدوري من مركز شارع الحبيب ثامر بالقوة و إحتجزوه في سيارة لساعة لمنعه من إرسال مقال جديد إلى مجلة “كلمة”. و في حالة إذا إشترك معارض في الشبكة من بيته لا تمضي أيام معدودات حتّى يقطعوا عليه الشبكة جملة و تفصيلا و إلى أجل غير معلوم .

و من يتجرّأ في تونس على إنشاء مدوّنة يعرف أيضا حجم المجهودات المهولة و ذات السرعة الساحقة التي تبذلها وزارتي الداخلية و الإتصالات معا لحجب المدوّنة في أسرع الآجال ، إسألوا المختار اليحياوي كم حجبوا له من مدوّنة ، و أمّا العبد الفقير إلى ربّه فصرت كلّ يوم أغيّر عنوان مدوّنتي من فرط ما طالها الحجب .
بعد كلّ هذا ، أريد أن أوضّح أنّ المسألة المُضحكة الكبرى التي صادفتها كمواطن غير صالح في تونس منذ إفتكاك بن علي للحكم في 87 ، هو أن أكثر صورة حائطية لاحقتني في حياتي هي صورة بن علي الكبيرة الحجم هذه المعلّقة في أغلب مراكز الأنترنت و التي يظهر فيها صاحبنا و هو أمامه حاسوب جوّال من الحجم الكبير جدّا و السيّد “عامل بعْمايلو و هُوّا يظهّرلنّا في رُوحو على أساس إنّو الدكتور الأعلى متاع مجتمع المعلومات ” ، الذي يُدمّر أعصابي كلّما واجهتني هذه الصورة في مركز الأنترنت هو أنّني أشعرببن علي و كأنّه يُريد أن يخاطبني من خلالها ليقول لي بأعلى صوت :” أنا وحدي ادخل إلى جميع المواقع و أمّا أنت فلا . . آنا راني دخّلت الأنترنت لتونس ليّا آنا فقط مُشْ ليك و لأمثالك”.

ومع كلّ الذي تقدّم ، هناك مسألة بسيطة أريد أن أقولها لعمّنا الدكاتور، و هي أنّني يا بن علي رغم كلّ هذه المتاعب التي سبّبها لي نظامك و لعديد الشرفاء في تونس في شبكة الأنترنت و رغم كلّ هذا الإزعاج الفائق الذي ما فتئ تسبّبه لي صورتك الغريبة تلك التي أجدها مُعلّقة في كلّ مركز أنترنت تقريبا ، إلاّ أنّني أنا الرابح مع ذلك في نهاية المطاف و لست أنت ، فأنا مازال قلمي حرّا مشعّا في الشبكة التي أنت أشهر أعدائها في كلّ الكرة الأرضية و مازال متينا لم يُكسر رغم محاولات أجهزتك المتشعّبة الوسائل، و أنت في المقابل “سُلطانك” صار مفضوحا أكثر في كلّ العالم بفضل قلمي و أقلام أمثالي و متآكلا من جميع نواحيه بفضل مُعاداتك للنور و للحقيقة و للحريّة . . . و للإنسان!

و في الختام ، هناك سؤال حيّرني منذ مدّة أريد أن أطرحه عليك قبل أن أمضي و “برحمة اللّي جابك” لا تخيّبني و أجبني عنه يا معالي الدكتاتور .

السؤال هو: لماذا في كلّ أنحاء العالم العربي يسمّونها مقاهي أنترنت و أمّا أنت بالذات فأذنت أن تُسمّى هكذا “مراكز عموميّة للأنترنت” ؟ هل لأنّك تريد أن يُذكّرك إسمها دائما بالمراكز العمومية للأمن وفاء منك لمهنتك الأصلية؟ أمْ لأنّك تُريد أن تقول من خلالها لكلّ التونسيين : إنّها (أي المراكز العمومية للأنترنت) تمثل لهم الطريق التي يسلكه أي مناوئ منهم لدكتاتوريتك إلى مراكز الأمن العمومي مباشرة .
رجاء أرسل لي الإجابة عبر الإيمايل و بالتحديد من ذلك الحاسوب الجميل الضخم الذي تظهر أمامه في الصورة . .