Uncategorized

حين نقول اننا نريد بلداً اسلامياً عامراً و متطوراً، فهل يمكن لنا الوصول الى ذلك؟ اي هل يمكن للمجتمع الاسلامي ان يكون حديثاً (Modern)؟ و فيما لو كان بالامكان ذلك، فهل امكاناتنا و قوانا الفاعلة و المؤثرة تسمح لنا بتحقيق هذا المشروع الكبير؟ فمن الممكن ان يقول شخص: لماذا نتردد في هذه الامور؟ فهناك العديد من القوى في العالم تريد ان يفقد المسلمون الامل بالطموحات التي ذكرناها!

JPEG

في هذه الدراسة أرى أن هناك إشكالاً و خطأ علمياً مهماً يمكنه ان يظلل الباحث و السائر في طريق الحقيقة. فبعضهم يقصد بـ«المجتمع الحديث» ظاهرة تاريخية خاصة، كالمجتمع الامريكي و المجتمع الفرنسي و امثالها. و في هذه الحالة تكون الاسئلة المطروحة اعلاه لا معنى لها من الاساس، لانه لايمكن ان نسأل: «هل سيكون مجتمعنا الديني كالمجتمع الامريكي؟». ان هذا السؤال صحيح بظاهره، و في الوقت نفسه فاقد للأساس و المعنى. لكننا اذا استطعنا تقديم تعريف للحداثة بصوره مثالية. فحينئذ سيكون سؤالنا دقيقاً و علمياً، و يتطلب جواباً دقيقاً و علمياً ايضاً.

ففيما يتعلق بمفهومي «الحداثة» و «التحديث»، سوف نواجه مشاكل كثيرة، اذا لم ندقق فيهما من البداية، و من هذه المشاكل خداعية المصطلح بالنسبة الينا. فالكثير من الناس و عندما يسمع باسم «الحداثة» او «الحديث» تتداعى في مخيلته صور لوسائل الحياة الحديثة، و السيارات المتطوره، و خصوصيات العيش في المدن المعروفه، مثل المراقص و الديسكوهات و النوادي الليلية (Night Clobs) و غيرها. فهل يصح هذا الفهم؟ و هل لهذه الامور دور اساسي في مفهوم الحداثة؟ نفرض وجود فرد يمتلك اكثر اجهزة الهاتف تطوراً، ماذا سيعمل هذا الفرد بالهاتف؟ سوف يتكلم من خلاله بما يمليه عليه عقله، فهل يمكن القول ان هذا الفرد «انسان حديث و متطور»؟ من المُسلّم به لا.

من الواجب علينا ان نحاول الوصول الى الجذور الحقيقية و الصحيحة لمفهوم الحداثة. بدءاً من الحديث عن مفهوم «الانسان الحديث» (Modern Man)، فمن هو الانسان الحديث؟ فكلما اشرنا سابقاً لايمكن الاستدلال على الحداثة من خلال مجرد حداثة الامكانات و وسائل الحياة المادية، ان «التحديث» هو خصوصية سلوكية بالنسبة للانسان، و صفة لأعمالة. و في رأيي أنَّ البحث في الجذور يمكن ان يوصلنا الى المصدر و المعيار الاساسي في اعمال الفرد الارادية و التي هي «المعقولية» بذاتها. و الفرض الذي نقدمه هنا، هو: «كلما كان الامر معقولاً اكثر، كان اكثر حداثة».

اي ان الانسان الحديث يسعى لان يكون اكثر عقلانية، فهو يهرب من الخرافة و من المقدسات و يسعى – باستمرار – لان يجعل جميع معتقداته و اعماله قائمة على اساس من «العقلانية»، و لهذا نراه يهتم بالعلم كثيراً. اذن يجب علينا ان لانمزج بين الافراد الذين لايعرفون من الحداثة الاّ شكلها، في حين انهم ينتقلون من خرافة الى اخرى. و لهذا سنبدأ البحث من (العقلانية) ثم نصل الى أهم خصوصيات الحداثة في العصر الحاضر.


ملاحظات حول العقلانية

لماذا الدفاع عن العقلانية؟ في جواب ذلك نقول: ان تحليلاً دقيقاً لمظاهر الحداثة، و خاصة الفهم العام و السائد لهذه المظاهر يظهر أن أغلب الناس يعتقدون بأن الانسان الحديث اقل تقيّداً في العمل بالآداب و التقاليد و الدين، و يتصرف بشكل اكثر حرية، مظهراً ذلك في الكلام و اللباس و العلاقات الجنسية و الاخلاق .. الخ. اما جذور هذا الاتجاه فليست في قله التقيد بالتقاليد، و انما العقائد ال مختلفةالتي تعدّ الاساس لهذه التقيد، تكون مورد شك من الناحية العقلانية بنظر الانسان الحديث. لذلك فالإنسا ن الحديث يسعى إلى تفسير تصرفاته على اساس اكثر عقلانية، و ليس على اساس مجرد العقائد الدينية و الآداب و التقاليد. الانسان الحديث يرى الدين خرافة، و الاخلاق لا اساس لها، لذلك فإنه يعدّ التقيد بها امراً غير عقلاني! و ان ما وصل اليه انسان اليوم من حالة مضحكة في بحثه عن العقلانية هو مسألة تاريخية، او سوء حظ الحداثة المعاصرة.

و يمكن تتبع العوامل الفكرية و الاجتماعية التي ادت الى ذلك، و مع خطإ بعض هذه العقائد، الاّ انه يمكن ادراك اصل الاتجاه نحو العقلانية بوضوح.

فمن ناحية اسلوب العمل، استخدمنا صيغتين في هذا البحث الاساسي (Fundamental Inquiry) لربما يستحسنها الباحثون: الصيغة الاولى، و هي «الصيغة المثالية» حسب تعبير ماكس فيبر (Max Webber) بدل الوصف الفينومينالي (Phenomenal). و كما قال ماكس فيبر، فان للصيغة المثالية بنية منطقية، و ان تطورها في نطاق «المثال» يتطابق تماماً مع العقلانية، و من جهة اخرى، فان فاصلة الصيغة المثالية مع الصورة الفينومينالية، هي بذاتها معيار و وسيلة لكي نكتشف و نقيس في ضوئها تدخل العناصر و العوامل غير العقلانية (Inrational)، فالصيغة المثالية تعني سيطرة العقلانية على فكر الفرد الحديث و عمله، فإذا ماظهرت حالة من التحلل و الانفلات في الصورة الفينومينالية، يجب على الباحث الاجتماعي تحديد العناصر غير العقلانية التي اوجدت هذه الفاصله، و هذا هو الفارق بين الصيغة المثالية و الصورة الفينومينالية. طبيعي إن هذا الامر ممكن بعد اثبات عدم عقلانية الصورة الفينومينالية.

اما الصيغة الثانية، فهي استخدام الاسلوب السقراطي (الديالكتيك السقراطي) في كشف الصيغة المثالية من الصورة الفينومينالية! اي ان الفينومينالية هي الموضوعية، و هذه نقطه البداية بالنسبة للباحث. و لكي يسير الباحث خلال برنامج «الرفض» السقراطي يصل في مرحلهٍ الى صورتها المثالية. على سبيل المثال يجب ان نبدأ من الصورة الفينومينالية لل 81;داثه التي يشاهد فيةا التحلل و الانفلات، لكن بعد المراحل الاولية «للرفض» نصل الى الصيغة المثالية المنظوره و هي «الاكثر عقلانية». و هاتان الصيغيان نستخدمهما في ابحاثنا بكثره.

و يمكن اعتبار «الواقعية» و «المحاسبه» الفردية، اول نتائج العقلانية. اي ان «الانسان الحديث» الذي يرى نفسه ملتزماً بالعقلانية، يسعى في كل عمل، الى الحصول على صورة اوضح و اقرب الى الواقع عن وضعه الحقيقي. و هذه الصورة «الواقعية» تشتمل على جميع جهات الوضع: صورة صحيحه عن المشاكل و الامكانات و .. امثالها.

من جهة اخرى، فالانسان الحديث – و في اختياره لبروتوكول العمل – يستفيد من «احدث» التقنيات و الوسائل للوصول الى اهدافه و مقاصده. و بالطبع فهذه الاستفاده و هذا الاتكال على العلم يأتيان ايضاً من فهمه للوضع الحقيقي. اذن، فالانسان الحديث، انسان ذو حسابات و «مؤمن بالعلم» ايضاً! الايمان بالعلم غير «التأثر بالعلم»، فالفرد «المتأثر بالعلم» يمكن ان لايكون له نصيب منه، او حتى اذا كان له شيء منه، فإنه غافل عن استخدامه في اعماله. «المتأثر بالعلم» يمارس شيئاً بعيداً عن العقلانية. في حين ان الايمان بالعلم يعني السعي نحو العقلانية و حمل همها على الدوام و لهذا نراه يتكل و يستند الى العلم.

من الخصوصيات الاخرى، القريبه من «الايمان بالعلم»، هي «ابداع» الانسان الحديث، فالحداثة مقرونه دائماً بالابداع، و الانسان الحديث يسعى دائماً الى اكتشاف امكاناته الجديدة في العالم (في ضوء واقعه) و من ثم الاستفاده من امكاناته بأحسن وجه، و عدم الاكتفاء بالنهج المألوف ، فهو شجاع مقدام، يختار التجارب الجديدة. و روح الابداع هذه يمكنها ان تغطِّي جميع النشاطات البشرية، و تكون السبب في اعمال جديدة، في طريقه اللبس، و في اللذّه الجنسية، و في بيئه العمل و … الخ. و طبيعي «الجديد» بذاته لايمكن تفسيره، فهو مجرد تحريك مقطعي، اما «الابداع» و البحث عن الحقائق الجديدة و عن طرق عمل جديدة، فهو روح تنشأ من العقلانية، و هي ممزوجه بالاقدام و الشجاعه.

فلماذا نكون حساسين قبال هذا الموضوع؟ ان سبب ذلك الامر هو الليبرالية التي سادت العالم الغربي منذ ثلاثه قرون، و يبلّغ لها انها فكره عالمية، و ترى الليبرالية ان عقلانية الفرد تتلخص في واقعيته و محاسباته. طبعاً من خلال المفهوم الخاص الذي تمتلكه عن «الواقعية»، و هو التقييم الصحيح لـ«بيئه العمل». و على اساس هذه النظره، تكون الواقعية جزءاً من محاسبات العامل. لذلك فالليبرالية تقول: عقلانية سلوكيات العامل، تساوي محاسباته! هذه نظرية معروفه و مشهوره جداً. و سؤالنا حول صحه هذا الاساس، و طبيعي فإن هذا الامر ستكون له تبعات و نتائج عديده.

و من حيثُ ان هناك نظرية عامه حول بنية العمل و ديناميكيته، لذلك نستطيع دراسه السؤال المطورح على اساسها: هل يجب ان نبيِّن بدقه تأثير «العقلانية» في كل من اركان العمل الاساسية؟ و نبدأ من الحاله المفهومية (َS) اي الصورة التي يمتلكها العامل عن الحاله الحقيقية؛ فالعقلانية تستوجب ان لايكتفي العالم بصرف «فينومينالوجيا» الوضع الحقيقي، و انما ان يتحرك نحو العقل و الجذور، و ان لايخاف في هذا السير من الاتهام بالتفكير الميتافيزيقي. و اللافت في الامر هو ان مشكله الامتداد الجذري في الركن الآخر للعمل، اي في الوضع او الحاله المنشوده (S*) تظهر ايضا بكامل قوتها و شدتها. نعم، اذا لم نكن نؤمن بوجود جذور للإنسان (و العالم)، و اذا كنا لانري للإنسان رساله حقيقية، او مسؤولية واقعية، ففي هذه الحاله لن تكون المحاسبه كافية لوصول العامل الي الوضع او الحاله المنشوده (*S). من هنا يتضح جلياً، لماذا تخلص الليبرالية من جهة العقلانية في المحاسبه، و من جهة اخرى لانرى للإنسان جذوراً و كمالاً ذاتياً و وظيفه و مسؤولية حقيقية تكون الاساس في صحه اعماله او عدمها. و يجب الاعتراف ان هذا الموضوع يشتمل على خديعه كبرى في تاريخ الفكر: اذا اعتبرنا ان ليس للانسان جذور و لا مسؤولية حقيقية، فهذا الامر يساوي انكار وجود جذور لكل العالم (و الوجود). و ينتج عن هذا الامر، ان الانسان سيكون احد المنتوجات العديده و الصدفية لحيوان معين، الى جانب مئات الحيوانات الاخرى. فكيف، و على اي اساس، و بأي وجه، تتحدث الليبرالية و اتباعها عن رساله الانسانية للإنسان المعاصر؟ عن أي رساله او مسؤولية او قيمه عالمية؟ برأيي ان هذا من اكبر و اعمق الاخطاء في تاريخ الفلسفه! الانسان العاقل يعاني من مشكله الجذرية، و لايستطيع الفرار من هذه الدغدغه بالتسامح و «اشغال النفس». مشكله الامتداد الجذري هي بداية «البصيره» بمعناها الحقيقي. و لذلك فالشخص الذي يعاني من هذه المشكله، يجب تشبيةه بـ«الواعي» حقيقياً، و هذه النقطه هي مفتاح جميع النجاحات. لذا فـ«العقلانية» تحتاج حتماً الى الوعي، الوعي الذي ينتهي الى البصيره. و الواقع ان اصل «العقلانية» يمكن في هذه البصيره. هنا يجب ان نقول ما هو هذا الخيط العظيم الذي حدث، و الذي جعل الانسان يغفل عن «جذوره» و يكتفي بنوع من الفاعلية و التأثير التقني، و ينظر اليةما على انهما ذروه العقلانية في اطار المحاسبه. في هذه الدراسه، سميتُ الاتجاه نحو الجذور و الاهتمام بمبنى الوجود واصله، و من ثم المسؤولية الحقيقية للإنسان بـ«الحقانية» التي سيأتي ذكرها لاحقاً.

تلاحظون النتيجه ال مهمة التي وصلنا اليةا. فالانسان الحديث يجب ان يكون «اعقل». و يتبع هذا كونه ابصر ايضاً. الانسان الحديث يجب ان يكون على بصيره عالية و ادق في فهم جذوره (و جذور عالم الوجود)، و ان يكون حساساً و غير غافلٍ. هذه النتيجه تماماً خلاف الفهم السائد لمفهوم الحداثة؛ ففي الفهم السائد للحداثه، يكون الاساس هو نوع الطائره التي يركبها الشخص و نوع السياره و الوسائل التي يستخدمها في مكتبه او في منزله و … الخ. في حين ان جذور الحداثة توجد في مكان آخر. لنتصور شخصاً يحصل على درجات عالية في جميع الابعاد التي ذكرناها، لكنه لايفكر في مشكلة الامتداد الجذري، و يكتفي في فهمه للوقائع و الوضع الحقيقي بفينومينولوجيتها، و لايؤمن بالقيام بالوظيفة الحقيقية و الانسانية الاصلية في اختياره لبروتوكول العمل، هذا الشخص «متخلف» و غير حديث حتى لو استخدم اكثر الوسائل تطوراً و احدثها في منزله و محل عمله! فليس المهم امتلاك خط تلفون متطور، بل المهم هو كيف يستخدم هذا التليفون؟ و ما هي الاحاديث التي يتبادلها من خلاله؟ و مدى اهميتها من نواحي الواقعية و المحاسبة و البصيرة؟ نعم حداثة الامكانات و استخدام اكثر المنجزات العلمية تطوراً، له دور في الحداثة و لكن بشكل ينسجم مع الجوانب الاخرى التي تؤثر في عمل الفرد الارادي.

و مع الاخذ بالبنية الماهوية التي نمتلكها عن العمل، فإن العبور من العمل الفردي الى العمل الجماعي دائماً (العبور من عاملية الفرد الى عاملية الجماعة)، له حدود منطقية واضحه. لذلك نستطيع الآن ان نتحدث حول «المجتمع الحديث» او «النظام الاجتماعي الحديث». و بالطبع فإن هذا الامر سيكون قمه البحث حول الحداثة.


المجتمع الحديث

ليس المجتمع مجرد مجموعة من الافراد، و انما هو مجموعة يحكمها «النظام الاجتماعي»، بشكل يمكن للمجتمع من خلاله القيام بعمل جماعي. هذه الملاحظه تمكننا من ايجاد مسار منطقي لدراسه المجتمع. فالمجتمع الحديث، هو:

اولاً: الذي يكون حديثا من ناحية الاعمال الجماعية الصادره عنه.

ثانياً: الذي يكون حديثاً من ناحية بنية النظام الاجتماعي الذي يسوده.

ففي المورد الاول، ستكون بنية العمل دليلنا في البحث، و بدراسه كل واحده من اركان العمل، يمكننا دراسه خصوصيات الحداثة من زاوية الاعمال الصادره. و كما أشرنا سابقاً، فإن للعمل الجماعي من الناحية البنوية – في نظريتنا – بنية العمل الفردي نفسها. و في الحقيقة فان البنية الاجتماعية و ميدان العمل الجماعي كالحكومة – التي تعتبر ذروه التشكل الاجتماعي – حيث يجد «العمل» كماله الحقيقي، و هذا ما قَصده حكماء اليونان (و على راسهم ارسطو) عندما قالوا إنّ كمال الفرد تبلغ ذروته في الحكومة. ان هذا الكمال هو من النوع الذي لايمكن ظهوره في الفرد، و هذه نقطه حساسه جداً. لكن في العمل الجماعي، نجد لكل واحده من اركان العمل شخصيتها المتمايزه و المستقله، لذلك ستكون اكمل قياساً بنظائرها في الفرد. فمثلاً، في فهم الوضع الحقيقي الذي يعدّ أرضية الفعل – في عمل الفرد – يكون الفهم من وظائف الفرد، في حين ان هذا العمل في الحكومة – باعتبارها اكمل تشكلية اجتماعية – يمكن ان تكون له مؤسسات عديده، و هذه المؤسسات متكونه بدورها من علماء و خبراء، يفهمون «الوضع الحقيقي» بأساليب دقيقة ، و وسائل متطوره و معقده، و بديهي ان لايمتلك الفرد مثل هذه الامكانات و كذلك في مسأله اتخاذ قرار (الوضع المنشود) حين يمكن للفرد ان يتخذ قراراً معيناً – بسيطاً او معقداً – في حين ان اتخاذ القرار في اي تركيبه اجتماعية مثل الحكومة – او ما هو ابسط منها مثل الشركه التجارية – يمكن ان يكون له برنامج دقيق جداً و معقد. فالقرار – مثلاً – يدرس في البداية على مستوى الخبراء (Think Tanks)، و يتم بحث مختلف زواياه، ثم تتم الموافقه علية من قبل الحكومة و بعد ذلك يصادق علية المجلس (البرلمان) و .. هكذا، هذه مجرد نماذج لتوضيح مدى كمال الفرد في الحكومة. هنا يمكننا بحث الحداثة في المجتمع كما بحثنا ذلك فيما يتعلق بالفرد، و استخلاص مختلف خصوصياتها.

لقد اخذنا بملاك العقلانية، فيما يخص فهم الانسان الحديث، و هذا الملاك يعد مفتاح فهم النظام الاجتماعي الحديث ايضاً. فمن الخطإِ جداً ان لاننظر الاّ للطرق و الشوارع و وسائل النقل و اجهزه الاتصال و … الخ. و بديهي ان يتخذ العلم و التكنولوجيا مكانتهما في تركيبه العمل بسبب تأثيرهما فيه، لكنه يجب الاهتمام بجذور العمل و اركانه لفهم طبيعه (ماهية) الحداثة. ففيما يتعلق بالعمل الفردي كنا من قبل وصلنا الى هذه النتائج، و هي ان الانسان الحديث، يكون:

اولاً: واقعياً.

ثانياً: محاسباً.

ثالثاً: يؤمن بالعلم.

رابعاً: مبدعاً.

و جميع هذه الخصائص استنتجناها من مفهوم العقلانية، و من ثَمَّ لا حظنا أنَّ العقلانية لاتنحصر في المحاسبه او الامور التي ذكرناها آنفاً، و ان مسأله «الحقانية» (صحه المعتقد)، بمعنى البحث عن امتداد جذري، مطروحة ايضاً، و وصلنا من خلالها الى خصوصية اخرى، و هي ان الانسان الحديث «اكثر بصيره». الخصوصيات هذه التي ذكرناها تصدق ايضاً فيما يتعلق بالمجتمع الحديث، و يمكن استنتاجها جميعاً يتحليل و دراسه اركان «العمل» الاساسية. أي انه و لحساب حداثة مجتمعٍ ما، ننظر الى ذروته و هي الحكومة، و من ثم نحسب و نقيس الشواخص الخمسة: مدى واقعية تلك الحكومة؟ مدي محاسباتها؟ مدي ايمانها بالعمل؟ شجاعتها في استخدام و اكتشاف طرق و اساليب جديدة؟ مدى «التزامها» و رساليتها؟

و على هذا الاساس – لا بالظواهر – يمكننا تمييز المجتمع الحديث عن غيره. و اذا صار من المفروض تعارض فكره مع الحداثة، فبديةي ان تتعارض مع هذه المؤشرات (الشواخص)، و في النتيجه ستصطدم بالمصدر الذي هو اصل «العقلانية»، لسهوله المراجعه و أهمية هذه القاعده التي نسمِّيةا بـ«ضابطه الحداثة».

و هنا نريد ان نقدم بعض التوضيح فيما يتعلق بالعنصر الخامس لضوابط الحداثة و هو «رسالية الحكومة»، فقد اشرنا في العناوين السابقه انَّ الانسان البصير، يصل في بحثه إلى جذور وجوده (و العالم) الى المسؤولية و الوظيفه الحقيقية للبشرية. و عندما تتعلق هذه المسؤولية بالنظام الاجتماعي – الذي تشرف علية الحكومة – سيكون لتلك الحكومة مسؤولية حقيقية ايضاً. و هي اعداد و تهيئه الارضية للأفراد ليقوموا بوظائفهم و لايزيغوا عنها. و مثال ذلك الاسلام، اي ان الناس لو وصلوا في مسؤوليتهم الفردية إلى الإسلام، عند ذاك سيأمر الاسلام بتشكيل حكومه و يضع على رأسها فقيةاً جامعاً للشرائط، و سيرى لتلك الحكومة مسؤوليات و وظائف معينه. فالحكومة الاسلامية، حكومه «ملتزمه» «ملتزمه بالمسؤولية»: و هي المسؤولية الاصلية التي لم تأتِ بالتعاقد. هناك نقاط كثيره في هذا البحث، سنوردها بدون ادنى شك. الديمقراطية الليبرالية لاترتاح كثيراً لخصوصية الالتزام هذه، لان الليبرالية لاتؤمن بوجود امتداد جذري للإنسان يمكن استنتاج مسؤولية و التزام الحكومة منه. لذلك يمكن ان نفهم جيداً لماذا ترى الليبرالية ان عمل الحكومة منحصر في ايجاد فضاء و محيط آمن و واسع للأفراد حتى يتمكنوا من القيام بأي عمل فردي يريدونه في ذلك الفضاء و المحيط. و من هنا ايضاً نفهم، لماذا لاترى الليبرالية اية مسوولية ارشادية للحكومة، و تعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الشخصية و تعدياً على حريم الحرية الفردية. طبعاً يجب ان نعرف ان مفهوم النظام الاجتماعي اكثر عمومية و شمولية من الحكومة، لكن الحكومة اهم و اعمق مصداق للنظام الاجتماعي.

و طبقاً لضابطه الحداثة بالنسبة للحكومة، فالحكومة التي تشعر بالمسؤولية اكثر عند القيام بوظائفها تكون اكثر حداثة من غيرها، لا أن تكون غير منضبطه، لاتفكر الاّ بعسكره بيئه العمل الفردي. و هنا أود الانتباه الى هذه النقطه و هو ادعاء بعضهم ان الحكومة الوظيفية تكون بمرحله متخلفه عن الحكومة الليبرالية! و يجب أن يمضي وقت حتى تصل الى مرحله الحكومة الليبرالية! هذه (السذاجه) تنشأ عن السطحية في الفكر و تضليل بعض المصطلحات، في حين ان الدراسات المعمقه اوصلتنا الى ان الحكومة الحديثة يجب ان تعمل بمسؤولية اكثر.


المشروعية و الحداثة

ان البحث في مشروعية نظامٍ ماينتهي الى مسؤولية الحكومة باعتبارها النظام الاجتماعي، الذي يملي سلوكيات خاصه، و تقوم المشروعية بموجب هذه السلوكيات عقلياً، كأن تقوم الحكومة بواسطه الشرطه بسدِّ احد الطرق و منع المرور فيةا، و في الوقت نفسه تجوِّز طريقاً آخر للعبور. فلماذا يجب عليّ – كسائق – ان اطيع اوامر هؤلاء الشرطه؟و ما هو التوجية العقلي لطاعتي الحكومة؟ في جواب ذلك، هناك ردود متنوعه:

النوع الاول: عدم طاعه الشرطه (الحكومية) يأتي بالضرر، لذلك تجب عليّ الطاعه لتلافي ذلك الضرر.

النوع الثاني: طاعه الحكومة هو وفاء العهد، اي انني تعهدت مسبقاً بطاعه الحكومة.

النوع الثالث: طاعه الحكومة عمل «صحيح» ( ضرورة و عقلاً) لذلك اسلِّم بحكم العقل و اطيع الحكومة.

بديةي ان لكل واحده من هذه الانواع مشروعيتها التي تمليةا، ففي النوع الاول لايوجد للحكومة (او النظام الاجتماعي) اية مشروعية يمكن توجيةها عقلياً، مع ان الاجراء اللازم معقول جداً في مواجهة آفات مثل هذا النظام، لذلك يسمي فاكس فيبر مثل هذه الأنظمة الاجتماعية «غير عقلانية»، و هذه الحاله ناشئه من عدم وجود توجية (مسوغ) عقلي لتسلطها، يقول ماكس فيبر: «ان من جمله هذه التبريرات غير العقلية هو الاستناد الى التقليد (Tradition) المعمول به، او ان يستند بعضهم الى علاقاتهم الطيبه بين الناس (Charisma)، او على اساس عقائد اخرى»، لانه لايرى للعقائد الدينية غير القيمه التقليدية (لذلك فهي غير عقلانية)، فالحكومة التي تستند في مشروعيتها الى العقائد الدينية، يراها ماكس فيبر من جمله الأنظمة غير العقلانية. و بديهي يجب ان لانخطأ في هذا المورد. نعم اذا قلنا (دين) و قصدنا بذلك العقائد الدينية لقبيله «الزولو» في افريقيا الجنوبية، يصح ادعاء ماكس فيبر. اما اذا كان ملاك المشروعية الاسلام المبني بشكل كامل على اساس عقلاني، في هذه الحاله فإن النظام الذي يستند الى هذا الدين سيكون حتماً نظاماً عقلانياً. علينا ان نفهم مصطلحات ماكس فيبر بشكل جيد ثم نجد مصاديقها بأنفسنا، لا ان نستند الى فهم ماكس فيبر عن الاسلام في تعيين المصداق!

في النوعين الثاني و الثالث، يكون «العقل» هو المحور، لذلك فإن مثل هذه الأنظمة تعتبر عقلانية. فالنوع الثاني هو النظام الذي تستند مشروعيته الى العقد الاجتماعي (Contract Social)، اما النوع الثالث فهو النظام الذي تستند مشروعيته الى أصاله الوظيفه (او البراكسيس على حدِّ تعبير ارسطو)3.

بديةي، على المجتمع الحديث بالدرجه الاولى ان يتخلص من النظام غير العقلاني، و ان يحكمه نظام اجتماعي عقلاني. و هذه حركة دقيقة و محاسبة مهمة باتجاه الحداثة. لكن ما العمل في المراحل التالية؟ بديهي اذا كانت العقلانية هي المحور فلايجب الوقوف عند مستوى معين، و انما يجب بذل جهد متواصل لتبيينها. فإذا ما رأى أحد أنَّ العقد الاجتماعي أساسُ عقلاني للحكومة، ففي المرحلة التالية يجب علية البحث في هذا الامر نفسه. لماذا يتوقف البحث في جذور عقلانية المشروعية عندما يصل الامر الى العقد الاجتماعي؟ علينا ان نقدم اساساً عقلياً لتسلط نظام اجتماعي معين، فلا يكفي كون نظام ما مورد تعاقد، لاستقرار مشروعيته. و اساساً ما هي الاسس العقلية للعقد الاجتماعي؟ فإذا توافق الجميع او اكثر الجماعة على امر صريح في بطلانه، فهل يمكن، لمجرد التوافق، ان يكون حجهً لتسلط ذلك النظام؟ بديهي يمكن اعتباره عبوراً من النظم غير العقلانية الى النظم المبنية على اساس العقد، لكنه لايمكن اعتبارها المرحلة الاخيره في السير، انما يجب التحرك من النظام المبني على اساس العقد الاجتماعي نحو اساس اكثر عقلانية للنظام الاجتماعي. و هذه الحركه تظهر عندما يكون هناك شعور بالوظيفه و المسؤولية، و متابعه هذا الشعور تصل للفرد من النظام الاجتماعي و الحكومة، فتتصل بمسأله الامتداد الجذري للفرد. و هذا هو مسار الحداثة. اذا اردنا مشاهدته خلال صورة عامه، و بهذا الاتجاه يمكننا أن نتحدث عن المجتمع الحديث او الاكثر حداثة.


الحداثة و الفاعلية

و الان، نريد دراسة خصوصية اخرى للنظام الاجتماعي – الحكومة – مما له علاقة وثيقة بعقلانية ذلك النظام، و لهذا ترتبط بفهم الحداثة ايضاً، و هي مبنى «فاعلية» النظام. فمجرد مشروعية نظام معين، لاتعطي تفسيراً لسلوكيات تلك المجموعة. و يجب ان يكون لتصرف تلك المجموعة المنظمة و العاملة تفسير عقلي في المبنى و الاطار – على الأقل – و مع الأخذ بالنموذج الذي نمتلكه عن بنية العمل، يمكننا طرح النماذج التالية فيما يتعلق بفاعلية النظام الاجتماعي (الحكومة اساساً):

النموذج الاول: فهم الوضع الحقيقي، و هنا على الوحدة الاجتماعية ان تكون مسلحة بنظام تحليلي تستطيع بمساعدته امتلاك صورة دقيقة عن الوضع الحقيقي. هذا النظام التحليلي يجب علية الحصول على المعلومات و الاخبار، و من ثَمَّ غربلتها و تقديمها بأسلوب دقيق. هذه الاعمال الثلاثة المهمة يجب ان تكون ضمن وحدة جمع المعلومات في النظام التحليلي. الوحده الأخرى في اطار هذا النظام، وظيفتها تقديم نماذج (Model) دقيقة على اساس تلك المعلومات. و بديهي يمكن الاستفادة من جميع المعارف البشرية في هذا الامر.

نفرض ان ما نقصده بالنظام الاجتماعي هو الحكومة، في هذه الحاله نأخذ نموذجين: في النموذج الاول، لاينظر المتنفذون و قادة الدولة الى «عقلائهم» و الاساس عندهم هو كل ما خطر في بالهم. و في النموذج الثاني، يقوم قادة الدولة بجمع باحثيهم و علمائهم و عقلائهم ضمن مراكز مختلفة اوجدوها، مستعينين على الدوام بفهم و ادراك هؤلاء لمعرفة الوضع الحقيقي. و بديهي ان نعتبر النوع الثاني هو النوع الحديث. و بعبارة افضل، فيما يتعلق بفاعلية نظام اجتماعي معين، فإن وجود نظام تحليلي متطور و مجهز بآخر المنجزات العلمية، اول شاهد على حداثة ذلك المجتمع.

النموذج الثاني: نظام اتخاذ القرار، و تظهر نتيجة هذا النظام في الوضع المنشود للعمل. لكن طريقة عمل هذا النظام يمكن ان تكون مؤشراً مهماً لحداثه المجتمع. ففي النظام المتخلف – مثلاً – يتخذ المسؤولون قراراتهم دون امتلاك صورة دقيقة عن الوضع الحقيقي، و على اساس «قناعاتهم الشخصية». في حين أنّ النظام الحديث – و بعد اعداد تحليل دقيق عن الوضع الحقيقي – يختار النظام المبني على «استراتيجية» في العمل وضعاً خاصاً، كموضوع لاتخاذ القرار الجماعي، و يمرّ هذا الامر من خلال نظام و يمكن أن تكون له سطوح مختلفة، حسب طبيعة المسألة.

و كما ان الفرد الذي لاهدف له، يتلون كل يوم بلون معين، فالدولة التي ليست لها استراتيجية تدار بشكل يومي تهدر ثرواتها المهمة و تضيِّع فرصاً ذهبية لها و … الخ.

النموذج الثالث: الجانب التنفيذي، الذي يجب عليه من جهة تهيئة علم «المشروع التنفيذي»، و من جهة اخرى، اجراء ذلك المشروع من خلال تنظيم القوى اللائقه و الجديره، و الذي سنشاهده في نهاية المطاف، عباره عن «عمل جماعي». ففي الحكومة المتخلفة – مثلاً – يكون التنفيذ بيد مجموعة تكون مسؤوله عن كل شيء. و الجداره يحل مكانها الانقياد و العلاقات، في حين ان العوامل في الحكومة الحديثة تحدد على اساس المسؤوليات الخاصه، و ان نظام الاختبار و التوجية و التقييم، يرفع الكفوئين و ينبذ غير اللائقين على الدوام.


النتائج

أ- للاجابه على السؤال: هل يمكن للمجتمع الاسلامي ان يكون حديثاً؟ سعينا – في البداية – الى بيان معنى المجتمع الحديث على اساس معيار و ملاك مهم، و هو «العقلانية» (Rationality)، و توصلنا في ذلك الى خصوصيات مهمة . و من جهة اخرى استندنا الى «المجتمع الاسلامي»، و لم نقم بتعريف المجتمع الديني ايتداءً، بغض النظر عن اي دين كان – كالاسلوب الذي اتبعه دوركيم او فيبر -، و انما يجب علينا ان نتناول المجتمع الاسلامي بشكل مستقل، لان مسألة «الحقانية» تعد محوراً بالنسبة لإيماننا بالاسلام، كما ان العقلانية تعتبر المحور في بحث الحداثة. و الاسلام ليس مجرد مجموعة من عقائد المسلمين، فحتى لو جاء اليوم الذي ينحرف فيه الناس جميعاً و لايبقى مؤمن به غير اشخاص قلائل جداً مقابل الملايين من المسلمين المنحرفين، فالاسلام هو ذاك الاسلام نفسه الذي كان من قبل!

على هذا الاساس، اذا ادعى احد بأن «المجتمع الاسلامي لايمكن ان يكون حديثاً» فعلية ان يثبت تعارض الاسلام – و ليس أفكار اغلب المسلمين – مع اي من الخصائص التي اوضحناها للمجتمع الحديث.

ب- اذا وضع فرد صيغه اجتماعية مبنية على عقائد الناس، بأي شكل كانت (خرافه، سحر و امثالها)، هي الاساس بدل «المجتمع الاسلامي» اي المجتمع الذي يكون فيه الاسلام اساس عمل الفرد و الجماعة، و لم يقدّم من جانب آخر اي مبنى دقيق لفهم المجتمع الحديث، و انما اكتفى بمجرد ظواهر خادعه كالسفر الى القمر! في تلك الحاله ليس من العجب، ان يقول مثل هذا المدعي: «ان حداثة المجتمع الديني، تشبه السفر الى القمر بالدراجه الهوائية!». «العشق الالهي» او «التوحيد الالهي» – كحالات فردية و نفسية – لايمكن لهما ان يحتلا مكان الإسلام كأساس للعمل، و انا ارى ان «الدروشه» هذه مجرد خدعه (او لعبه على الاقل).

جـ- مع انني في هذه الدراسة تعرضت في مجالات متعددة لدعوى بعض المغالطين، و لكن – بعض النظر عن كشف هذه المغالطات – كنت اهدف الى شيء مهم، و هو، ضرورة فهم «محورية العقل» في أوضاع المجتمع و خاصة الحداثة، و كذلك ضرورة ادراك «محورية الحق» في الدين الاسلامي المبين.

«الحقانية» مفهوم لم ينظر الى أهميته على مدى قرون، و قد ادى ذلك الى عدم توجّه الانسان و استفادته لكثير من القضايا ال مهمة و على رأسها جذور وجوده و مسؤوليته. و كما ان «العقلانية» تعتبر مصباحاً هادياً للفهم و الرقيَّ و الحركه «الفعلية». «الحقانية» ايضاً مفتاح لفهم الدين بمعناه الاصيل، و اساس للتمييز بين الامور الخرافية و الحقائق العميقة، و تعد فاصلاً بين الدين – بضاعة و نتاجاً ثقافياً – قومي، و الدين – طريقاً «حقاً» – يجب اتباعه. و في القرآن الكريم نجد اكثر من مئتي موضوع طرح فيه موضوع الحق و الحقانية: في آيات مثل (الحق من ربِّك فلا تكوننَّ من الممترين)4. او (إنَّهُ للحقُّ من ربِّك)5 فقد ذكر الله تبارك و تعالى ذاته في هاتين الآيتين بأنه مصدر الحق، ثم جعل القرآن (و الشريعة) يدوران حول تلك الحقانية: (انا ارسلناك بالحق بشيراً و نذيراً)6 او ( نزّل عليك الكتاب بالحقِّ)7 او (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقِّ )8، اي ان كل ما في الاسلام هو على اساس الحق، و كل ما هو بعيد عن الحق ليس من الاسلام، كما ان جذور و أهمية الميل نحو الاسلام يجب ان تكون في محورية الحق للبشر و ايمانهم به، و ليس بسبب الميل لتقاليد و عادات الآباء أو الأنظمة السائدة في المجتمع.

…………………………….

الهوامش

[1]- في الحقيقة، المسألة المطروحة هنا هي الاختلاف بين الصورة الفينومينالية لواقعة معينة و الصيغة المثالية لها.

[2]- راجع في ذلك: اللاريجاني، محمد جواد، الحكومة و حدود المشروعية كتاب تحول المفاهيم، اعداد علي القادري، مركز الدراسات السياسية و الدولية، طهران – 1991)، ص 313 – 342.

[3]- راجع: اللاريجاني، محمد جواد، دراسات في الاستراتيجية القومية، مركز ترجمة و نشر، طهران – 1990)، ص 13.

[4]- سورة البقرة، الآية 147.

[5]- سورة البقرة، الآية 149.

[6]- سورة البقرة، الآية 119.

[7]- سورة آل عمران، الآية 3.

[8]- سورة آل عمران، الآية 108.