توضيــح وتصحيــــح

الطاهر العبيــدي

taharlabidi@free.fr

ردّا على بعض التكهنات والتساؤلات والاستفسارات، حول وجودي من عدمه، كأحد المؤسسين لحزب حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي، المولود الجديد برئاسة الدكتور خالد الطراولي، الذي أهنئه وأتمنى له التوفيق في هذه المهمة.
فإني أستسمح كل المهتمين والمتابعين للشأن العام، في توضيح ما وجب توضيحه، رفعا للالتباس وتصحيحا للمقارنات والاقتباس…
حيث تجمعني بالصديق خالد الطراولي، شراكه فكرية وثقافية، نجتمع في العديد من الطروحات، ونختلف بعض الشيء كما طبيعة التنوع في بعض التنزيلات والمناهج والتصورات، أو إن شئنا في بعض المقترحات، غير أنه كل منّا يحترم الآخر بأدب كبير، حول مختلف الأفكار والآراء والتوجهات.

تجمع بيننا مجلة مرايا (فصلية فكرية ثقافية)، والتي بات عمرها أربع سنوات، وهي منبرا دون غلوّ، سعت وتسعى إلى نحت المفاهيم وتغذية العقول، وتنمية الذوق وطرح السؤال المهموم، ورجّ الأذهان ومحاربة ثقافة البطون، والتي نشرف معا على إدارة تحريرها، تساعدنا فيها هيئة تحرير من الكتاب والباحثين العرب المحترمين فكرا وسلوكا، من مختلف الأقطار والجنسيات العربية.
وسوف لن أذكر هنا بكثير من التفصيل، ضخامة الحمل الثقيل، وعناء هذا الإنجاز الذي عنوانه التعب والبحث الدائم والسهر الطويل، والمتابعة والحركة والهواجس المستمرة من أجل البناء والتعمير، ذلك لأن مشاريع بمثل هذه الضخامة، تتطلب التضحية ومحاربة المستحيل، ومع ذلك فقد كانت مرايا وبشهادة المختصّين والمحايدين، نقلة نوعية في عالم الكلمة الواعية، التي تحترم الثوابت تحترم الأفكار والآراء، والتنوع وتؤسس للاستنهاض والتغيير…

ولمزيد من التوضيح، وبعد أن أصبح حزب حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي معلوما لدى الجميع، وما عاد إذاعة السرّ يندرج ضمن الفعل القبيح، وللحقيقة والتاريخ أقول أنه منذ سنة، ونتيجة للعلاقة التوافقية بيني وبين خالد الطراولي، واعتمادا على الثقة المتبادلة، فقد كنت أول من فاتحه خالد الطراولي مشكورا بفكرة إنشاء هذا الحزب، وقد تناقشنا كثيرا، وتطارحنا أكثر، وتدارسنا بكثير من الجزئيات، وعبّرت عن احترامي لطروحاته، غير أنيّ اعتذرت عن الانضمام والمشاركة في التأسيس، ممّا جعل الصديق خالد الطراولي يحسّ بمرارة الاستياء، نتيجة للعلاقة التكاملية بيننا حول الإيمان بالفعل الحضاري، ومحاولة مساهمتنا في الإنجاز التغييري، مفضّلا من جهتي الاستقلالية، التي حسب اعتقادي ليست وقوفا في مفترقات الطرقات، لعدّ السيارات المارّة، ومعرفة أحجامها وألوانها وسرعتها، ونوعية قطع غيارها وشكل ركاّبها، وليست الاستقلالية حسب تصوّري، جلوسا في الشرفات لاستنشاق النسيم، ولا اختباء في الكهوف والدهاليز والجحور، والخروج متى هدأت العاصفة وانقطعت الأعاصير، كما أن الاستقلالية في ضني ليست سياحة على الشاطئ، واحتساء لفناجين القهوة، وترش!
ّفا لأكواب الشاي، وليست انطواء في المناطق العازلة، والتدثر بالأثواب الواقية، والدروع الحامية من القنابل المسيلة للدموع، ووضع الخوذات فوق الرؤوس، لتجنب أصوات الحقيقة أو أصوات المستغيثين والمستنجدين، وهي حسب رأيي ليست جثوّا على الرصيف، لتسوّل حسنة فكرية أو التقاط صدقة ثقافية، أو استجداء عملة سياسية، أو التقاط فتات أفكار، أو التراصف ضمن طوابير تستورد وتستهلك المفاهيم، دون وعي ولا تمحيص، ولا تجمهرا في القاعات المغطاة، والانبهار بالخطب العصماء والطروحات العذراء، التي تختزل الواقع وتحلق في الفضاء، وليست الاستقلالية حسب مفهومي، استقالة عن الفعل والعطاء، ولا انتظار وترقب لهبوط الأسهم السياسية، في بورصات الإيديولوجيات والتصورات والإشكاليات لانقضاض على الميراث، بل هي من وجهة نظري جرأة سياسية وشجاعة فكرية، وانتفاضة يومية وحركة فعلية، وتصورات واقعية ومعايشة حسّية وميدانية، للهموم والمتاعب الإنسانية وثورة على الشعوذة السياسية، وهي في تقديري تطابق بين القناعة والتنزيل، وتوازن بين الفعل والتفكير، وتوافق بين الرأي الحر والدفاع عن حق التعبير، وهي استنطاق للساكن والمسكون والمتحرك والظاهر والم!
ستور، وهي استفزاز للوعي والضمائر والعقول، وخضّ للهمم وزعزعة الصمت واستبيان المنطق والمعقول، والانخراط في بناء الأوطان، والتخندق في جبهات الشرف والكرامة، وقيم العدل والحرية وحق التعبير، والإيمان بدولة الإنسان والدفاع عن حرية الرأي والرأي المضاد، والتحولق حول مفهوم القيم التي تؤسس للفعل الحضاري وتبني الوعي الإنساني، والاستقلالية كما أراها تدافع وتسابق نحو الحقيقة، واستجلاء للموضوعية والسموّ عن السجالات العقيمة، التي تستهلك الجهود وتستنزف العقول، كما أنها ليست موقفا سلبيا، بل مقاومة مستمرة لكل الرداءات، وكل الانحرافات والممارسات والمعاملات الوضيعة، التي تدوس على العقل والضمير، والاستقلالية باختصار شديد هي انقلاب على التحنط في المربعات الضيقة والمساحات المسيّجة التي تخسف البصر وتحد من حرية الحركة والتنوير، وهي بعجالة تفعيل أرضي للمنطقة الوسطى، التي لا تدركها الأحزاب والأطر الأخرى، وهي رؤيا تختزن فيما تختزن، قمّة التعايش الحضاري والمدني، مع التعبيرات الإنسانية الراقية فكرا وسلوكا، التي تسعى إلى تجسيد معاني الحرية والعدالة والديمقراطية روحا وممارسة وإنتاجا وإبداعا…

وأغتنم هذه الفرصة، لأشكر العديد من الذين دثروني بالاحترام والثقة، حين شرّكوني ومنذ البداية في بعض مبادراتهم، واقتراحاتهم وتصوراتهم وأفكارهم ، وهي لا زالت في المهد تطبخ، مقترحين عليّ الانضمام إلى مشاريعهم، أقول لكل هؤلاء ولغيرهم، أني اخترت الاستقلالية قناعة، والقيم الأخلاقية الحضارية مبدأ، واحترام الرأي الآخر والسلوك المدني منهجا، ومقاومة الاستبداد والطغيان والتجمّد والشعوذة السياسية طريقا، والمساهمة في بناء دولة الإنسان هدفا، واحترام تعددية الآراء وحرية التعبير سلوكا….
**************************
ملاحظة
(1) بودّي لو أن الصديق خالد الطراولي، وبعد أن أصبح حزبه في العلن، أن يقدّم تشكيلة حزبه للعموم رفعا لكل التأويلات، فالمتعارف عليه أن الإعلان عن الأحزاب، يتمّ عبر مؤتمر صحفي علني، تقدّم فيه التشكيلة السياسية المؤسسة، مع التنصيص على وظائفها وما دامت هذه الطريقة لم تتوفر فالأشكال الأخرى متاحة سواء ورقية أو إلكترونية…

(2) مرة أخرى وأخيرة أوضّح للذين سألوا كثيرا، هل أن مجموعة مجلة مرايا، هم الأعضاء المؤسسين لحزب الجديد (حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي)؟
أقول أن مجموعة مجلة مرايا، لا يوجد فيها غيري وخالد الطراولي من جنسية تونسية، والبقية من جنسيات عربية مختلفة، وبالتالي فلا يمكن أن يكون حزبا تونسيا، تستورد لخدمته عناصر من جنسيات وخصوصيات أخرى، رغم معرفتنا أن العديد من التجارب الحزبية العربية، كانت تتجاوز الحدود الجغرافية، غير أنه هنا فلا أحد من أسرة تحرير مرايا ضمن هذا الحزب كما يشاع