بقلم د.خالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

هذه كلمات قصيرة أردت سردها بعد إلحاح الضمير وإصرار الذاكرة على مغالبة النسيان… هذه سطور قليلة تريد إثبات حقوق وتأكيد واجبات… حقوق من غادرنا وكان شعلة ونبراسا في غابة الانترنت، أو من منعه فراش المرض عن معايشة أيام لها ما بعدها، ونحن نعيش حفل الانترنت أو قبرها!…

أردت أن لا تنسينا الأحداث الحالية على أهميتها وخطورتها وتسارعها، أناسا من جلدتنا، كانوا على صعيد واحد معنا وفي الصفوف الأولى في مقاومة الاستبداد وفي تلبية نداء الحرية، ثم غادرونا مضطرين غير مخيرين…

أردت اليوم أن أقف إجلالا واحتراما إلى شخصين جمعتني بهما الفضاءات الرمزية ومن وراء حجاب الحاسوب، تابعت وقوفهما ونضالهما من بعيد رغم صعوبة الوقوف وقلة من وقف، أثني الركبتين اليوم ونحن نخوض تجربة نضالية صاعدة أمام من كان سبّاقا للنضال حين تخلف الكثير ولو من وراء حجاب، وتجرأ حين كانت الجرأة على قول الحق ولا تزال مطية للمآسي والسجون…

كان زهير اليحياوي سباقا في مقاومة الاستبداد وسلك طريقا فريدة في مواجهته وفتح باب الانترنت على مصراعيه وخط طريقا لأجيال عديدة، ونال الشاب المناضل العذاب والتعذيب وأيام السجن الطوال، ثم خطفه الموت على حين غرة وهو يحمل أحلاما وجروحا وترك آمالا وأحزانا..!

وكان عم صالح كركر وهو في منفاه، ورغم الابتلاءات والوحدة والتشريد، يحاول بما استطاع إسماع صوت الوقوف والتحدي، ورغم اختلافي مع أطروحات الشيخ ودخولي معه في حوارات على النات، فقد كان سباقا في الوقوف على أعمدة النات، غير أن المرض سحبه من أمام الشاشة ورمى به في وحدة الابتلاء والصبر مجددا…

هذه الوجوه الطيبة وإن اختلفت مرجعياتنا وتصوراتنا فإننا نحمل نفس الأحلام والآمال من أجل وطن جريح… واليوم ونحن نعيش لحظة لعلها تاريخية في حياة بلدي أردت أن لا ننساهما، أن نعبّر أن وحدة الصف التي آتت أكلها لن تنس الوحدة مع من مات منا أو مرض أو ناله لغوب، ومن المروءة أن لا نترك على الطريق موتانا ولا مرضانا ولا أحياءنا، ولن ينس التاريخ بصمات البعض وآثار البعض ونضال البعض.

رحم الله زهير، وشفا عم صالح، وأعان تونس على مواصلة طريق الإصلاح والتغيير، وقيّض لها رجالا ونساء يعطون أكثر مما يأخذون، ويعملون دون أن يحاسبون، من أجل تونس وأهلها الطيبين.