بقلم الأستاذ فتحــي نصـري

Maitre_nasri@yahoo.fr

إننا نحتفل اليوم بمناسبتين الأولى يوم المرأة العالمي و الثانية تحقيقنا للنصر في خلع الحجاب، فنم مطمئنا في قبرك يا أتاتورك.

أسلي كوكسوي

الحجاب بين الايديولوجيا و السياسية

و أخيرا لبس اليسار التونسي ” العمة “(بكسر السين)، و ترك فقهاؤه و شيوخه الجدلية و الديالكتيك و أصبحوا يخوضون فيما كانوا يسمونه ” بأفيون الشعوب ” و تحولوا تحت تأثير مزج الايديولوجيا بالسياسة إلى معممين ( بفتح الميم ) يفتون في نصوص قطعية الدلالة، هكذا لاح المشهد الإعلامي التونسي مع افتتاح السنة السياسية و انطلاق الموسم الدراسي.

قد يبدو الأمر غريبا أن يتحالف بقايا اليسار التونسي المتطرف و اساطنة الحزب الحاكم، و لكن المطلع على الكيمياء السياسية للعقدين الأخيرين لا يخفي عليه زواج المصلحة بين حزب أسس شرعيته على ميراث علماني و يسار يعيش حالة ارتكاس
و انحسار، فالفكر اليساري يشهد غربة وانبتاتا نتيجة استحالة سيطرته على مجتمع يخضع لمنهج حياة مناقض له و هو ما عبر عنه المفكر اليساري محمد عابد الجابري ” بالفقر الفكري ” و ” النصية السلفية ” محللا الحالة التي وصل إليها الفكر اليساري العربي بقوله “ما يدعى الآن بالماركسية العربية هي مجرد ماركسية كلاسيكية فقهية على الطريقة العربية الإسلامية القديمة، إنها لم تخرج بعد عن دائرة الجدال الكلامي الفقهي، دائرة التفكير في النصوص و محاولة تأويلها بهذا الشكل أو ذاك إلى الهجوم على الواقع الموضوعي، الواقع الملموس الذي عاشته و تعيشه الأمة العربية بسلاح التحليل الديالكتيكي ” [1] ليصل الدكتور الجابري إلى لجوء التيارات اليسارية إلى طريقة التسلل إلى هياكل الأحزاب الأخرى القائمة و النافذة لتمرير خطابهم أو نسف هذه الأحزاب من الداخل [2]. فأصبح اليسار التونسي يسعى بعد إفلاس بضاعته إلى فرض تصوراته للنظام الاجتماعي الخاص به حتى يضمن لنفسه الاستمرار مما يفسر محاولة التميز من أجل البقاء، و هو ما أشار إليه المفكر اليساري عبد الله العروي ” إن الماركسية العربية المنفصلة عن الهيئة الاجتماعية تتحول إلى علامة تميزية فقط “. [3]

من هذا المنطلق يحاول اليسار التونسي دفع الحزب الحاكم إلى خوض معركة ثقافية بالنيابة عنه لطمس هوية صمدت أمام كل محاولات التغريب البورقيبي، بل و تجذرت مع تنامي ظاهرة الإسلام السياسي، فاليسار يعلم جيدا أن المعركة الحقيقية لاستئصال ما أصبح يعرف بالإسلام السياسي تنطلق أساسا من هدم البنية الثقافية للمجتمع و تجفيف منابع التدين مقتدين في ذلك بشيخهم المفكر اليساري مكسيم رودنسون [4]، و هو ما لخصه أيضا المفكر اليساري عبد الله العروي “إذا ما تحققت السيطرة الثقافية فسنعطي المطلب السياسي صبغته الشرعية” [5] و سعي اليسار التونسي المتطرف الآن إلى التأثير في مواقع أخذ القرار السياسي عبر التسلل إلى اللجنة المركزية للحزب الحاكم و التقرب من الرئيس زين العابدين بن علي و ولوج المناصب الأمنية الحساسة و الميدانية لإدارة الصراع الايديولوجي مع الإسلاميين بواسطة أجهزة الدولة، و هذا الأسلوب دعا إليه عديد المفكرين اليساريين من أمثال إلياس مرقص [6]، و عبر عنه صراحة المفكر اليساري المغربي عبد الله العروي بقوله ” على المثقف العربي أن ينفذ إلى الجذور و يتصدى لحرب ايديولوجية لا هوادة فيها، هذا الهدوء يجب أن ينتهي و يخلفه صراع متواصل، ان اجتثاث الفكر السلفي من محيطنا يستلزم منها كثيرا من الجهد ” [7].

إن المتأمل فيما أضحى يسمى بمعركة الحجاب في تونس يلحظ هذا التهافت الكبير لبعض رفات اليسار و كتاباتهم المكثفة حول طائفية الحجاب و عدم علاقته بهوية البلاد، و الملفت للنظر هو تحولهم إلى فقهاء حريصين على حسن فهم و تطبيق النصوص الدينية مرتدين لباس المجددين للفقه الإسلامي، و هذا تحول في خطاب اليسار التونسي الذي أحس أن خطابه السابق و أسلوبه في إدارة الصراع الفكري مع الإسلاميين صادم الضمير و الحس الديني للجمهور فحاول دخول مربع المقدس لإدارة الصراع وفق نفس آليات خطاب الإسلاميين مستعينا بأباطرة الفساد السياسي و فقهاء السلطان، حتى أصبحنا لا نفرق بين اليساري برهان بسيس و وزير الشؤون الدينية أبو بكر الأخزوري، فقد كتب برهان بسيس في جريدة الصباح ” توصية الشرع في الفرض هي إلحاح على لباس الستر و الحشمة لا على قالب جاهر بتفاصيل مقدسة…” [8] و هو ما أفتى به أبو بكر الأخزوري “الحجاب دخيل و نسميه بالزي الطائفي باعتبار أنه يخرج من يرتديه عن الوتيرة ” [9] و لم يشذ المفتي الجديد رمز الفساد المالي الهادي مهني الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي حين أفتى ” الحجاب لا يمت للإسلام بصلة و لا علاقة له بهوية البلاد و أصالتها ” [10].

أما على المستوى السياسي و الثقافي فخطاب اليساريين تداخل بشكل متماهي مع خطاب رموز الحزب الحاكم في تصوير خطر الحجاب على البنية الثقافية و مكانة المرأة داخله، فقد كتب من يسمي نفسه بقيس من باريس ما يلي: ” ألا يعكس التشبث بالحجاب نظرة جنسية للمرأة و اعتبارها كتلة من الجسد ” [11] و هو نفس الخطاب الذي تردد على لسان الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي حين قال: ” إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل و التصويت و أن تمنع من الدراسة و أن تكون فقط أداة للتناسل و القيام بالأعمال المنزلية “.مما يوحي بتزاوج خطاب اليسار و خطاب الحزب الحاكم في محاولة لإخراج خطة تجفيف منابع التدين في لبوس جديد و بذرائع جديدة.

ما أشبه اليوم بالأمس نفس المعركة بنفس الخطاب و نفس الوسائل و نفس التحالف، هي معركة الحجاب في تركيا، فبعد قرار المحكمة الدستورية التركية بتاريخ 7/3/1989 بإلغاء القانون الذي يسمح بارتداء الحجاب في المعاهد و الجامعات التركية صرحت رئيسة اتحاد النساء التركي اسلي كوكسوي ” إننا نحتفل اليوم بمناسبتين الأولى يوم المرأة العالمي و الثانية تحقيقنا للنصر في خلع الحجاب ، فنم مطمئنا في قبرك يا أتاتورك ” [12] و هو نفس ما تناقلته وكالات الأنباء عن تعبير الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن قلقها لتنامي ارتداء الحجاب بعد أن كان شبه مغيب طيلة عقدين،و لم يجد اليسار سواء في تركيا أو في تونس حرجا في الربط بين محاربة الحجاب و بين مباديء الحرية،و كأن الحرية لا تقوم إلا بخلع الحجاب عن المرأة،فقد سبق للنقابي اليساري صالح الزغيدي أن صرح ” إن تأييد ارتداء الحجاب باسم الحرية لا معنى له ” و هو ما أكده رئيس حزب الشعب الاشتراكي(التركي)اردال اينونو حين قال ” إن الاعتراض على قرار منع الحجاب هو اعتراض على العلمانية “.

ان اليسار التونسي و باسم البراغماتية السياسية تخلى عن جوهر العلمانية و مباديء الديمقراطية و قوض أسس حقوق الإنسان التي ما فتيء يتشدق بها و يرمي بها الإسلاميين في محاكمة للنوايا، ليتحول اليساريون إلى واجهات إعلامية للسلطة الحاكمة، و سيوفا يضرب بها نظام السابع من نوفمبر خصومه السياسيين، و فقهاء يفتون بغير علم بعد أن حولوا قبلتهم من البيت الأحمر شطر البيت الأبيض.

لباس المرأة بين القانون التونسي و القانون الدولي:

إذا كنا نؤمن أن حرمة الإنسان مبدأ من المباديء الأساسية لعقيدة التوحيد و أسمى أوجه تحقق قيمة التكريم الإلاهي للإنسان، فإننا نؤمن أن الإسلام هو الوسيط الخارجي الذي عن طريقه يحقق الإنسان قيمته الحقيقية، و يتحقق عن طريقه الحق في الحصول على الحقوق التي تضمن حرمته و حريته، فالإنسان ليس فردا في مقابل المجتمع، كما ليس المجتمع سوى الأفراد الذين يتكون منهم،مما يتعين معه أن تستند حقوق الإنسان إلى أسس متينة،فيصبح الحق مجرد قيمة غير قابلة للفسخ أو التعطيل أو قصرها على شخص دون آخر،و أخطر ما يمكن أن يعطل هذه الحقوق هو الخلط بين التأثير الإيديولوجي و بين الحق كقيمة،فالاختلاف في عملية تنزيل الحق لا يلغي قيميه الحق في ذاته،فالاختلاف مثلا في اختيار شكل اللباس لا يلغي الحق في حرية الفرد في أن يلبس ما يلائم دينه و فكره
و ثقافته و ذوقه ما دام ذلك لا يسيء إلى الآخرين، و قد عبرت السيدة فاطمة قسيلة عن هذا المعنى بقولها ” ارفض ارتداء الحجاب رفضا مطلقا لكن احترام الآخر هو سيد الموقف
و يجب الخضوع له ” وهو نفس ما صرح به رئيس الوزراء السابق عصمت أوزال بقوله: ” إن التدخل في الحجاب و لبس المرأة يتنافى مع مباديء الحرية و العدالة ” [13] كما أن رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب اردوغان أجاب عن سؤال حول فرض الحجاب ” إن قضية اللباس هي حرية شخصية “.

من هذا المنطلق أقرت المواثيق و العقود و العهود الدولية أو ما يسميها رجال القانون الدولي ” بالشرعية الدولية ” عدة مباديء عامة تمت صياغتها في قواعد قانونية مجردة و ملزمة تهدف لحماية حرية الإنسان بقطع النظر عن دينه و معتقده و عرقه و جنسه و لونه

و نظرا لكون شيوخ اليسار التونسي قد لبسوا العمامة و تمترسوا داخل مربع المقدس بخطاب ديني، فسيكون مدخلي لمناقشة موضوع لباس المرأة و الحجاب بصفة خاصة خارج مربع النص الديني و لكن استنادا إلى النصوص القانونية الوضعية، فقد كفاني الدكتور عمر النمري الرد انطلاقا من النص القرآني و تفسير العلامة محمد الطاهر بن عاشور أفضل رد في هذا المجال [14].

بداية فإن المنشور 108 و بقية المناشير اللاحقة به سواء المنشور رقم 81 أو رقم 35 أو رقم 70 هي صادرة عن السلطة التنفيذية مما يجعلها لا تتمتع بنفس المكانة التي تتمتع بها القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية و التي تستمد علويتها من كونها تعبير عن الإرادة الجماعية،و في المقابل فإن القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية تقل منزلة عن الدستور و تخضع لمبدأ الدستورية Le Principe de “Constitutionalité” مما يسمح بإعلاء الدستور على كل النصوص و القواعد القانونية الأخرى, و تبقى بالتالي القوانين سواء منها الصادرة عن السلطة التشريعية أو التنفيذية[ اللوائح] خاضعة للدستور على المستويين الشكلي و المادي،و لا يعتبر القانون سليما إلا في حالة عدم تعارضه مع مضمون الدستور حفاظا على مبدأ تدرج القواعد القانونية،أما القواعد الدولية مجسدة في المواثيق و العهود الدولية،فإنها تصبح ملزمة للدولة بعد المصادقة عليها و قبولها ضمن القواعد الإلزامية
” المعاهدات لا تعد نافذة المفعول إلا بعد المصادقة عليها، و المعاهدات المصادق عليها بصفة قانونية أقوى نفوذا من القوانين” [15] و مادام أن الدولة التونسية صادقت على المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و لم تكتف بالتوقيع عليها، فإنها تصبح ملزمة لها، مع مراعاة خضوعها من حيث العلوية للدستور، و علوها في المقابل على القوانين سواء الصادرة عن السلطة التشريعية أو التنفيذية، مما يعطينا الترتيب التفاضلي التالي من حيث العلوية و هو ما يعبر عنه بالتنظيم القانوني :

  • الدستور التونسي.
  • القوانين الدولية المصادق عليها.
  • القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.
  • اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية(و منها المنشور 108)

بداية ما يمكن التأكيد عليه في هذا المجال هو ضرورة خضوع اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية(و المنشور 108 إحداها) و عدم تعارضها مع مواد الدستور، و يعتبر الدستور الصادر سنة1861 و الذي كان يسمى ” بقانون الدولة ” أول نص في تاريخ التشريع الدستوري العربي مما يعطيه أهمية بالغة و قد تضمن هذا الدستور ان سائر سكان المملكة لهم حق التصرف في أنفسهم و أحوالهم و لا يجبر أحد منهم على فعل شيء يغير إرادتهم [16] ما يوحي بأن التشريع الدستوري التونسي استوعب مبدأ الحرية كأساس للتشريعفي صياغة دستور 1959.

و السؤال الذي يطرح نفسه هل جاء المنشور 108 المتعلق بمنع ما سمي بالزي الطائفي في إشارة إلى الحجاب متوافقا مع بنود الدستور التونسي و المواثيق و العهود الدولية؟
و حتى أكون موضوعيا و علميا في الإجابة على هذا السؤال سأكون ملزما بالإشارة إلى مواد الدستور و مواد المعاهدات الدولية، باعتبار علوية الدستور على هذه المعاهدات، و علوية المعاهدات على القوانين، أي أن المنشور 108 حتى يكتسي صفة الشرعية
و القانونية و إلزامية التطبيق يجب أن يكون متوافقا مع مواد الدستور و مواد القوانين الدولية.

و يتمحور مضمون المنشور 108 المتعلق بمنع ” الزي الطائفي ” حول تقييد حرية الملبس،و المنع من دخول المدارس و المعاهد و الجامعات بهذا الزي( أي حق التعليم)،و المنع من مباشرة العمل في الإدارات و المؤسسات العمومية بهذا الزي (أي الحق في العمل).

أولا : حول حرية الملبس:

  • جاء في الدستور التونسي ” الجمهورية تضمن حرمة الفرد،و حرية المعتقد ” [17] حرية الفكر و التعبير ” [18] ” كل المواطنين متساوون في الحقوق و الواجبات و هم سواء أمام القانون ” [19].

  • جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان [20] ” يولد الناس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق ” [21] لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه ” [22].

  • و جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية [23] ” لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته ” [24] ” لكل إنسان حق في حرية الفكر و الوجدان و الدين و حريته في إظهار دينه أو معتقده [25].

  • و جاء في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة [26] ” الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، و كفالة تصرف السلطات و المؤسسات العامة بما يتفق و هذا الالتزام ” [27].

فمن خلال إخضاع مضمون المنشور 108 بمنع المرأة من ارتداء الحجاب و مطابقته لمواد الدستور السابقة و مواد المعاهدات الدولية يتضح جليا أنه يتعارض و هذه المواد التي تنص على احترام حق المرأة في اختيار ملبسها ضمن خصوصياتها و حياتها الخاصة
و حرية تفكيرها و معتقدها،أي أن المنشور 108 سيء الذكر يعدم هذه الحرية و يتدخل بشكل سافر في الحرية الشخصية في اختيار اللباس الذي يتناسب مع تفكير و دين المرأة،
و بالتالي فهو يتعارض مع مواد الدستور التي تتمتع بعلوية ضمن النظام القانوني،مما يضفي على هذا المنشور صفة ” غير دستوري “.

ثانيا : حول حق التعلم:

  • فقد نصت توطئة أو ديباجة الدستور التونسي على الحق في التعليم و توفير الضمانات الكافية لذلك،و الديباجة مكملة لمواد الدستور.

  • جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل شخص حق في التعليم ” [28].

  • جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية [29] ” حق كل فرد في التربية و التعليم ” [30].

  • أقرت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة حق المرأة في التعليم [31].
    إن كانت مواد الدستور التونسي و مواد المعاهدات الدولية تنص على حق المرأة في التعلم و توفير جميع الضمانات و الآليات لتسهيل ممارسة هذا الحق بل وجعل التعليم إجباريا ، فان المنشور 108 والمناشير اللاحقة لها تمنع المرأة من حقها في التعليم ، وذلك بمنع المحجبات من دخول المدارس والمعاهد والجامعات ، وبالتالي فان المنشور المذكور يحرم المرأة من حقها في التعليم ، مما يتعارض كليا مع مواد الدستور ، ويكون بذلك هذا المنشور غير دستوري .

ثالثا : حول حق العمل والكسب :

أكدت ديباجة الدستور التونسي على الحق في العمل والصحة …
جاءفي الإعلان العالمي لحقوق الانسان ” لكل شخص حق العمل ” [32]
أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية على الحق في العمل وكسب الرزق وتوفير الظروف الملائمة لذلك [33]
أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على الحق في العمل بوصفه حقا ثابتا لجميع البشر [34]

ان ما تقوم به السلطات التونسية من منع الموظفات المحجبات من دخول الإدارات والمؤسسات العمومية يعتبر خرقا لحقها في العمل والكسب المنصوص عليه في الدستور والمواثيق الدولية ، وقد شاهد العالم في قناة ” الحوار ” الفضائية مأساة زوجات وبنات المساجين السياسيين وما يتعرضن له من منع للتعلم والكسب ، و تعريضهن لعملية تجويع وتشريد ممنهجة بحجة تطبيق المنشور 108 ، وهذا المنشور كما تم
توضيحه سالفا يعتبر غير دستوري ، وبالتالي فان تطبيقه وبالكيفية الفاحشة والموغلة في الحقد والضغينة والتمييز بين النساء التونسيات وتصنيفهن درجات من حيث المواطنة ، يعتبر أيضا خرقا واضحا للمواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها تونس وأصبحت ملزمة لها ، ما يعني أن رفع دعوى قضائية أمام الأمم المتحدة بخصوص عدم شرعية المنشور 108 يجد سنده في مخالفته للمواد المذكورة أعلاه وفي تضرر العديد من النساء التونسيات المحجبات من هذا الحيف الذي يمس حقوقا جوهرية يصطلح على تسميتها
” بالجيل الأول للحقوق ”
وحتى تكون المناقشة بشأن المنشور 108 سيىء الذكر مستوفية لشروطها وجوانبها وخاصة مسألة المحلية والخصوصية والثوابت الوطنية التي يتشدق بها فقهاء الحزب الحاكم وشيوخ اليسار المتطرف ، فان الإحالة على الميثاق الوطني الموقع من طرف ممثلو الأحزاب السياسية والتنظيمات الإجتماعية والمهنية يكون ضروريا ومفيدا ، وهذا الميثاق هو عبارة عن عقد شرف في التعامل السياسي والإجتماعي وفق الثوابت الوطنية ، فقد جاء في هذا الميثاق ” ان حماية الحريات الأساسية للإنسان تقتضي ترسيخ قيم التسامح ونبذ كل مظاهر التطرف والعنف وعدم التدخل في معتقدات الغير وفي سلوكه الشخصي فضلا عن التفكير … ” [35]

وفي الختام أكتفي بالتذكير بما جاء في البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان المعلن في اجتماع انعقد في مقر منظمة اليونسكو في باريس في 19 سبتمبر 1981 ” ليس لأحد أن يلزم مسلما بأن يطيع أمرا يخالف الشريعة ، ومن حقه على الجماعة أن تحمي رفضه تضامنا مع الحق …” [36] ، كما أذكر بما جاء في مقدمة النظام الأساسي للمنظمة العربية لحقوق الانسان ” ان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تعتبر حقوقا وحريات أصلية لا يمكن النزول عنها ، وان التعدي على هذه الحقوق أو المساس بها أو تجاهلها يبدد طاقات الوطن … وان الدفاع عن حقوق النسان وحرياته الأساسية واجب لا يجوز التقصير فيه أو التقاعس عنه …”

[1] ” نحو رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية ” لمحمد عابد الجابري ( ص 115 )

[2] نفس المرجع السابق ( ص110 )

[3] ” العرب والفكر التاريخي ” لعبد الله العروي ( ص 177 )

[4] راجع كتاب رودنسون ” الماركسية والعالم العربي ”

[5] ” العرب والفكر التاريخي ” ( ص 183 )

[6] راجع كتاب الياس مرقص ” تاريخ الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي ”

[7] ” العرب والفكر التاريخي ” ( ص 245)

[8] مقال لبرهان بسيس منشور بتونس نيوز بتاريخ 5/ 10 / 2006

[9] تصريح لوزير الشؤون الدينية أبو بكر الأخزوري

[10] تصريح لهادي مهنى أشارت اليه تونس نيوز بتاريخ 5/10/ 2006

[11] مقال منشور بتونس نيوز بتاريخ 2/10/2006

[12] تصريح في احتفال بيوم المرأة العالمي باسطنبول بتاريخ 8/3/1989

[13] تصريح بتاريخ 9/3/1989 تناقلته وكالات الأنباء خلال معركة الحجاب بتركيا

[14] مقال منشور بتونس نيوز بتاريخ 8/10/2006

[15] المادة 32 من الدستور التونسي لسنة 1959

[16] الفصل 89 من دستور 1861

[17] المادة 5 من الدستور

[18] المادة 8 من الدستور

[19] المادة 6 من الدستور

[20] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10ديسمبر 1948

[21] المادة الأولى من الإعلان العالمي

[22] المادة 12 من الإعلان العالمي

[23] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 والمصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية

[24] المادة 17 من العهد الدولي المذكور سابقا

[25] المادة 18 من العهد المذكور سابقا

[26] اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المؤرخ في 18 ديسمبر 1979 والمصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية

[27] المادة2 من الإتفاقية المذكورة سابقا

[28] المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان

[29] العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 والمصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية

[30] المادة 13 من العهد المذكور سابقا

[31] المادة 10 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

[32] المادة 23 من الإعلاان العالمي لحقوق الانسان

[33] المادتين 6 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

[34] المادة 11 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

[35] الميثاق الوطني الموقع عليه بتاريخ 7نوفمبر 1988

[36] الفقرة (ه) من البند الرابع المتعلق بحق العدالة ، وكان من بين المساهمين في هذا البيان المناضل الجزائري أحمد بن بلة