بسم الله الرحمن الرحيم

المتابع للسلوك السياسي للحركة الاسلامية في تونس *(وأقصد في ذلك حركة النهضة بصفتها محط أنظار المراقبين المحليين والدوليين)* على مدار أكثر من عشرية هو تواري التعبير السياسي الرسمي للحركة عن نفسها,فباس! تثناء الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة أو عامر العريض بصفته رئيس المكتب السياسي لم يعد هناك تقريبا من يتجرأ على تقديم نفسه للعالم أو للداخل على أنه طرف رسمي يمثل هذه الحركة
ولااتحدث هنا عن بعض المناسبات القليلة التي تنظم فيها بعض التظاهرات المشتركة بين قوى المعارضة حيث ينبعث من هنا أو من هناك من يتجرأ على اعلان صفة العضوية في المكتب السياسي أو التنفيذي ربما ,وانما قصدت وعنيت المرجعية السياسية والفكرية التي تعلن نفسها جهة رسمية للتفاوض أو التعبير عن تطلعات الجمهور العريض للحركة ومواقفها
واذا كانت سنوات الثمانينات قد عجت بهذه الرموز التي تنافح عن فكر الحركة وتبرز في وسائل الاعلام المستقلة أو المعارضة أو الدولية قصد التعبير عن المدارس الفكرية والسياسية لهذا الحزب فان سنوات التسعينات وبداية الألفية الثانية قد عرفت جفافا وقحطا لامبرر لهما
قد يعود البعض عند التطرق الى هذا الأمر الى! مسألة المضايقة الأمنية التي لم يحصل لها مثيل بالبلاد منذ سنة 91 ,ولكن اذكر في هذا الصدد بأن المهجر ظل عاجزا عن سد هذا الفراغ وظل باستمرار يبحث عن لافتات أخرى يطرق بها أبواب العمل السياسي ,ومن هنا كان الاحتماء بفضاءات حقوقية أو سياسية أخرى لاتعبر كليا عن مشروع النهضة وانما تعبر عن بعض سياساتها المرحلية وبعض أولوياتها المتعلقة بالحريات الشخصية والعامة
ان فضاء الحرية المتاح في بعض العواصم الغربية وقع احتكار التمثيل فيه لتكريس رمزية بعض الأشخاص الذين وان كنا نقدر ماقاموا به من جهود من أجل لملمة الشمل الا أننا لانتفهم لمذا لم يقع استبدالهم أو تدعيم مهامهم بوجوه شابة تؤكد قدرة هذه الحركة على التجدد
ان الفضاء الجمعياتي الذي ركنت اليه النهضة بحكم القانون لايمكن أن يكون بديلا بأي حال من الأحوال عن الحزب
واذا سالنا الأجيال الجديدة في تونس عن النهضة فانهم سيقزمونها في شخص رئيسها الذي ! يدلي بتصريحات ومواقف رسمية من حين لاخرعلى بعض الفضائيات من منفاه بلندن,في حين أن النهضة أو حركة الاتجاه الاسلامي كانت على أيام القمع البورقيبي تمثل أكثر من رمز وأكثر من منظر وأكثر من زعيم ولعل أسماء العريض والجبالي وعبد الفتاح مورو والدمني والحبيب اللوز والصادق شورو والزواري والحبيب المكني وبولعابي وكركر والفاضل البلدي ونور الدين البحيري…كانت خير شاهد على ذلك
اليوم يتبرم الجميع من تحمل المسؤولية…لست أدري…!اليوم فكك التنظيم داخل البلاد وهو صحيح…اليوم يتراجع القادة البارزون في أكثر من عاصمة عالمية عن الاستعداد للدفاع عن ميراث الحركة وماثرها وبطولاتها بشكل رسمي…وهو ملحوظ!
اذا كيف يطلب من أعضاء هذه الحركة تحمل مسؤولياتهم كاملة تجاه وطنهم واخوانهم المعتقلين اذا كان العنصر القيادي يتبرم من مواصلة المشوار ويكتفي هؤلاء بالاعلان عن أنفسهم كقيادات فقط على المستوى الداخلي !؟
حكى لي أحد أبرز قادة المعارضة حادثة ذات دلالات عميقة وهاأنا أتكفل بروايتها لكم من باب المحاجة التي تهدف الى الارتقاء بهذا الحوار
لقد طلب في الأسابيع الأخيرة من شخصين عرفوا بتوليهم مناصب قيادية في النهضة داخل البلاد,طلب من هؤلاء الاعلان عن أنفسهم كعناصر مؤسسة في الهيئة التنسيقية من أجل الحقوق والحريات بصفاتهم النهضوية والقيادية ,ولكن ماجلب انتباه من روى لي هذه الحادثة هو أن هؤلاء المعنيين سارعوا في ندوة صحفية عقدت من أجل الاعلان عن المشروع الى ذكر أنهم ساهموا في هذه الهيئة بصفتهم الشخصية
وعلى ضوء ذلكم كله يحق لي اليوم كمتابع ومهموم بما الت اليه أوضاع تيار الاسلام الوسطي والمعتدل أن أطرح اليوم السؤال الاتي :
اذا كانت النهضة كحزب أو كحركة لاتمتلك الشجاعة في مستواها القيادي للتعبير عن مواقفها وارائها وأطروحاتها ويظل الأمر فيها عند هذا الغرض حصريا على شخص أو شخصين أو حتى ثلاثة ,! فلم ينبغي الاصرار على هيكلتها القديمة ولم لايقع التفكير في مشروع سياسي جديد تحت تسمية ثانية وبوجوه جديدة لها القدرة على اعادة الاندماج في المجتمع السياسي الرسمي والمعارض كما هو حاصل من خلا ل التجربة التركية على سبيل المثال,أو ربما لم لاتتم اعادة القراءة السياسية للساحة وبالتالي الانخراط في مشروع حزبي شرعي وقانوني يوفر حماية قانونية لأبناء المشروع ويكفل لهم النشاط في الخارطة الحزبية والسياسية,وأظن أن هذا الخيار هو محل ممارسة عملية في المغرب الأقصى من قبل تيار العدالة والتنمية الذي انخرط في مناشط حزب الاستقلال ليتوج مساره السياسي ب49 مقعدا في البرلمان وادارة ست من بلديات ست مدن كبرى بالبلاد.
لقد طرحت هذه التساؤلات وأنا أدرك جيدا حجم معاناة الطبقة السياسية في تونس وحجم الخلاف بين مساحات الحرية في كل من تونس والمغرب وتركيا,ولكن جملة مانقدمه من أفكار وتصورات قد يكون مؤجلا من حيث التنفيذ الى أجل قريب أو اخر متوسط لابد أن تخرج فيه الحركة من حالة الجمود التي الت اليها,ولعلني أجد نفسي هنا حريصا على عدم تكرار تجربة تيار الاخ! وان المسلمين الذي ظل يلهف منذ أواخرالأربعينات الى اعادة تقنين وضعه دون يؤول الأمر الى نتيجة عملية,وأعتقد أن الاخوان وان كانوا نجحوا اليوم في الحضور البرلماني الأقوى على مستوى المعارضة ,الا أنهم في تقديري المتواضع لم يرتقوا من زاوية الثراء السياسي في التجربة الى المستوى الذي حققه اخوان لهم في تركيا موطن العلمانية الأول
هذه عموما مجموعة من الأفكار أطرحها اليوم على مائدة النقاش وهي في تصوري النسبي في حاجة لمزيد من الدرس والنظر عساها أن تكون غدا بمشيئة الله طريقا يسلكه المشروع في اعتدال ورفق وحب للخير والناس من أجل حياة كريمة أفضل في ربوع وطن لايمكن أن يكون الا للجميع

أخوكم مرسل الكسيبي في 21-12-2005