بسم الله الرحمن الرحيم

شيء من الشفافية

الى أين تتجه الأمور في تونس؟

كتبه مرسل الكسيبي

لايخفى على البعض من القراء الأعزاء أنني أجتهد أحيانا من أجل معرفة اتجاهات الرأي العام تجاه مايدور من أفكار واراء في نطاق الصف المعارض وهيئات المجتمع المدني, وليس يعني هذا من قبلي اعفاء للسلطة من عملية سبر الاراء ورصدها اذ ان الاتجاه العام لمجمل الاراء لايبدي صراحة ارتياحا لطريقة تعاطيها مع جملة من الملفات على رأسها ملف حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة بل ان وضع الاعلام ونظرة الحاكمين الى الجسم المعارض بما فيها من استخفاف واحتقار هي محل امتعاض شرائح واسعة من المجتمع التونسي ولذلك اكرر النداء للقائمين على الأمر أن ينتبهوا الى خطورة مثل هذا المسلك في أي حديث عن المستقبل السياسي للحزب الحاكم أو أي من شركائه السياسيين ممن تقاسموا معه نصاب العشرين بالمائة في البرلمان وأرغمواعلى أن يقبلوا بأقل من ذلك في غير ذلك من استحقاقات سياسية.

من هنا كان الحديث واضحا حول ضرورة دخول السلطة في تونس في مرحلة حثيثة من الاصلاحات تخفف من حالة التململ الاجتماعي والسياسي وتقدم علاجات حقيقية لجملة من القضايا الوطنية وتبعد البلاد عن مخاطر التدخل الخارجي في سياساتنا الداخلية ولعل كاتب هذا المقال وأقلاما أخرى عبرت بقوة وفعالية عن هذا الاتجاه في الدعوة لهذا الاصلاح المنشود .

كتب العبد الضعيف عن ضرورة الاصلاح والمصالحة وحبرالاخوة الكرام د.محمد الهاشمي الحامدي ود.عادل النمري وعبد الحميد حمدي مقالات كثيرة في نفس السياق مركزين على معاني الصلح والعفو والصفح وأثرها على الجماعات واستقرار البلدان وحاول هؤلاء الاخوة الأعزاء تأصيل المسألة من وجهة نظر شرعية حتى لاتظل خيارات التصالح معزولة عن سياقها الشرعي والتاريخي والحضاري…

استبشر الأخ عمار بولعراس بالعودة للفعل والتاريخ يوم أن غنينا وأنشدنا لضرورة دعم مناخات السلم المدني عبر سلسلة من المبادرات التي تعجل بدعم أي حركة اصلاحية وتصالحية مع الدولة أو حتى مع الجماعات والأحزاب المعارضة.

أدلى الأخ العزيز عبد اللطيف الوسلاتي بتصريح تاريخي لمجلة العصر الاليكترونية مطالبا قيادة النهضة بالكف عن العنتريات والعودة المتواضعة الى مكامن الاقتدار السياسي المتوازن.

تألق الأخ الفاضل استاذ الشريعة الاسلامية والوجه القيادي المؤسس في حركة النهضة خميس الماجري وهو يذب الحمى عني وعن اخوة اخرين تعرضوا لسهام مسمومة من أسماء مستعارة حاولت رمينا بالانهزامية والانبطاح للسلطة ليتجاوزهم في نهاية المطاف مؤصلا لقضايا التدرج واللين والحكمة في الرد على الاراء المخالفة أو في التعاطي مع الشأن العام وأنا هنا لاأذيع سرا ان قلت بأن الأخ الفاضل رمز من رموز الاعتدال والوسطية وان كان يحلم بجيل صالح في مستوى السلف الصالح …وهو ماغاب عن حوارات الكثيرين ممن تلبسوا بألبسة” البسويدونيم”, الذين اذا أرادوا البطولات في علاقتهم بالسلطة كتبوا بأسمائهم الحقيقية واذا أرادوا تخوين اخوانهم والقدح فيهم كتبوا بالأسماء المستعارة !

قدم الأخ الخبير في القضايا الاقتصادية الأستاذ محمد النوري رؤيته للاصلاح في تونس ولقد تفاعلت معها أيما تفاعل وحزنت لتواجده خارج الأطر القيادية لحركة النهضة ولاسيما في هذا الظرف الحساس من عمر الحركة وتمنيت أن يكون أمثاله في هرم المعارضات التونسية حتى نستطيع فعليا الخروج بتونس من محنتها السياسية .

تحدثت مع اخوة أعزاء عبر الهاتف فأدركت أن أسماء الفاضل البلدي وهو أحد الوجوه القيادية البارزة سابقا في تيار النهضة وكذلك نور الدين البحيري الذي أمضى نص الميثاق الوطني هم أيضا من أعلام المصالحة العادلة في تونس بل انني أدركت أن السادة عبد السلام بوشداخ وهو أيضا وجه تاريخي مؤسس ومحمد العماري هم أيضا من دعاة منهج الخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد عبر سلسلة من المبادرات الايجابية التي تخدم مصلحة البلاد والعباد .

بل ان عريضة سياسية أمضى عليها اخوة اخرون بمن فيهم قيادات بارزة ومؤسسة في الحركة على رأسهم الشيخ عبد الفتاح مورو ود.زياد الدولاتي جاءت لتضع بعض دعاة التصعيد في موقف حرج …خاصة أن نص الخطاب فيها جاء مرنا ومحاولا أن يثمن أي خطوة على طريق الانفراج السياسي في تونس .

وبقطع النظر عن ردود الفعل داخل الجسم القيادي المهجري لحركة النهضة فان مثل هذا التيار الذي تجسد مابين تصريح تلفزي أدلى به الأخ المهندس على العريض لقناة المستقلة ومابين نصوص مكتوبة نظرت للفكرة وأصل لها أصحابهاعلى مدار راوح الشهرين على شبكة الاترنيت ,فان هذا التيار يشق بأفكاره مرحلة تاريخية اما أن تنقذ البلد والمجتمع والسلطة من حرب صامتة لم تضع أوزارها أو أن السلطة بصمتها وعدم تفاعلها بشكل جاد وايجابي وبعض الأقلام بأسلوبها الممعن في التشكيك في وطنيتنا ستفتح الطريق واسعا أمام أنصار نظرية الصدام المفتوح مع كل مايرمزللحكم الحالي وهو ماسيضع البلاد قطعا على سكة حالة مصرية أصبحت السلطة في مصر عاجزة عن التصدي لتداعياتها ولعل تدخل الرئيس بوش أول أمس على خط الصراع المباشر بين مبارك وحركة كفاية هو أحد تجلياتها…

ونحن اذ نذكر السلطة في تونس بجملة هذه المعاني فاننا نتحرك اليوم من موقع حبنا لبلدنا وعدم الرغبة في أن تتصاعد الأوضاع الى مرحلة يخرج فيها الشارع بعدها عن السيطرة ولعل بدايات تململ واسع للنخب هو انذار حقيقي بأن الأمر في قضايا الاصلاح السياسي والوطني لم يعد يحتمل التأخير بل ان تصلبا حكوميا في هذه المرحلة سيعزز مواقع أصوات المواجهة والتصعيد ويفتح الباب واسعا أمام الأجندات السياسية الخارجية ولا أظن عندها أن المعارضة ولا السلطة ستكون قادرة على التحكم في نهاياتها .

ان مؤشرات ايجابية تأتي من الأوساط الحكومية والرسمية في تونس في الأسابيع ولملا الأيام القادمة عبراطلاق سراح مجموعة من المعتقلين على رأسهم السادة الأساتذة المحامين محمد عبو وفوزي بن مراد ومجموعة من قادة الحركة الطلابية كعبد الكريم الهاروني والعجمي الوريمي ولمين الزيدي وغيرهم من الكتاب وقادة الرأي من أمثال د.أحمد لبيض والشيخ الفاضل الحبيب اللوز ومحمد العكروت …وغيرهم من الوجوه التي عانت الأمرين على مدار حقبة تاريخية كاملة سيكون بلا شك حدثا أوليا يجسد حسن النية في التعاطي مع مطالب مشروعة نادت بها كل المنظمات الحقوقية التونسية والعالمية وكل المراقبين النزهاء للشأن السياسي التونسي …وأظن حينئذ أن مثل هذه الرسائل والمؤشرات ستكون كفيلة بنزع فتيل نار بدأ الكثيرون في محاولة ايقادها عبر الحديث عن كفاية تونسية قد تكون انطلاقتها تونسية الصميم ولكن نهايتها خارجية التصميم.

والى ذلكم الحين الذي تتضح فيه الرؤية للحكم والمعارضة للأقلام المستعارة أن توقد نيران حرب كلامية مستترة لن تتضح اثارها على البلاد والمجتمع الا بعد حين ,ولايبقى لي الان الا أن أودعكم على قولة حفظ الله تونس وشعب تونس من هذه النيران !

مرسل الكسيبي

ألمانيا الاتحادية في 27 ربيع الثاني1426 ه الموافق ل4 جوان 2005م

الهاتف القار00496112054989

الهاتف المنقول00491785466311

reporteur2005@yahoo.de